RSS

سد النهضة بين المماطلات ومقترحات الحل

72121483_975568282786612_6676333766060802048_n

منذ أن نشرت جريدتنا الغراء «الدستور» مقالى «سد النهضة والمماطلات الإثيوبية»، بتاريخ ٢٠ سبتمبر ٢٠١٩، ورسائل القراء تعكس اهتمامًا بمعرفة المزيد عن أسباب ومبررات وأهداف سياسة المماطلة التى تنتهجها إثيوبيا، والتعرف على تصور للحلول بعيدًا عن الاستدراج لخشونة قد توقع أضرارًا ربما لا تقل عن أضرار السد.. وكانت مشاركتى فى ندوة اللجنة المصرية للتضامن «الأفروآسيوى» يوم ١٣ أكتوبر الجارى بشأن الموضوع فرصة لإعداد تلك الورقة، التى حرصت على تضمينها ردودًا مختصرة حول تساؤلات القراء.
بداية ينبغى أن نضع فى اعتبارنا أن يكون التعامل مع السد باعتباره ضمن الخطة الإثيوبية المدعومة دوليًا لبناء سلسلة من السدود تصل إلى «٣٣» سدًا، تتحكم فى معدلات تدفق المياه إلى مصر.. هذه الحقيقة تؤكد أننا بصدد أزمة بالغة التعقيد تفرض حلولًا غير تقليدية، تستخدم فيها كل الوسائل والأدوات المتاحة، دون استثناء.
بعد ذلك نعرض لعشرة عناصر تجمع أسباب ومبررات وأهداف سياسات المماطلة الإثيوبية، قبل أن ننتهى بوضع تصور لمقترحات المواجهة.

ضعف مستوى التنسيق
إثيوبيا اعتمدت فى مماطلاتها على ما لمسته من ضعف فى التنسيق وتبادل المعلومات بين الجهات المصرية المعنية بالمتابعة.. إعلانها الرسمى عن افتتاح سد «تانا بليس» مايو ٢٠١٠ أثار أزمة كبرى، الجيش المصرى رفع درجة الاستعداد، والخارجية استدعت السفير للاحتجاج والاستفسار، والمخابرات تحركت للتأكيد والمتابعة، والرى كعادتها وقفت حائرة.. وفى النهاية تبين أن بناء السد استغرق ست سنوات!، وأن طاقته التخزينية بالغة التواضع «٧ مليارات متر٣».

وفد «الدبلوماسية الشعبية»
نائب سابق بمجلس الشعب، له مصالح فى شرق إفريقيا، نظم زيارة إلى أديس أبابا، ٢٩ أبريل ٢٠١١، بوفد ضم ٨٤ عضوًا، أطلق عليه وفد «الدبلوماسية الشعبية»، ينتمون لمختلف القوى السياسية والحزبية والشخصيات العامة وائتلاف شباب الثورة، لم يتساءلوا عن أهداف الزيارة؟! هل لاستنكار بناء السد؟! أم للمطالبة بضوابط تحول دون الإضرار بمصالحنا؟!.. قبول السد كأمر واقع كان جزءًا من أهداف فوضى يناير ٢٠١١.. وفى غياب التخطيط ضاع الهدف، ووظفت إثيوبيا الزيارة، وغطت الفضائيات والصحف العالمية صور تضامن الوفد مع قادة إثيوبيا، لتوحى بموافقة مصر على بناء السد!.

التوسعات السياسية للمشروع
المماطلات الإثيوبية استهدفت كسب الوقت، الذى تستغرقه التعديلات والتوسعات التى طرأت على تصميم السد.. المشروع اقترحته أمريكا، بطاقة ١٢ مليار متر مكعب ضمن أربعة سدود، للتحكم فى منابع النيل الأزرق، عقابًا لمصر على بناء «السد العالى» ١٩٦٤، ارتفعت عند وضع حجر الأساس ٢ أبريل ٢٠١١ إلى ١٤ مليارًا.. فى أغسطس ٢٠١٣ نظمت المخابرات الأمريكية اجتماعًا لعدد من أجهزة المخابرات الغربية، بقاعدة دارمشتات بألمانيا، لمواجهة ما سمّوه «الانقلاب فى مصر»، اتخذت خلاله مجموعة قرارات عقابية، من بينها بناء سد التحويط الركامى بطول ٥٠٠٠ متر، مع أن مثيله فى العالم لا يزيد عادة على ٣٠٠ متر، ما رفع سعته لـ٧٤ مليار متر مكعب.

تأصل الكراهية ضد مصر
حكام مصر الفراعنة أوفدوا بعثات إلى منابع النيل، وتحالفوا مع بلاد بونت «إريتريا والصومال» لتأمينها.. لكن محمد على باشا كان أول من أعدّ «تقدير موقف» لعلاقة المنابع بأمننا القومى، خلاصته أن «من يسيطر عليها يتحكم فى مصر»، أوفد حملة عسكرية بقيادة ابنه «إسماعيل» لبلوغها، لكنه استُشهد بعد ضم «سنار» و«كردفان».. الخديو إسماعيل استكمل فتح السودان، ووصل بحدودنا إلى منابع النيل، ضم البلاد المطلة على بحيرة فيكتوريا، وسيطر على ساحل البحر الأحمر، والمحيط الهندى، وأمّن مضيق باب المندب وخليج عدن، وحصل على اعتراف إنجلترا بذلك، ثم اتجه إلى عمق إثيوبيا، لكن إنجلترا تحالفت مع الدول الأوروبية لعزله، وأجبرت «توفيق» على الانسحاب.
الحملات العسكرية المصرية ذرعت بذور العداء لدى الشعب الإثيوبى تجاه مصر، وتلك حقيقة ينبغى أن يعقلها دعاة الحرب.. مصر فى كتب التاريخ التى تُدرّس لتلاميذ المدارس هناك هى العدو المركزى.. المدافع التى غنموها فى معركة «جوندت»، إبان حملة الخديوى إسماعيل، وضعوها تذكارًا بميدان أكسيوم، وأطلقوا اسم «جوندت» على أرفع وسام عسكرى، الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية خرجت عن رعاية الكنيسة المصرية منذ ١٩٥٩، الرهبان الأحباش احتلوا جانبًا من دير السلطان التابع للكنيسة المصرية بالقدس، وعندما أعلن السادات عزمه مد مياه النيل إلى سيناء ١٩٧٩ لاستصلاح ٣٥.٠٠٠ فدان، تقدموا بشكوى لمنظمة الوحدة الإفريقية.. و«مبارك» تعرّض للاغتيال بأديس أبابا يونيو ١٩٩٥.. ثمار مُرَّة للكراهية.

العراقيل الفنية وإشكاليات الفساد
ديسالين «رئيس الوزراء الإثيوبى السابق» أسند لشركة «ميتيك» التابعة للجيش تنفيذ الأعمال الكهروميكانيكية والهيدروميكانيكية المتعلقة بتركيب التوربينات، لكنها فشلت فى توفير بعض المعدات، وعجزت فنيًا عن تركيب الباقى، ما تسبب فى تأخير البرنامج الزمنى.. تورط أعمدة النظام، خاصة رئيس الأركان ومدير المخابرات فى عمليات الفساد، أدى لتفاقم الأزمة، وأسهم فى الإطاحة بديسالين وأتى بـ«أبى أحمد»، الذى استغرق وقتًا طويلًا لتغيير إجراءات وعقود الشركات العاملة بالسد، وتنحية المتورطين فى الفساد، ما تطلب مزيدًا من المماطلات.

مصادر التمويل
الميزانية الأساسية المقدرة لبناء السد قرابة ٥ مليارات دولار.. الصين والإمارات وكوريا والبنك الدولى انسحبت من التمويل.. قطر حلت محلها.. الحكومة طرحت سندات تمويل للإثيوبيين بالداخل والخارج.. والبنوك طرحت بعضها بالسوق الإسرائيلية.. رجل الأعمال السعودى ذو الأصول الإثيوبية «محمد العمودى» أكبر الممولين للسد، احتجز ضمن التحقيقات فى قضايا الفساد بالسعودية.. السياحة تعرضت للإجهاض، نتيجة تدهور الحالة الأمنية، ما حرّم الدولة من عائداتها.. النظام عجز عن التمويل، وتأخرت معدلات التنفيذ، والمماطلات دائمًا هى المخرج.

دور سودان البشير فى الأزمة
إثيوبيا نجحت فى احتواء سودان البشير.. استصدرت قرارًا من الاتحاد الإفريقى برفض قرار الجنائية الدولية بتوقيفه، فأصبح أسيرًا لفضلها.. عندما ثار الخلاف بين السودان والجنوب، أرسلت إثيوبيا قواتها للمنطقة المتنازَع عليها حتى استفتاء «أبيى».. السودان فتح موانئه لإثيوبيا للتصدير والاستيراد لأنها دولة حبيسة.. المستثمرون السودانيون يأتون فى المرتبة الثالثة فى إثيوبيا بعد الصين والسعودية، بنحو ١.٦ مليار دولار، والعمالة الإثيوبية بالسودان بأعداد كبيرة.
إثيوبيا تعهدت بمنح السودان ٥٠٠ ميجاوات كهرباء، وحفر فرع رى من البحيرة لأراضيه، بخلاف تسويق فوائده فى منع الإطماء عن السدود السودانية، وإتاحة الفرصة لتجفيف الأراضى الغدقة وتهيئتها للزراعة، ناهيك عن الاتفاق على تسوية نزاعات الحدود وترسيمها، خاصة فى «الفشقة».. سودان البشير تحول إلى حليف لإثيوبيا، ضد شقيقتة الكبرى مصر.. وأعلن ضمانه لأمن السد!، ووقّع اتفاقًا، لتشكيل قوة مشتركة لحمايته فى أغسطس ٢٠١٤.. وبعد اندلاع الثورة السودانية وسقوط البشير لعبت إثيوبيا الدور الرئيسى فى الوساطة بين المجلس العسكرى وتحالف قوى الحرية والتغيير.. دعم سودان البشير لإثيوبيا خلال المفاوضات كان أهم أسباب تشددها.

السد أداة مناكفة ومكايدة
ملف السد يُستخدم كأداة مناكفة ومكايدة لمصر، تمويل قطر للمشروع كان نوعًا من المكايدة السياسية.. وكذا الوعد التركى الكاذب بتوفير شبكة دفاع جوى خاصة بتأمينه، لإغراء إثيوبيا بتوقيع اتفاق تعاون عسكرى، صدّق عليه البرلمان الإثيوبى بعد أسبوع من توقيع «ديسالين» لـ«اتفاق المبادئ» بالخرطوم مارس ٢٠١٥!، كان الهدف من ورائه إجهاض الاتفاق.. إثيوبيا فتحت أبوابها لكل من لديه أزمة مع مصر.

زيارة أبى أحمد لإسرائيل
خلال زيارة «أبى أحمد» إلى تل أبيب، مطلع سبتمبر، أكد عدم الالتزام بقواعد ملء وتشغيل السد، الواردة بإعلان المبادئ.. ما تم تفسيره بالـ«استقواء بإسرائيل».. موقع «ديبكا»، المرتبط بالمخابرات، نشر خبرًا حول تزويد إسرائيل لإثيوبيا بمنظومة دفاع جوى «سبايدر SPYDER-MR» لحماية السد.. الصناعات العسكرية الإسرائيلية نفت، والحكومة أكدت أن اتفاقياتها مع إثيوبيا اقتصرت على التعاون الاقتصادى، واستبعدت اتخاذ خطوات تمس علاقاتها بمصر.. موقف جيد، لكنه يفرض التدقيق والمتابعة. والحقيقة أن الزيارة تمت تلبية لمسعى إسرائيلى، ضمن حملة الدعاية الانتخابية التى نفذها نتنياهو، لاحتواء التداعيات السلبية لاحتجاجات يهود الفلاشا «٢٪ من سكان إسرائيل»، بعد مقتل شاب بمعرفة شرطى فى تل أبيب.. زيارة «أبى أحمد» استهدفت إغلاق ملف الأزمة، تجنبًا لتعكير صفو العلاقات مع الحليف الإسرائيلى، الذى قدم الدعم اللوجستى والمالى والفنى للسد، ولا يزال يُعَوَّل عليه لاستكماله.

محاولة عزل القاهرة عن الجوار الإثيوبى
«أبى أحمد» تبنى سياسة «صفر مشاكل» فى علاقاته بحلفاء مصر فى شرق إفريقيا، لعزلهم عن القاهرة، وحرمان مصر من توظيفهم كأداة ضغط.. وقع مع إريتريا، الجارة اللدود، اتفاق جدة للسلام سبتمبر ٢٠١٨، لينهى أطول نزاع عرفته القارة الإفريقية.. وقام مع أوغندا، دولة المنبع الآخر للنيل، بوساطة بين الرئيس سلفاكير ميارديت، وقائد المتمردين رياك مشار، لإنهاء النزاع بجنوب السودان، حاضنة النيل الأزرق، الذى تعول مصر على تنمية حصتها منه، واستضاف توقيع اتفاق السلام بأديس أبابا.. ديناميكية الدبلوماسية الإثيوبية، واستهداف مراكز اهتمام المصالح المصرية داخل محيطها لتحييدها يلفتان النظر، لأنه أبعد ما يكون عن سياسة المماطلة التى تتبعها فى مفاوضات السد.

تصور لمقترحات المواجهة

أولًا: مصر تمتلك أدوات للضغط لا تقل قوة عما تمتلكه إثيوبيا فى الأزمة.. السد يبعد قرابة ٧٤٠ كم عن أديس أبابا، لا توجد اعتمادات لمد خطوط التغذية الكهربائية إلى العاصمة والمدن الرئيسية.. لأنها تعتمد على تصدير الكهرباء لدول الجوار، خاصة تنزانيا والسودان وأوغندا.
مصر من خلال تحالف المقاولون العرب والسويدى إليكتريك شرعت منتصف ٢٠١٩ فى تشييد سد ومحطة كهرباء على نهر روفيجى بمنطقة «ستيجلر جورج» فى تنزانيا، بطول واحد كيلومتر وارتفاع ١٣٤ مترًا وقدرة إنتاجية من الطاقة الكهربائية ٢١٠٠ ميجاوات، وقدرة سنوية ٥٩٠٠ جيجا، قد تكفى تنزانيا ذاتيًا، وتغنيها عن الاستيراد.. السد ينتهى العمل به نهاية ٢٠٢١.
مصر أدخلت السودان ضمن استراتيجية الربط الكهربائى، وقعت اتفاق الربط معها، وانتهت من استكمال خطوطه مارس ٢٠١٩، بطاقة كهربائية قدرها ٤٠٠ ميجاوات كمرحلة أولى، ومن المقرر أن يبدأ التشغيل التجريبى بنهاية ٢٠١٩، بجهد ٢٢٠ كيلو فولت.
وجارٍ تنفيذ مشروع مصرى لإقامة محطة للطاقة الشمسية بقدرة ٤ ميجاوات فى أوغندا، بتمويل من المبادرة المصرية للتنمية فى حوض النيل التابعة للحكومة المصرية.
تشديد الحصار على السوق الإقليمية لتصريف الطاقة الكهربائية الناتجة عن السد سيضطر إثيوبيا إلى اللجوء لمصر لتصريفها، من خلال شبكة الربط مع السودان، وشبكة التصدير للسعودية والأردن، وكذا إلى قبرص والقارة الأوروبية والمغرب العربى.. مما يحقق مصلحة متبادلة.. مصر ستتقاضى رسومًا للنقل، وتعزز وضعها كمركز إقليمى لتبادل الطاقة.
ثانيًا: التأكيد على عدم اتخاذ أى مواقف أو إصدار أى تصريحات تتعلق بالسد، إلا بعد دراستها من منظور استراتيجى بمعرفة خلية أزمة.. وزير الرى زار السد وسط احتدام أزمة التفاوض، والتقطت له الصور التذكارية التى تداولتها الأنباء باعتبارها تعبيرًا رسميًا عن الرضا والقبول المصرى بالأمر الواقع!!.. وخلال أزمة «أبى أحمد» مع الشركات المنفذة للسد، انبرى سيادته بعرض تقديم خبرة مصر فى أعمال التوربينات، وتداولت مواقع التواصل احتمال تعاقد إثيوبيا مع شركات مصرية لاستكمال أعمال «ميتيك».. مثل هذه المبادرات الكريمة، لا علاقة لها بالتاريخ والجغرافيا والسياسة والأمن القومى؟!.. وينبغى التوقف عنها فورًا.
ثالثًا: ضرورة تصعيد التحرك السياسى المصرى حتى مجلس الأمن الدولى، باعتبار التشدد الإثيوبى يهدد السلم والأمن الدوليين، ويمكن اتخاذ كينيا نموذجًا لما يمكن أن يؤدى إليه التعسف الإثيوبى فى قضية النيل، الذى تعتمد عليه مصر فى ٩٧٪ من احتياجاتها المائية، من نتائج كارثية.. إثيوبيا افتتحت سد «جيبى ٣» على نهر أومو ديسمبر ٢٠١٦، ملء الخزان منع تدفق المياه لبحيرة توركانا، ما هبط بمنسوبها بحدة، فتوقف الإنتاج الزراعى والصيد، وانتشرت المجاعة شمال كينيا، وأصبح نصف مليون من السكان مهددين بالفناء.. وبالنسبة لمصر فإن كل مليار متر مكعب من المياه ينقص من حصتها التاريخية يعنى تبوير «٢٠٠.٠٠٠» فدان، لو قامت إثيوبيا بملء السد خلال خمس سنوات، تنقص وارداتنا بمقدار ١٢ مليارًاعام، ما يعنى تبوير ٢.٤ مليون فدان، وتشريد ١٢ مليون يعيشون عليها، وانخفاض منسوب بحيرة ناصر يقلل إنتاج الكهرباء ما بين ٢٠ و٤٠٪، وهو ما لا يمكن التسامح بشأنه.. القضية تشكل بالفعل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين.
رابعًا: لكن كل ذلك لا يعنى التخلى طواعية عن المفاوضات.. سياسة استهلاك الوقت الإثيوبية ربحت شهورًا نتيجة تجميد مصر المفاوضات نوفمبر ٢٠١٧، ردًا على رفض إثيوبيا والسودان تقرير المكتب الاستشارى الفرنسى بشأن أعمال ملء السد وتشغيله، استفزاز مصر يراهن على غضبها، لاستهلاك المزيد، ما يعتبر مضيعة لمصالحنا.. مصر ينبغى أن تعتمد على آلية الدعوة لقمم ثلاثية، وتفعيل الاتفاق الثلاثى فبراير ٢٠١٩ بإثيوبيا، الذى يعتبر أفضل البدائل السيئة، لأنه يقضى بملء خزان السد بـ٤٥ مليار متر مكعب خلال ثلاث سنوات، تتحملها مصر والسودان مناصفة، بواقع ٧.٥ مليار م٣ سنويًا لكل منهما، فهو ينتزع اعترافًا بحصتنا السنوية «٥٥.٥ مليار م٣»، ويختزل أضرار عملية الملء فى توقف زراعة الأرز، وأن يتم استيراده بتمويل من البنك الدولى، خصمًا من عائدات كهرباء السد.
خامسًا: مشروع ربط نهر النيل بنهر الكونغو لتعويض النقص فى تدفقات المياه يواجه إشكاليات عديدة، لكن البديل موافقة عدد من الرؤساء الأفارقة بالفعل على مشروع توسيع وتعميق منابع النيل الأبيض بعد خروجه من منطقة البحيرات العظمى بطول ١٣٠ كم بمناطق كيوجا بأوغندا ونيمولى بجنوب السودان، ومنطقة التقاء النيل مع نهر عطبرة شمال الخرطوم، وأعمال تكريك وحفر على الناشف ببحيرة فيكتوريا فى أوغندا وتنزانيا وكينيا، المشروع يرفع حصة النيل الأبيض كمصدر لمياه النيل إلى ٤٥٪، بزيادة تفوق ٣٠٪ عن معدلاته، ما يعادل بعض أضرار «النهضة».. «١٦٪» من حصتنا فى مياه النيل تمر عبر أراضى جنوب السودان، التى ينبغى التنسيق معها فى إقامة مشروعات أعالى النيل، لاستغلال فواقد المياه، خاصة قناة جونجلى، مما يعوّض البعض الآخر من النقص.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/10/18 بوصة غير مصنف

 

العراق المضطرب بين الفساد والنفوذ الإيرانى

2018_9_8_10_15_48_499

مظاهرات العراق اشتعلت بداية أكتوبر، بالعاصمة والمحافظات الشيعية جنوب البلاد، بدأت على مواقع التواصل الاجتماعى بمطالب بسيطة؛ تحسين الخدمات العامة «الكهرباء ومياه الشرب..»، وتوفير فرص عمل، ومحاربة الفساد، وتوجت بالدعوة لإنهاء التدخل الأجنبى «الإيرانى والأمريكى»، لأنه أوقع العراق فى حصار مميت، نتيجة للتوترات المتصاعدة بين الدولتين؛ بينما يستضيف العراق آلافًا من القوات الأمريكية، ولديه ميليشيات «الحشد الشعبى» التابعة لطهران.

