RSS

Monthly Archives: سبتمبر 2013

موافقة الإخوان على مشروع تبادل الأراضى.. الأبعاد والدلالات والنتائج

Image

نشرت «الوطن» فى 10 سبتمبر الجارى الوثائق والخرائط المتعلقة «بمشروع تبادل الأراضى الإقليمية» الذى تبنته الولايات المتحدة وإسرائيل لإقامة «دولة غزة» فى سيناء، والذى وافقت عليه جماعة الإخوان، ومنذ ذلك التاريخ وردود الفعل والتعقيبات تتوالى من مختلف الأطراف المعنية، إلا أنه من الملفت أنه لم يصدر أى نفى لصحة تلك الوثائق من أى جهة رسمية حتى الآن، كما لا نتوقع أن يصدر مثل هذا النفى نظراً لتناسق المشروع مع الخطوط العريضة الرئيسية لكافة مشاريع التسوية التى طرحت من قبل، فضلاً عن تمشى كافة الإجراءات والسياسات التى قام بها الإخوان خلال العام الذى حكموا فيه البلاد، مع ما يتطلبه تنفيذ المشروع من إجراءات تمهيدية، وقبل أن نتعرض لتحليل أبعاد ودلالات ونتائج كشف «الوطن» لتفاصيل تلك الخطة، فسوف نعيد قراءتها بصورة ملخصة وبسيطة.

***

طرح المشروع البروفيسور «يهوشع بن آريه»، الرئيس السابق للجامعة العبرية، بهدف حل قضية الشرق الأوسط، وقد عرضته الولايات المتحدة على تركيا وقطر، بعد أن وافق عليه الإخوان قبل وصولهم للحكم، فكانت مكافأتهم تسهيل ودعم وصولهم للسلطة فى مصر ودول أخرى، حتى يتمكنوا من تنفيذ تعهداتهم بشأن المشروع.

يرتكز المشروع على صيغة الدولتين على أن يكون الخط الأخضر المحدد من عام 1949 إلى عام 1967 بمثابة أساس للحدود بين الدولتين، لكن ضعف اقتصاد الدولة الفلسطينية وما تعانيه من انفجار ديموجرافى فى غزة لا يسمح لها بالحياة على المدى الطويل، مما يفرض تبادل الأراضى بين إسرائيل ومصر، ولذلك يرتكز المشروع على خمسة مقومات أساسية:

1- ضرورة ضم أراضٍ مصرية إلى الضفة وغزة بما يسمح بقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة.

2- أن مساهمة مصر فى حل الأزمة على هذا النحو ينطلق من مسئوليتها عن نزوح اللاجئين لقطاع غزة خلال حرب 48، ومسئوليتها عن إدارة القطاع نفسه لمدة 19 عاماً.

3- أن مساهمة المجتمع الدولى (أمريكا – أوروبا) فى حل المشكلة الفلسطينية ضرورة للتخلص مما تمثله من تهديد لمصالحه فى المنطقة.

4- أن مصلحة إسرائيل إيجاد حل لقطاع غزة لأنه يمثل قنبلة موقوتة وتهديداً لأمنها.

5- أما فى حالة حصول الفلسطينيين على حدود ما قبل 67 التى لا توفر السيادة الكاملة، فإن إسرائيل لن تكون ملزمة بتوفير طريق رابط بين الضفة وغزة ولا باستيراد عمالة فلسطينية!!

وحدد الملخص التنفيذى للمشروع مرحلتين للتنفيذ:

الأولى: تبادل الأراضى بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. حيث يحصل الفلسطينيون على مساحة تقدر بنحو 100 كيلومتر جنوب غربى صحراء النقب مع ممر يربط بين مصر والأردن، مقابل حصول إسرائيل على منطقة مماثلة من أراضى الضفة الغربية.

الثانية: ضم مساحة من شمال سيناء إلى فلسطين تمتد من حدود غزة مع مصر إلى مدينة العريش، مقابل حصول مصر على مساحة مقابلة فى جنوب غربى صحراء النقب وممر برى يربط مصر مع الأردن.

ووضع المخطط 6 خطوات لتنفيذ المشروع هى:

1- تتنازل إسرائيل عن مساحة 200-500 كيلومتر مربع لمصر جنوب صحراء النقب المتاخمة لمنطقة «فاران ناحال» فى سيناء الواقعة مقابل «الكونتيلة»، على أن تخضع للترتيبات الأمنية المطبقة فى سيناء طبقاً لاتفاقية السلام.

2- تتنازل إسرائيل لمصر عن ممر من أقصى المنطقة التى سيتم ضمها إلى سيناء من جهة حدود الأردن بما يسمح بإقامة طريق سريع متعدد للسيارات والسكك الحديدية وخطوط أنابيب بترول ومياه.

3- تتنازل مصر فى المقابل عن مساحة للفلسطينيين تعادل ضعف المساحة التى تنازلت عنها إسرائيل (من 500 إلى 1000 كيلومتر مربع) وتقع تلك المنطقة جنوب مدينة رفح فى قطاع غزة على طول الحدود بحوالى 20-30 كم وعلى الساحل من الحدود المصرية – الإسرائيلية الحالية تجاه مدينة العريش وتمتد إلى داخل سيناء.

4- يتنازل الفلسطينيون -مقابل المنطقة التى سيحصلون عليها من مصر- عن مساحة مماثلة لإسرائيل فيما وراء الخط الذى تحدده اتفاقية الهدنة التى وُقعت بين إسرائيل والأردن 1949 وهو فى الواقع حدود 4 يونيو 1967.

5- تحدد الخرائط التفصيلية التى تشكل جزءا من هذا الاتفاق الآتى (حجم وحدود المنطقة الإسرائيلية التى سيتم التنازل عنها لمصر فى النقب والطريق السريع والممر بين مصر والأردن -ترسيم حجم وحدود المنطقة التى ستتنازل عنها مصر للفلسطينيين جنوب قطاع غزة – مساحة الأراضى التى سيتم ضمها لإسرائيل فى الضفة الغربية وما وراء خطوط 4 يونيو 1967).

6- وكنتيجة طبيعية يتم ترسيم الحدود الدائمة بين إسرائيل والفلسطينيين، شاملة ما يتم إقراره بشأن مدينة القدس وضواحيها، وذلك كجزء من خطوات إضافية يتم الاتفاق عليها مسبقاً قبل التوقيع على اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

7- حدد الملخص التنفيذى الشكل النهائى لخريطة المنطقة من حيث المنافع (إنشاء شبكة طرق تخدم التجارة البينية – توصيل المياه والغاز والبترول – إنشاء مطار دولى فى غزة بعد توسعتها وميناء بحرى فى مصر وآخر فى الأراضى الفلسطينية – دعم التجارة العربية البينية).

الفوائد المتبادلة لمختلف أطراف المشروع

إسرائيل: ضم أراضٍ تعادل 40 – 60% من مساحة الضفة الغربية يقطنها 196 ألف مستوطن إسرائيلى مع الحصول على الشرعية الدولية لها، مقابل التنازل عن منطقة غير مأهولة بالسكان، وإيجاد حل نهائى للمشكلة الفلسطينية يسمح بالتطبيع مع العالم العربى والإسلامى.

مصر: التنازل عن أراضٍ غير مأهولة مقابل أراضٍ لها أهمية استراتيجية!! (وهذا غير حقيقى لأن مصر ستحصل على مناطق صحراوية داخلية مقابل مناطق ساحلية) – ممر برى إلى الأردن – طريق أسهل للحجيج إلى مكة – مد خط أنابيب نفط – تنشيط التجارة – توفير التمويل الدولى للاقتصاد المصرى – تسريع وتيرة مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية – الحفاظ على المساعدات العسكرية الأمريكية وتبنى خطة «مارشال» دولية للتنمية الاقتصادية فى قناة السويس «ضخ استثمارات بقيمة 150 مليار دولار» – حل الضغوط الاقتصادية والديموجرافية فى قطاع غزة بما يقلل من الضغوط الداخلية على الحكومة المصرية فيما يتعلق بحدودها مع القطاع.

