RSS

معركة طرابلس.. حسابات ماقبل الحسم

19 أوت

صباح الخير 20 أغسطس 2019

الطيران التابع لميليشيات فايز السراج شن غارة على قاعدة الجفرة الجوية التابعة للجيش الوطنى بوسط الصحراء الليبية 26 يوليو الماضى، إستهدفت طائرتى شحن تابعتين لشركة أوكرانية خاصة.. طيران الجيش رد بغارات شبه يومية، متعاقبة على مصراتة، وذلك للمرة الأولى منذ بداية المعارك.

عمليات قصف قاعدة مصراتة الجوية إستهدفت منصة صواريخ وهوائيات توجيه الطائرات التركية المسيرة، ودمرت طائرة شحن عسكرية تركية طراز «اليوشن 76»، بمجرد نزولها أرض المهبط، بكامل حمولتها من الأسلحة والعتاد والذخائر والصواريخ الموجهة الخاصة بالطائرات المُسيرة، كما أصاب محطتى رادار «B 12» و «B14» تدعمان شبكة الدفاع الجوى، ودمر طائرتين «L-39» كانتا عائدتين تواً من مهمة عسكرية جنوب طرابلس.. لم يكتف بمصراتة، بل إمتد القصف الى مواقع تابعة للمعارضة التشادية فى بلدة مرزق جنوب ليبيا، بإعتبارها مصدراً لتزويد الميليشيات بالمرتزقة، ما أسفر عن مقتل 43 منهم، والقبض على 27.. الضربات كلها بالغة التأثير.

إشكالية مصراتة

إستهداف مصراتة متغير جديد فى الحرب، فهى تمثل العمود الفقرى للقوة العسكرية لميليشيات السراج، تقدم نفسها دائما بإعتبارها أقوى تجمع عسكرى فى ليبيا، بحكم دورها فى حسم المعركة ضد كتائب القذافى، وفى إغتياله، ونجاحها، بعد إسقاط النظام الليبى، فى السيطرة على قطاع كبير من مخازن ومعسكرات وأسلحة الجيش،.. تولت تحرير سرت من سيطرة «داعش».. تحملت الزخم الرئيسى فى معركة طرابلس.. عرضت مؤخراً الإنسحاب من الحرب، والتخلى عن دعم السراج، وخاضت مفاوضات مع الجيش الوطنى، لكنها أُجهضت، بسبب طرحها لشروط متشددة تعذر قبولها، خاصة فيما يتعلق بالإصرار على ترك تشكيلات بالعاصمة، لتأمينها، مما أفرغ المفاوضات من مضمونها.. عقلاء المدينة الذين يسعون للتخفف من عبء الخسائر البشرية فى صفوف أبنائها خففوا من تشددهم، عارضين الإنسحاب من محاور القتال حول العاصمة، مقابل عدم استهداف مصراتة نفسها، لكن الجيش بدأ يوجه ضربات موجعة لأهداف إستراتيجية داخل المدينة، محاولاً كسر هيبتها كقوة عسكرية، والضغط عليها للإنسحاب دون شروط.

مصراتة هى احد مراكز التشدد الدينى فى ليبيا، ومركز الثقل الرئيسى لنفوذ الإخوان المسلمين.. تتحمل خسائر كبيرة على امل أن تظل ذات وضعية مستقلة عن الدولة، أو ان تعكس تسويات مابعد الحرب ثقلها العسكرى، بتغييرات تؤثر على التوازنات القبلية والسياسية فى البلاد.. هى حالياً تضع يدها على مركز القرار فى العاصمة من خلال نفوذها على المجلس الرئاسى، ووزارات السيادة في حكومة السراج، وإدارة المصرف المركزى، والمؤسسة الوطنية للنفط، ومؤسسة الاستثمار، وأغلب السفارات فى الخارج.. أغلب المسئولين عن القطاعات الحيوية ينتمون لمصراتة، ولا يتم تعيين أو تكليف مسئول إلا بقرار أو مباركة منها.. وكل قوى الإسلام السياسى تديرها المدينة، نتيجة لإنفتاحها القوى على تركيا.