الاضطرابات على الأرض تصاعدت إلى حد المطالبة باستقالة الحكومة، وتميزت بالعفوية، واعتمادها على الأغلبية الشيعية التى تشكل القاعدة الشعبية المؤيدة للنظام.. لم تشارك فيها الأحزاب السياسية، ولا المناطق السنية، التى تستشعر الحصار، وتتوقع القمع بتهمة الانتماء لـ«داعش»، أو لحزب البعث المنحل.. السلطات فرضت حظرًا للتجوال، تحداه المتظاهرون، فاضطرت لرفعه.. حجبت الإنترنت فاشتعل الغضب.. واستخدمت الشرطة مدافع المياه للتفريق، وقطعت بعض الطرق الحيوية بالعاصمة، وعطلت الدوام الرسمى.. هيئة الإعلام والاتصالات دعت لتوخى الدقة فى التعاطى مع أخبار التظاهرات، تجنبًا للتصعيد، وخدمة أصحاب المصالح.

العراق يمتلك رابع أكبر احتياطى نفطى فى العالم، لكن قرابة ربع السكان يعيشون دون حد الكفاف.. البطالة بين الشباب القادرين على العمل ١٧٪، حرب داعش أنهكت الدولة، وألحقت بها الدمار، مليون شخص مازالوا مشردين، ٦.٧ مليون فى حاجة للمعونات الإنسانية، والدولة بحاجة لـ٨٨ مليار دولار لتمويل خطة الإعمار.. العراق يمتلك ١٩ جهازًا رقابيًا لمحاربة الفسادين الإدارى والمالى، حيدر العبادى أنشأ مجلسًا أعلى للمكافحة، حقق فى ٢٩.٠٠٠ قضية، شملت ٣٤.٠٠٠ متهم، منهم ٤٨ وزيرًا، و٤٨ نائبًا، و٣٩ محافظًا، و٤٣٨ عضو مجلس محافظة، و٦٢٤ مديرًا عامًا، وأصدرت أكثر من ٢٠٠٠ أمر قبض عام ٢٠١٧، بينهم ٢٩٠ مسئولًا حكوميًا، ولكن كل ملفاتها ما زالت مفتوحة، لم تبلغ نهاياتها بعد!!.. عادل عبدالمهدى شكل برئاسته المجلس الأعلى لمكافحة الفساد يناير ٢٠١٩، ضم الرؤساء التنفيذيين للمؤسسات المركزية المخولة بمكافحة الفساد، ليكون بمثابة الجهاز التنفيذى للمكافحة، ترأس جلسته الخاصة ببحث نتائج تحقيقات هيئة النزاهة بشأن الموظفين الصادرة بحقهم أحكام قضائية تتعلق بالاختلاس وإهدار المال العام، وقرر تنحية ألف موظف بمختلف المؤسسات.

رغم تلك الجهود تراجع العراق للمرتبة ١٦٦ من أصل ١٧٦ دولة، فى معيار الشفافية، ليصبح من أكثر دول العالم فسادًا ٢٠١٩.. تقديرات عبدالمهدى لخسائر الفساد تجاوزت ثلاثمائة مليار دولار، لكن البنك الدولى ومنظمة الشفافية الدولية قدرا حجمه بـ٦٠٠ مليار، أما تقديرات الأجهزة الرقابية فتشير إلى ابتلاعه نحو ٤٥٠ مليارًا من الأموال العامة، منذ سقوط نظام صدام حسين ٢٠٠٣.. الفساد أمسك بخناق قرابة ٩.٠٠٠ مشروع، بعضها وهمى والآخر متعثر منذ ٢٠٠٤.. الحكومة الحالية كشفت مؤخرًا عن قرابة ٤٠ ملفًا جديدًا للفساد، وما زال هناك ١٥ ألف ملف بانتظار التحقيق.. البرلمان تعهد بإقرار حزمة تشريعات لدعم هيئة النزاهة واسترداد أموال الدولة، وإيجاد حلول للمشاريع الوهمية والمتعثرة، وكان الأولى به البدء بمراجعة قانون «العفو العام» الذى أقره ٢٠١٦، ويعتبر بوابة الفساد الخلفية، لأنه سمح للفاسدين بالهروب خارج العراق، والتنصل من جرائم المال العام، دون محاسبة.

تداولت الأنباء أخبار إطلاق قوات «مكافحة الشغب» الرصاص الحى على المتظاهرين، فأردت أكثر من مائة قتيل، و٦٠٠٠ جريح، لكن هناك شواهد أثارت الشكوك، أهمها قتل ٨ من رجال الشرطة، والتخريب المتعمد لـ٦٠ مبنى عامًا ومقرًا لأحزاب سياسية، وذلك رغم تأكيد الداخلية عدم وجود أوامر باستخدام العنف، وأن دورها حماية المتظاهرين والممتلكات من المندسين، وأنه لم تقع صدامات إلا عندما اضطرت لمنع المحتجين من اقتحام مطار بغداد الدولى، وكذا وضع حد للتصعيد بمدينة الصدر شرق بغداد.. تفسير ذلك أن ميليشيات «الحشد الشعبى» حاولت تشتيت المتظاهرين، خاصة بالمناطق التى رفعت فيها شعارات منددة بالنفوذ الإيرانى؛ فشكلوا مجاميع من الملثمين بالملابس السوداء، أطلقوا عليهم «فرق الموت»، وزعوهم على المبانى المرتفعة المحيطة بساحات التظاهر، لقنص المتظاهرين وعناصر الشرطة، لإرباك الموقف، وتصعيد العنف.. إيران افتتحت غرفة عمليات بسفارتها ببغداد للإشراف والمتابعة، ودعمت القناصة بعناصر من «الوحدة ٤٠٠» التابعة لفيلق القدس المسئول عن تنفيذ الاغتيالات بالخارج، بينها عناصر من حزب الله اللبنانى.

«تحالف المحور الوطنى» علق عضويته بمجلس النواب، بعد ساعات من توجيه مقتدى الصدر نواب تحالفه «سائرون» الذى يضم «التيار الصدرى» و«الحزب الشيوعى»، إلى تعليق عضويتهم فى البرلمان، لتفويت الفرصة على استخدام السلطة التشريعية كأداة للفوضى وابتزاز السلطة التنفيذية، وإعاقة عمل الوزراء بالتلويح بالاستجواب أو الإقالة لتمرير صفقات مشبوهة من بعض الأطراف، وربط العودة بصياغة موقف جاد مع باقى الكتل السياسية، يبدأ ببرنامج حكومى يلبى مطالب الشعب، وتصحيح مسار العملية السياسية، وفتح تحقيقات جادة عن الفساد فى تسمية رؤساء وأعضاء اللجان بمجلس النواب، وكذا بآليات سن القوانين.

الحكومة أدركت أن تكرار التظاهرات الاحتجاجية على سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية يهدد الاستقرار فى البلاد، لذلك اتخذت مجموعة أولى من القرارات الجيدة للتهدئة «صرف رواتب لـ٦٠٠.٠٠٠ أسرة تستحق الرعاية الاجتماعية، تخصيص أراضٍ سكنية لذوى الدخل المحدود، برنامج وطنى للإسكان لبناء ١٠٠ ألف وحدة سكنية، منح ١٥٠.٠٠٠ عاطل منحة شهرية لمدة ثلاثة أشهر لحين توفير الأكشاك المخصصة لهم، تدبير فرص عمل جديدة بتنشيط قروض المشاريع المتوسطة والصغيرة، وفتح باب التطوع فى الجيش، وإعادة بعض المستغنى عنهم إلى الداخلية».

إيران تدرك أنها أول المتضررين من الاضطرابات الراهنة، كما تعى خطورة استمرارها، وحتمية امتصاص غضب الشارع، حتى لا يتحول إلى رفض صريح لوجودها.. اتهمت إسرائيل والسعودية وأمريكا وبريطانيا بتحريكها، وأغلقت معبرى «خسروى وجذابة» الحدوديين اللذين يستخدمهما الزوار، بسبب تطور الأوضاع الأمنية، لأن الاضطرابات وقعت قبل بضعة أيام من ذكرى أربعينية الحسين، التى تجتذب نحو ٢٠ مليونًا من شيعة جنوب العراق وإيران، لزيارة المراقد المقدسة بكربلاء والنجف والأشراف، وهى تسعى لتوفير طرق بديلة، يتم تأمينها بالتنسيق مع «الحشد الشعبى» العراقى.

أما الأزمة السياسية فإن طهران قد تستغل نفوذها وتضحى بالحكومة الحالية، وتدفع باتجاه إجراء انتخابات مبكرة، قد تأتى بأغلبية من الموالاة.. وفى حالة عدم حدوث تغيير لمراكز القوى فقد تلجأ للهروب بالحشد الشعبى إلى الأمام، لأن القرار الصادر بحله، وما تلاه من هجمات جوية ضد معسكراته، يستهدف تصفيته، ما قد يدفعها لاستنساخ تجربة الحوثيين، وإشعال أى اضطرابات مقبلة، لتوفير المناخ للانقلاب على السلطة، والاستئثار بها، ما يفرض على الدولة والجيش اليقظة، والتحسب من الآن لهذا الاحتمال بالغ الخطورة.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/10/18 بوصة غير مصنف

 

محاور مؤامرة الإخوان فى «جمعة الإخلاص»

04

الجمعة ٢٧ سبتمبر التى سماها الإخوان «جمعة الخلاص»، شهدت محاولة لاستنساخ فوضى يناير ٢٠١١، بعد المرور البائس للذكرى السادسة لسقوطهم «٣٠ يونيو». فالتنظيم يمر بأضعف حالاته. قياداته فى السجون أو هربوا للمنفى. حملاتهم فقدت تأثيرها. خلافاتهم خرجت للعلن، وصراعاتهم محورها أموال التنظيم، أما مواجهاتهم بشأن مصير المسجونين فقد انتهت باتهامات متبادلة بلغت حد التخوين.. التنظيم حاول الهروب للأمام بالسماح لأعضائه بالعمل من خلال الأحزاب، والعودة الخفية لساحة العمل السياسى، وتنشيط الحراك الجماهيرى، إضافة لدعم الأنشطة الإرهابية. الشعب المصرى خرج رافضًا أى مساس بالدولة، وأحبط المؤامرة.. قطع «البازلز» فى المشهد عديدة، وتجميعها صار لازمًا للفهم وربما تصحيح بعض المسارات.

مخطط الإخوان بدأ بإعادة إنتاج سيناريو تسلل عناصر الدعم الخارجى التى فتحت السجون، واستهدفت مراكز الشرطة واغتالت المتظاهرين، لإشعال الموقف ونشر الفوضى. قوات إنفاذ القانون بسيناء حالت دون تسلل خلاياهم من قطاع غزة، فاعتمدوا على تنفيذ «داعش» عملية «كمين تفاحة»، مؤكدين التنسيق بينهما.. الطيران المصرى نجح فى تدمير ٧ سيارات دفع رباعى بالاتجاه الشمالى الشرقى، و٨٣ عربة على الاتجاه الاستراتيجى الغربى، و٢٥ على الجنوبى، ما يعنى أن ليبيا لا تزال مصدر الخطر الأكبر، نتيجة للارتباط الاستراتيجى بين معركة تحرير طرابلس من الميليشيات، ومعركة مصر ضد الإرهاب، وأن الحدود السودانية لا تزال تمثل خطرًا داهمًا، نتيجة استغلال العناصر الإرهابية عدم الاستقرار هناك.

أجهزة الأمن كشفت مخزنًا للبنادق الآلية والطلقات المضادة للطائرات بـ«دشنا» شمال قنا، كما ضبطت بميدان التحرير مجموعة من العرب والأجانب الذين خططوا لدعم عناصر الجماعة وإثارة الفوضى.. اثنان من المتهمين أتراك، تم ضبطهما أثناء قيامهما بعمليات رصد وتصوير الشباب والارتكازات الأمنية.. الثالث هولندى ضبط أثناء تصوير التظاهرات بطائرة «درون» من شرفة أحد الفنادق، وتم تحريز الأجهزة والمبالغ المالية.. الرابع والخامس أردنيان من العناصر المناهضة للمملكة، شاركا فى لجان الإخوان الإلكترونية، وقدما لها الدعمين المادى والفنى.. السادس فلسطينى ينتمى للجهاد الإسلامى، كمسئول للرصد والاتصال وجمع المعلومات، والأخير مصرى كلفه التنظيم بتمويل الشباب وحثهم على التظاهر، مستغلًا علاقته بالعناصر الإخوانية داخل أحد روابط الألتراس.
الجانب الإعلامى للمؤامرة تضمن شن حملات موسعة بمواقع التواصل وعبر الميليشيات الإلكترونية للدعوة للتظاهر والاحتجاج ضد النظام، إضافة لتدشين مواقع إخبارية وصفحات وجروبات سرية وحسابات للحشد وترويج الشائعات والصور المزيفة التى تخدم أغراضهم، وتحقق أهدافهم فى إثارة السخط، وإضعاف الثقة فى الدولة ومؤسساتها. أدار هذا الجانب محمود حسين، أمين عام الجماعة، وعاونه أيمن عبدالغنى زوج ابنة خيرت الشاطر، بالاستعانة بعناصر الجماعة المقيمة بتركيا والسودان وماليزيا وقطر. تقرير معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط «MEMRI» بواشنطن بعنوان «قطر تشعل الاحتجاجات ضد السيسى عبر الجزيرة لإسقاط النظام المصرى»، كشف عن الأدلة الدامغة على تنفيذ الدوحة- بالتعاون مع الإخوان- مخطط إشعال الفوضى وزعزعة الاستقرار، عبر نشر الشائعات والتحريض على التظاهر ضد الدولة المصرية، استنادًا لدور قناة «الجزيرة» ووسائل الإعلام القطرية، وتوظيف مذيعيها فى إطلاق الشائعات والتحريض عبر صفحاتهم الإلكترونية.

التسريب الصوتى للإخوانى «أمير بسام» مستشار مرسى، كشف عن حجم الاختلاسات داخل الإخوان: «الجماعة خدعت قواعدها ٨٠ عامًا باسم الدين»! عمر حسن صاحب التسريب هدد بنشر المزيد، لكشف المرتزقة والفسدة المتصدرين المشهد، ما لم يرعَ التنظيم الهاربين من أعضائه، لمواجهة ظروفهم الصعبة بتركيا. عماد أبوهاشم أحد حلفاء الإخوان المنشقين فضح أساليبهم لترويج الشائعات تحت إشراف خبراء فى العلوم الإنسانية، للتأثير على الشارع المصرى، باعتبارها أهم الأدوات المتاحة لهم.

مكالمة «على بطيخ» مسئول المكتب الإدارى للإخوان بـ٦ أكتوبر، الهارب لتركيا، مع أحد عملاء التنظيم بالداخل أكد عدة حقائق.. الأولى: هدف التنظيم حاليًا استعادة القدرة على الحشد والتظاهر.. الثانية: معاناة عناصره من إحكام القبضة الأمنية على تحركاته واتصالاته.. ثالثًا: تصميم تركيا على دعم نشاط التنظيم ضمانًا لاستمرار الاضطرابات.. رابعًا: تكليف قياداتهم الميدانية بتحريك الحشود الجماهيرية بكل المحافظات.. خامسًا: تضمن مخطط المؤامرة هجمات إرهابية على الأديرة والكنائس لزيادة الأمور اشتعالًا.
الدعم السياسى لتحركات الإخوان قدمه أردوغان من منبر الأمم المتحدة، بالدورة ٧٤ للجمعية العامة، وحديثه عن وفاة محمد مرسى بقاعة المحكمة.. الاحتجاج المصرى ببيان متحدث الخارجية تضمن معلومات مُفحمة وردًا رصينًا، لكن تداوله لم يكن بنفس المستوى. نتنياهو رد بنفسه على هجوم أردوغان ضد إسرائيل بنفس الخطاب، فكان الأولى بنا رفع مستوى القائم بالرد، لأن ذلك معيار لتداوله بمصادر الأنباء العالمية.

فى مواجهة مؤامرة الإخوان متكاملة الأركان حوَّل الحشد الجماهيرى «جمعة الخلاص» إلى «جمعة الإخلاص» للدولة وقيادتها، لكن هناك بعض التحفظات التى ينبغى مراعاتها، أهمها، أولًا: ضرورة تجنب استعادة آليات الحشد والحشد المضاد، لأنه يُخِل بالانضباط وينشر السيولة والفوضى.. ثانيًا: مراعاة أن «الجماعة» قد لا تراهن على الشعب بعد فشل تجربتها، ولكنها قد تلجأ لتوسيع نطاق عمليات التجنيد، ودعم خلايا ونشاط العمل المسلح، لتجنب الاعتماد على تسلل عناصر الخارج، بعد الخسائر الضخمة التى ألحقتها بها قواتنا الجوية، فى محاولاتها للتسلل، عبر مختلف نطاقات الحدود المصرية، ذلك يفرض اليقظة.. ثالثًا: إن مراجعة وسائل نقل بعض الكتل الجماهيرية، والشعارات التى قاموا برفعها، تشير إلى دور نشيط لرجال أعمال وتنظيمات حزبية فى الحشد، بعضهم لا ترقى سمعته لأن تضيف للنظام، بل تسحب من رصيده، ما يفرض تجنبها.

رابعًا: تلاحظ أن قيادات «حزب الاستقلال» عضو «تحالف دعم الشرعية» الموالى للإخوان، والمُخلى سبيلهم بتدابير احترازية منذ مارس ٢٠١٦، لعبوا دورًا رئيسيًا فى قيادة عمليات الحشد للتظاهرات استجابة لدعوة الإخوان، لو لم يخضع هؤلاء وأمثالهم من الأحزاب السلفية للضوابط المسموحة بمقتضى قانون الطوارئ، فما الحاجة له؟!.. خامسًا: ما زال الإخوان يحتلون مواقعهم داخل مؤسسات الدولة، رغم خوضهم الحرب ضدها. فمتى يتم تقنين عملية إبعادهم؟!.. سادسًا: الحرب ضد الفساد وصلت لمراجعة أوضاع رؤساء المؤسسات الحاليين ومساعديهم، وكل من يتصرف فى مال عام، مصلحة بعضهم استعادة الفوضى، ما يفرض الحذر.. سابعًا: عودة الجمهور للمباريات تفتح أبواب إعادة توظيف روابط الألتراس، مما يتطلب مراعاة الاحتياطات الواجبة.

