RSS

المنطقة السورية الآمنة وإعادة بعث «داعش»

22 أوت

دقة عالية

فى ختام المباحثات العسكرية الأمريكية التركية بأنقرة ٧ أغسطس الجارى، تم الاتفاق على تأسيس «مركز العمليات المشتركة» بتركيا، للتنسيق وإنشاء «المنطقة الآمنة» وإدارتها بالمشاركة، وجعلها ممرًا للسلام لتمكين السوريين اللاجئين من العودة.. وفى ١٢ أغسطس وصل وفد أمريكى من ستة عسكريين إلى تركيا، لبدء إنشاء «المركز».

أمريكا اكتسبت شرعية وجودها بسوريا من الأكراد، تحالفوا معها، تحملوا عبء الحرب ضد «داعش»، لكن قلقهم من التهديدات التركية دفعهم لتحقيق توازن سياسى، بمباحثات مع النظام بإشراف روسيا، لكن أمريكا تخوفت من أن ينتهى ذلك بسيطرة الأسد على كامل التراب السورى، والخروج من الحرب منتصرًا، فلجأت إلى الخيار التركى، مما يفسر اتفاق «المنطقة الآمنة»، لتقاسم النفط والثروات الطبيعية، وقطع طرق الاتصال بين إيران والعراق وسوريا، ومحاولة تحويل سوريا إلى دولة مقسمة فاشلة.

رغم عدم صدور بيان مشترك، إلا أن ما أعلنته أطراف الاتفاق يؤكد عدة حقائق.. أولًا: تراجعت تركيا عن شن عملية عسكرية جديدة شرق الفرات، بعد أن منحتها أمريكا، وهى قوة احتلال، مشروعية دخولها!.. ثانيًا: هناك تنازلات أمريكية تتعلق بطول «المنطقة»، تركيا كانت تطالب بامتدادها لكامل الحدود السورية حتى العراق، وكذا بعمقها، الذى تمسكت تركيا بأن يكون ٣٠٤٠ كم، مقابل عرض أمريكا ١٥٢٠ كم.. وقد ترك تحديد تفاصيل ذلك «للمركز».. ثالثًا: اصطلاح «ممر سلام» يتسم بالغموض، لكنه يؤكد عدم توظيف «المنطقة» فى الحرب على الأكراد، ولذلك فإن إحدى مهام «المركز» إدارة التوترات بين المقاتلين الأكراد والقوات التركية.. رابعًا: إنشاء غرفة عمليات لمراقبة الحدود، يعنى عدم الاستجابة لمطلب أنقرة بالانفراد بإدارتها، ورفض إطلاق يدها للتصرف فيها وفق ما ترى.. خامسًا: وجود «المركز» خارج الأراضى السورية أمر إيجابى، لأنه يبقى على توصيف القوتين التركية والأمريكية، كقوتى احتلال أجنبى.

سادسًا: التهديدات التركية باجتياح الشمال السورى أكدت فاعليتها فى تحريك الجمود الدبلوماسى، وفى فرض الوجود العسكرى التركى بالشمال السورى!.. سابعًا: تركيا تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين «٣٫٦ مليون»، الأزمة الاقتصادية أنهكت الأتراك، وبات معظمهم يرفضونهم كمنافسين مهرة بسوق العمل، الاتفاق قد يوفر المناخ المناسب لإعادة توطينهم بـ«المنطقة الآمنة»، وتوفير مبررات للمطالبة بالمعونات والاستثمارات الدولية، بحجة تشييد مساكن وتوفير مرافق وخدمات، وذلك يعنى أنها لن تخرج منه.. ثامنًا: البنتاجون أكدت عدم إجراء أى تغيير ديموجرافى «للمنطقة»، استنادًا إلى أن إنشاءها صفقة، لضمان وضع «وحدات حماية الشعب» شرق الفرات، لكن أنقرة فى تقديرى لن تلتزم بالضوابط، وستسعى لقطع خطوط الدعم اللوجستى بين مناطق جنوب شرق تركيا، وما تعتبره بؤرًا للإرهاب الكردى من جبال قنديل بالعراق، حتى شرق الفرات بسوريا.. تاسعًا: يعتبر الاتفاق صدمة لروسيا، لأنها ترى أن «المنطقة الآمنة» تمثل خرقًا واضحًا لسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، وهذا يخالف مبادئ أستانة.. عاشرًا: رغم ذلك التزمت روسيا الصمت، حتى لا تمس علاقاتها مع الحليف التركى، وهى تراهن على مفاوضاتها مع الأكراد ومفاوضاتهم مع النظام، وكذا على احتمالات الخلاف بين تركيا وأمريكا عند تطبيق الاتفاق على أرض الواقع.