فلسطين: ضم أراضٍ ذات أهمية استراتيجية ومنطقة ساحلية مقابل التنازل عن أراضٍ ذات كثافة سكانية إسرائيلية عالية – تخفيف الضغط السكانى عن غزة – بناء ميناء فى عمق البحر – تنشيط الصادرات والواردات وإقامة خط أنابيب النفط ومحطات كهرباء وتحلية المياه ومطار دولى وعدد من المدن الجديدة – تنشيط السياحة وصيد الأسماك – الحصول على أراضٍ تعادل 100% من مساحة الضفة وغزة قبل عام 1967- سيصبح قطاع غزة مناسباً لتحقيق تنمية طويلة الأمد علاوة على مكاسب اقتصادية.

الأردن: مكاسب ديموجرافية لأن استقرار غزة يحد من تدفق السكان على الأردن – الحصول على مخرج إلى البحر الأبيض المتوسط – الاستفادة من زيادة حركة التجارة والدخول والخروج عبر حدوده.

***

أولاً: كانت فكرة تسوية المشكلة الفلسطينية على حساب سيناء -وستظل- حجر الزاوية فى كل المشاريع التى تم طرحها منذ إنشاء الدولة الفلسطينية حى الآن (مشروع وكالة غوث اللاجئين 1954 – مشروع وزير الخارجية الأمريكى جون فوستر دالاس 1955 – مشروع وزير الخارجية الإسرائيلى، إيجال آلون 1967 – مشروع رئيسة الوزراء الإسرائيلية، جولدا مائير 1971 – مشروع جاى نجور، رئيس قسم دراسات الأمن القومى بمركز هرتزليا 2006 – مشروع غزة الكبرى لـ«جيورا إيلاند»، رئيس مجلس الأمن القومى السابق فى إسرائيل 2008) وبالتالى فإن قضية التنمية، وتوفير فرص عمل تسمح بتوطين مليون مواطن بمنطقة شمال شرق سيناء على نحو عاجل تعتبر مسألة أمن قومى تحظى بأولوية أولى عن كل ما عداها، ويتزامن ذلك مع اعتماد الحكومة مؤخراً لمبلغ 188٫5 مليون جنيه فى إطار الخطة الشاملة لتنمية سيناء لتوفير الاحتياجات العاجلة لمحافظتى شمال وجنوب سيناء (100 مليون للشمال والباقى للجنوب) وهو اعتماد بالغ التواضع قد يكفى بالكاد لتدعيم بعض المرافق والخدمات العاجلة، إلا أن ذلك أبعد ما يكون عن مواكبة احتياجات المنطقة التى ينبغى أن تتحول تنميتها إلى مشروع قومى ضخم يحظى بالأولوية.

ثانياً: أن مشرع تبادل الأراضى سبق عرضه على مبارك عام 2006 -بعد أن بلورت الولايات المتحدة تصورها للشرق الأوسط الجديد- إلا أن مبارك رفضه تماماً، ثم أعيد عرضه مرة أخرى عام 2010 بعد خطاب الرئيس أوباما الشهير بجامعة القاهرة والذى دعا فيه إلى («تنازلات مؤلمة» من أجل السلام فى الشرق الأوسط)، وكانت ملامح القلق المصرى من تأثير إنشاء إثيوبيا لسد النهضة على حصتها من مياه النيل قد بدأت فى الظهور، إلى حد تهديد مبارك بضرب السد، والغريب أن يضاف للمشروع تعهد بإقامة واحدة من أكبر محطات تحلية المياه فى العالم بمدينة الشيخ زويد، بتمويل من البنك الدولى، بقدرة إنتاجية تفوق النقص فى مياه النيل، بما يسمح لمصر ببيع الزائد منها، وذلك بخلاف دعم اقتصادى إضافى لمصر فى حدود 12 مليار دولار، إلا أن نظام مبارك قد تمسك برفضه، ليتضح أن مشروع سد النهضة الإثيوبى كان واحدة من الأدوات التى تخدم الترتيبات الإقليمية لإنجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد -الذى قبله الإخوان- وهو ما يفسر رخاوة وهزلية رد فعل مرسى تجاه هذا المشروع، إلى حد التواطؤ، رغم خطورته البالغة على أمن مصر المائى.

ثالثاً: وافق الإخوان على هذه الخطة خلال لقاءاتهم مع الأمريكان فى بروكسل قبل سقوط مبارك، وقد شارك فى هذه الاجتماعات كل من محمد مرسى بحكم مسئوليته عن الاتصالات الخارجية للجماعة، وأحمد عبدالعاطى بحكم ارتباطاته التقليدية بالمخابرات الأمريكية من خلال مكتبها فى تركيا، أما بعد نجاح الثورة، فقد تمت تلك الاتصالات فى واشنطن بمعرفة كل من عصام الحداد وعصام العريان، وتلك المرحلة من الاتصالات رصدتها السفارة المصرية فى واشنطن، لكنها لم تتمكن من معرفة الهدف منها أو تفاصيل ما جرى، لأن ترتيب هذه المقابلات قد تم بمعرفة ممثلى الإخوان فى الولايات المتحدة متجاوزين السفارة تماماً، وبعد وصول مرسى للرئاسة، تم توسيع تلك الاتصالات بمشاركة ممثلين للمخابرات الإسرائيلية بهدف الانتقال إلى مرحلة تفعيل إجراءات تنفيذ المشروع.

رابعاً: وإذا كان مبدأ الإنكار والتقية هو السائد فى سلوكيات الإخوان تجاه ما يتورطون فيه من أمور تثير الجدل، فإن التنصل من مسئوليتهم تجاه الموافقة على هذا المشروع تعتبر مستحيلة نظراً لوجود العديد من القرائن المؤكدة لتورطهم الكامل فى الموافقة عليه والشروع فى تنفيذه:

1- خطاب الرئيس المعزول إلى الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز فى يوليو 2012 والذى حمل من الود ما يفوق علاقات التحالف بين طرفين.

2- ضمان مرسى لاتفاق حماس مع إسرائيل فى نوفمبر 2012 على إنهاء كافة الأنشطة المعادية لإسرائيل.

3- تصريحات عصام العريان فى يناير 2013 الخاصة بحق اليهود فى العودة لمصر والتعويض عن ممتلكاتهم.

4- إصرار الإخوان -رغم المعارضة الواسعة، خاصة من جانب القضاة- على أن تسمح صياغة الفقرة الثانية من المادة 145 من دستور 2012 بتنازل رئيس الجمهورية عن أراضٍ وطنية «وتجب موافقة المجلسين بأغلبية ثلثى أعضائهما على معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة»، ولعل ذلك يفسر استماتة الإخوان على استمرار مجلسى الشعب والشورى اللذين يتمتعون فيهما بالأغلبية اللازمة، والذين أدركوا عن يقين أن تلك الأغلبية غير قابلة للتكرار فى أى انتخابات تالية.

5- قيام الرئيس المعزول بمنح الجنسية المصرية لحوالى 50 ألف فلسطينى، مع السماح بالدخول والإقامة لكافة الفلسطينيين بمن فى ذلك المدرجون على قوائم الممنوعين.

6- تقدم «حماس» بمشروع إقامة منطقة تجارية حرة فى رفح 2012 والذى أعقبه تقدم شركة بريطانية بطلب لمحافظ شمال سيناء لإنشاء مدينة تتسع لمليون نسمة، رغم أن عدد سكان سيناء 300 ألف فقط، وهو ما استنكره الرأى العام ورفضته القوات المسلحة.