وأخيرًا، التخوفات التى تعلقت باحتمالية استجابة البعض لدعوات الإخوان، تعبيرًا عن الغضب من تبعات الإصلاح الاقتصادى، ثبت عدم صحتها، حتى من جانب الأفراد الذين ركبوا الموجة فى البداية، لتوصيل رسالتهم للدولة.. الجميع خرج للمساندة، واستجابة الرئيس تعكس مرونة النظام، وتقديره حساسية المرحلة.. فهل يحول المسئولون ذلك إلى إجراءات عملية وواقع معيش؟!

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/10/18 بوصة غير مصنف

 

خريف الوهابية.. منبع الإرهاب الأسود

70839869_624908311372992_6461168351346425856_n (1)

عندما أسس محمد بن عبدالوهاب الدعوة «الوهابية» اواخر القرن الثامن عشر، إستند على أفكار إبن تيمية، فجاءت مخالفة لما درج عليه المجتمع السعودى المسلم، حتى ان والده تصدى له وزجره، وألف شقيقه سليمان كتاباً بإسم «الصواعق الإلهية فى الرد على الوهابية»، خصصه لتفنيدها، وتنبيه الناس الى خطورة إنتشارها.

دور المخابرات البريطانية
محمد بن عبدالوهاب كان على صلة وثيقة بالمستشرق البريطانى الشهير «همفر»، الذى عمل لحساب المخابرات البريطانية، والف كتاباً بعنوان «مذكرات المستر همفر» كشف فيه «أسرار مهمته في العالم الإسلامى» بداية القرن الـ18م، حيث اوضح «ان العائق الوحيد للاستعمار البريطاني في هذه المنطقة الحيوية، على طريق الهند، هو الدين الإسلامى، وكان السبيل الوحيد لإخضاع شعوبها تمزيقها من الداخل، وبث الفتن بين المذاهب، بتحريف المبادئ والقيم التي قام عليها»، وهكذا أوعزت المخابرات البريطانية بأفكار وأدبيات الدعوة «الوهابية» لمؤسسها، وقامت برعايتها من خلال علاقتة الوثيقة بـ«همفر»، ليستخدمها العرب فى إشاعة ثقافة التكفير والتفجير، لتفكيك العالم الإسلامى، مما يفسر قتلهم للشريف غالب حاكم مكة، وتنفيذ مذبحة ضخمة لمخالفيهم فى الطائف، وطرد الشريف الحسين بن على، ملك الحجاز من المدينة، وإنحيازهم لبريطانيا فى الحرب العالمية الأولى.

الوهابية والتنظيمات الإرهابية
الوهابية أنتجت العديد من الثمار المُرّة، أبرزها يتعلق بالعلاقة العقائدية الوثيقة مع التنظيمات الإرهابية، التى بنتمى معظمها الى المذهب السنى، على المنهج الوهابى.. أسامة بن لادن الوهابى أسس تنظيم «القاعدة».. 15 من الـ19 الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة كانوا وهابيين.. خرج من الوهابيين أعداد كبيرة من الانتحاريين للعراق بعد الغزو الأمريكى 2003.. وزودوا «داعش» بقرابة 2500 مقاتل.. أما الكتب التى إعتمدت عليها «داعش» فى مدارسها فهناك سبعة من إجمالى 12 كتاب من تاليف بن عبدالوهاب.. الشيخ عادل الكلبانى الإمام السابق للحرم المكى تباهى بأن «داعش»، استمدت أفكارها من كتبهم ومبادئهم الخاصة!!.

الوهابية فى مصر
الوهابيون يضمرون الكراهية لمصر وجيشها، نظراً لأنه عندما كثرت جرائمهم فى جزيرة العرب، واستفحل أمرهم، استنجد الخليفة العثمانى بمحمد على والى المحروسة، فجهز حملة لتأديبهم، ودفع الجيش المصرى الى هناك، ونجح في القضاء عليهم، ودخول عاصمتهم الدرعية، قبل ان يعود أدراجه الى مصر.. لكنهم عادوا من جديد بمساعدة بريطانيا، ليرتكبوا أعمالاً عدائية أبرزها إحراق المحمل المصرى بمكة، رغم أنه يضم كسوة الكعبة، وإعتدوا على المصريين المصاحبين.. والحقيقة ان إتفاق التنظيمات التكفيرية على كراهية الجيش المصرى، يبدأ منذ ذلك التاريخ.

الفكر الوهابى تسلل الى مصر عبر محمد رشيد رضا، الذى تبنى المذهب، وقدم ابن تيمية لأول مرة للثقافة المصرية، وذلك خلال فترة الصراع بين الحركة الوهابية والشريف حسين، قبل طرد الأخير من المدينة، والملفت ان رشيد هذا قد أصبح أستاذاً لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، مما يؤكد انها أحد روافد الحركة الوهابية، كما يفسر إعتياد عناصرها التوجه للمملكة، كلما إصطدموا بالدولة المصرية، خلال حكم عبدالناصر.

منذ منتصف السبعينات بدأت الوهابية تنتشر بمصر نتيجة لهجرة العمالة، خاصة المدرسين والكوادر الأزهرية، الى السعودية والخليج، لذلك انتشر الحجاب والنقاب والاسدال، وأطلقت اللحى.. والأهم والأخطر، هو ان وسطية الأزهر تراجعت أمام مِنَح الوهابيين وعطاياهم.. وللأسف فقد انفقت الأموال بسخاء على بناء المراكز الدينية والجمعيات الخيرية، دون أن تواجه مصر تلك الأفكار، لأن الرئيس السادات كان قد أطلق يد الجماعات الإسلامية لممارسة أنشطتها، سعياً لإيجاد قوة توازن الدور المتصاعد لليسار، كل الأبواب إنفتحت أمام المدارس السلفية في الفكر الدينى.. الوهابية استقطبت الشيخ محمد حامد الفقى احد رجال الأزهر المتشددين، ودعمته لتأسيس «جماعة أنصار السنة المحمدية»، أول قاعدة منظمة للوهابيين بمصر، والتى كانت ساحة لأنشطة التنظيمات المتطرفة، خاصة فيما يتعلق بالفرز وتجنيد العناصر الصالحة.. وفى التسعينيات بدأ ظهور الدعاة الجدد الممولين من الحركة الوهابية، وعلى رأسهم حسان، ويعقوب، وبرهامى، وغنيم، بالإضافة الى توسع الأزهر في تأسيس المعاهد الدينية في القرى والنجوع، ما أضعف دوره فى المتابعة، وأعطى فرصة للمتطرفين فى إتخاذها أوكاراً لنشر أفكارهم.

بن سلمان والمواجهة
محمد بن سلمان ولى العهد السعودى إعترف لـ«واشنطن بوست»، أن نشر الوهابية، كان بطلب من الحلفاء الغربيين، لمواجهة الاتحاد السوفيتي، ومنع تقدمه في العالم الإسلامي إبان الحرب الباردة!!، وهو نفس السبب وراء إفراج السادات عن الإخوان، وإطلاق يدهم لدعم «مجاهدى» أفغانستان.. بعد عقود من المعاناة، أعلنت المملكة ومصر والعديد من الدول أن الإخوان تنظيماً إرهابياً.. وأكد بن سلمان فى أكتوبر 2017 «سنعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل، المنفتح على جميع الأديان، لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أفكار متطرفة، قطعنا خطوات، وسنقضى على بقاياه فى القريب العاجل».
رجال المؤسسة الدينية الفاسدون مارسوا تجاوزاتهم بدعوى تحالفهم مع السلطة الحاكمة.. الدولة سحبت البساط من تحت أقدامهم، فإعتدلوا والتزموا برؤيتها، والشعب تجاوب مع الإصلاح، ودعم الدولة فى مواجهتها، وأقنع شيوخ الوهابية أنه لم تعد هناك ثغرة للنفاذ منها، ولا مجال للعودة الى ما كانوا عليه من نفوذ.. حزم الدولة كان لازماً، مما يفسر تقديم بعض الدعاة للمحاكمة، خاصة من بين «تيار الصحوة»، الذى أسس مدرسة التكفير والولاء والبراء، ونجح فى السيطرة على 80 ألف مسجد، وشكل أفراده خلايا لبث قيم اجتماعية جديدة، والقطيعة مع الثقافة التقليدية عبر المنابر والإعلام والجامعات، فضلاً عن إنتشارهم فى معظم الدول العربية من خلال الكتيبات والأشرطة.

النيابة السعودية طالبت بإعدام سلمان العودة، لتؤكد أنه لارجعة مع التطرف ولا مكان للمتطرفين. وعائض القرنى خرج لوسائل الإعلام معتذرا للرأى العام عن الأفكار المتشددة المخالفة للقرآن والسنة، التي كان يروج لها خلال فترة نشاطه الدينى ضمن «تيار الصحوة»، أما عبد العزيز الطريفى وعلي العمرى فقد إبتلعوا ألسنتهم.. لقد أفسد هؤلاء الدعاة عقول الشباب عبر عقود طويلة، وساقوا منهم عشرات الآلاف وقوداً للإرهاب والتخريب بدعوى الجهاد، تلبية لتوجيهات مشايخ التطرف فى الدوحة، وأجهزة المخابرات الغربية.. كم أفسدوا علينا حياتنا تمسحاً بالحُرمانيات، ثم خرجوا بإعتذار سخيف يخلو من معنى، ويفتقر لمضمون.. حسبنا الله ونعم الوكيل.

إصلاحات المملكة
تغيير وضع «هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» يعتبر واحداً من أبرز شواهد الإصلاح فى المملكة، الهيئة استُحدثت 1940، لممارسة دور الشرطة الدينية، فى تطبيق الشريعة الإسلامية بالأماكن العامة!!، ومنع إرتكاب المنكرات الشرعية، انتشرت فروعها بأنحاء المملكة، ومنحت صلاحيات تتيح الإعتقال وإقامة الحدود الشرعية؛ لكنها إجتذبت غير المؤهلين؛ طمعاً فى مميزاتها، ما أدى الى تجاوزات وفساد أساءت لدورها فى المجتمع، حتى ان منتسبيها يرون أنهم «الفرقة الناجية» التى حَسُن إسلامها، بينما سطحوا فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومفهوم الحسبة، بإعتبار كل من يحلق لحيته، أو يطيل ثوبه، أو يفتح باب محله التجارى أثناء الصلاة، فاسق يستحق الجلد؛ دون ان تطبق ذلك إلا على عوام الناس، ولم تقترب من أصحاب النفوذ، فأهدرت مبدأ المساواة.. هذه الهيئة قُلصت صلاحياتها، كخطوة فى سبيل إلغائها.. وبدأت مراجعة مناهج التعليم، لتخليصها من مرتكزات التطرف.

المملكة على طريق الإصلاح رصدت 64 مليار دولار لأنشطة الترفيه خلال السنوات العشر المقبلة، سمحت بالإختلاط لأول مرة إبان احتفالات اليوم الوطنى السعودى باستاد الملك فهد الدولى بالعاصمة الرياض سبتمبر 2017، أعادت الطرب للتليفزيون الرسمى، ونظمت عشرات الحفلات العنائية لمطربين ومطربات عرب وأجانب، سمحت بفتح دور عرض سينمائية، شرعت فى بناء دار للأوبرا بجدة، وبدأت فى تعديل القوانين المتعلقة بحقوق المرأة، وأهمها إلغاء المنع عن قيادتها للسيارات، وإستخراج جواز سفر، مع منحها حقوقاً مساوية للذكر فيما يتعلق بحرية السفر، دون ولاية.

مصر قبل ان تهب عليها رياح السموم الوهابية كانت مختلفة تماما؛ فى ملابس البشر، أشكالهم، روائحهم، ناهيك عن إكتساب الميل غير المعتاد، للخشونة فى التعامل، والتطرف فى التفكير، وفظاطة رد الفعل، وبذائة اللفظ.. حتى الأزهر الوسطى الأشعرى الذى تبنى الإعتدال الدينى منذ نشأته، إندست داخله عناصر متشددة، تسعى لتغيير توجهاته وطبيعته على حساب مبادىء الإسلام السمح.. وتجديد الخطاب الدينى، تحول الى قضية خلافية ووجهات نظر متضاربة تارة، والترهيب منه بدعوى المساس بالدين تارة أخرى، متجاهلين حديث الرسول «صلعم» «إنَّ الله تعالى يبعث لهذه الأمَّة على رأس كلِّ مائة سنةٍ من يجدِّد لها دينها».. إذن التجديد جزء من الدين، ووسيلة للحفاظ على ريادته فى عالم ملىء بالديانات والمذاهب المتصارعة.

المملكة تتخلص من الوهابيين، منبع التشدد والتطرف فى المنطقة، فماذا نحن فاعلون بإمتداداتهم المتجذرة لدينا؟!.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/10/03 بوصة غير مصنف

 

هذا بيان للأصدقاء

1
تمحصت كل التفاصيل المتعلقة بدعاوى الخروج فى تظاهرات باكر لمواجهة المظاهرات المزمعة للإخوان، وأود هنا الإشارة فى عجالة لعدد من النقاط وجدت ان طرحها حالياً بالغ الأهمية:

1. ان دعوات الخروج لدعم الدولة والرئيس تصدر من عناصر وطنية لاموضع للتشكيك فى ولائها، ولكن لكل منهم زاوية رؤية قد يتفق معها البعض، ويختلف معها الآخر.

2. ان هناك عناصر أخرى مضادة تلبست مسوح الوطنية، وتبنت الدعوة، لأنها لاتنشد سوى الفوضى، فقد أدركت ان خلو الشوارع على أنصارهم سيكشفهم، ويوضح ضآلة تأثيرهم.. ومما يؤكد ذلك حرصهم يوم الجمعة الماضية على ركوب موجة إحتفالات الشوارع بفوز النادى الأهلى، رغم تأخر توقيته ليلا، ولولا ذلك ماكان يقدر لهم الخروج.

3. ومما يضاعف من خوف العناصر المضادة يقظة الشرطة المصرية، وتغيير تكتيكاتها، والإعتماد على آليات عمل لاترهقها، بقدر ما تؤدى اليه من نجاح وسرعة فى السيطرة على الوضع والإمساك بالمحرضين.. فراغ الشوارع إذن عدوهم الأول.

4. ان فكرة الحشد والحشد المضاد داخل الدولة لاتعنى سوى عدم الثقة فى قوة الدولة المصرية، وإمتلاك السلطة للقدرة على الحسم السريع.. عندما كان التحدى كبيراً والدولة هشة، طلب السيسى نزولكم.. فى غياب هذا الطلب إتركوا الدولة التى عادت بقوة تتعامل مع الموقف بعيداً عن الفوضى، غداً ينبغى ان يكون كل متظاهر هو ضد الدولة، تتفرغ له الشرطة، وتعامله بما يستحق، لا ان نصيبها بالإرتباك والتشتت بين من يعتلى المنصة، ومن يتمسح بالتحرير.

5. ان نقل الفضائيات ووكالات الأنباء لصور وأخبار الحشود، وسط إدعاء الإخوان دائما بأنها موالية لهم وضد النظام، فضلاً عن تلاعبها فى الصور لتضخيمها.. كل ذلك لايعنى سوى إبراز مظهر الفوضى وعدم الإستقرار بهدف إجهاض حركة السياحة التى بدأت فى العودة على إستحياء.

6. موضوع المنصة التى تم تشييدها على عجل بطريق الأوتوستراد والمواد التموينية التى تم توزيعها فى بورسعيد، قامت بها أحزاب سياسية، لا تفتقر للشعبية فحسب وانما تفتقر الى الحكمة، فهى تلجأ لنفس اساليب الإخوان الرخيصة فى الحشد، والتى تسىء الى دولة قوية ورئيس ناجح.

7. كنا نتخوف على الدولة من ركوب الصعب الذى خشاه رؤساء مصر السابقين، وهو الإصلاح الإقتصادى، لأن مردوده الأساسى يتحمله المواطن الشريف، فى مرحلة المعاناة، وكذا فى مرحلة الرخاء، ولكن سرعة الإندفاع وراء النجاح، وحدود الخبرة السياسية لبعض أعضاء الحكومة، تركا مجالا لتذمر بعض الفئات، هذا موضوع يفرض تناول صريح وموضوعى يستهدف إحتواء السلبيات، لكن ذلك ليس وقت تناوله.

فلنبتعد عن مظهر الفوضى والفوضى المضادة.. ولنحافظ على استقرار الدولة، وصورتها أمام العالم، وقدرتها على الجذب السياحى.

جمال طه

26 سبتمبر 2019

 
أضف تعليق

Posted by في 2019/09/26 بوصة غير مصنف

 

استهداف «أرامكو» والتوافق الإيرانى الأمريكى

591

خفايا قصف البنية الأساسية للنفط السعودى

ترامب كان يدرك جيدًا أن إيران لن تستهدف القوات الأمريكية فى الخليج، ردًا على تصعيد العقوبات ضدها، ومنعها من تصدير النفط، لكنه توقع تنفيذها التهديد الخاص بوقف ضخ النفط السعودى للخارج.. إيران استبعدت إغلاق مضيق هرمز فى ظل الوجود العسكرى الغربى المكثف، وجهود تشكيل تحالف دولى يضمن حرية الملاحة، فاستهدفت البنية الأساسية للنفط فى المملكة، وحاولت إضعاف قدراتها الإنتاجية.. ضرب أصول شركة «أرامكو» السعودية العملاقة هدف توافقت عليه مصالح إيران وأمريكا.. أن يتوافق العدو والحليف على استهداف المملكة، هو «أم المصائب»!.. ما يفرض توضيح مبرراته ونتائجه.

المملكة حولت «أرامكو» لـ«شركة مساهمة»، تمهيدًا لطرح ٥٪ من أسهمها للاكتتاب العام ٢٠٢٠-٢٠٢١، أصول الشركة قدرت قيمتها بـ٢ تريليون دولار، وقيمة الطرح الأولى ١٠٠ مليار دولار، تدعم طموحات خطة التنمية السعودية ٢٠٣٠، وتحقق رقمًا قياسيًا يفوق الـ«٢٥ مليار دولار» التى حققتها «على بابا جروب» الصينية ٢٠١٤.. الحدث ضخم زلزل الأسواق المالية العالمية، وفرض تدخل الإدارة الأمريكية، خاصة أن مجلس إدارة «أرامكو» رفض طرح الأسهم فى «بورصة نيويورك»، تجنبًا للمخاطر القانونية، المتعلقة بقانون «جاستا»، وإمكانية توظيفه للاستحواذ على العائدات، إضافة لأطماع ترامب الصريحة فى أموال الخليج، مما يفسر قرار البدء بالطرح فى «بورصة الرياض»، لترويج نسبة ١-٣٪ بالسوق المحلية قبل الطرح بالسوق الدولية، لرفع قيمة الأسهم، وتوليد طلب عليها.

شركات الطاقة العالمية، وجزء ضخم منها أمريكى، تتخوف من طرح أسهم «أرامكو».. بيتر كولمان رئيس «لوودسايد الأسترالية» حذر من امتصاص الحصة المطروحة للسيولة من شركات الطاقة المنافسة، حيث سيعيد المستثمرون توزيع الأموال بمحافظهم لصالحها، وأرى أن الطرح سيجتذب حصة الاستثمارات التى كانت تتجه تقليديًا لسندات الخزانة الأمريكية، وشركات النفط والغاز الصغيرة والمتوسطة بأمريكا.
***
تحمست للتدخل السعودى باليمن منذ بدء «عاصفة الحزم»، أملًا فى كسر الحصار الذى تفرضه إيران على المملكة، لكننى ندمت عندما فشل حصار الميليشيات الحوثية، فتحولوا بالدعم الإيرانى إلى جيش ودولة، على جزء غالٍ من اليمن، أصبح قاعدة إيرانية تهدد باب المندب، وخنجرًا فى خاصرة المملكة.. أداة هذا التحول الاستراتيجى لم تكن الصواريخ البالستية، وإنما الطائرات المسيرة «الدرونز»، وصواريخ الكروز البسيطة، وهما سلاحان هجوميان يتجهان نحو التماثل، باستثناء اختلاف القدرة التدميرية لكل منهما.. هذان السلاحان الهجوميان أحدثا ثورة فى استراتيجيات الهجوم بالعالم، وأضرا بشبكات الدفاع الجوى، وذلك جدير بالتناول.