ردود الفعل كانت متوقعة؛ سوريا أعلنت رفضها القاطع والمطلق الاتفاق، واعتبرته اعتداء فاضحًا على سيادة ووحدة أراضيها، وانتهاكًا سافرًا لمبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة.. مجلس سوريا الديمقراطية «قسد» سارع بإيفاد ثلاثة وفود للخارج.. الأول لدمشق برئاسة إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية، لإجراء مباحثات حول مستقبل «المنطقة»، وعلاقتها بالدولة السورية.. الثانى لموسكو بقيادة عبدالكريم عمر مسئول الشئون الخارجية فى «الإدارة الذاتية».. والثالث للأردن برئاسة سيهانوك ديبو، عضو المجلس الرئاسى لـ«قسد»، ومنها إلى القاهرة لمناشدتها التوسط لدى الرياض، لإقناع بعض عشائر شرق الفرات بمعارضة الاتفاق.

علاقة السعودية بعشائر الشمال السورى تعتبر أهم مرتكزات النفوذ العربى، ثامر السبهان، وزير الدولة لشئون الخليج بالخارجية السعودية، زار الحسكة والرقة منتصف يونيو الماضى، رفقة جويل رابيون، نائب وزير الخارجية الأمريكى، وويليام روباك، مستشار التحالف الدولى، اجتمع مع شيوخ ووجهاء العشائر، وقدم لهم دعمًا ماليًا لتلبية بعض الاحتياجات العاجلة، تزامن الزيارة مع المظاهرات المناهضة لـ«قسد» فى ريف دير الزور، يعكس تقدير المملكة لخطورة الممارسات التركية والقطرية، التى تسعى لإشعال الخلافات بين العرب والأكراد، بما يضعف دوريهما، ويوفر مبررات للتدخل التركى.. مهمة السبهان نجحت فى تهدئة الأوضاع، وحققت التضامن بين العشائر العربية و«قسد»، فى حرب «داعش»، هذا التضامن مستهدف حاليًا، ما يستلزم إعادة تنشيط الدور السعودى.

أخطر ما فى الأزمة الراهنة، تزامنها مع الجهود الرامية لإعادة إحياء دور «داعش» بالمنطقة.. الفريق أول سيرجى رودسكوى، رئيس إدارة عمليات هيئة الأركان الروسية، كشف، نهاية يوليو الماضى، عن أن المدربين الأمريكيين يعيدون تشكيل تنظيم «مغاوير الثورة» المسلح بمنطقة الكيلو ٥٥ فى التنف السورية، وكذا عدد من المجموعات المسلحة الصغيرة التابعة لـ«جيش الكتائب العربية»، وهما من بقايا «داعش»، وأكد أن المروحيات الأمريكية تتولى نقلهم من شرق الفرات بعد انتهاء التدريب لزعزعة الاستقرار بالمناطق التابعة للحكومة.. موقع بريت بارت الأمريكى كشف عن وجود معسكرات فى تركيا لإعادة تأهيل آلاف الدواعش ودفعهم للمنطقة.. معهد دراسات الحرب «ISW»، وهو مؤسسة غير حكومية مقرها واشنطن، أصدر تقريرًا بعنوان «عودة داعش الثانية: تقييم تمرد داعش المقبل»، حذر فيه من أن التنظيم يستعد للعودة مجددًا إلى العراق وسوريا، على نحو أشد خطورة.. تقرير البنتاجون فى ٦ أغسطس حذر من عودة «داعش» لشمال شرق سوريا، فى الوقت الذى تفتقر فيه الجماعات الكردية المدعومة أمريكيًا إلى العتاد والتدريب الكافى لمواجهتها.. والتنظيم نفسه بدأ حملة إعلامية عن تجمع عناصره فى البادية السورية، لاستهداف قوات النظام والميليشيات الإيرانية.

الجميع يتبرأ من مسئولية إعادة تنظيم «داعش» للوجود، إلا أن هدف إحيائه يتضح للعيان؛ من رصد عمليات إعادة تأهيل أمريكا وتركيا لآلاف الدواعش، والأماكن التى ينتشرون فيها، والتنظيمات التى ينخرطون فيها بتسمياتهم الجديدة «مغاوير الثورة»، «أسود الشرقية»، «جيش سوريا الجديد» وغيرها.. عملية إعادة إنتاج التنظيم تستهدف بوضوح المصالح الاستراتيجية الإيرانية بالمنطقة، وعلى رأسها قطع الطريق الممتد من التنف إلى البوكمال بحيث لا يكون هناك اتصال بين سوريا والعراق، مما يعرقل اتصال طهران مع بغداد ودمشق وبيروت.. وبالتالى يتم توظيف «داعش» كأداة فى المواجهة المشتعلة حاليًا ضد إيران.. وهكذا، يعيد بعث «داعش» من أنشأها أول مرة.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/08/22 بوصة غير مصنف

 

1 responses to “المنطقة السورية الآمنة وإعادة بعث «داعش»

  1. Gamal Taha

    2019/08/22 at 23:34

    تم نشر هذا المقال فى جريدة الدستور الجمعة 23 أغسطس 2019

    https://www.dostor.org/2775942

    إعجاب

     

أضف تعليق