خامساً: ومما يؤكد صحة الوثائق والخرائط وترتيبات التنفيذ من الجانب الأمريكى، أنه فى يناير 2008، ومع تولى هيلارى كلينتون وزارة الخارجية، أصبحت هوما عابدين مساعدة لوزيرة الخارجية الأمريكية -وهى المعروفة بعلاقات والديها وشقيقها الوثيقة مع الإخوان- كما كانت تتمتع بوضع خاص فى البيت الأبيض الذى كانت تشغل فيه منصب نائب رئيس الموظفين لوزيرة الخارجية، فضلاً عن اتصالاتها الوثيقة مع مجلس الشيوخ، فإذا أضفنا إلى ذلك تعيين داليا مجاهد عام 2009 كأول مستشارة مسلمة ومحجبة فى البيت الأبيض لأدركنا مدى استعداد الرئاسة الأمريكية ووزارة خارجيتها للتعامل مع الإخوان باعتبارهم أدوات المرحلة الجديدة فى إقامة «الشرق الأوسط الجديد»، خاصة أن كافة التعاملات الأمريكية معهم من قبل كانت تتم من خلال وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والغريب أن الأمريكيين كانوا يعلمون أن توجه سياستهم نحو الإخوان لن تستمر طويلاً، لتقديرهم بأنهم لن يتمكنوا من الاستمرار فى حكم البلاد وسيفشلون سريعاً، الأمر الذى يفسر مشاركة أمريكا فى الضغط على المؤسسة العسكرية المصرية لتحييد دورها فى مواجهة الإخوان، فضلاً عن تشجيعهم للإخوان للإسراع فى تنفيذ مخططات التمكين، والتعجيل بإجراء التغييرات الكفيلة بما تم الاتفاق عليه معهم بشأن ترتيبات الشرق الأوسط الجديد، وهى العملية التى أدت إلى استنفار وسخط شعبى واسع ضد الإخوان، وأدت فى النهاية إلى الإطاحة بهم قبل أن يتمكنوا من تمرير المخطط الأمريكى.

سادساً: وقد أدى تعجل الإخوان -تحت ضغط الإلحاح الأمريكى الإسرائيلى الحمساوى- فى تنفيذ هذا المخطط، إلى ارتكاب أخطاء استراتيجية أفقدت الرئيس مرسى وبسرعة ولاء القوات المسلحة والمخابرات، وكان أبرز هذه الأخطاء ما يلى:

* وعد السودان بالنظر فى التنازل عن حلايب وشلاتين، وسرعة الترويج لخرائط نزعت فيها المنطقة من داخل الحدود المصرية لتضاف على نحو استفزازى إلى داخل الحدود السودانية.

* سرعة تمرير قانون الصكوك -رغم رفض الأزهر له- حتى يتسنى الإعلان عن مشروع «إقليم قناة السويس» الذى كانت نصوصه المعلنة تعنى فصله تماماً عن أرض وسلطة الدولة، وتحوله إلى منطقة عازلة تفصل بين سيناء والوادى بما ييسر عملية نزعها من الوطن.

* تشجيع الإرهابيين المصريين بالخارج على العودة للبلاد مرة أخرى، والسماح بدخول العناصر المتطرفة من مختلف الجنسيات، بمن فى ذلك المدرجون على القوائم الذين ينتمى معظمهم إلى «القاعدة»، والإفراج عن العشرات من العناصر الإرهابية الخطيرة المتورطة فى عمليات قتل، وكذا أعداد من المهربين وتجار المخدرات الذين اتجهوا لتعزيز وضعية الجماعات الإرهابية فى سيناء، التى تحولت تدريجياً إلى مركز تجمع وتدريب لقرابة (30) من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، كما كرس الإخوان جهودهم لتيسير وصول كميات ضخمة من الأسلحة الثقيلة والصواريخ المهربة لسيناء تعزيزاً لقوة هذه الجماعات. ومع تلمس الجيش لخطورة تلك الظاهرة التى عرضت 16 من رجاله فى أغسطس 2012 للشهادة، حاول شن حملة تطهير لسيناء «العملية نسر» إلا أن مرسى أمر بوقفها، كما وجه بعدم هدم الأنفاق!!

* تهميش دور المؤسسات التى تدير سياسة مصر الخارجية، وعلى رأسها وزارة الخارجية والمخابرات العامة، وتفويض الدكتور عصام الحداد فى تلك المهمة، لأنه من المشاركين فى الاتفاقات السرية مع الولايات المتحدة، ولذلك فإنه خلال عام واحد هدم الإخوان الأسس التى تقوم عليها سياسة مصر الخارجية وأمنها القومى منذ عشرات السنين (تبنى دعوة الجهاد ضد سوريا رغم أن أمن مصر تاريخياً يبدأ من هناك -محاولة قلب نظم الحكم فى الإمارات والكويت بتنشيط الخلايا النائمة التابعة للتنظيم الدولى للإخوان- الحرص على البعد الطائفى فى سياسة مصر تجاه المنطقة العربية.. فالعلاقات المصرية السعودية تنطلق من انتماء مشترك للمذهب السنى.. والعداء لسوريا وحزب الله ينطلق من موقف مضاد للشيعة، دون مراعاة أن هذا المنظور هو الركيزة الأساسية التى يتم على أساسها إشعال الصراعات بين أبناء الوطن الواحد لاستكمال مخطط تقسيم المنطقة – وأخيراً إهمال البعد الأفريقى فى سياسة مصر الخارجية).

***

سقوط مشروع التسوية النهائية للصراع الإسرائيلى الفلسطينى على حساب مصر -والذى وافق عليه الإخوان- كان المبرر الحقيقى لموقف الولايات المتحدة الرافض لثورة الشعب ضد الإخوان فى 30 يونيو الماضى، ورغم تمسك الرئاسة الأمريكية بالدفاع عن خياراتها السياسية، فإن مصر قادرة على التأثير فى هذا الموقف من خلال العمل على ثلاثة محاور رئيسية: (حملة إعلام وعلاقات عامة مدروسة جيداً – خطوات جادة لتعزيز علاقات التعاون الاستراتيجى مع روسيا والصين – فرض الاستقرار الدخلى والتخلص من حالة الرخاوة فى التعامل مع تظاهرات غير سلمية تجهر بأن هدفها إسقاط اقتصاد الدولة) لكن هذا موضوع آخر..

 
تعليق واحد

Posted by في 2013/09/30 بوصة غير مصنف

 

مذكرات سامى عنان..هل تفتح الملفات المسكوت عنها؟

Image
الفريق سامى عنان الذى كان الشريك الأنشط ابان حكم المجلس العسكرى الذى اعقب نجاح الموجة الأولى للثورة المصرية فى 25 يناير 2011..والذى كان الأنشط ايضاً فى عملية تسليم السلطة فى البلاد للإخوان بعد ان حصل على وسام الجمهورية وتقاعد صامتاً..بدأ حملته للرئاسة من مرسى مطروح يوم 20 سبتمبر الجارى ، وكان مقرراً ان يتلوها بزيارة السويس ، لكن رد الفعل الشعبى والإعلامى الرافض لترشحه قد دفعه لإلغاء تلك الزيارة ، قبل ان ينفى انه قرر الترشح ، ثم عاد ليؤكد انه أرجأ فقط حملته بناء على تاكيدات من المجلس العسكرى بمد المرحلة الإنتقالية لمدة عام آخر!! حالة تخبط يشكك خلالها فى مدى التزام الحكم بخارطة المستقبل..واخيراً خرج علينا بمذكرات “يبيع” فيها المشير طنطاوى شريكه ورئيسه فى المجلس العسكرى الحاكم سابقاً ، بعد ان باع من قبل مبارك عندما اتهمه “بأنه أصدر اوامر رئاسيه بسحق المتظاهرين ومساواة ميدان التحرير بالأرض لكنهم لم يفعلوا”.

تلك ملاحظات سريعة على ماأورده عنان فى مذكراته بالأمس..

***

اولاً:   حاول ان يؤكد ان زيارته للولايات المتحدة فى 23 يناير 2011 ..اى قبل الثورة بأقل من يومين لاصلة لها بالثورة واحداثها المتوقعة ، ولكن ..حتى لو كانت تلك الزيارة قد تمت فى اطار لجنة التنسيق والتعاون العسكرى المصرى الأمريكى ، والتى تعقد سنوياً ، والتى كان مقرراً لها ان تعقد فى اكتوبر 2010 وتاجلت لظروف الإنتخابات البرلمانية فى مصر ، فإن اختيار الموعد الجديد فرض ان يكون موضوع الساعة هو الموضوع الرئيسى على مائدة البحث ..فالولايات المتحدة بالنسبة لمصر ليست مجرد بائع أسلحة ، ولاتاجر قمح ، لكنها الحليف الإستراتيجى الأقوى ، واى تغيير سياسى فى مصر يعنيها بنفس قدر مايعنى النظام الحاكم ذاته . ومن المؤكد انه بقدر اهتمام الولايات المتحدة بمعرفة كيفية تعامل الجيش مع المظاهرات الشعبية بقدر اهتمام عنان بالتعرف على هامش الحركة المسموح به من الجانب الأمريكى للجيش فى التعامل مع الثورة ، وكذا حدود تأييدها لحسنى مبارك .. ونلاحظ هنا ان الإستفسار الأمريكى بشأن التعامل مع المتظاهرين كان موجهاً للجيش ، لأن المعلومات التى كانت متوافرة لدى اجهزة الأمن الأمريكية كانت ترجح ان الداخلية لن تستطيع الصمود امام ضخامة وزخم المظاهرات الشعبية ، وان القوة الحاسمة على الأرض ستكون القوات المسلحة.