إيران بدأت التصعيد معتمدة على عملائها الحوثيين باليمن، ولكن بسلاحها وخبرائها، وبنك الأهداف الخاص بها.. سبع طائرات «درونز» استهدفت محطتى الضخ لخط أنابيب «أبقيق – ينبع» بمحافظتى الدوادمى وعفيف بمنطقة الرياض، التابع لـ«أرامكو» ١٤ مايو الماضى، وأحدثت كسرًا بعرض ٤ أمتار فى الأنبوب الرئيسى الذى تبلغ مساحة عرضه ١١ متر٢، فى تطور نوعى غير مسبوق لدقة إصابة الهدف، ما أدى إلى توقف الضخ لميناء التصدير فى ينبع.

الهجوم على «حقل الشيبة» النفطى ١٤ أغسطس تم بعشر طائرات «درونز»، استهدفت الحقل ومصفاة الإسالة والخزانات التابعة لـ«أرامكو»، وأشعلت فيها النيران.. اختيار الحقل استهدف تهديد الإمارات، التى يقع على حدودها مباشرة، لسرعة الانسحاب من اليمن.. المسافة بين صعدة والشيبة قرابة ١٢٠٠ كيلومتر مما يعكس حجم تطور «الدرونز» الإيرانية، من حيث بُعد المسافة ودقة التصويب.

الهجوم على «مصفاة أبقيق» أكبر مجمعات النفط فى العالم التابعة لـ«أرامكو»، وثانى أكبر حقل نفطى فى المملكة «هجرة خريص»، وقع فى ١٤ سبتمبر، استهدف ١٩ نقطة، باستخدام ١٥ طائرة مسيرة، سبقتها ثلاث طائرات لاستكشاف الطريق وتعديل المسارات، و٧ صواريخ كروز.. أصابت الحقل و١٤ خزانًا للنفط، تقع فى الاتجاه الغربى والشمالى الغربى، مما يؤكد قدومها لأول مرة من الأراضى الإيرانية، مرورًا بالعراق والكويت، حيث رصدتها الأخيرة قادمة من البحر.. حلقت فوق العاصمة، ووصلت إحداها إلى مقر الأمير بدار سلوى، على ارتفاع ٢٥٠ مترًا، ثم أضاءت كشافاتها لمدة دقيقة وغادرت، بعد عملية تصوير جوى صريحة، لتعزيز بيانات بنك الأهداف، التى قد تستهدفها مستقبلًا.. وهو مؤشر ينذر بأطماع طهران فى كامل منطقة الخليج.

«أرامكو» فى أعقاب الهجوم، ورغم تراجع الإنتاج إلى نصف معدلاته، لم تعلن «الظروف القهرية»، بل سحبت كميات ضخمة من المخزون خصصتها لتلبية التعاقدات، وسلمت النفط المتوسط والثقيل كبديل لنسبة من النفط الخفيف، إثباتًا لقدرتها على الوفاء بالتزاماتها التصديرية، والحفاظ على سمعتها الدولية، وضمان عدم تأثر القيمة المالية المقدرة لأصول الشركة خلال مرحلة الإعداد لطرح الأسهم.. وكلفت «مجموعة يو. بى. إس» و«بنك دويتشه» بإدارة دفاتر الطرح، لتعكس الجدية والثقة.. وترجمت كل ذلك على الأرض بتوظيف قدراتها المهنية والتقنية فى استعادة قرابة نصف الإنتاج المفقود بعد أسبوع واحد من الهجوم.. كل ذلك لا ينفى بالطبع أن الهجمات طرحت مخاطر تتعلق بأمن منشآت الشركة، وتأثيرها السلبى على الإنتاج، مما يرفع التكلفة التأمينية لأصولها وأنشطتها، ويمس قيمتها السوقية العامة.

الصراع الأمريكى الإيرانى مجرد خلاف بين حلفاء قدامى اعتادوا تقاسم الأدوار والمصالح بالمنطقة.. المواجهة الراهنة تتعلق بخلافات على الشروط.. أمريكا أوقفت صادرات النفط الإيرانى فى عملية لى ذراع لتعديل الاتفاق النووى، فاستهدفت الذراع الأخرى أصول «أرامكو»، ما حقق لأمريكا مصلحة مالية كانت لا تدرى كيفية إنجازها.. إلا أن استخدام «الدرونز» كأداة ناجحة للهجوم، أصاب نظام الدفاع الجوى الأمريكى «باتريوت» فى القلب، فالرادارات عجزت عن رصدها، ومحركات الصواريخ بدأت فى العمل على الأرض قبل الانطلاق لبضع ثوانٍ كانت كافية لتضييع الأهداف، بخلاف المنظومات الروسية التى تنطلق من الأرض أولًا ثم يبدأ المحرك فى العمل.. وهناك خلل جسيم بين تكلفة «الدرونز» بين ٣٠٠ و٣٠٠٠ دولار، وصاروخ يتجاوز ٣ ملايين دولار.. الوجود العسكرى الأمريكى بالخليج رهان على الردع، لا يواجه ما حققته «الدرونز» من ثورة فى مجال أسلحة الجو الهجومية، ولم يشرع فى ثورة مقابلة بصناعة الرادارات، والأسلحة المضادة.

ثورة «الدرونز» تتعلق بسلاح استراتيجى.. غير قواعد الاشتباك، وقلب توازنات القوى، ونقل الحرب إلى المدن والأهداف الحيوية بدقة أشبه بمشرط جراح.. والأهم أنها فى بداية مراحل تطويرها.. أفقها متسع، وتكلفتها محدودة.. كل القوى الإقليمية المحيطة خاصة إسرائيل وتركيا وإيران، تنتج وتطور «الدرونز» كسلاح رئيسى، وبدور رائد على مستوى العالم، وإسرائيل تطور «مدفع الليزر» أهم الأسلحة الجديدة المضادة لها.. تلك فرصة ذهبية لأن نبدأ الآن، وليس غدًا، فى التطوير الذاتى لواحد من أخطر أسلحة المستقبل، يتصدر جيلًا جديدًا من أسلحة الردع الفعالة والرخيصة.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/09/26 بوصة غير مصنف

 

سد النهضة و«المماطلات» الأثيوبية

سد النهضة

«أبى أحمد» ردد خلف الرئيس السيسى، بالقاهرة ١٠ يونيو ٢٠١٨، قسمًا بالحفاظ على حصة مصر من المياه، وعدم الإضرار بشعبها.. ربما كان صادقًا!، لكنه كان قد تبوأ رئاسة الحكومة الإثيوبية أواخر مارس، مدعومًا بأغلبية الأورومو والأمهرية، مُطيحًا بأقلية التيجراى، التى احتكرت السلطة منذ حكم زيناوى ١٩٩١، رغم أنها ٦٪ من عدد السكان، وتحوز ٩٥٪ من المناصب الرئيسية بالدولة.

بمجرد عودته لبلاده تعرض لمحاولة انقلابية فاشلة ٢٢ يونيو، أعقبها اغتيال سيمجنو بيكيلى مدير مشروع «سد النهضة» ٢٦ يوليو، ومحاولة أخرى لاغتياله ١٠ أكتوبر.. التيجرانية تحمل كرهًا تاريخيًا لمصر، وتعتبرها العدو المركزى، حتى فى كتب التاريخ.. المدافع التى غنموها فى معركة «جوندت»، إبان حملة الخديو إسماعيل، وضعوها تذكارًا بميدان أكسيوم، وأطلقوا اسم «جوندت» على أرفع وسام عسكرى، و«مبارك» تعرّض للاغتيال بأديس أبابا يونيو ١٩٩٥.. مواقع المسئولية وصنع القرار تكتظ بقاعدة واسعة من كارهى مصر.. تعرقل أى توافق ثنائى، وتسعى لإعاقة تنفيذ السد.

إثيوبيا جمدت عمل «مجموعة الدراسات العلمية» التى تشكلت لتقديم توصيات موضوعية لملء الخزان، وتنمية الموارد المائية.. اندلاع الثورة فى السودان وعزل البشير أوجدا مبررات لتجميد المفاوضات.. إضافة لتغيير إجراءات وعقود الشركات الأجنبية العاملة فى السد، وتنحية المتورطين فى الفساد، والمسئولين عن التأخير.. القلق دفع مصر لتقديم مقترح فنى لحل الأزمة يوليو الماضى، يقوم على التعاون فى ملء وتشغيل السد على مدار سبع سنوات، وزير الرى زار الخرطوم وأديس أبابا لعرضه، وطلب التوصل لاتفاق عاجل خلال اجتماع سبتمبر، لأن المكتب الفرنسى فى حاجة إلى عام بعد الاتفاق، لاستكمال دراساته، بينما يبدأ تشغيل السد وتوليد الكهرباء قبل نهاية ٢٠٢٠، ما يعنى أن «المماطلة» الممتدة منذ سبع سنوات، أضحت تشكل خطرًا داهمًا على مصالحنا القومية.

الخارجية المصرية أطلعت سفراء الدول الأوروبية على مستجدات الأزمة، وشكت من طول أمد المفاوضات، ومحاولة فرض رؤية أحادية.. وسامح شكرى أحاط وزراء الخارجية العرب بها، وطالب بموقف موحد من «مراوغات» إثيوبيا.. ووزير الرى حذر من تهديد أمننا الغذائى، لأن خفض ٢٪ من حصتنا يؤدى لبوار ٢٠٠.٠٠٠ فدان، تعول مليون فرد.. مصر تحشد الدعم الخارجى، لفرض حل وسط قبل تحول الموضوع إلى قضية أمن قومى «ملحة».. إثيوبيا أدركت ذلك، فتراجعت خارجيتها مؤكدة أن ملء الخزان قد يستغرق ٥ أو ٦ سنوات.. لكن ذلك لا يكفى.

اجتماع القاهرة ١٥ و١٦ سبتمبر الجارى لم يتطرق للجوانب الفنية، واكتفى بمناقشة جدول الأعمال والجوانب الإجرائية!، نتيجة لرفض إثيوبيا مناقشة المشروع المصرى، وتقرر عقد اجتماع للمجموعة العلمية بالخرطوم ٣٠ سبتمبر- ٣ أكتوبر لبحثه، يعقبه لقاء وزراء المياه ٤ و٥ أكتوبر لإقرار مواضع الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل.

استكمال أسباب التشدد الإثيوبى يشير بالضرورة لزيارة «أحمد» لإسرائيل مطلع سبتمبر الجارى، وتأكيده عدم الالتزام بقواعد ملء وتشغيل السد، الواردة بإعلان المبادئ مارس ٢٠١٥.. المحللون فسروه «استقواء» بإسرائيل، بعد نشر موقع «ديبكا» المرتبط بالمخابرات، أن طواقم من شركة «رفائيل» للصناعات العسكرية نصبت أنظمة دفاعية Python and Derby حول السد، اعتمدت على شاحنات من وحدة صواريخ الصناعات الجوية، وأنظمة رادار من شركة «التا».. لكن الصناعات العسكرية الإسرائيلية نفت ذلك، والحكومة أكدت أن الاتفاقيات اقتصرت على التعاون الاقتصادى، ونفت اتخاذ أى خطوات تمس علاقاتها بمصر.. موقف جيد، لكنه يفرض مزيدًا من التدقيق والمتابعة.

والحقيقة أن الزيارة تمت تلبية لمسعى إسرائيلى، ضمن حملة الدعاية الانتخابية التى نفذها نتنياهو، لاحتواء التداعيات السلبية للاحتجاجات العنيفة ليهود الفلاشا «٢٪ من سكان إسرائيل»، بعد مقتل شاب بمعرفة شرطى فى تل أبيب.. ارتداء «أحمد» غطاء الرأس اليهودى أغضب العرب والمسلمين، لكنه وجه رسالة للفلاشا بإغلاق الملف، تجنبًا لتعكير صفو العلاقة مع الحليف الإسرائيلى، الذى قدم الدعم اللوجستى والمالى والفنى للسد، وما زال يعول عليه لاستكماله.

دور السودان فى الأزمة كان أحد مبررات التشدد، إثيوبيا تعتمد اقتصاديًا على موانئه، وتستورد منه بين ٥٠٪ و٨٠٪ من الوقود.. البشير دعمها خلال المفاوضات، تحقيقًا لمكاسب إضافية، ولإضعاف الموقف المصرى، والإبقاء على خلافاته مع إثيوبيا.. بعد سقوط البشير لعبت إثيوبيا الدور الرئيسى فى الوساطة بين المجلس العسكرى وتحالف قوى الحرية والتغيير، للاحتفاظ بالسودان كصديق، إن لم يظل حليفًا.. ضمانًا لاستمرار اتفاقيات التعاون، خاصة اتفاق الدفاع المشترك، وشراء السودان الكهرباء المولدة من السد، والتى بات يهددها انفتاحه على مصر، وتوقيعه الاتفاق الربط الكهربائى معها.. ولعل ما حظى به «أحمد» من ترحيب الجمهور السودانى، والقادة الأفارقة، أثناء مراسم توقيع الاتفاق النهائى للإعلان الدستورى، يؤكد نجاحه فى تحقيق ذلك.

التشدد الذى تمارسه إثيوبيا تجاه مصر، يتناقض مع سياسة «صفر مشاكل» التى يتبناها «أحمد» فى علاقاته الخارجية، والتى يطبقها فقط مع حلفاء مصر بالمنطقة!، وقع مع إريتريا الجارة اللدود اتفاقية جدة للسلام سبتمبر ٢٠١٨، لينتهى أطول نزاع عرفته القارة الإفريقية.. وقام مع أوغندا، دولة المنبع الآخر للنيل، بدور وساطة بين الرئيس سلفا كير وقائد المتمردين رياك مشار، لإنهاء النزاع جنوب السودان، حاضنة النيل الأزرق، الذى تعول مصر على تنمية حصتها منه، واستضاف توقيع اتفاقية السلام بأديس أبابا.. ديناميكية الدبلوماسية الإثيوبية تلفت النظر، واستهداف مراكز اهتمام المصالح المصرية، لتحييدها، يثير الدهشة، والإيقاع الرخيم لحركة الخارجية المصرية يفرض المراجعة.

سياسة استهلاك الوقت الإثيوبية ربحت شهورًا نتيجة تجميد مصر المفاوضات نوفمبر ٢٠١٧، ردًا على رفض إثيوبيا والسودان تقرير المكتب الاستشارى الفرنسى بشأن أعمال ملء السد وتشغيله، استفزاز مصر حاليًا يراهن على غضبها، لاستهلاك المزيد، مما يعتبر مضيعة لمصالحنا.. مصر ينبغى أن تبادر بالدعوة لقمة ثلاثية، لتفعيل الاتفاق الثلاثى فبراير ٢٠١٩ بإثيوبيا، والذى يقضى بملء خزان السد بـ٤٥ مليار متر مكعب خلال ثلاث سنوات، تتحملها مصر والسودان مناصفة، بواقع ٧.٥ مليار م٣ سنويًا لكل منهما، فهو ينتزع اعترافًا بحصتنا السنوية «٥٥.٥ مليار م٣»، ويختزل أضرار عملية الملء فى توقف زراعة الأرز، واستيراده بتمويل من البنك الدولى، خصمًا من عائدات كهرباء السد.

الحقيقة الأهم التى نغفلها، هى أن سد النهضة جزء من مشروع أكبر، يشمل سدودًا أخرى مكملة «كارادوبى، بيكو أبو، مندايا» سعتها الإجمالية ٢٠٠ مليار متر٣، يستهدف السيطرة على كل واردات المياه، وإعادة تصديرها بالمقابل المادى.. مشروع جنوب شرق الأناضول، وسد أتاتورك الكبير بملحقاته جفَّف نهرى الفرات ودجلة جزئيًا، وحرم سوريا والعراق من معظم مواردهما المائية، متابعة الإنشاءات على نهر النيل ضرورة حتمية، تجنبًا لمفاجآت، لن تدع مجالًا لتفاوض، أو وساطة، أو مجاملات على حساب أمننا القومى.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/09/21 بوصة غير مصنف

 

«مملكة الجبل الاصفر».. خفايا المؤامرة

صباح الخير 17 سبتمبر 2019

في عيد ميلاد ابنته السابع، سافر المواطن الأمريكى «جيرمى هيتون» آلاف الأميال ليرفع على منطقة «بئر طويل»، علم أزرق يحمل أربع نجوم وتاجاً وتلالاً صخرية، ويتوج نفسه ملكاً على «مملكة شمال السودان»، لتصبح إبنته إيميلى «أميرة»، كما تمنت عليه يوماً!!، حدث ذلك فى 16 يونيو الماضى، قبل خروج «نادرة ناصيف» المحامية الأمريكية من أصل لبنانى، على هامش مؤتمر عقد فى أوكرانيا 5 سبتمبر الجارى، لتعلن نفسها رئيسة لحكومة «مملكة الجبل الأصفر»، التى تأسست فى «بئر طويل»، مع تغيير العلم ليصبح أخضر اللون، يحمل رمز النخلة مع عبارة «بسم الله الرحمن الرحيم»، دلالة على إسلاميتها!!.. سيناريو مخابراتى ساخر، يعيد مسرحية إنشاء الدولة العبرية، ولكن بثقة أكبر، نتيجة لنجاح التجربة السابقة.

الروايات الساترة للمؤامرات تتشابه عادة، فكما قدمت بريطانيا والبارون اليهودي الألمانى موريس دي هيرش مقترحات بتأسيس وطن قومي لليهود فى الأرجنتين أو أوغندا أو فلسطين، الى تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية 1886، ليقع إختياره على الأخيرة، التى كانت فى الحقيقة إختيارهم الوحيد، فإن «هيتون» بحث عن أرض لا تتبع أى دولة في العالم!!، وانتهى الى بديلين؛ الأول في القطب المتجمد الجنوبى.. والثاني فى «بئر طويل»، بإمتداد الصحراء النوبية شمال السودان، فاختار الثانية، وكانت فى الواقع إختياره الوحيد أيضاً.. ليدخلها رافعاً علم «مملكتة»، ويصدر عملة معدنية خاصة، كتب عليها باللغتين العربية والإنجليزية.

إجتماع أوكرانيا
حاولت سبر أغوار مؤتمر أوكرانيا، الذى نفى وجوده جُل المحللين السياسيين، فوجدته حدث بالفعل.. لكنه إجتماع متواضع عقد فى فندق لوندنسكيا الشهير بمدينة «أوديسا» الساحلية جنوب أوكرانيا، تحت عنوان «تفاقم اوضاع اللاجئين والمهاجرين وعديمى الجنسية فى العالم، وسبل حل المشكلة»، شارك فيه ممثلون عن الحكومة الاوكرانية ومكتب الامم المتحدة، وسفارتى الاتحاد الاوروبى والفاتيكان ومنظمة الامن والتعاون، وعدد من ممثلى السفارات المعتمدة بالعاصمة كييف.. نظمه كيان مجهول يحمل إسم «منظمة الدرع العالمية لحماية حقوق وحرية المواطن».. يرأسها صالح محمد ظاهر.. بحثت عنه وتاكدت من عضويته بالاتحاد العام للصحفيين والكتاب الفلسطينيين فرع سوريا، مايؤكد أصله الفلسطينى.. يحمل مؤهل قانونى.. يشغل عدة مناصب إستشارية بالداخلية والنيابة العامة الأوكرانية، مايؤكد حصوله على الجنسية، إضافة للإقامة الدائمة.. وهو مؤسس للعديد من الكيانات الدولية الوهمية مثل: اتحاد الصحفيين والكتاب الدولى ««jujw، جمعية وجريدة السلام، وكالة أنباء صوت العالم.. كما أنه ممثل للجالية العربية فى أوكرانيا، وحاصل على عدد من الأوسمة وجوائز التقدير من الحكومة.