مصراتة كمركز مهم للصناعة والتجارة، تخشى من أن الإنسحاب من طرابلس، وسيطرة الجيش الوطنى عليها، سيحرمها من غنائم المعارك، وأموال المصرف المركزى، ويؤدى الى بوار تجارتها وصناعتها، التى كان يتم تصريفها بالعاصمة، وفى مختلف انحاء البلاد، مما يفسر ظاهرة تهريب رجال الأعمال المصراتيون لأموالهم الى تركيا، بحكم إنتمائهم العقائدى لتنظيم الإخوان.

التدخل الخارجى

غسان سلامة المبعوث الدولى عبر عن تعدد مظاهر التدخل الخارجى فى الحرب بتأكيده «أن الحرب الليبية اصبحت حرب بالوكالة».. تركيا فتحت محطة للمخابرات بطرابلس، مكلفة بدعم حكومة السراج والميليشيات التابعة لها، وذلك تفعيلاً لإتفاقية الدفاع المشترك التى وقعها السراج مع أنقرة، المحطة يتبعها مستشارين وخبراء عسكريين يشاركون فى إدارة الحرب.. راهنت على الطائرات المسيرة كسلاح إستراتيجى حاسم، لذلك لم تكتف بتصدير أعداد كبيرة منها، بل دفعت عسكريين أتراك تحت إشراف أحد الجنرالات لتولى مهمة تشغيلها.. وسجلات الأمم المتحدة ذاخرة ببيانات السفن التركية التي ضبطت قرب سواحل طرابلس، محملة بأطنان من الأسلحة والذخائر، لدعم الميليشيات، وعشرات من العناصر الإرهابية، ذات الخبرة القتالية العالية، المستمدة من سنوات طويلة فى الحرب السورية.. غير أن الطائرات المسيرة التركية فشلت في تحقيق أهدافها، بسبب إنتشار أهداف الجيش على مساحات شاسعة، وإكتساب الدفاع الجوى خبرة رصدها وإسقاطها، والأهم نجاحه فى تشغيل مايمتلكه منها بصورة فعالة، أصبحت تضطلع معه بدور رئيسى فى الحرب، وسيكون لها دور فعال فى حسم نتائجها.

الجيش الوطنى تمكن من اسقاط طائرتين مسيرتين «أوربيتر 3» صناعة شركة «Aeronautics» الإسرائيلية بمنطقة العزيزية جنوب العاصمة طرابلس مطلع أغسطس الجارى!!، القناة الثانية الإسرائيلية فسرت ذلك بأن أذربيجان اشترت هذه الطائرات في وقت سابق، وتوقعت نقلها إلى تركيا التي سلمتها إلى ميليشيات السراج، لكن صحيفة «الجيروزاليم بوست» فضحت علاقة إسرائيل بحكومة السراج مؤكدة أن فى نطاق تشغيل يتجاوز 150 كم.. الجميع يبحث عن نصيبه فى الكعكة الليبية.

فعالية الغارات التى شنها طيران الجيش على مصراتة، فرض على ايطاليا مراجعة دعمها لميليشيات السراج؛ الطائرة «لوكهيد مارتن C-130» التابعة لسلاح الجو الإيطالى، انطلقت برحلة مقيدة في مطار بيزا الدولي جنوب البلاد 6 أغسطس، متجهة الى مصراتة، لكنها ظلت تحلق لبضع دقائق بالقرب من جزيرة «لامبيدوسا»، ثم عادت بناء على تعليمات سيادية دون تنفيذ مهمتها.. بعدها مباشرة كشفت الحكومة الإيطالية نيتها إرسال طائرة مساعدات طبية وغذائية إلى مطار بنينا ببنغازى، هدية من البرلمان الإيطالى الى جمعية الهلال الأحمر ببنغازى، لتوزيعها على المستشفيات والمراكز الطبية، فى مؤشر واضح لبداية تغيير سياسى يتم التراجع بمقتضاه عن دعم ميليشيات السراج، والإقتراب من الجيش الوطنى، وهو التغيير الذى تم نتيجة لما كشفته المخابرات الإيطالية من أدلة دامغة على مشاركة إرهابيين ضمن ميليشيات حكومة السراج، هذا التغيير يعتبر جزءاً من مقدمات إستقرار الوضع بعد تحرير طرابلس، حيث يتقلص تدريجيا مستوى الدعم الدولى لحكومة السراج، مقابل إقتراب أكثر من دعم جهود الجيش الوطنى.