ثانياً:    كما حاول ان يؤكد ان قرار عدم اطلاق الرصاص على المتظاهرين كان قراره هو – وليس قرار المشير طنطاوى – بحكم مسئوليته كرئيس اركان عن القوات فى الميدان ، متغافلاً ان هذا القرار ينطلق اساسا من العقيدة القتالية للقوات المسلحة المصرية ، وانه حتى لو قرر عدم الإلتزام بما تفرضه تلك العقيدة فإن اعضاء المجلس العسكرى – الشريك الرئيسى فى اى قرار استراتيجى لن يوافقوا عليه ، لأن الضباط والجنود فى الميدان لن ينفذوه حتى لو صدر اليهم ..ليست تلك بطولة من سامى عنان ، لكنها قيم حاكمة للجيش المصرى.

ثالثاً:    ان الإنطباع الذى خرج به عنان من مباحثاته مع الأمريكان هو “ان المتغطى بهم عريان” على حد قوله ، لأنه ادرك انهم قد باعوا نظام مبارك بعد ان اثمرت اتصالاتهم مع الإخوان – سواء فى القاهرة خلال مقابلات مرسى واحمد عبدالعاطى مع ضابط المخابرات الأمريكى ، او استكمال تلك المقابلات فى تركيا بين عبدالعاطى وضابط المخابرات الأمريكى هناك ، فضلاً عن المباحثات التى تمت فى بروكسل مع الإخوان بشأن الترتيبات الإقليمية المتعلقة بتبادل الأراضى فى اطار تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد – تلك هى النتيجة التى خرج بها عنان ..لقد باع الأمريكان حسنى مبارك لحساب الإخوان.

رابعاً:    ان عنان كان له رأى فى خطاب مبارك الأول واعترض على عدم اقالته للحكومة واصفاً له بالضعف والتردد .. فلماذا اذن لم يقدم لمبارك تلك النصيحة خلال الإجتماع التالى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ؟! او حتى فى اطار علاقته الثنائية الحميمة معه والتى تسمح بتناول مثل هذه الأمور ؟! واذا كان عنان يعتبر ان ماكان يعرض على مبارك من معلومات عن الموقف على الأرض لم يكن يعكس الواقع ، فلماذا لم يقدم له المعلومات الصحيحة وهو المسئول عن اوضاع القوات المسلحة المصرية على الأرض ؟!

خامساً:    اكد عنان ان فكرة الإنقلاب الناعم على مبارك كانت فكرته ، وان المشير طنطاوى لم يبد تحمساً لها ، وانه كان على ثقة من دعم الشعب للفكرة ، دون ان يبرر لماذا اختلف فكره وتوجهاته عندما تعرض لصفعة قوية مهينة ومخزية من الرئيس مرسى عندما اطاح به وبالمشير دون ان يحرك اياً منهما ساكناً ..ولم يفسر لنا لماذا غابت عن ذهنه آنذاك توجهاته الإنقلابية؟!

سادساً:    ادعى عنان انه ادرك ان الإخوان قد سعوا لإستثمار الثورة فى تحقيق اهدافهم ومصالحهم الخاصة ، وان الهاربون من سجن وادى النطرون بمساعدة حماس وحزب الله قد سعوا لإسقاط الدولة ..فإذا كانت تلك رؤيته فلماذا صمت عليهم حتى سيطروا على البرلمان واحتلوا قصر الإتحادية بينما هو واقف يؤدى التحية العسكرية لمرسى ، ثم لماذا انفرجت اساريره معبراً عن الإمتنان والعرفان وهو يتلقى من مرسى وسام الجمهورية امام كاميرات الفضائيات والصحف والوكالات العالمية؟!

سابعاًُ:     اسند عنان لنفسه وحده – فى غياب المشير طنطاوى – فضل إصدار بيان القوات المسلحة فى الأول من فبراير ، والذى كان رسالة طمأنة للشعب والقوى السياسية بأن الجيش سينحاذ للشعب بلاتردد او مساومة ، وعاد ليؤكد تلك الحقيقة بإظهار موقف المشير – خلال اجتماع المجلس العسكرى برئاسة مبارك مساء نفس اليوم – بالخذلان ، وانه قد تكفل عنه بالرد عن سؤال مبارك بشأن بيان الجيش ومايعكسه من موقف تجاه حماية “شرعية الرئيس”.

ثامناً:    نفى عنان ان الجيش قد سلم السلطة للإخوان من خلال صفقة “الخروج الآمن” لأعضاء المجلس العسكرى ، ودلل على ذلك برفع الإخوان شعار “يسقط حكم العسكر” .. والحقيقة ان الإخوان كانوا يرفعون هذا الشعار فى الشارع تعزيزاً لموقفهم التفاوضى مع المجلس العسكرى ، والذى انتهى بالفعل بعزل أعضاء المجلس ، مع تكريم كل منهم بصيغة مختلفة عن الآخر ..اوسمة ..انواط ..نياشين ..مناصب بالملحقيات العسكرية بالخارج ..فماذا يعنى ذلك غير الخروج الآمن ؟! بل ان عنان برر الحاق عناصر اخوانية بالكليات العسكرية بأن الجيش كانت تسيطر عليه النزعات العقائدية منذ ثورة 1952 ، وهو امر غير صحيح على اطلاقه والا لما حافظ الجيش المصرى آنذاك على وحدته التنظيمية ، ولما كان قد نجح فى التصدى للإخوان.

تاسعاً:     برر عنان اصرار المجلس العسكرى على البدء بالإنتخابات التشريعية بأن البدء بالدستور كان يتطلب وقتاً طويلاً ..لكن ذلك محاولة فاشلة من عنان للتلاعب بالتاريخ .. فالشعب وافق فى إستفتاء مارس على تعديل عدة مواد فى دستور 1971 على اساس استمرار العمل به ، لكنه فوجىء وبدون مقدمات بصدور اعلان دستورى جديد تماماً ..فما مبرر ذلك التعديل غير القانونى فى المسار والذى يتعارض مع الإرادة الشعبية التى عبرت عنها نتيجة الإستفتاء ؟

عاشراً:     حتى الأسئلة التى طرحها عنان فى نهاية مذكراته واعتبر ان اجاباتها معروفة وبديهية كانت نوعاً من التدليس ..

          *    فالإستفتاء وان لم يشهد تزوير الأصوات بالصناديق الا انه شهد حشد دينى من جانب الإخوان وصل الى حد تكفير الرافضين للتعديلات الدستورية ، بل انهم وصفوا الإستفتاء بأنه غزوة الصناديق.

*  وانتخابات مجلس الشعب تم حسمها برشاوى الزيت والسكر والبطاطس ، وشراء اصوات الفقراء.

*  اما مجلس الشورى فحسمه غياب المرشحين المدنيين وامتناع الشعب عن المشاركة فى التصويت لعدم قناعته بأهمية وجود المجلس.

*  ثم لماذا لم يسيطر المجلس العسكرى على تدفق الدعم المادى من الخارج على الإخوان والجمعيات السلفية لتمويل حملاتهم الإنتخابية.

*  وفى الإنتخابات الرئاسية تكرر نفس مشهد شراء الأصوات ، وزاد عليه صمت المجلس العسكرى على قرابة 2 مليون صوت تم تزويرهم فى المطبعة الأميرية ، فضلاً عن منع القرى المسيحية بالصعيد من التصويت .

*   ولم يعلق عنان على ماتسرب من وثائق تتعلق باتفاق تم بين المجلس العسكرى ولجنة الإنتخابات على تعديل النتيجة لصالح مرسى تجنباً لتهديدات الإخوان بإحراق البلد ، وهى الوثائق التى لم تخرج اى جهة لنفى صحتها ، كما لم تقدم اى جهة مبرراً لتنحى كافة القضاة عن قضية تزوير انتخابات الرئاسة التى رفعها المرشح المنافس احمد شفيق.