الغريب ان صالح زار مصر فى نوفمبر 2018، وكان فى إستقباله احمد الفضالى رئيس الاتحاد العام لجمعيات الشبان المسلمين، بصفته حاملاً للقب «سفير الامم المتحدة لمواجهة الجوع»، وقد صحبه فى زيارة مجاملة لفضيلة الدكتور شوقي علام مفتى الديار المصرية.

فى كلمته خلال إجتماع أوديسا دعى صالح مجلس الامن لتطبيق قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 194 لسنة 1948 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينين الى «ديارهم»، وأبدى إهتماما باللاجئين من سوريا والعراق، ولم يذكر شيئاً عن «المملكة المزعومة»، ولا عن توطين اللاجئين بأماكن بديلة لديارهم.. والحقيقة اننى شعرت للوهلة الأولى اننا بصدد نشاط غامض، لشخصيات كرتونية، تتستر خلفها أنشطة مخابراتية تعرف كيف توزع الأدوار، وتدير المؤامرات، وان مايحدث أمامنا فى الظاهر مجرد بالون إختبار، لعمل أعد له جيداً، وفى إنتظار الحصول على إشارة البدء لتتحرك المنظومة فى الموعد الذى حددته رئيسة الحكومة بداية 2020.

من وراء تأسيس «المملكة»؟!
بعض التحليلات جنحت الى وجود علاقة بين نشأة «المملكة» والسعودية، مستندين الى عاملين، الأول ان الدكتور عبد الإله اليحيا مستشار الشئون الجيوسياسية لحكومة «المملكة المزعومة» سعودى الجنسية، شارك فى وضع خطة تجنيس اللاجئين والمهاجرين العرب والمسلمين، والتى تستهدف الوصول بعدد السكان الى 21 مليون نسمة بنهاية 2040، وهو الذى أكد ان «المملكة» تحظى بدعم دولى وعربى وآسيوى كبير، لما تحمله من اهداف تنهى أزمة اللاجئين التى تعاني منها أوروبا وأمريكا وكندا والشرق الأوسط.. والثانى ان «جامعة الشعوب العربية» التى يرأسها رجل الأعمال السعودى يوسف الراجحى، تعتبر أحد مصادر دعم «المملكة»، وان اللواء عصام الشافعى أمين عام الجامعة -لاتربطها أية علاقة بالجامعة العربية- شارك فى الإعلان عن تأسيس «المملكة».

والحقيقة ان تلك ليست قرائن يمكن الإعتداد بها، لأنها مواقف وإرتباطات شخصية، لاعلاقة لها بجنسية صاحبها الأصلية، خاصة وان علاقات الرياض بالقاهرة والخرطوم على المستوى الإستراتيجى، لايمكن ان تسمح بمجرد التفكير فى وجود مثل هذا الدور، ولايمكن فى نفس الوقت ان نتجاهل ان «ناصيف» رئيسة حكومة «المملكة»، كانت تلقى بيان التأسيس ومن خلفها أعلام الولايات المتحدة وكندا وأوكرانيا، مما يؤكد إضطلاعهم بالدور الرئيسى فى الدعم، وهو مايؤكده ان سلاح المهندسين الأمريكى بدأ فى وضع خريطة طبوغرافية لمنطقة «بئر طويل» منذ 1960، مايعكس أهميتها الإستراتيجية.

مقترحات غير مقبولة
بعض الأصدقاء من الكتاب والمفكرين قللوا من اهمية الحدث، إستناداً الى انه ينبغى ان تتوافر إشتراطات رئيسية لإنشاء الدولة، اولها وجود شعب دائم يسكن المنطقة، والحصول على إعتراف الدول المجاورة، وترسّيم حدودها معها، وتشكيل حكومة تمتلك صلاحية توقيع الإتفاقات والمعاهدات، وإدارة علاقاتها الدولية.. والحقيقة ان ذلك غير صحيح، فعصابات «الهاجاناة» أسست دولة إسرائيل، ولديها حكومة تمتلك كل الصلاحيات للتعامل الدولى، على ارض يسكنها شعب فلسطين، رغم انها لم تحصل على إعتراف جيرانها ولم ترسّم حدودها، وفرضت كيانها كحقيقة قائمة، لايملك الجميع سوى التواءوم مع وجوده.. فكيف لنا ان نستهين بـ«المملكة» المزعومة، والغرب الذى دعم «الهاجاناة»، يقف الآن خلفها؟!.

البعض الآخر يرى ان خطورة إعلان «المملكة» يفرض سد الثغرات التى نشأت نتيجة لإستمرار مشكلة حلايب، لذلك إقترحوا المبادرة بقبول الدعوة الى التحكيم!!.. والحقيقة ان هذا الإقتراح جانبه الصواب، قأرضنا ليست موضوعاً للتحكيم الدولى، والقياس على اللجوء للتحكيم فى مشكلة «طابا» يتصف بالفساد، لأن طابا كانت أرضاً محتلة ضمن شبه جزيرة سيناء.. حررنا الضفة الشرقية للقناه بالحرب، وباقى سيناء بالمفاوضات الدبلوماسية، ولم تبق سوى طابا، التى تمسكت إسرائيل بتسويتها من خلال التحكيم.. راهنوا على رفضنا له، ففوتنا عليهم الفرصة، وقبلنا التحدى، واعتبرناها معركة وطنية تستكمل ماتم إنجازه بالحرب والمفاوضات السياسية، واستردينا أرضنا.. هذه حالة فريدة، فى ظروفها وملابساتها، وغير قابلة للتكرار.

المؤامرة
لست ممن يطرحون الزعم بالمؤامرة على عواهنه، لكن توقيت إثارة موضوع «المملكة» لايدع مجالاً لنفى الفكرة، فهى تأتى أولاً فى اعقاب التوصل لإتفاق بين المجلس العسكري الانتقالى وقوى إعلان الحرية والتغيير فى السودان، ما يمكن ان نفسره بمحاولة إعادة تفجير الموقف بالسودان من ناحية، واثارة ازمة فى علاقته بمصر، الداعمة للنظام الجديد من ناحية أخرى.. وتتم ثانياً بعد نجاح العملية الشاملة «سيناء 2018» فى إفشال خطة تحويل سيناء الى وطن لتجميع قرابة 30 الف من إرهابى العالم، وبالتالى فهى تأتى كبديل.. وثالثاً ظهور بشائر انتصار الجيش الوطنى الليبى فى معركته ضد ميليشيات السراج المدعومة من تركيا وقطر فى طرابلس، والتى ستمنع إتخاذ ليبيا موقعاً لتموضع الإرهابيين بعد انتهاء الحرب السورية، مايفرض سرعة تدبير البديل.. ورابعاً إمكانية توظيف «المملكة» لإستقبال من يتم ترحيلهم من المهاجرين غير الشرعيين فى أوروبا حال رفض عودتهم لبلادهم.. ولايمكن ان نغفل خامساً ان أحد مرتكزات خطة كوشنر «صفقة القرن» هو إيجاد موضع لإستيعاب اللاجئين الفلسطينيين، حتى يتسنى تصفية القضية، كان التعويل على شمال شرق سيناء، لكنها إستُبعدت لتمسك مصر بكل ذرة من ترابها، فلماذا نستبعد «المملكة» المزعومة كموطن بديل للفلسطينين، وقاعدة لتمركز فلول التنظيمات الإرهابية، إستعداداً لمناكفات جديدة ضد مصر، ودول الشمال الأفريقى؟!.

المواجهة
الثغرة التى يمكن النفاذ منها لإنجاح مؤامرة «المملكة» المزعومة هو الخلافات المصرية السودانية.. الحدود السياسية لمصر مرسّمة بمقتضى اتفاق 1899، ومطابقة لخط عرض 22° شمالا، مما يضع مثلث حلايب داخلها، وبئر طويل خارجها، اتفاقية الحدود الإدارية 1902 سمحت للسودان بالتواصل مع قبائل حلايب، نظراً لعلاقات القربى التى تربط بعضهم بالقبائل السودانية.. مسألة بسيطة، شديدة الوضوح، تحولت الى خلافات بإيعاذ من التنظيم الدولى للإخوان.. مصر ينبغى ان تنسق مع السودان لتأمين «بئر طويل» وإحباط المؤامرة التى تهدد أمنهما القومى.. مراعاة الظروف السياسية الراهنة للسودان، قد يفرض تحمل مصر عبء التدخل، إستناداً إلى ماترتبه إتفاقية 1902 من وضع منطقة «بئر الطويل» تحت إدارتها، بإعتبارها منطقة رعى لقبيلة العبابدة المصرية، وهو يقابل التسهيلات المصرية الممنوحة للسودان، فى إطار علاقات الجيرة والود، وعلى رأسها السماح بوجود تشكيل رمزى بحلايب.

الأهم من كشف أبعاد المؤامرة، المبادرة بإجهاضها، وألا نتأخر، حتى لا تفرض واقعاً جديداً.. تُرى، هل وصلت الرسالة؟!.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/09/16 بوصة غير مصنف

 

إسرائيل ومحاولات الاندماج القسرى بالمنطقة

DngZvXGUcAAHc6s

أزمة المرور الآمن بمضيق هرمز، فجرتها أمريكا بالعقوبات التى فرضتها على إيران، وتطبيق بريطانيا الأرعن لها، بإحتجاز ناقلة النفط الإيرانية، وتصعيد طهران لردود الفعل على نحو أجبر لندن وواشنطن على التراجع المشين.. ترامب حذر «لن نقاتل في مضيق لا نستفيد منه»، لكنه سعى لتشكيل تحالف عسكرى دولى لضمان أمن الملاحة البحرية فى الخليج.. يسرائيل كاتس وزير الخارجية الإسرائيلى أكد مشاركة بلاده فى المباحثات الخاصة بتشكيله.. أمريكا ألقت الكرة فى ملعب دول المنطقة بإثارة الأزمة، ثم التنصل من تبعاتها، والدعوة الى تحالف تشارك فيه إسرائيل، تحقيقاً لرغبتها الملحة فى الإندماج بدول المنطقة.

إسرائيل لم تشارك فى التحالف الدولى ضد داعش، التى كانت قريبة جداً من حدودها، لكنها تهرول نحو التحالف الدولى لتأمين المرور بالمضايق، رغم بعدهما، وعجزها عن إرسال أي قطع بحرية، نتيجة للتهديدات الإيرانية بإستهدافها، فى ظل إستمرار حالة الحرب بينهما، ما يعنى إقتصار دعمها على الرصد والتعاون المعلوماتى والمخابراتى، وهو محدود نتيجة للبعد الجغرافى، والقيود السياسية المتعلقة بعلاقاتها بدول المنطقة.. المنامة إستضافت اجتماعا عسكريا دوليا حول أمن الملاحة البحرية بالخليج 24 يوليو، لم يتم الكشف عن الدول المشاركة، وتستضيف الإجتماع التالى فى أكتوبر، لبحث آليات تأمين مسارات الملاحة بالمضايق والتصدى لإستهداف السفن وناقلات النفط.. كل التقديرات تؤكد مشاركة إسرائيل.

إستهداف الإليوشن الروسية

مع بدء التدخل الروسى فى سوريا 2015، توصلت إسرائيل مع موسكو الى «آلية عدم إشتباك»، للإحتفاظ بحرية العمل فى المجال الجوى السورى.. لكنها تلاعبت بها، وقصرت فترة الإنذار الى أقل من دقيقة!!.. 4 طائرات «إف-16» إسرائيلية، قصفت أهدافاً قرب اللاذقية 17 سبتمبر 2018،.. إسرائيل راهنت على عدم تفعيل موسكو لنظام تمييز الدفاع الجوى السورى للطائرات الروسية بإعتبارها أهدافاً صديقة، ولذلك تسترت طائراتها خلف طائرة إستطلاع وتشويش إلكترونى روسية «اليوشن 20»، على بعد 35 كم من الساحل السورى، بإرتفاع 5 كم، كانت فى طريق عودتها لقاعدة حميميم، بعد إنتهاء مهمتها فى تحديد مواقع تمركز الطائرات المسيرة بمنطقة خفض التصعيد فى إدلب.. عندما إستهدفتها صواريخ الدفاع الجوى سارعت بالفرار، لتسقط الإليوشن بـ«نيران صديقة».. كل الشواهد تؤكد سبق الإصرار والترصد، فطائرة الإستطلاع الروسية تتواجد بالمنطقة يومياً وفى نفس التوقيت، وبنفس مسارات الحركة فى الإقلاع والهبوط من البحر، لتتجنب نيران المسلحين.

عندما نصبت إسرائيل الفخ للطائرة الروسية سعت لتوجيه عدة رسائل: أن طياريها يمتلكون المهارات الكفيلة بمواجهة تهديد صواريخ «اس 200» و«اس 300»، وتوريط الدفاعات الجوية السورية مع الحليف الروسى، وتلك دعاية سيئة للأسلحة الروسية قد تضيع ماكسبته فى معركة الـ«اس 400» ضد الباتريوت فى تركيا.. وهى تتمسك بحرية العمل فى المجال الجوى السورى.. ثم انها برهنت لروسيا على ان مصلحتها تفرض التنسيق الدائم مع إسرائيل، بإعتبارها شريكاً فاعلاً بسوريا، فى ظروف الحرب، وعند صياغة شروط التسوية السياسية.

إسقاط السوخوى السورية

اسرائيل أسقطت مقاتلة «سوخوى» سورية داخل الأجواء السورية على أطراف وادى اليرموك يوليو 2018، وحرصت فى بيانها على التأكيد بإنها قامت ببمتابعة الطائرة والتنسيق مع روسيا منذ تحليق الطائرة وحتى إسقاطها، لتؤكد ان التواجد الروسى، وآليات التنسيق لا تغل يدها عن العمل، وان التزام موسكو الصمت حيال الغارات الإسرائيلية، نتيجة لعدم قدرتها على منعها.. العملية إستهدفت فرض أمر واقع، يعزز سعيها لإقامة منطقة عازلة على مرتفعات الجولان، لا يدخلها الجيش السورى، ولكن يسمح بالتواجد فيها لعملاء منظمة «لواء فرسان الجولان» التى تتلقى دعما إسرائيليا بالمال والغذاء والرعاية الصحية والسلاح.. الكرملين لايرى غضاضة فى التسامح مع التدخلات الإسرائيلية، طالما لاتمس مصالحه، وطالما ظلت سوريا غير راغبة فى فتح جبهة جديدة مع إسرائيل.. روسيا تعهدت بضمان أمن إسرائيل لتفوز بالموافقة الأمريكية على تدخلها العسكرى فى سوريا 2015، ولقاءات بوتين مع نتنياهو أكثر من لقاءاته مع حليفه بشار الأسد، فهل نتوقع غير ذلك؟!.

عمليات الحشد الشعبى العراقى

قصف الطائرات المسيرة الإسرائيلية لمعسكرات الحشد الشعبى الشيعية بالعراق بدأت يناير 2019، على مدار أربعة أيام، بمنطقتى النخيب قرب حدود السعودية، والثرثار بمحافظة صلاح الدين.. بعدها وقعت إنفجارات متعاقبة بمعسكرات قرب بغداد، جنوب كركوك، قضاء «طوزخرماتو» بمحافظة صلاح الدين، معسكر «أشرف» بديالى ٥٠ كم شمال العاصمة، منطقة جرف الصخر قرب كربلاء، والزعفرانية، ثم قرب منفذ القائم على الحدود السورية العراقية.. أمريكا تبرأت، ونتنياهو أورى بمسئولية إسرائيل.

قصف مقر حزب الله ببيروت

طائرة تجسس إسرائيلية مسيرة سقطت بالضاحية الجنوبية من بيروت 25 أغسطس، أعقبها إنفجار طائرة أخرى مفخخة، سببت أضراراً جسيمة بمبنى المركز الإعلامي لحزب الله، وذلك لأول مرة منذ 2006؛ تزامن ذلك مع عمليات قصف لمواقع لقوات الإيرانية والميليشيات الشيعية قرب العاصمة السورية دمشق، لتأكيد إندراجها ضمن هذا الإطار، الهجوم الإسرائيلى المحدود عكس حرصاً على تجنب إشعال حرب، والإكتفاء بتأكيد إستعدادها لتوسيع نطاق عملياتها ضد تواجد إيران العسكرى بالمنطقة، بعد ان بدأت تستخدم مواقع ميليشياتها فى العراق ولبنان كنقاط تخزين لأسلحتها وتدريب لعناصرها بديلاً لسوريا، عقب ماتلقته من ضربات موجعة فيها.. رد فعل الحزب أيضاً جاء محدوداً، فلا أحد يرغب فى توسيع دائرة الإشتباك.. إسرائيل حققت الهدف بتأكيد إمتلاكها حرية العمل فى لبنان، وحزب الله أكد قدرته على الرد، دون إستفزاز يضاعف من خسائره الفادحة فى الحرب السورية.. أما ماوقع من إختراقات جوية وبحرية فتدخل جميعها ضمن حملة نتنياهو الإنتخابية.

***

أمريكا ألغت الإتفاق النووى، وأشعلت الأزمة فى الخليج، ثم حرضت العرب ضد إيران، فى الوقت الذى بدأت فيه إتصالاتها السرية معها!!، تاركة زمام المبادرة لإسرائيل فى كبح جماح النفوذ الإيرانى بدول المنطقة، بشن عمليات عسكرية ضده، وبذريعته تستهدف الإنتقال من مرحلة الإتصالات السرية مع الدول العربية، الى تسويق فكرة التحالف الإقليمى المضاد لطهران، مما يحقق هدفها فى الإندماج بالمنطقة، وتبووء دور قيادى.. إيران حاولت إجهاض ذلك، ومنع وصول الوجود العسكرى الإسرائيلى الى حدودها البحرية، بعرض توقيع اتفاقات عدم اعتداء مع دول الخليج، الإمارات تجاوبت بالتواصل المباشر، والسعودية قد لاتتأخر كثيراً، وتعقيدات الموقف تفرض على الجميع قدر من المرونة يسمح بتهدئة التوتر داخل المنطقة، مما يفسر ان التحالف الغربى المزعوم يقتصر حتى الآن على أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، رغم تأكيدات ترامب بتوجيه الدعوة للمشاركة لـ60 دولة.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/09/12 بوصة غير مصنف

 

المراجعات الغربية لعلاقة الإخوان بالإرهاب

الاخوان

إدارة ريجان وسعت النشاط الدولى لـ«جماعة الإخوان»، خلال الحرب الباردة، لتوظفها فى تجنيد جيش من المجاهدين، قادر على هزيمة الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان، توطئة لإسقاطه ١٩٨٩، ما أقنع المخابرات الأمريكية بجدوى استغلالها كإحدى أدوات تعزيز المصالح الأمريكية فى العالم.

بعد هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، بدأت مراجعة المخاطر التى تشكلها «الجماعة» على الأمن القومى الأمريكى، لكنها لم تكتمل؛ لأن الإدارة الأمريكية كانت تعتبرها «المشروع البديل» لأنظمة الحكم بالمنطقة.. إدارة أوباما مكَّنَت «الإخوان» بالداخل الأمريكى، فاخترقت الخارجية الأمريكية من خلال «هوما عابدين» مستشارة هيلارى كلينتون.. وصولها للسلطة فى مصر ٢٠١٢، شجع أوباما على تنفيذ مخطط برنارد لويس لتفتيت دول المنطقة.