مستقبل المعارك

رغم الدعم العسكرى التركى والإيطالى والإسرائيلى المباشر لميليشيات السراج بالأسلحة والخبراء والفنيين، الا ان السراج ظل يتباهى بوصف حكومته بـ«المعترف بها دولياً»، الى ان قدم غسان سلامة إفادته الى مجلس الأمن 29 يوليو، مؤكداً «ازدياد وتيرة تجنيد واستخدام المرتزقة الأجانب من قبل أطراف الحرب»، ملمحاً الى تحالف حكومة السراج مع التنظيمات المصنفة إرهابية، واهمها «سرايا الدفاع عن بنغازى» التى تضم عناصر داعش وأنصار الشريعة والقاعدة، ناهيك عن العناصر القادمة من أدلب، التى إكتسبت خبرة قتالية عالية.. الحقيقة ان الإفادة نزعت ورقة التوت عن السراج، مما دعاه لإستدعاء سلامة، وتسليمه مذكرة إحتجاج 31 يوليو، طالباً موافاته بقوائم الإرهابيين الذين قال إنهم يقاتلون في صفوف الميليشيات!!.. أمريكا وفرنسا تراجعا ضمنياً عن إعترافهما، وايطاليا تتراجع، وسلامة تخلى عن تبنيها.. الدعم الدولى للسراج تآكل.

كل ذلك يجرى فى وقت يزداد فيه قلق السراج من ان أعداداً من ميليشيات زليتن والخمس قررت الإنسحاب من محاور القتال، وبدأت تظهر مؤشرات متعددة على قرب إنهيار جبهة الميليشيات.. فقد سقط المئات من القادة الميدانيين والمقاتلين العقائديين في جبهات القتال، وإختفى أمراء الحرب، الذين كونوا ثروات طائلة، إستعداداً للهرب الى تركيا، بعد ان قاموا بتهريب أموالهم، مستفيدين من قرار فج أصدره السراج، بتخفيض قيمة الرسوم على بيع النقد الأجنبى، حتى يتمكن أقطاب حكومته وقيادات الإسلام السياسى وقادة الميليشيات والمتورطون في عمليات السلب والنهب، من شراء العملات الأجنبية وتحويلها إلى الخارج، استعدادا لموجة الهجرة الجماعية، بعد أن أزفت ساعة الحساب.

الهدنة أعلنت لثلاثة أيام بمناسبة عيد الأضحى المبارك، بناء على إقتراحات المبعوث الدولى، ولكن لم يحترمها أحد، وتعرضت لخروقات كبيرة.. كل الأطراف حاولوا استخدامها كإستراحة لالتقاط الأنفاس وإعادة الحشد العسكرى واللوجيستى.. أما باقى مقترحات سلامة المتعلقة بإجتماع البلدان المعنية بليبيا، لوقف تدفق المزيد من الأسلحة، واجتماع القيادات الليبية المؤثرة لبحث عناصر التسوية.. فهى للأسف تخريجات نظرية، لاتراعى المناخ العام الذى بلغته الأزمة، والذى لايتيح فرصة العودة لمائدة المفاوضات، ولا يترك مكانا الا لمقارعة قريبة بالسلاح.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/08/19 بوصة غير مصنف

 

1 responses to “معركة طرابلس.. حسابات ماقبل الحسم

  1. Gamal Taha

    2019/08/19 at 14:28

    تم نشر هذا المقال بمجلة “صباح الخير” 20 أغسطس 2019

    إعجاب

     

أضف تعليق