***

مذكرات سامى عنان .. هى ليست بالمذكرات .. ولكنها ردود على تساؤلات ، ومحاولات تبرئة لإتهامات وجهها الشعب والإعلام على نطاق واسع له بعد ان اعلن عن بدء حملته الإنتخابية للرئاسة من مطروح يوم 20 الجارى ، وهو ماقد يبرر هجومه على الإعلام واتهامه له بدعم الإخوان .. والحقيقة ان هذه الردود ومحاولات التبرئة لم تحقق سوى زيادة الشكوك وتعميق مبررات الإتهام . هل كانت تلك المذكرات خطأ جسيماً ارتكبه عنان فى حق نفسه وحق المجلس العسكرى الذى حكم مصر منذ ثورة 25 يناير قبل ان يسلمها للإخوان..لقد اعترف عنان بذلك عندما قال فى كلمته بمطروح”لقد وقفنا مع الرئيس المعزول فى الإنتخابات الرئاسية ، لكنه لم يكن على قدر المسئولية وانحاز لجماعة الإخوان”..ترى هل تفتح تلك المذكرات الملفات المسكوت عنها..ام سينجح عنان فى إغلاقها قبل ان تحرقه وتحرق شركاؤه فى المسئولية خلال مرحلة من اخطر مراحل التاريخ المصرى المعاصر؟!

 
2 تعليقان

Posted by في 2013/09/29 بوصة غير مصنف

 

ديفيد ساترفيلد..واستكمال الدور التخريبى للسفارة الأمريكية بالقاهرة

Imageعندما شرعت فى كتابة هذا المقال كان تقديرى انه سيكون تعبيراً عن نجاح الإرادة الوطنية فى عرقلة مساعى الولايات المتحدة لتنفيذ النموذج السلفادورى الذى يعتمد على نشر “فرق الموت” والإغتيالات فى مصر أسوة بماحدث فى العراق ، والذى اضطلع فيه روبرت فورد – الذى كانت الولايات المتحدة تعتزم ترشيحه كسفير لها بالقاهرة خلفاً لآن باترسون – بدور رئيسى ، الا ان الحملة الوطنية – التى شاركنا فيها بقوة على صفحات “الوطن” الغراء بمقال طويل فى العدد 466 الصادر بتاريخ 8 أغسطس 2013 تحت عنوان “روبرت فورد..فرق الموت..واللعب على المكشوف” – هذه الحملة التى كشفت التاريخ الأسود للمرشح على النحو الذى لم يعد معه من الملائم ترشيحه رسمياً ، لذلك تصورت ان تعيين ديفيد ساترفيلد كقائم بالأعمال يمثل تعبير عن هزيمة الولايات المتحدة وتراجعها عن مخططاتها لتفتيت مصر فى انتظار الفرصة المواتية لإتخاذ القرار بترشيح سفير جديد يناسب المرحلة.

      غير ان محاولة تأصيل الموضوع والبحث عن خلفياته قد كشفت أبعاداً بالغة الخطورة عن نشاط ومخططات السفارة الأمريكية بالقاهرة..دعونا نبدأ بتقييم مرحلة “آن باترسون” بشكل غير تقليدى كمدخل ضرورى للموضوع.

***

       نشر موقع ويكيليكس عدة وثائق تدين “آن باترسون” باعتبارها أحد أركان النظام الامريكي المنفذ لخطط الاغتيالات في عدة دول نامية ، حتى إنها المسئولة عن اغتيال السيناتور بول ولستون عضو مجلس الشيوخ الأمريكى المعروف بمعارضته للسياسة الأمريكية فى كولومبيا عندما كانت باترسون سفيرة لبلادها هناك ، وقد غادرت امريكا اللاتينية بعد ان رصد اليساريون حركتها الدؤبة ، وتردد انها قد نجت بأعجوبة من تفجير دبر لإغتيالها.

       وبعد ان تولت منصبها كسفيرة للولايات المتحدة بباكستان فى يولية 2007 طلبت منها بنازير بوتو رئيسة الوزراء السابقة فى خطاب رسمى المساعدة فى إجراء تقييم للأمن وحمايتها ، لأنها كانت تخشى على حياتها ، لكن السفيرة الأمريكية التى لم تتقبل تصريحات بوتو بعد شهر من وصولها اسلام أباد بأن “أسامة بن لادن قد قتل قبل أحداث 11 سبتمبر 2011 على يد عمر الشيخ” كتبت للخارجية الامريكية مذكرة أوصت فيها بتجاهل الرسالة مؤكدة انها قد طالبت بوتو بالتعاون مع حكومة “مشرف” لضمان حماية نفسها ، واغتيلت بوتو وأكثر من 130 شخص فى اكتوبر 2007 بعد أن تعرض موكبها لهجوم إرهابى ، وعلق مارك كوراترمان الذي ترأس فريقا للأمم المتحدة للتحقيق في عملية اغتيال بوتو بأن الحماية الأمنية التي تم توفيرها لها كانت “سيئة للغاية ، وبالغة الإهمال” ، اما رئيس أركان الجيش الباكستاني السابق الجنرال “ميرزا أسلم بك”، فقد أكد أن شركة “بلاك ووتر” الأمنية الأمريكية التي تستخدمها المخابرات المركزية الأمريكية في عمليات الاغتيال هي التي اغتالت بوتو مشيراً الى ان باترسون قد سمحت للشركة بالتواجد في المدن الباكستانية الكبرى بما في ذلك إسلام آباد وراولبندي وبيشاور وكويتا ، وانها وفرت  مساكن لموظفيها من خلال إحدى الوزارات التى ساعدتهم ايضاً في توفير شحنات الأسلحة والآليات اللازمة ، كما منحتها الحصانة الدولية لضمان عدم محاكمة عناصرها على مايقترفونه من جرائم ، وينبغى هنا الإشارة الى ان تقارير معهد “ذي ناشين” عن سجلات الحكومة الأمريكية تؤكد أنها قد تعاقدت فى يونية 2004 مع شركة “بلاك ووتر” لتأمين خدمات “الأمن الدبلوماسي” للحكومة الأمريكية ضمن “برنامج خدمة حماية الأفراد والمسئولين الأمريكيين حول العالم” والذى تنفذه وزارة الخارجية.

     ولكن كيف تدير الولايات المتحدة علاقاتها مع “بلاك ووتر” فى العواصم التى لاتسمح لهذه الشركة سيئة السمعة بالتواجد ؟! يتم ذلك كما أشار الجنرال “ميرزا” – وهو يحذر الدول العربية – عن طريق وسيط هو سفارات “فرسان مالطا” ، وهو مايتسق مع ماسبق ان أكده محمد حسنين هيكل بشأن العلاقة بين تلك السفارة وحكومة الولايات المتحدة ، ونشير هنا الى ان أحد كبار أعضاء دولة فرسان مالطة الإفتراضية وهو جوزيف سميتز ، الذي عمل مفتشاً عاماً في وزارة الدفاع الأمريكية ، قد انتقل للعمل كمستشار في مجموعة شركات برينس المالكة لشركة (بلاك ووتر) ، وقد بلغ حجم أعمال الشركة فى العراق حوالى 100 مليار دولار ، إذ كانت توظف حوالي (200) ألف من المرتزقة ، معظمهم ينتمون للأيديولوجية الصليبية ، وكانت تمتلك أسلحة ثقيلة وطائرات مروحية ، كما قامت بالأعمال القذرة من تعذيب في السجون ومذابح في المدن العراقية.