أمريكا احتفظت بعلاقاتها الخاصة مع «الجماعة» رغم سقوطها ٢٠١٣، ما أدى لإشكاليات فى علاقتها بمصر، تفاقمت بعد تصنيفها كجماعة إرهابية، لكن الظهور الصريح لجناحها العسكرى بقيادة محمد كمال، وتفريخه عددًا من التنظيمات الإرهابية «حسم، لواء الثورة، كتائب حلوان..»، دفع الخبراء خلال جلسات استماع الكونجرس حول تصنيف «الإخوان» كمنظمة إرهابية ٢٠١٨ لتأييد ذلك، ودعمه بالأدلة.. البيت الأبيض كشف فى مايو ٢٠١٩ عن سعى ترامب لإدراج «الجماعة» كتنظيم إرهابى، بعد أن تأكد خروج كل الحركات والتنظيمات الإرهابية من عباءتها.. واللجنة الفرعية للأمن القومى التابعة للكونجرس نظمت جلسات استماع حول «التهديد العالمى للإخوان» يوليو ٢٠١٩، تناولت المخاطر التى تمثلها على المصالح الأمريكية فى العالم.

لكن نفوذ «الإخوان» فى أمريكا قادر على عرقلة القرارات، من خلال العمل الأهلى، والعناصر التابعة للتنظيم الدولى داخل مفاصل الإدارة الأمريكية، خاصة وزارة الخارجية والحزب الديمقراطى، بخلاف من يخضعون لقوة المال التى تمتلكها «الجماعة»، إضافة للقوة التصويتية لأعضائها، حتى إن الجمعية الأمريكية المسلمة، التى أسسها التنظيم فى فولز تشيرش بولاية فرجينيا، حثت أعضاءها على دعم نائبتى الكونجرس إلهان عمر ورشيدة طليب، فى مواجهة الانتقادات المتعلقة بمعاداتهما للسامية، وعلاقتهما بجماعات وأفراد على صلة بتنظيمات إرهابية.. الخارجية الأمريكية تتذرع فى معارضتها تصنيف «الإخوان» كجماعة إرهابية بتوليها الحكم فى تركيا «حزب العدالة والتنمية»، وتونس «حزب النهضة»، وتمثيلها فى برلمانى الأردن والبحرين، وتمتعها بحرية الممارسة السياسية فى المغرب والسودان، والرعاية التى تحظى بها فى قطر، مقر أكبر القواعد العسكرية الأمريكية بالخليج.. هذه الدول حليفة لواشنطن، والتعامل معها بعد تصنيف الإخوان «إرهابية» يثير إشكاليات سياسية ودبلوماسية معقدة.

التحقيقات فى بريطانيا بخصوص علاقة «الإخوان» بالإرهاب بدأت منذ سنوات، تم خلالها حصر وقائع وشبهات كانت كفيلة بوصم الجماعة، لكن ذلك لم يحدث، لأنها صنيعة المخابرات البريطانية، وتشكل إحدى الأدوات التى تعتمد عليها الدولة فى سياستها بالمنطقة، وعناصر «الإخوان» يعتبرون ركيزة لشبكات التجسس وأنشطة العمليات التى توظفها المخابرات البريطانية.. رغم ذلك هناك تساؤلات عن وضع «الجماعة» بعد تولى بوريس جونسون منصب رئيس الوزراء، وزعامة حزب المحافظين يوليو الماضى، وذلك على ضوء ما ذكره فى كتابه عن الإمبراطورية الرومانية الصادر ٢٠٠٦، من أن «الإسلام قد تسبب فى تخلف الدول الإسلامية عن الغرب»، وإن كان تأثير ذلك فى تقديرى محدودًا للغاية، لأن حزب المحافظين البريطانى لديه علاقات قوية مع «الإخوان»، التى ساعدت الحزب فى العديد من الجولات الانتخابية، من خلال حشد الناخبين المسلمين لدعم مرشحيه.. وشتان بين فكر جونسون ككاتب، وسلوكه كمسئول تنفيذى، تدفعه المصلحة، وتحركه الأجهزة.

 البرلمان الفرنسى اتخذ إجراءات تصعيدية ضد مؤسسات قطرية متورطة فى نشر أفكار «الإخوان» المتطرفة، والحكومة أغلقت المدارس والجمعيات التى لا تمتثل للقانون، وتم تعزيز مراقبة الأموال الآتية من الخارج.. كتاب «أوراق قطر» للصحفيين الفرنسيين كريستيان شيسنو وجورج مالبرونو رصد المكافآت السخية، والتمويلات التى تقدمها الدوحة لمشاريع «الإخوان»، عبر «مؤسسة قطر الخيرية».. إيرينا تسوكرمان الباحثة فى الشئون الأمنية، أكدت أن قطر قامت ببناء عدد من المساجد فى فرنسا، وجندت أئمة للإشراف عليها، وأسهمت فى توجيه المسلمين وفقًا لتعاليم «الإخوان».. الدوحة وأنقرة شكلتا لجانًا إلكترونية على شبكات التواصل، لاستدراج الشباب الساخط على السياسة الفرنسية.. وصحيفة ليبراسيون كشفت عن أن طارق رمضان، حفيد حسن البنا مؤسس «الإخوان»، الذى حوكم بتهمتى اغتصاب فى فرنسا وسويسرا، والذى كان يدير مركزًا للدراسات الإسلامية فى الدوحة ٢٠١٢، يتلقى راتبًا شهريًا ضخمًا من قطر حتى الآن.

الدول الغربية بدأت مراجعة وضع «الجماعة»، ومشروعية نشاطها، لكنها لن تنتهى بإدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية، بسبب قوة التيار الرافض، وإذا ما فرضت الضغوط السياسية اتخاذ القرار فقد لا تصحبه عقوبات، مما يجعله عديم الأثر.. توقيع عقوبات اقتصادية على المخالف، وتقييد حرية انتقال الشركات والأفراد الذين تثبت صلتهم بـ«الإخوان»، ومنع المؤسسات الدولية من التعاون معها، وإلزام الدول الحليفة بطرد عناصرها خارج أراضيها.. كلها عقوبات يصعب تطبيقها، لحاجتها إلى أجهزة تفتيش ومتابعة ورقابة دقيقة.. الأجهزة الأمنية أيضًا تقف حجر عثرة ضد ذلك التصنيف، لأنه يحرمها من توظيف عناصر الجماعة بأعدادهم الكبيرة وانتشارهم الواسع كمصادر للمعلومات وكمندوبى عمليات.

أبسط وسائل عرقلة اتخاذ القرار تستند إلى أن القوانين الأمريكية تتعامل مع الإرهاب على أساس أنه «أفعال»، وليس «توجهًا أيديولوجيًا»، وتلك قضية محورية، فضلًا عن الاستناد إلى ما تثيره عملية توزيع الأدوار تنظيميًا داخل «الجماعة» من بلبلة؛ فداخلها منظمات أهلية تمارس العمل الخيرى، وخلايا تمارس الإرهاب، وتنظيمات حزبية وطنية تخضع لتوجيه التنظيم الدولى، الذى يمارس نشاطه فى الأطر السياسية المتاحة، وكذا استثمارات مالية فى أنشطة يصعب اتخاذ قرار بتصفيتها لتأثيرها السلبى على الاقتصاد، وكيانات إعلامية، تخضع لها لجان إلكترونية للعمل على مواقع التواصل، تعدد الأوجه يستخدم مبررًا لعدم إدراجها.

المهم بالنسبة لنا عدم التوقف عن ممارسة الضغوط لتحقيق ذلك، وعدم الاعتماد على الإعلام فى كشف علاقة الإخوان بالإرهاب، ولا على الجهود المتواضعة لبعض منظمات المجتمع المدنى، إنما نعتمد على التعاون القائم بين أجهزة الأمن والمعلومات، ما يسمح بتقديم حقائق ومعلومات مقترنة بأدلة لا تترك مجالًا للمناورة.. المراجعات الغربية أضرت بشدة بالإخوان؛ قيدت أنشطتها، وفضحت طبيعة علاقتها بالتنظيمات الإرهابية المتطرفة، ما أخضعها للضغوط، ودعم التوجه نحو تشكيل جماعات سرية داخلها، لمواصلة العمل حال الحظر، وخلايا تعمل لحساب أجهزة المخابرات، استرضاء لها.. الـ«نيويورك تايمز» أشارت إلى طرح فكرة داخل الإدارة الأمريكية حول تصنيف الفرع المصرى من الجماعة فقط تجنبًا للإشكاليات المحتملة مع حلفاء واشنطن.. حتى تلك تعتبر خطوة للأمام، قد تعقبها خطوات أخرى.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/09/12 بوصة غير مصنف

 

الإخوان بين الصعبانيات والعمليات الإرهابية

ع1-600x405

جماعة الإخوان أعلنت فى الذكرى السادسة لإسقاط حكمها «٣٠ يونيو» تبنى توجه جديد يرتكز على محورى الفكر والحركة، وذلك على خلفية ما وصفته بـ«الواقع الجديد»، بعد وفاة مرسى، وبعض المراجعات الداخلية.. أهم عناصر هذا التوجه السماح للأعضاء، خاصة من الصف الثالث غير المعروفين، بالانخراط فى العمل السياسى من خلال الأحزاب والكيانات الأخرى، بما قد يساعد فى العودة الخفية إلى ساحة العمل السياسى.. وذلك عبء إضافى على صقور الأمن.

عناصر الإخوان المسجونون تنفيذًا لأحكام نهائية، أو على ذمة قضايا، أطلقوا مبادرة مطلع أبريل ٢٠١٩، سموها «الشباب المستقل»!، أعلنوا فيها «مراجعة» معتقداتهم، وطبيعة علاقتهم بالدولة، وطالبوا بتدخلها لانتشالهم من الأفكار المتطرفة، مؤكدين «فك الارتباط بجماعة الإخوان نتيجة فشلها فى توظيفهم بما يخدم الدين والوطن!، وتسببها فى سجنهم».. واستنكروا عدم امتلاك تصور للخروج من الأزمة، رغم مرور خمسة أعوام على «السقوط».. المبادرة إحياء لمقترحات قدموها منذ عام ونصف العام، لكنها اقترنت بخطة متكاملة ينفذها التنظيم حاليًا، تجمع بين تنشيط الحركة السياسية وتصعيد العمليات الإرهابية، متناسين أن مصر تدرك أن حالات الارتداد للعنف التى وقعت بين الذين استتابوا بالمراجعات تفوق كثيرًا من التزموا بها، وأن تجربة التعامل مع الإرهاب العقائدى تؤكد ضعف فرص التراجع عن الأفكار المتطرفة.

شباب الإخوان الهاربون لتركيا عرضوا مبادرة وقّع عليها ١٣٥٠ عضوًا بالداخل والخارج، تساءلوا فيها عن دور قادة التنظيم فى إنهاء أزمة الجماعة، ومصير سجنائها، وتدعوهم إلى المراجعة والبحث عن حل مع السلطة.. إبراهيم منير رد باستخفاف؛ اعتبرها «صناعة أمنية»!، وتعلل بأن التنظيم «لم يجبرهم على عضويته، كما لم يدخلهم السجون!»، داعيًا «أى شاب يريد الخروج والتبرؤ من الإخوان فليفعل».. منير، أكبر قيادة للتنظيم حاليًا، استخفافه وجّه للأعضاء إشعارات ندم، وبعث إلى من يفكر فى الانضمام برسالة تحذير بأنهم سيصبحون وقودًا لمعركة سياسية، وضحية سوء الاختيار.. والحقيقة أن التخلى عن الأعضاء جزء من أدبيات الجماعة؛ فعصام العريان عندما كان الشباب يعترضون على أى أمر كان يجاهر: «اللى مش عاجبه الوضع يروح فى ستين داهية»!.. ومرصد الفتاوى التكفيرية بدار الإفتاء أعاد التذكير بأن «تاريخ الجماعة شاهد على أنها تلقى بأفرادها للمهالك، ثم تتنصل منهم»، مُذَكّرًا بوصف حسن البنا الذين قاموا باغتيال المستشار أحمد الخازندار بأنهم «ليسوا إخوانًا، وليسوا مسلمين».

انطلاق المبادرة من قواعد التنظيم، وردود فعل القيادة، يعكسان حالة الانفصال وانعدام الثقة بينهما، والأهم والأخطر أنها تضمنت طلب العفو من الدولة مقابل سداد ٥٠٠٠ دولار لكل فرد، كبادرة حسن نية «ودعمًا لتعافى الاقتصاد المصرى»!، مكتفين بإبداء الرغبة فى مراجعة أفكارهم، والإعراب عن الاستعداد للتخلى عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها.. المبادرة مشبوهة، تستهدف الهروب من تحمل جزاء ما تم ارتكابه من جرائم عنف وإرهاب ضد الدولة ومرافقها والعناصر المسئولين عن إنفاذ القانون، من جيش وشرطة وقضاء، خاصة أنها لم تتضمن انتقادًا لفكر وأدبيات وإرهاب الجماعة، كما أنها تثير التساؤلات: كيف نتقبل أن الذين مارسوا الإرهاب ضد السياحة ومرافق الدولة، من كهرباء ومياه وطرق وكبارى.. إلخ، يتحولون فجأة إلى متبرعين لدعم تعافى اقتصادها؟!.. من أين يأتى هؤلاء الشباب بقيمة الدية بالعملة الصعبة ما لم يسددها التنظيم؟!، أم أن قطر ستسدد عنهم؟.. ثم كيف نطمئن مستقبلًا لهؤلاء وهم لم يظهروا أى بادرة ندم على جرائمهم السابقة؟!.. الإخوان يمارسون «التقية» فى أسوأ معانيها!.

المبادرات السابقة فى الواقع تمثل أحد وجهى الخطة التى تنفذها الإخوان منذ بداية الربع الثانى من العام الحالى، والوجه الآخر تمثله التحركات الميدانية المتزامنة التى يتصورون أنه من خلالها يمكن تحريك المياه الراكدة!.. بدأت بتنفيذ قيادات الإخوان بالخارج «خطة الأمل»، بالتنسيق مع القيادات المتعاطفين معهم، ممن يدعون تمثيلهم القوى السياسية المدنية، وتستهدف توحيد صفوفهم، وتوفير الدعم المالى من عوائد وأرباح الكيانات الاقتصادية التى لا تزال تابعة لهم، لاستهداف الدولة ومؤسساتها، بهدف إسقاطها.. التحقيقات كشفت المسارات غير الشرعية للتدفقات النقدية الواردة من الخارج، بالتعاون بين التنظيم وعناصره بالخارج، لتمويل التحركات المناهضة داخل مصر، وتنفيذ أعمال عنف وشغب ضد مؤسسات الدولة، واستغلال وسائل التواصل الاجتماعى فى التحريض ضد الدولة.. القبض على الشبكة المتورطة، ثم تسلم عناصر خلية الكويت، وجّه ضربة قاصمة لمسارات التمويل.

الخلية العنقودية التى كشفتها قوات الأمن، بعد تنفيذ أحد عناصرها العملية الإرهابية بقصر العينى أمام معهد الأورام ٤ أغسطس، وأوقعت ٢٠ شهيدًا، و٤٧ جريحًا، تنتمى إلى حركة «حسم» الإرهابية التابعة للإخوان.. وكانت بداية لمخطط كبير يتضمن تنفيذ عدة عمليات إرهابية متزامنة قبيل عيد الأضحى المبارك، لكن نجاح الأمن فى تصفية ١٧ من عناصر الخلية فى الشروق والفيوم وحلوان أجهض المخطط.

العمليات الإرهابية تزايدت بسيناء مع بداية شهر يونيو الماضى، وتنوعت بين استهداف ارتكازات أمنية واختطاف مدنيين.. العلاقة بين الإخوان والتنظيمات الإرهابية بسيناء خاصة «داعش» و«القاعدة» أضحت من المسلمات، والأمر فى النهاية يحكمه التمويل، ولنتذكر أن جماعة «أنصار بيت المقدس» أعلنت مبايعتها «داعش»، ٢٠١٤، مقابل ١٠.٠٠٠ دولار تسلمها عادل حبارة.. «الإخوان» لا تزال قادرة على التمويل بعائدات استثماراتها فى العالم، والدعم القطرى والتركى، وهو ما تؤكده انتقادات شباب التنظيم لقياداته فى تركيا، بسبب إنفاقهم ببذخ على إحياء الذكرى السادسة لسقوط «رابعة والنهضة».. ومما يؤكد علاقة الإخوان بتلك الموجة الإرهابية أن نجاح العملية «سيناء ٢٠١٨» أدى إلى تراجع كبير للعمليات الموجهة ضد الجيش والشرطة، ما حقق حالة من الهدوء، وأعاد الحياة إلى طبيعتها.. لذلك استهدفت العمليات الإرهابية الأخيرة المدنيين من العمال والمحامين، مما أكد أن الإرهاب فيها مطلوب لذاته، بغض النظر عن الأهداف الموجهة لها.

الجماعة تعانى من انشطار عميق بين القيادة والقواعد، الأولى تدرك أن التنظيم يتداعى، ولا يشغلها سوى الاستيلاء على جزء من أرصدته الضخمة، وهى لم تعد لديها ما تقدمه سياسيًا سوى التذكير بصعبانيات فقدت تأثيرها.. أما القواعد فتواجه ظروفًا معيشية بالخارج بالغة الصعوبة، وهى تبحث عن أى مخرج يعيدها لمصر، دون حساب عن جرائمها.. المواجهة بين الطرفين مرشحة للتصاعد، واحتمالات الإطاحة برجال الحرس القديم مرجحة، مما يفرض المتابعة الدقيقة لما إذا كان ذلك سيؤدى إلى الفوضى، أو إلى الانهيار والتسليم، أم لتصاعد النزعة للعنف، على نحو ما تم عقب سقوط رابعة والنهضة، على أيدى المقبور محمد كمال.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/08/30 بوصة غير مصنف

 

تغيُرات الإقليم، والتقارب الإماراتى الإيرانى

images

تم استهدافُ بئر نفط إماراتية في الخليج أواخر ابريل، وتكتمت الإمارات عليه.. وتم زرع ألغام بحرية على أربع ناقلات نفط قُبالة ميناء الفجيرة بداية مايو، ولم توجه الإمارات الإتهام بالمسئولية لإيران، متعللة بالحاجة لمزيد من القرائن.. وتزامن ذلك مع تكثيف الحوثيون، ذراع أيران فى الجزيرة العربية، للضغوط على السعودية، بهجمات متتالية غير مسبوقة بالطائرات المسيرة، على أهداف إستراتيجية كالمطارات والمنشآت النفطية والعسكرية، عجزت أمامها بطاريات باتريوت الأمريكية ووسائل الدفاع الجوى الأخرى المتطورة.. ايران تواجه الحصار الأمريكى بضغوط مضادة، وتسعى للخروج من الأزمة الراهنة، بمكاسب جديدة.

زيارة الوفد الرسمى لجماعة الحوثيين الى إيران، إستهدفت تقنين علاقاتهما الرسمية، وتحويل الحركة الى دولة، إيران وافقت على إعتماد سفيراً لها بطهران، مايعنى إعترافها السياسى بها.. محمد عبد السلام الناطق الرسمى للحركة أعلن مبايعة مرشد إيران مذهبياً، مايعنى التخلى عن المذهب الزيدى وتبنى الاثنى عشرية، المذهب الرسمى لإيران، وبذلك تكتمل أطر العلاقة بين الحوثيين وطهران، لا بإعتبارهم ذراعها السياسى فى اليمن، وإنما بوصفهم كيان سياسى، يسعى لتقنين سيطرته على مركز السلطة فى صنعاء.

المصالح الإماراتية الإيرانية

إيران وجهت تهديدات صريحة للإمارات، بعد إقلاع طائرة التجسس الأمريكية المسيَّرة «جلوبال هوك» التي قامت بإسقاطها من أراضيها، وكذا عقب إعتراف شبكة تجسس تعمل لحساب المخابرات الأمريكية «CIA» فى إيران بأنها تلقت التكليفات المتعلقة بتنفيذ مهمتها داخل دبى.. التهديدات تحولت الى مخاطر جدية، بفعل غارات الطائرات المسيرة على السعودية، ما فرض على أبوظبى التحسب للأضرار الإقتصادية التى يمكن ان تلحق بها نتيجة لتصعيد التوتر، خاصة فيما يتعلق بهروب روؤس الأموال منها، ورحيل المستثمرين الإيرانيين، الى تركيا وسلطنة عمان وارمينيا.