    إشارة عابرة لن اتوقف امامها كثيرا وهى ان ضباط أجهزة الأمن السيادية الذين خدموا ميدانياً قد لاحظوا ان السفارة الأمريكية تقوم بتسيير مأموريات مرور حول القاهرة ومداخلها ابان الأزمات ..بدأ ذلك فى أعقاب حرب اكتوبر لرصد اية تحركات تستهدف القوات الإسرائيلية التى كانت قد وقعت فى شرك ثغرة الدفرسوار ، وكانت قواتها تمتد غرب القناة حتى الكيلو 101 طريق القاهرة – السويس ، كما قامت بنفس هذا الدور خلال ثورة 25 يناير .. ليلة 28 يناير – التى قرر الإخوان فيها المشاركة الصريحة فى الثورة بعد التنسيق مع الولايات المتحدة – خرج من جراج السفارة دفعة واحدة وفى طابور منتظم 12 سيارة دبلوماسية جميعها من ماركات لايمكن تشغيلها سوى بالنسخة الأصلية لمفاتيحها ، وبمجرد خروجها تحركت فى اتجاهات مختلفة كان أحداها شارع القصر العينى الذى كان مكتظاً بالمتظاهرين الذين حاولوا استيقافها لكنها دهست منهم العشرات لأنه لم يكن مسموحاً بكشف انتماء قائديها مهما كان الثمن ، وبعد استخدامهم فى متابعة أحداث الثورة بمختلف الميادين فى غياب كامل لأجهزة الأمن ، وتخلى مبارك عن الحكم ، ضبطت الشرطة بعض هذه السيارات اما البعض الآخر والذى كان يتعلق به مشاكل جمركية فقد اختفى تماماً !!   

      عودة الى أهم الأدوار التى لعبتها “باترسون” فى إسلام أباد كان تنسيق التعاون الأمنى بين بلادها وباكستان، الى حد تنفيذ عمليات مخابراتية وعسكرية مشتركة ضد مايسمى “مكافحة الإرهاب” ، وكنتيجة لذلك التعاون تم زج الجيش الباكستاني في الحرب ضد طالبان فانتقلت الحرب في أفغانستان إلى باكستان ليتورط الجيش الباكستاني في مناطق وزير ستان الجنوبية ، مما ادخله في حرب استنزاف ممتدة وهى أحد الأهداف التى كانت تسعى باترسون لتحقيقها في باكستان..اليست تلك هى نفس الحرب التى يشنها الإرهابيون على الجيش المصرى بسيناء والتى حولته الى فرق لمكافحة الإرهاب ومحاولة منع الحرب الأهلية حتى ينشغل الجيش بالجبهة الداخلية وتصبح حدود مصر مستباحة.. ولاينبغى ان نصل الى تلك النقطة دون ان نتذكر ان البرادعى تبنى فكرة تحويل الجيش المصرى الى قوات للدرك الوطنى لمكافحة الشغب والإرهاب ..هل هو مجرد توارد خواطر برىء تصبغه حسن النية ؟! ام انه جزء من مخطط امريكى شامل؟!

     ايضاً فإن آن باترسون كانت دائماً أداة رئيسية لإقامة إعلام مواز لإعلام الدولة التي تتواجد بها يعتمد على الدعم الامريكي وينحصر دوره في المشاركة في زعزعة الاستقرار وإحداث فوضي وبلبلة بالدولة المستهدفة..مجموعة قنوات الجزيرة وعدد آخر من القنوات التى ترتبط بها لم تمارس الإعلام المهنى فى متابعتها للثورة المصرية بقدر مامارست حرباً نفسية هدامة.

   منذ وصولها للقاهرة فى يونية 2011 وضح انها تعمل لصالح الإخوان ، وانها تتدخل فى شئون مصر الداخلية ، وعندما وصل مرسى للحكم كان واضحاً ان دورها تحول الى “مندوب سامى” الى حد ان الشعب رفع صورها وعليها علامة (X) ابان ثورته فى 30 يونية لأنها اعلنت بوضوح رفضها الصريح إقالة مرسى.

     وفى 27 أغسطس ابلغت الخارجية الأمريكية مصر بانتهاء فترة باترسون وتعيين ديفيد ساترفيلد قائماً بالأعمال وهو المنصب الذى لايتطلب موافقة الدولة المعتمد فيها وفقاً لقواعد العمل الدبلوماسى ، وكان اول مهامه فى مصر لقاء نبيل العربى امين عام الجامعة العربية الذى أكد “ضرورة معاقبة وتحميل المسؤولية للنظام السورى لأنه المسؤول عما يدور في سوريا وهو الذي يملك السلاح الكيميائي و هو الوحيد القادر على استعماله هذا السلاح” ليس الخطأ لدى ساترفيلد وانما الإشكالية تتمثل فى الزاحفون على بطونهم ..حسبنا الله ونعم الوكيل.

***

      ديفيد ساترفيلد خريج كلية الأداب 1976 ، التحق بالخدمة الخارجية عام 1980 ، عمل فى جدة ، تونس ، سفيراً ببيروت ، دمشق ، نائباً لرئيس البعثة الأمريكية بالعراق ثم كبيراً لمستشارى وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس هناك عام 2009 ، يجيد الحديث بالعربية ، عمل مديراً لمكتب الشئون العربية – الإسرائيلية بوزارة الخارجية الأمريكية ، من 1996-1998.

     تورط فى مطلع عام 2002 فى قضية تجسس لصالح اسرائيل ، بتسريب معلومات “سرى للغاية” الى مسئولين فى لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية “ايباك” التى تمثل اللوبى اليهودى ، لتوصيلها الى اسرائيل ، وهى معلومات تتعلق بإيران وسوريا وحزب الله والأوضاع العربية عامة ، وقد ورد اسمه فى لائحة الإتهام عام 2005 برمز usgo-2 وقبل ان يتم ايفاده الى بغداد كنائب للسفير فى مهمة خاصة اطلعت حلقة صغيرة فى وزارة الخارجية الأمريكية على دوره فى التحقيق ، كما سألوا وزارة العدل ماإذا كان التحقيق فى القضية يعيق تعيينه بالعراق الا ان عدم توصل التحقيقات الى نتائج قاطعة مكنه من السفر ، وعندما تيقنوا من إدانته أحيل للتقاعد من الخارجية  فى مايو 2009 ، قبل بلوغه السن القانونية وعين مديراً للقوات المتعددة الجنسيات والمراقبين الدوليين بين مصر واسرائيل فى سيناء ومقره روما.

     ولكن ماهى طبيعة مهمته بالعراق ؟!

     فى عام 2004 كان دوره العادى فى السفر يقوده الى الأردن ، ولكن قبل ان يتولى مهام منصبه كانت الولايات المتحدة قد اتخذت قراراً بتنفيذ خطة تقسيم العراق باستخدام ادوات الجيل الرابع من الحروب وعلى رأسها “فرق الموت” ، واوفدت الى بغداد السفير جون نيجروبونتى رجل المخابرات والمسئول عن إسقاط أنظمة الحكم اليسارية المعادية للولايات المتحدة عن طريق تشكيل ميليشيات تولى تدريبها وتسليحها وتنظيمها فى تشكيلات “فرق الموت” ، وقد وصلت ضحايا هذه الفرق الى أكثر من 50 الف ضحية فى نيكاراجوا ، و75 الف فى السلفادور.

     كما اوفد روبرت فورد – رجل المخابرات ايضاً – كسكرتير أول للسفارة ومساعداً لبونتى ، وبعد ان انتهى نيجروبونتى وفورد من تشكيل فرق الموت ، تم استدعاء نيجروبونتى لتولى منصب مدير المخابرات القومية الأمريكية الذى يشرف على 15 جهاز مخابرات وأمن فى الولايات المتحدة ، وقد حل فورد محله كرئيس للبعثة ، بينما استدعى ساترفيلد على الفور ليشغل منصب نائب السفير اعتباراً من مايو 2005 حيث بدأت اولى عمليات فرق الموت بعد وصوله بعدة أيام ، وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس قد أفصحت صراحة فى حديثها للواشنطن بوست بتاريخ  9 ابريل 2005 “ان امريكا ستلجأ الى نشر الفوضى الخلاقة creative chaos بمنطقة الشرق الأوسط لنشر الديمقراطية والحرية” ، مستعينة هنا بمصطلح ماسونى تم استخدامه فى بروتوكولات حكماء صهيون ، وهو يعنى إحداث حالة إجتماعية واقتصادية مريحة بعد إحداث فوضى مقصودة ، وقد غادر فورد العراق فى 2006 الى الجزائر كرئيس للبعثة ، فى نفس الوقت الذى تم فيه تعيين ساترفيلد كبيراً لمستشارى رايس فى بغداد.

***

      الثورات العربية كانت حلم المواطن العربى الذى يأمل فى التخلص من فساد إستشرى ، وبطالة دخلت كل بيت ، وإرهاب الدولة الذى مارسته النظم العربية المختلفة ، لكن تلك كانت فرصة لتنفيذ الولايات المتحدة لأهداف سياستها بالمنطقة بتصعيد التيارات الإسلامية الى سدة الحكم ..اولاً : لأن هذه التيارات كانت الأكثر تنظيماً بين القوى السياسية ..ثانيا: لأنها نجحت فى اكتساب شعبية من خلال ماتعرضت له من مظلومية عبر عقود ، وثالثاً: لأن رفع شعار الدين الإسلامى يمثل قوة جذب للمواطن العربى .. ورابعاً: لأن معظم الإتجاهات المتأسلمة تنتمى اساساً الى الإخوان وتؤمن بنظرية “دولة الخلافة” التى لن يتسنى تنفيذها دون إسقاط مؤسسات الدولة الوطنية ، وتلك فرصة ذهبية لتقسيم المنطقة الى دويلات عرقية طائفية يسهل التحكم فيها ، ويبعد اى تهديدات مستقبلية لإسرائيل .. وخامساً: انها فرصة للتخلص من مخاوف الغرب من ان تؤدى الثورات العربية الى استعادة النزعة القومية التى تشكل تهديداً لمصالحها .. وأخيراً: فإن ظهور دولة اسلامية تسودها الفوضى سيكون عنصر جذب للعناصر الإرهابية المتطرفة فى مختلف دول العالم فتبتعد تهديداتها للولايات المتحدة والغرب.

***

       السفارات الأمريكية فى دول العالم – على نحو ماأوضحنا – هى اوكار لأنشطة المخابرات الأمريكية التى تستعين بشركات الأمن الأمريكية سواء بصورة مباشرة او  من خلال سفارات فرسان مالطة فى الدول التى لاتسمح لشركات الأمن الأمريكية بممارسة انشطتها ، ونظراً لما اكدته التطورات من تمسك الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ خططها فى مصر سواء قبلنا بروبرت فورد سفيراً ، او فى ظل وجود ساترفيلد كقائم بالأعمال وهو لايختلف عنه سوى فى انه لايحتاج لموافقة الحكومة ، لذلك فإن هناك عدد من التوصيات اتصور ان تنفيذها يعكس مدى جدية الحكومة فى مواجهة ذلك النشاط التخريبى من عدمة..وأهمها مايلى:

اولاً: المبادرة بتخفيض مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة الى مستوى قائم بالأعمال ، وتجميد علاقات التعاون العسكرى والإقتصادى معها ، وذلك كرد فعل وطنى لما قررته الولايات المتحدة من وقف للمعونة والتدريبات المشتركة.

ثانياً: تخفيض اعداد العاملين بالسفارة المصرية بواشنطن والسفارة الأمريكية فى القاهرة (يتجاوز عدد عناصر المخابرات والدبلوماسيين فيها 1200 عنصر بخلاف المتعاونين) على أساس تبادلى وعلى نحو متساوى ومتكافىء ، وهذا سيحد من قدرتها على التدخل فى الشئون الداخلية لمصر .

ثالثاً:  التقدم بطلب ترحيل العسكريين الأمريكيين المتمركزين فى سيناء (عددهم 400 جندى) ، على ان يتم استبدالهم بمراقبين من دول محايدة.

رابعاً: إغلاق سفارة “فرسان مالطا” بالقاهرة ، تلك الدولة الإفتراضية التى لاتملك شعباً ولا أرض ولاحكومة ، ولكنه تنظيم يجمع بقايا “فرسان الهوسبتاليين” ابان الحروب الصليبيية ، الذين منحهم الملك شارل الخامس جزيرة مالطه ومناطق قريبة من مدينة طرابلس في ليبيا فى مارس 1530 ، وقد دافعوا عنها عام 1570 ضد حصار الاتراك الذى تجاوز مدة 3 أشهر، حتى دمروا القوة البحرية العثمانية عام 1571، وفي عام 1798 ساء حال الفرسان حين غزا نابليون بونابرت مالطا وأجبرهم على مغادرة البلاد، ورغم أن معاهدة 1802 أعادت لهم الحقوق السيادية في البلاد، إلا أنه لم تكن بالسهولة العودة ثانية إلى مالطا، ولذلك انتهى بهم المطاف بالحصول على مقر رمزى في الفاتيكان عام 1834، تمثلها 96 سفارة «افتراضية» حول العالم،..من بينها 6 فى الدول العربية ولا تمثيل لها في إسرائيل.

***

      لعل التوصيات الواردة عاليه تبدو وكأنها نوع من الشطط فى ظل حالة العجز الراهنة عن اتخاذ قرارات مصيرية فى مواجهة مشاكل بالغة التعقيد لاتمس الأمن القومى للوطن فحسب وانما تهدد وحدته وربما وجوده..فقط أذكركم ونفسى بأن مصر لم تمتلك اى مشروع قومى عبر تاريخها الحديث ابان فترة تحالفها مع الولايات المتحدة ، وان كافة المشاريع القومية التى تم انجازها قد تمت خلال الفترات التى وقفنا خلالها موقف المواجهة والرفض للتدخل الأمريكى فى شئوننا الداخلية..اللهم بلغت .. اللهم فاشهد

 
2 تعليقان

Posted by في 2013/09/17 بوصة غير مصنف

 

سفارة “فرسان مالطة” ومثلث الشر والتآمر

Image

       فى منطقة وسط العاصمة..18 شارع هدى شعراوى..يلاحظ المارة وجود يافطة كتب عليها باللغة الفرنسية

Ambassade De L’ordre souveraine et Militaire De Malte

وترجمتها الحرفية :”سفارة النظام العسكرى ذو السيادة المستقلة لمالطا”..ذلك هو مقر سفارة “فرسان مالطة” بالقاهرة التى تم افتتاحها عام 1980والتى لاعلاقة لها بسفارة مالطا.

       اذن السفارة تصف نفسها بأنها تمثل نظام عسكرى ، وهو مايتمشى مع حقائق التاريخ التى تؤكد ان فرسان مالطا هم امتداد لما كان يسمى ابان الحروب الصليبية “فرسان الهوسبتاليين”..اما حقائق السياسة والجغرافيا فتشير الى ان هذه السفارة تعبر عن دولة وهمية..لاتملك ارض ، ولاشعب ، ولا حكومة..ومن الناحية الإعلامية تؤكد السفارة انها تختص بالأنشطة الخيرية..الإسعاف عند وقوع كوارث طبيعية ، فى الميادين التى تشهد نزاعات مسلحة حيث يتم ارسال الفرسان والمتطوعين والأدوية ومياه الشرب والمواد الغذائية.. فإذا انتقلنا للواقع سنجد انهم لعبوا دوراً رئيسياً فى عمليات التبشير والمخابرات التى انتهت بفصل جنوب السودان ، ويسعون حاليا لممارسة نفس الدور فى دارفور ، كما لعبوا نفس الدور فى فصل “تيمور” عن اندونيسيا ، وايضاً فى تقسيم العراق والتدخل فى افغانستان..ماهى حكاية سفارة “فرسان مالطة” بالقاهرة ؟! ذلك هو موضوع المقال..

***

       بدأ أول ظهور للجماعة في مدينة القدس عام 1070م كهيئة خيرية تحت إسم “فرسان المستشفى “الهوسبتاليين” ، وقد أسسها بعض التجار الإيطاليين ، بحجة رعاية مرضى الحجاج المسيحيين ، بمستشفى (القديس يوحنا) قرب كنيسة القيامة ببيت المقدس ، ولكن بمجرد بدء الحروب الصليبية الأولى عام 1097 شاركوا فى العمليات وتبين انهم جماعة أصولية مسيحية عسكرية مقاتلة منشقة عن منظمة “فرسان المعبد” ، وانها تعمل تحت رعاية بابا روما وقامت بدور رئيسى “كمقدمة” فى إنجاح الغزو الصليبي لفلسطين.