الإمارات تحتل مركزاً متقدماً فى العلاقات التجارية مع إيران، فهى الثانية عالمياً بعد الصين، والأولى عربياً.. قيمة صادراتها لطهران نحو 6.7 مليارات، ووارداتها قرابة 4.5 مليار عام 2017.. أما عام 2018 فإن 18% من إجمالى واردات إيران من الخارج مصدره الإمارات، و16.2% من قيمة الصادرات الإيرانية لكل دول العالم إتجه للسوق الإماراتى.. مما يوضح أهمية العلاقات لكلا الدولتين.

التوتر فى العلاقة بين ايران والامارات أدى لتراجع عدد السياح الإيرانيين لدبى الى الثلث خلال 2018، كما انخفض عدد التجار الإيرانيين، مما أثر كثيرا في اقتصاديات الإمارة، التى يقطن بها وحدها وحدها 600.000 إيرانى، وأكثر من 6000 شركة إيرانية، ونحو 8000 رجل أعمال إيرانى.. مما يؤكد ان الجالية الإيرانية بالغة الأهمية، على صعيد النشاط الإقتصادى، وعلى الأمن القومى للدولة.

من ناحيتها تسعى ايران للتقارب مع الإمارات لأسباب عديدة، أهمها تحييد دورها كساحة يمكن ان تنطلق منها التهديدات لأمنها القومى.. ثم ان العلاقات التجارية معها تشكل متنفساً فى مواجهة المقاطعة الأمريكية.. والأهم إمكانية ممارسة دوراً فى تهدئة حدة التوتر بالخليج، والتوصل لتسوية مرضية للمشكلة اليمنية.

مبادرات التهدئة الإماراتية

الإمارات بدأت مراجعة سياساتها منذ منتصف مايو 2019، بالإعلان عن عزمها أعادة توزيع قواتها فى اليمن، لتتمكن من الإنسحاب بصورة جزئية، والتخفف مما تفرضه عليها الحرب من تبعات مادية وسياسية، أوفدت بعدها مندوبين الى طهران لتأكيد الرغبة فى السلام، فى سابقة هى الأولى منذ حرب اليمن، أعقبها توقيع قائد قوات خفر السواحل الإماراتى، مذكرة تفاهم مع قائد حرس الحدود الإيرانى، لتعزيز العلاقات وترسيخ أمن الحدود «أول أغسطس»، وتم وضع آليات للمتابعة الدورية، ولقاءات كل ست شهور، بعد ان كانت متوقفة منذ 2013.. الوفد الإماراتى حصل على تطمينات بشأن أمن وسلامة بلاده، وأمن وسلامة الملاحة بالخليج، وتهيئة المناخ لمحادثات موسعة لوضع أسس التعايش بالمنطقة، قد تضم السعودية، إذا ماتوافرت الجدية لدى طهران، وتعهدت الإمارات بتقديم تسهيلات فيزا وإقامة وخدمات مصرفية للمستثمرين الإيرانيين.

الفترة ما بين انسحاب الإمارات من اليمن وزيارة وفدها العسكرى لطهران، شهدت إشادة إيرانية بالتطورات الإيجابية فى العلاقة مع الإمارات، أعقبتها قرارات من سلطات دبى بمنح التسهيلات اللازمة للتجار الإيرانيين، فيما يتعلق بتجارة السلع التي لا تشملها العقوبات الأمريكية، وتيسير منح التأشيرات التجارية، وتمديد تأشيرات سفر التجار السابق إلغاؤها، وفتح الحسابات فى البنوك الإماراتية، وإعادة تنشيط الحسابات المصرفية السابق إغلاقها، أمين عام هيئة الصرافين بإيران كشف عن موافقة مصرفين بالإمارات على ذلك، وإعادة فتح مراكز الصرافة الإيرانية، بعد موافقة البنك المركزى الإماراتى.. الامارات تسعى لتعميق المصالح المالية والإستثمارات الإيرانية على أراضيها، على النحو الذى لاتفكر فيه مستقبلاً فى إستهدافها، حفاظاً على مصالح مواطنيها.

إجراءات التهدئة السعودية

إعلام قطر حاول تضخيم خطوات الامارات الانفتاحية تجاه إيران، بهدف زعزعة التضامن بين الرباعى العربى الذى يقود مقاطعتها، لكن أنور قرقاش قطع عليه الطريق »كل الخطوات تمت بالتنسيق مع السعودية، لتفادى المواجهة مع ايران، وتغليب العمل ‏السياسى».. ثم جاء رفع السعودية حصة حجاج إيران من 86.000 حاج الى أكثر من 88 ألف، والترحاب الشديد الذى تم إستقبالهم به، ليؤكد التوجه نحو تحسين العلاقة مع طهران.

المملكة تجاوبت مع طلب طهران افتتاح مكتب لرعاية المصالح الإيرانية بالسفارة السويسرية بالرياض، ووزیر الحج السعودى تعهد بمتابعة ملف تدشین المكتب بنفسه، حتى يتسنى استئناف ايران لرحلات العمرة التى توقفت منذ 2015.. بعض المصادر تشير لوجود اتصالات سرية بين الدولتين، تتناول أمن الملاحة بالخليج، وصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية نقلت عن مسؤول سعودى قوله إن بلاده تدرس مقترحات لإجراء محادثات مباشرة مع الحوثيين.

الخليج والمشهد الدولى

المشهد الدولى محرك رئيسى لتغيرات الإقليم.. ترامب كلف السيناتور ليندسى جراهام، أحد صقور الكونجرس ورئيس لجنة القضاء بمجلس الشيوخ، بإعداد مشروع لإبرام اتفاق جديد مع إيران ليحل محل الاتفاق النووى، وكلف السيناتور الجمهوري راند بول، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بتوجيه دعوة لوزير خارجية إيران لزيارة البيت الأبيض خلال وجوده بالأمم المتحدة سبتمبر المقبل، مما يؤكد ان أمريكا والغرب ليسوا فى حالة عداء مع ايران، وإنما هم يستخدمونها كفزاعة لدول الخليج.. وكلما اختلفوا على التفاصيل والشروط يتم تصعيد الموقف، حتى يتم ترويضها.

هذه الحقيقة بدأت تدركها دول الخليج، مما يفسر عدم وجود حالة تماهى مع السياسة الأمريكية المتعلقة بمواجهة إيران.. خاصة بعد ان تأكد انها لن تفضى الا الى حرب، لاتريدها جميع الأطراف.. واشنطن دعت لتشكيل تحالف دولى لضمان الأمن بالخليج، تشارك فيه إسرائيل، فى محاولة لفرضها على المنطقة، لكن إيران أكدت أن ذلك تهديد صريح لأمنها القومى، وأنها ستتعامل بقوة مع أى وجود إسرائيلى ضمن سياساتها الرادعة والدفاعية.

كل ذلك ولَّد قناعة متبادلة بين السعودية والإمارات بأن أهداف الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بإيران، لا تتطابق مع أهداف الأمن القومى للرياض وأبوظبى، خاصة وانه فى الوقت الذى تدعو فيه واشنطن لتشكيل تحالف محدود القدرة على الردع، وينذر بالحرب، فإنها لاتستهدف سوى التفاوض مع إيران، الأمر الذى يشكل تناقضاً يثير القلق، وقد يؤدى لتورطهم دون داع.

نزوع الإمارات والسعودية خلال هذه المرحلة نحو التهدئة مع طهران، يعتبر نوعاً من الكياسة السياسية، فموقف الرئيس الأمريكى منها يتسم بالغموض، إذ يستحيل الجزم بما اذا كان يستهدف إبتزاز دول الخليج بها كفزاعة، أم انه يستهدف فعلا نزع فتيل التهديد النووى والصاروخى الإيرانى عن المنطقة.. واذا كان الهدف الأخير صحيحاً، فهل سيضبف تهديدات الطائرات المسيرة، أم سيكرر إلغاء الإتفاق بعد تحولها الى سلاح إستراتيجى بديل.. ثم ماذا عن أذرعها الرسمية المنتشرة بدول المنطقة، وماهو مصير ترامب نفسه فى الانتخابات المقبلة، هل من سيأتى بعده سيتبنى نفس سياسات التصعيد، كل تلك الإعتبارات وغيرها تفرض تهدئة التوتر مع طهران، حتى لاتؤدى المتغيرات الى خسائر استراتيجية فادحة.

***

المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعى أكد «19 أغسطس» وجود إشارات جيدة من دول الجوار «دولة الإمارات، والسعودية»، تصب في صالح المنطقة وشعوبها ، وأبدى إستعداد ايران للتوقيع على اتفاقيات أمنية واقتصادية وجمركية مع دول الخليج، بما يعود بالمنفعة على شعوبها ويقلص التكاليف.. ومندوب السعودية بالأمم المتحدة أبدى استعداد بلاده لإقامة علاقات تعاون مع طهران، شريطة التزامها بحسن الجوار.. كل الأطراف تعانى تبعات المواجهة التى أشعلها ترامب.. لكن مؤشرات التهدئة تبشر بإمكانية وأد الفتنة، شريطة عدم تعنت أطراف الأزمة، غير أن السؤال المهم.. هل يسمح الرئيس الأمريكى بتمرير الإجراءات التى تحيِّد دور فزاعة الخليج، وتفوت عليه فرصة ابتذاذ دوله؟!.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/08/26 بوصة غير مصنف

 

المنطقة السورية الآمنة وإعادة بعث «داعش»

دقة عالية

فى ختام المباحثات العسكرية الأمريكية التركية بأنقرة ٧ أغسطس الجارى، تم الاتفاق على تأسيس «مركز العمليات المشتركة» بتركيا، للتنسيق وإنشاء «المنطقة الآمنة» وإدارتها بالمشاركة، وجعلها ممرًا للسلام لتمكين السوريين اللاجئين من العودة.. وفى ١٢ أغسطس وصل وفد أمريكى من ستة عسكريين إلى تركيا، لبدء إنشاء «المركز».

أمريكا اكتسبت شرعية وجودها بسوريا من الأكراد، تحالفوا معها، تحملوا عبء الحرب ضد «داعش»، لكن قلقهم من التهديدات التركية دفعهم لتحقيق توازن سياسى، بمباحثات مع النظام بإشراف روسيا، لكن أمريكا تخوفت من أن ينتهى ذلك بسيطرة الأسد على كامل التراب السورى، والخروج من الحرب منتصرًا، فلجأت إلى الخيار التركى، مما يفسر اتفاق «المنطقة الآمنة»، لتقاسم النفط والثروات الطبيعية، وقطع طرق الاتصال بين إيران والعراق وسوريا، ومحاولة تحويل سوريا إلى دولة مقسمة فاشلة.

رغم عدم صدور بيان مشترك، إلا أن ما أعلنته أطراف الاتفاق يؤكد عدة حقائق.. أولًا: تراجعت تركيا عن شن عملية عسكرية جديدة شرق الفرات، بعد أن منحتها أمريكا، وهى قوة احتلال، مشروعية دخولها!.. ثانيًا: هناك تنازلات أمريكية تتعلق بطول «المنطقة»، تركيا كانت تطالب بامتدادها لكامل الحدود السورية حتى العراق، وكذا بعمقها، الذى تمسكت تركيا بأن يكون ٣٠٤٠ كم، مقابل عرض أمريكا ١٥٢٠ كم.. وقد ترك تحديد تفاصيل ذلك «للمركز».. ثالثًا: اصطلاح «ممر سلام» يتسم بالغموض، لكنه يؤكد عدم توظيف «المنطقة» فى الحرب على الأكراد، ولذلك فإن إحدى مهام «المركز» إدارة التوترات بين المقاتلين الأكراد والقوات التركية.. رابعًا: إنشاء غرفة عمليات لمراقبة الحدود، يعنى عدم الاستجابة لمطلب أنقرة بالانفراد بإدارتها، ورفض إطلاق يدها للتصرف فيها وفق ما ترى.. خامسًا: وجود «المركز» خارج الأراضى السورية أمر إيجابى، لأنه يبقى على توصيف القوتين التركية والأمريكية، كقوتى احتلال أجنبى.

سادسًا: التهديدات التركية باجتياح الشمال السورى أكدت فاعليتها فى تحريك الجمود الدبلوماسى، وفى فرض الوجود العسكرى التركى بالشمال السورى!.. سابعًا: تركيا تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين «٣٫٦ مليون»، الأزمة الاقتصادية أنهكت الأتراك، وبات معظمهم يرفضونهم كمنافسين مهرة بسوق العمل، الاتفاق قد يوفر المناخ المناسب لإعادة توطينهم بـ«المنطقة الآمنة»، وتوفير مبررات للمطالبة بالمعونات والاستثمارات الدولية، بحجة تشييد مساكن وتوفير مرافق وخدمات، وذلك يعنى أنها لن تخرج منه.. ثامنًا: البنتاجون أكدت عدم إجراء أى تغيير ديموجرافى «للمنطقة»، استنادًا إلى أن إنشاءها صفقة، لضمان وضع «وحدات حماية الشعب» شرق الفرات، لكن أنقرة فى تقديرى لن تلتزم بالضوابط، وستسعى لقطع خطوط الدعم اللوجستى بين مناطق جنوب شرق تركيا، وما تعتبره بؤرًا للإرهاب الكردى من جبال قنديل بالعراق، حتى شرق الفرات بسوريا.. تاسعًا: يعتبر الاتفاق صدمة لروسيا، لأنها ترى أن «المنطقة الآمنة» تمثل خرقًا واضحًا لسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، وهذا يخالف مبادئ أستانة.. عاشرًا: رغم ذلك التزمت روسيا الصمت، حتى لا تمس علاقاتها مع الحليف التركى، وهى تراهن على مفاوضاتها مع الأكراد ومفاوضاتهم مع النظام، وكذا على احتمالات الخلاف بين تركيا وأمريكا عند تطبيق الاتفاق على أرض الواقع.

ردود الفعل كانت متوقعة؛ سوريا أعلنت رفضها القاطع والمطلق الاتفاق، واعتبرته اعتداء فاضحًا على سيادة ووحدة أراضيها، وانتهاكًا سافرًا لمبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة.. مجلس سوريا الديمقراطية «قسد» سارع بإيفاد ثلاثة وفود للخارج.. الأول لدمشق برئاسة إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية، لإجراء مباحثات حول مستقبل «المنطقة»، وعلاقتها بالدولة السورية.. الثانى لموسكو بقيادة عبدالكريم عمر مسئول الشئون الخارجية فى «الإدارة الذاتية».. والثالث للأردن برئاسة سيهانوك ديبو، عضو المجلس الرئاسى لـ«قسد»، ومنها إلى القاهرة لمناشدتها التوسط لدى الرياض، لإقناع بعض عشائر شرق الفرات بمعارضة الاتفاق.

علاقة السعودية بعشائر الشمال السورى تعتبر أهم مرتكزات النفوذ العربى، ثامر السبهان، وزير الدولة لشئون الخليج بالخارجية السعودية، زار الحسكة والرقة منتصف يونيو الماضى، رفقة جويل رابيون، نائب وزير الخارجية الأمريكى، وويليام روباك، مستشار التحالف الدولى، اجتمع مع شيوخ ووجهاء العشائر، وقدم لهم دعمًا ماليًا لتلبية بعض الاحتياجات العاجلة، تزامن الزيارة مع المظاهرات المناهضة لـ«قسد» فى ريف دير الزور، يعكس تقدير المملكة لخطورة الممارسات التركية والقطرية، التى تسعى لإشعال الخلافات بين العرب والأكراد، بما يضعف دوريهما، ويوفر مبررات للتدخل التركى.. مهمة السبهان نجحت فى تهدئة الأوضاع، وحققت التضامن بين العشائر العربية و«قسد»، فى حرب «داعش»، هذا التضامن مستهدف حاليًا، ما يستلزم إعادة تنشيط الدور السعودى.

أخطر ما فى الأزمة الراهنة، تزامنها مع الجهود الرامية لإعادة إحياء دور «داعش» بالمنطقة.. الفريق أول سيرجى رودسكوى، رئيس إدارة عمليات هيئة الأركان الروسية، كشف، نهاية يوليو الماضى، عن أن المدربين الأمريكيين يعيدون تشكيل تنظيم «مغاوير الثورة» المسلح بمنطقة الكيلو ٥٥ فى التنف السورية، وكذا عدد من المجموعات المسلحة الصغيرة التابعة لـ«جيش الكتائب العربية»، وهما من بقايا «داعش»، وأكد أن المروحيات الأمريكية تتولى نقلهم من شرق الفرات بعد انتهاء التدريب لزعزعة الاستقرار بالمناطق التابعة للحكومة.. موقع بريت بارت الأمريكى كشف عن وجود معسكرات فى تركيا لإعادة تأهيل آلاف الدواعش ودفعهم للمنطقة.. معهد دراسات الحرب «ISW»، وهو مؤسسة غير حكومية مقرها واشنطن، أصدر تقريرًا بعنوان «عودة داعش الثانية: تقييم تمرد داعش المقبل»، حذر فيه من أن التنظيم يستعد للعودة مجددًا إلى العراق وسوريا، على نحو أشد خطورة.. تقرير البنتاجون فى ٦ أغسطس حذر من عودة «داعش» لشمال شرق سوريا، فى الوقت الذى تفتقر فيه الجماعات الكردية المدعومة أمريكيًا إلى العتاد والتدريب الكافى لمواجهتها.. والتنظيم نفسه بدأ حملة إعلامية عن تجمع عناصره فى البادية السورية، لاستهداف قوات النظام والميليشيات الإيرانية.

الجميع يتبرأ من مسئولية إعادة تنظيم «داعش» للوجود، إلا أن هدف إحيائه يتضح للعيان؛ من رصد عمليات إعادة تأهيل أمريكا وتركيا لآلاف الدواعش، والأماكن التى ينتشرون فيها، والتنظيمات التى ينخرطون فيها بتسمياتهم الجديدة «مغاوير الثورة»، «أسود الشرقية»، «جيش سوريا الجديد» وغيرها.. عملية إعادة إنتاج التنظيم تستهدف بوضوح المصالح الاستراتيجية الإيرانية بالمنطقة، وعلى رأسها قطع الطريق الممتد من التنف إلى البوكمال بحيث لا يكون هناك اتصال بين سوريا والعراق، مما يعرقل اتصال طهران مع بغداد ودمشق وبيروت.. وبالتالى يتم توظيف «داعش» كأداة فى المواجهة المشتعلة حاليًا ضد إيران.. وهكذا، يعيد بعث «داعش» من أنشأها أول مرة.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/08/22 بوصة غير مصنف

 

معركة طرابلس.. حسابات ماقبل الحسم

صباح الخير 20 أغسطس 2019

الطيران التابع لميليشيات فايز السراج شن غارة على قاعدة الجفرة الجوية التابعة للجيش الوطنى بوسط الصحراء الليبية 26 يوليو الماضى، إستهدفت طائرتى شحن تابعتين لشركة أوكرانية خاصة.. طيران الجيش رد بغارات شبه يومية، متعاقبة على مصراتة، وذلك للمرة الأولى منذ بداية المعارك.

عمليات قصف قاعدة مصراتة الجوية إستهدفت منصة صواريخ وهوائيات توجيه الطائرات التركية المسيرة، ودمرت طائرة شحن عسكرية تركية طراز «اليوشن 76»، بمجرد نزولها أرض المهبط، بكامل حمولتها من الأسلحة والعتاد والذخائر والصواريخ الموجهة الخاصة بالطائرات المُسيرة، كما أصاب محطتى رادار «B 12» و «B14» تدعمان شبكة الدفاع الجوى، ودمر طائرتين «L-39» كانتا عائدتين تواً من مهمة عسكرية جنوب طرابلس.. لم يكتف بمصراتة، بل إمتد القصف الى مواقع تابعة للمعارضة التشادية فى بلدة مرزق جنوب ليبيا، بإعتبارها مصدراً لتزويد الميليشيات بالمرتزقة، ما أسفر عن مقتل 43 منهم، والقبض على 27.. الضربات كلها بالغة التأثير.

إشكالية مصراتة

إستهداف مصراتة متغير جديد فى الحرب، فهى تمثل العمود الفقرى للقوة العسكرية لميليشيات السراج، تقدم نفسها دائما بإعتبارها أقوى تجمع عسكرى فى ليبيا، بحكم دورها فى حسم المعركة ضد كتائب القذافى، وفى إغتياله، ونجاحها، بعد إسقاط النظام الليبى، فى السيطرة على قطاع كبير من مخازن ومعسكرات وأسلحة الجيش،.. تولت تحرير سرت من سيطرة «داعش».. تحملت الزخم الرئيسى فى معركة طرابلس.. عرضت مؤخراً الإنسحاب من الحرب، والتخلى عن دعم السراج، وخاضت مفاوضات مع الجيش الوطنى، لكنها أُجهضت، بسبب طرحها لشروط متشددة تعذر قبولها، خاصة فيما يتعلق بالإصرار على ترك تشكيلات بالعاصمة، لتأمينها، مما أفرغ المفاوضات من مضمونها.. عقلاء المدينة الذين يسعون للتخفف من عبء الخسائر البشرية فى صفوف أبنائها خففوا من تشددهم، عارضين الإنسحاب من محاور القتال حول العاصمة، مقابل عدم استهداف مصراتة نفسها، لكن الجيش بدأ يوجه ضربات موجعة لأهداف إستراتيجية داخل المدينة، محاولاً كسر هيبتها كقوة عسكرية، والضغط عليها للإنسحاب دون شروط.

مصراتة هى احد مراكز التشدد الدينى فى ليبيا، ومركز الثقل الرئيسى لنفوذ الإخوان المسلمين.. تتحمل خسائر كبيرة على امل أن تظل ذات وضعية مستقلة عن الدولة، أو ان تعكس تسويات مابعد الحرب ثقلها العسكرى، بتغييرات تؤثر على التوازنات القبلية والسياسية فى البلاد.. هى حالياً تضع يدها على مركز القرار فى العاصمة من خلال نفوذها على المجلس الرئاسى، ووزارات السيادة في حكومة السراج، وإدارة المصرف المركزى، والمؤسسة الوطنية للنفط، ومؤسسة الاستثمار، وأغلب السفارات فى الخارج.. أغلب المسئولين عن القطاعات الحيوية ينتمون لمصراتة، ولا يتم تعيين أو تكليف مسئول إلا بقرار أو مباركة منها.. وكل قوى الإسلام السياسى تديرها المدينة، نتيجة لإنفتاحها القوى على تركيا.

مصراتة كمركز مهم للصناعة والتجارة، تخشى من أن الإنسحاب من طرابلس، وسيطرة الجيش الوطنى عليها، سيحرمها من غنائم المعارك، وأموال المصرف المركزى، ويؤدى الى بوار تجارتها وصناعتها، التى كان يتم تصريفها بالعاصمة، وفى مختلف انحاء البلاد، مما يفسر ظاهرة تهريب رجال الأعمال المصراتيون لأموالهم الى تركيا، بحكم إنتمائهم العقائدى لتنظيم الإخوان.

التدخل الخارجى

غسان سلامة المبعوث الدولى عبر عن تعدد مظاهر التدخل الخارجى فى الحرب بتأكيده «أن الحرب الليبية اصبحت حرب بالوكالة».. تركيا فتحت محطة للمخابرات بطرابلس، مكلفة بدعم حكومة السراج والميليشيات التابعة لها، وذلك تفعيلاً لإتفاقية الدفاع المشترك التى وقعها السراج مع أنقرة، المحطة يتبعها مستشارين وخبراء عسكريين يشاركون فى إدارة الحرب.. راهنت على الطائرات المسيرة كسلاح إستراتيجى حاسم، لذلك لم تكتف بتصدير أعداد كبيرة منها، بل دفعت عسكريين أتراك تحت إشراف أحد الجنرالات لتولى مهمة تشغيلها.. وسجلات الأمم المتحدة ذاخرة ببيانات السفن التركية التي ضبطت قرب سواحل طرابلس، محملة بأطنان من الأسلحة والذخائر، لدعم الميليشيات، وعشرات من العناصر الإرهابية، ذات الخبرة القتالية العالية، المستمدة من سنوات طويلة فى الحرب السورية.. غير أن الطائرات المسيرة التركية فشلت في تحقيق أهدافها، بسبب إنتشار أهداف الجيش على مساحات شاسعة، وإكتساب الدفاع الجوى خبرة رصدها وإسقاطها، والأهم نجاحه فى تشغيل مايمتلكه منها بصورة فعالة، أصبحت تضطلع معه بدور رئيسى فى الحرب، وسيكون لها دور فعال فى حسم نتائجها.

الجيش الوطنى تمكن من اسقاط طائرتين مسيرتين «أوربيتر 3» صناعة شركة «Aeronautics» الإسرائيلية بمنطقة العزيزية جنوب العاصمة طرابلس مطلع أغسطس الجارى!!، القناة الثانية الإسرائيلية فسرت ذلك بأن أذربيجان اشترت هذه الطائرات في وقت سابق، وتوقعت نقلها إلى تركيا التي سلمتها إلى ميليشيات السراج، لكن صحيفة «الجيروزاليم بوست» فضحت علاقة إسرائيل بحكومة السراج مؤكدة أن فى نطاق تشغيل يتجاوز 150 كم.. الجميع يبحث عن نصيبه فى الكعكة الليبية.

فعالية الغارات التى شنها طيران الجيش على مصراتة، فرض على ايطاليا مراجعة دعمها لميليشيات السراج؛ الطائرة «لوكهيد مارتن C-130» التابعة لسلاح الجو الإيطالى، انطلقت برحلة مقيدة في مطار بيزا الدولي جنوب البلاد 6 أغسطس، متجهة الى مصراتة، لكنها ظلت تحلق لبضع دقائق بالقرب من جزيرة «لامبيدوسا»، ثم عادت بناء على تعليمات سيادية دون تنفيذ مهمتها.. بعدها مباشرة كشفت الحكومة الإيطالية نيتها إرسال طائرة مساعدات طبية وغذائية إلى مطار بنينا ببنغازى، هدية من البرلمان الإيطالى الى جمعية الهلال الأحمر ببنغازى، لتوزيعها على المستشفيات والمراكز الطبية، فى مؤشر واضح لبداية تغيير سياسى يتم التراجع بمقتضاه عن دعم ميليشيات السراج، والإقتراب من الجيش الوطنى، وهو التغيير الذى تم نتيجة لما كشفته المخابرات الإيطالية من أدلة دامغة على مشاركة إرهابيين ضمن ميليشيات حكومة السراج، هذا التغيير يعتبر جزءاً من مقدمات إستقرار الوضع بعد تحرير طرابلس، حيث يتقلص تدريجيا مستوى الدعم الدولى لحكومة السراج، مقابل إقتراب أكثر من دعم جهود الجيش الوطنى.

مستقبل المعارك

رغم الدعم العسكرى التركى والإيطالى والإسرائيلى المباشر لميليشيات السراج بالأسلحة والخبراء والفنيين، الا ان السراج ظل يتباهى بوصف حكومته بـ«المعترف بها دولياً»، الى ان قدم غسان سلامة إفادته الى مجلس الأمن 29 يوليو، مؤكداً «ازدياد وتيرة تجنيد واستخدام المرتزقة الأجانب من قبل أطراف الحرب»، ملمحاً الى تحالف حكومة السراج مع التنظيمات المصنفة إرهابية، واهمها «سرايا الدفاع عن بنغازى» التى تضم عناصر داعش وأنصار الشريعة والقاعدة، ناهيك عن العناصر القادمة من أدلب، التى إكتسبت خبرة قتالية عالية.. الحقيقة ان الإفادة نزعت ورقة التوت عن السراج، مما دعاه لإستدعاء سلامة، وتسليمه مذكرة إحتجاج 31 يوليو، طالباً موافاته بقوائم الإرهابيين الذين قال إنهم يقاتلون في صفوف الميليشيات!!.. أمريكا وفرنسا تراجعا ضمنياً عن إعترافهما، وايطاليا تتراجع، وسلامة تخلى عن تبنيها.. الدعم الدولى للسراج تآكل.

كل ذلك يجرى فى وقت يزداد فيه قلق السراج من ان أعداداً من ميليشيات زليتن والخمس قررت الإنسحاب من محاور القتال، وبدأت تظهر مؤشرات متعددة على قرب إنهيار جبهة الميليشيات.. فقد سقط المئات من القادة الميدانيين والمقاتلين العقائديين في جبهات القتال، وإختفى أمراء الحرب، الذين كونوا ثروات طائلة، إستعداداً للهرب الى تركيا، بعد ان قاموا بتهريب أموالهم، مستفيدين من قرار فج أصدره السراج، بتخفيض قيمة الرسوم على بيع النقد الأجنبى، حتى يتمكن أقطاب حكومته وقيادات الإسلام السياسى وقادة الميليشيات والمتورطون في عمليات السلب والنهب، من شراء العملات الأجنبية وتحويلها إلى الخارج، استعدادا لموجة الهجرة الجماعية، بعد أن أزفت ساعة الحساب.

الهدنة أعلنت لثلاثة أيام بمناسبة عيد الأضحى المبارك، بناء على إقتراحات المبعوث الدولى، ولكن لم يحترمها أحد، وتعرضت لخروقات كبيرة.. كل الأطراف حاولوا استخدامها كإستراحة لالتقاط الأنفاس وإعادة الحشد العسكرى واللوجيستى.. أما باقى مقترحات سلامة المتعلقة بإجتماع البلدان المعنية بليبيا، لوقف تدفق المزيد من الأسلحة، واجتماع القيادات الليبية المؤثرة لبحث عناصر التسوية.. فهى للأسف تخريجات نظرية، لاتراعى المناخ العام الذى بلغته الأزمة، والذى لايتيح فرصة العودة لمائدة المفاوضات، ولا يترك مكانا الا لمقارعة قريبة بالسلاح.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/08/19 بوصة غير مصنف

 

«منتدى الغاز» ومشروع الشراكة الأمريكى

2927262246-crop

«منتدى غاز شرق المتوسط» اختتم اجتماعه الوزارى الثانى بالقاهرة ٢٥ يوليو.. بعد اجتماعه الأول منتصف يناير، عندما أُعلن تأسيسه، واختيرت القاهرة مقرًا له.. شارك فيه ممثلو الدول المؤسسة، وزراء الطاقة فى «قبرص، اليونان، إيطاليا، فلسطين، وإسرائيل، ممثل وزيرة الطاقة الأردنية، ووزير البترول المصرى».
أمريكا شاركت كمراقب بوفد رفيع «بيرى وزير الطاقة، وفانون، مساعد وزير الخارجية للطاقة»، إضافة لمدير عام الطاقة بالاتحاد الأوروبى، وممثلى فرنسا والبنك الدولى.. الاجتماع أقر القواعد والإجراءات الحاكمة لفريق العمل المكلف بتنفيذ فعاليات «المنتدى».. أكد الالتزام بتحويله إلى منظمة دولية، تضمن حقوق الأعضاء فى مواردهم الطبيعية، بمقتضى القانون الدولى.. وافق على إنشاء اللجنة الاستشارية لصناعة الغاز، لدعم مشاركة القطاع الخاص فى الأنشطة، وتعزيز التعاون لاستغلال موارده، وتطوير البنية التحتية، وإنشاء سوق إقليمية.. وتحدد الاجتماع الوزارى المقبل بالقاهرة يناير ٢٠٢٠.
مصر استعرضت إمكانياتها المتاحة، من معامل إسالة وخطوط أنابيب، ما يدعم تحولها لمركز إقليمى لتداول الغاز بحوض المتوسط.. ممثل الاتحاد الأوروبى أكد تمويل مشروع بناء القدرات، وتقوية الخبرة الإدارية المصرية بقطاع الغاز بـ٢٠ مليون يورو، يضاف إلى المشروعات والبرامج الجارية الممنوحة لمصر، والتى تتجاوز ٣٠٠ مليون يورو، وقرابة مليار يورو قروضًا ميسرة، وشدد على أن سبب الاهتمام الأوروبى بغاز شرق المتوسط، هو الرغبة فى الاعتماد عليه كمصدر بديل للغاز الروسى، ضمن سياسة تنويع مصادر الطاقة.
ممثل فرنسا أكد نية الانضمام للمنتدى، استنادًا لدور شركاتها بالمنطقة، وعلاقات الشراكة مع دولها، وأشار إلى مفاوضات تجريها «توتال وإنجى» لاستيراد الغاز من دول «المنتدى».. وزير الطاقة الإسرائيلى أكد انتهاء اختبارات خط نقل الغاز لمصر، وتوقع بدء عمليات الضخ نوفمبر المقبل.. ووزير الطاقة القبرصى، توقع بدء ضخ الغاز من حقل «أفروديت» عبر خط الأنابيب لمصر ٢٠٢٤، بعد تسوية الخلافات المتعلقة بامتداد الحقل داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل.. حتى الآن الأمور تبدو وردية.. ولكن!
المضمون السياسى لمشاركة أمريكا هو دعم «المنتدى»، والتماهى مع اهتمام الشركات الأمريكية بقطاع البترول المصرى، بعد تطويره، خاصة «إكسون موبيل»، التى حصلت على مناطق امتياز، وتعتزم التوسع، مما يفسر توقيع الوزير «بيرى» على مذكرة تفاهم للتعاون فى قطاع الطاقة.. لكنّ للحقيقة وجهًا آخر يتمثل فى محاولة الاستفادة من «المنتدى»؛ لدعم مشروع «قانون شراكة الطاقة والأمن بشرق المتوسط» المتداول حاليًا بالكونجرس، ويتبناه اللوبيان؛ اليونانى والإسرائيلى، ويستهدف إنشاء مركز إقليمى للطاقة بشرق المتوسط، يضم المؤسسات المعنية والقطاع الخاص، ورفع كفاءة البنية التحتية لقبرص واليونان فى مجال التعدين وطاقة البحار، ودعم شبكات الغاز بالمنطقة، لضخ الغاز إلى وسط وغرب أوروبا، وتبنى جامعة متخصصة فى هندسة البترول، لتدشين تعاون علمى فى تكنولوجيا الطاقة والغاز والتعدين والمياه والبرمجيات، وذلك فى إطار تعاون استراتيجى يجمع أمريكا باليونان وقبرص وإسرائيل، فى مواجهة تركيا، ويقلص النفوذ الاقتصادى الروسى بحوض المتوسط، حتى إنه أضيفت مؤخرًا أهداف جديدة للمشروع، تتمثل فى «السعى لإزالة الوجود العسكرى التركى من شمال قبرص، وتمويل برامج التعليم والتدريب العسكرى لليونان وقبرص حتى ٢٠٢٢، ومنح اليونان ٣ مليارات دولار كمساعدة لتحسين وسائل الدفاع، ومحاربة النفوذ الاقتصادى الروسى».
وزراء الطاقة: القبرصى واليونانى والإسرائيلى، ومساعد وزير الخارجية الأمريكى للطاقة، غادروا القاهرة إلى أثينا، ليعقدوا قمة وزارية أخرى كانت فى ٧ أغسطس الجارى، وضعت آلية جديدة «٣+١»، تستهدف تفعيل المشروع الأمريكى، لإنشاء ممر للطاقة شرق المتوسط، يؤمن احتياجات الاتحاد الأوروبى، وينوع مصادره من الطاقة، ويطور التعاون فى مجالى أمن الإنترنت والبنية التحتية، ويعجل بمشروع خط «إيست ميد»، لنقل غاز شرق المتوسط لأوروبا، وهو الذى وقّعت إسرائيل وقبرص واليونان والاتحاد الأوروبى، الاتفاق الخاص به فى مارس الماضى.. هذه التحركات تؤكد تبلور محور قبرص اليونان إسرائيل والولايات المتحدة، داخل «المنتدى».. وهناك حديث عن انضمام فرنسا، واحتمال نشوء محور مصر قبرص اليونان فرنسا، هذه التقسيمات تضعف «المنتدى» على المستويين الدولى والإقليمى، وتؤثر سلبًا على المصالح الاقتصادية لدوله.
السياسات والمصالح الوطنية تفرض نفسها على طبيعة المحاور التى تتشكل حاليًا بالمنطقة، تركيا وروسيا تسعيان لتوسيع شبكة نقل الغاز «توركستريم»، لتغذى تركيا وجنوب شرق أوروبا، أمريكا تسعى لإجهاض المشروع، بتعزيز شبكة أنابيب شرق المتوسط؛ لتصل إلى أوروبا عبر قبرص واليونان «إيست ميد».. مصر ربما لديها بعض التحفظات المبدئية، تتعلق الأولى بالاندماج ضمن تكتلات قد تضعها فى تناقض مع روسيا، رغم مشروعية تناقض المصالح الاقتصادية، القائمة بالفعل فى مجال الغاز، والثانية بالدخول ضمن مشاريع قد تفسر بالتعاون الرسمى مع إسرائيل، قبل تسوية الإشكاليات الرئيسية للمشكلة الفلسطينية، رغم أن الغاز يفرض حتمية التعاون.. هذه التحفظات ربما تستغرقنا لسنوات، يضخ بعدها «إيست ميد» الغاز بحالته الطبيعية لأوروبا، دون مشاركتنا، فيقلل فرص الغاز المسال، الأعلى سعرًا، لإضافة تكلفة تسييله لنقله، ثم إعادته للحالة الغازية للاستهلاك، وذلك يحقق لليونان هدفها فى أن تصبح مركزًا دوليًا للغاز، حيث يصب عندها الخط، لتضخه لإيطاليا وأوروبا، أو تقوم بإسالته بالمعملين اللذين تملكهما.. بهذا التطور تتراجع أهمية «المنتدى»، وتضيع علينا فرصة الاستفادة من محور يواجه الإرهاب التركى بالمنطقة، الذى يبث سمومه فى سيناء والوادى، فى ليبيا والسودان، فى سوريا والعراق، ناهيك عن التحرشات المباشرة باتفاقيات ترسيم الحدود البحرية وبحقول الغاز.. ثروات الغاز المكتشفة تعيد تشكيل استراتيجيات دول المنطقة، ومحاورها السياسية، وربما كنا أولى ببعض المراجعات. المشروع الأمريكى بالغ الأهمية.. لا نستطيع أن نعارضه، لأنه يتفق فى العديد من محاورة مع مصالحنا، ولا يمكن قبوله لأنه يؤسس كيانًا بديلًا «للمنتدى»، يعمل من داخله، ويتسبب فى إضعافه، وقد يضيِّع أهدافه.. لكننا ينبغى أن ندرك حجم التشابك فى المصالح بين دول المنطقة، وأن نراعى الدور الأمريكى، القادر على التأثير فى سياسات دول «المنتدى»، وأن نحدد آليات المواءمة التى تكفل مصالحنا الاقتصادية، وتحول دون توظيف «المنتدى» لخدمة مشاريع واستراتيجيات منافسه، ونمنع انقسامه إلى محاور داخلية تضعفه، وتنقل مراكز اتخاذ القرار إلى خارجه. قولًا واحدًا، المصلحة هى أن ننقل كل مشاريع التعاون إلى داخل «المنتدى»، وأن نكون جزءًا فاعلًا فيها، بغض النظر عن أى حساسيات سياسية، ما يسمح لنا بمواءمة أهدافها مع مصالحنا.. فنحن بصدد الحديث عن اقتصاد.. والاقتصاد لا تحكمه سوى المصالح.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/08/16 بوصة غير مصنف