       بعد هزيمة الصليبيين في موقعة حطين عام 1187 على يد صلاح الدين الأيوبي وتحرير فلسطين وبقية بلاد الشام من الفرنجة عام 1291 انطلقت الجماعة إلى قبرص ومنها إلى رودس – بعد ان تمكنت من طرد العرب منها – ومارست القرصنة ضد السفن والسواحل العربية والتركية الى ان تمكن الأتراك من طردهم من الجزيرة في أول يناير 1523 ، لكن الملك “شارل كنت” ملك فرنسا منحهم السيادة على جزيرة مالطة في 24 مارس 1530 ، كما كانت لهم السيادة العملية كذلك على عدة جزر أخرى بالإضافة الى مدينة طرابلس (التي كانت تتبع عرش صقلية). وقد صدق البابا (كليمنت السادس) على ذلك في 25 إبريل 1530 ومن ثم أصبح النظام يمتلك مقرًا وأقاليم جديدة أدت إلى تغيير اسمه في 26 أكتوبر 1530 م إلى “النظام السيادي لفرسان مالطا” ، واستمر هذا النظام فى عدائه للمسلمين وقرصنته لسفنهم حتى كون منها ثروات طائلة ، واستطاع أن يدافع عن دولته فى عام 1570 عندما حاصرها الاتراك لمدة 3 أشهر فى معركة انتهت بتدميرهم للقوة البحرية العثمانية عام 1571.

       وبقيام الثورة الفرنسية 1789 ومعاداتها لفرسان مالطا الأصوليين ثم غزو فرنسا لإيطاليا فقد الفرسان ممتلكاتهم وامتيازاتهم في كلا الدولتين ، ثم انتهى بهم الأمر بفقدان مقرهم في مالطا نفسها وطردهم منها على يد نابليون أثناء حملته على مصر عام 1798، وعندما استولى الأميرال (نلسون) على مالطا من الفرنسيين ، وتم توقيع معاهدة الأمينس (Amiens) عام 1802 أعيدت لفرسان مالطا الحقوق السيادية في الجزيرة ، إلا أن كونجرس (فاليتا) عاصمة مالطا قرر إسناد إدارة الجزيرة للإمبراطورية البريطانية وبالتالي انقطع اتصال الفرسان نهائياً بمالطا ، وانتهى بهم المطاف بالحصول على مقر رمزى داخل الفاتيكان في العاصمة الإيطالية روما عام 1834.

      يرأس فرسان مالطا الرئيس الأعلى  Grand Masterوهو ينتخب لمدى الحياة ولديه صفة أمير ورئيس ديني ، ومقره “قصر مالطا” فى الفاتيكان . وقد انتخب الرئيس الحالي الأمير ماثيو فاستينغ الفرنسى الأصل في 11 مارس 2008 من قبل المجلس العام، بعد وفاة سلفه أندرو بيرتي البريطانى الأصل في 7 فبراير 2008.

      وتضم المنظمة حالياً نحو  13 الف فارس و80 الف متطوع دائم ، وهيئة طبية تشمل 20 الف شخص من أطباء، وممرضين ومسعفين، يشكّلون عماد نشاطاتها المنتشرة في مختلف أنحاء العالم ، وتعتبر «فرسان مالطا» دولة «إفتراضية» ؛ فهي بلا أرض ولاحكومة ولا شعب ، تمثلها 96 سفارة «افتراضية» حول العالم، ورغم انها تاريخياً تناصب الاسلام العداء – وهو الامر المحوري في نشاطها – فلها سفارات رسمية فى أكثر من 16 بلد اسلامى اضافة الى 7 بلاد عربية هى المغرب ، مصر ، تونس ، السودان ، موريتانيا ، لبنان ، والاردن ، ومن الغريب ان تتناقل مصادر الأنباء ان شيمون بيريز هو الذى اوصى الرئيس السادات بإقامة علاقات رسمية مع منظمة فرسان مالطا، لكن المفارقة تتضح حين يكتشف المرء أن اسرائيل لم تصرح لفرسان مالطا بفتح سفارة على اراضيها !!

***

فرسان مالطا واستكمال مثلث الشر والتآمر       

        كان بعض الفرسان الذين تفرقوا عقب طردهم من مالطة على يد نابليون قد اتجهوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وصادف وصولهم فترة الحروب الأهلية هناك وشهدت هذه الفترة ظهور منظمة الكو ـ كلوكس ـ كلان(Ku- Klux _ Klan)  الإرهابية العنصرية ، التي تطالب بالدفاع عن المذهب الكاثوليكي وعن سيادة الرجل الأبيض وضرورة تمييزه على المواطنين السود في الحقوق ، وتوثقت العلاقات بين فرسان مالطة الفارين إلى أمريكا ، الى حد ظهور تنظيم سرى داخل الكوكلوكس كلان يدعى فرسان الكاميليا (Knights of Camilia) يتبنى نفس مبادئها ويلتزم بنفس التسلسل القيادى لفرسان مالطة وبملابسهم الإحتفالية البيضاء.

       ونشير هنا الى ان كلا الحركتين (الفرسان ، وكوكلوكس كلان) كانتا تركزان على العودة لأصول الدين المسيحي الكاثوليكي حتى إنه ليبدو أن مطاردتهم للسود وكذلك الآسيويين من غير العنصر الأبيض في الولايات المتحدة كان اضطهادًا (دينيًا) قبل أن يكون (عنصريًا) على اعتبار أن أصل هؤلاء السود والآسيويين (الذين تم جلبهم غالباً إلى أمريكا عن طريق تجار الرقيق) يعود إلى أفريقيا وآسيا حيث كان غالبية السكان يدينون بالدين الإسلامي (قبل حملات التبشير فيما بعد) فضلا عن أن بعضهم جاؤوا من المناطق التي سبق أن طُرد منها فرسان مالطة ، وهو سبب كافٍ لاضطهادهم وتفريغ شحنات الغضب فيهم..!!

***
        في 1993، أشعل هنتنجتون نقاشاً مستعراً حول العالم في مجال العلاقات الدولية بنشره في مجلة فورين أفيرز مقالاً شديد الأهمية والتأثير بعنوان “صراع الحضارات”، ثم قام لاحقاً بتأصيلها فى كتاب بعنوان ” صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي” حيث اكد أن صراعات ما بعد الحرب الباردة ومعظم القرن العشرين سترتكز على أسس ثقافية بين الحضارات الغربية,الإسلامية,الصينية,الهندوسية…الخ ، بدلاً من الأسس العقائدية ، وقال ان “الغرب فاز بالعالم ليس بتفوق أفكاره أو قيمه أو ديانته، ولكن بتفوقه في تطبيق العنف المنظم. الغربيون غالبا ما ينسون تلك الحقيقة، إلا أن غير الغربيين لا ينسونها أبداً ” ومنذ ذلك الوقت تلاحظ اهتمام الولايات المتحدة بفرسان مالطة باعتبارهم أحد الأدوات الهامة التى يمكن الإعتماد عليها فى تلك الحروب.

       وفي الأسابيع التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001 على نيويورك وواشنطن أشار بوش للصحفيين الى رد الفعل الأمريكى تجاه ماتعرضت له بلاده من تدمير قائلاً “هذه الحملة الصليبية…هذه الحرب على الإرهاب ستستغرق فترة من الوقت.” ، وبعد مواجهته لحالة من القلق أصابت العالم بسبب هذا التصريح أعلن البيت الأبيض في وقت لاحق أن بوش يشعر بالأسف لاستخدامه هذا التعبير ، الا انه عاد مجدداً لإستخدام تعبير “حملة صليبية”فى 19 أبريل 2004 في خطاب لجمع التبرعات لحملته الانتخابية ، كما كررها في حديثه إلى الجنود الكنديين عندما دعاهم قائلاً “قِفوا إلى جانبنا في هذه الحملة الصليبية الهامة”

     من جهتهما يكشف الباحثان الإيرلندي سيمون بيلز والأمريكية ماريسا سانتييرا اللذان تخصصا في بحث السياق الديني والاجتماعي والسياسي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، عن أن أبرز أعضاء جماعة فرسان مالطا من السياسيين الأمريكيين رونالد ريجان وجورج بوش الأب ، اللذين كانا عضوين فاعلين في المنظمة ، كما يشير موقع فرسان مالطا أن من بين الأعضاء البارزين في الجماعة بريسكوت بوش وهو الجد الأكبر لجورج بوش الابن..ويرى الباحثين انه لا يمكن انتزاع تصريحات الرئيس بوش من هذا السياق.

***

      تتعاون الولايات المتحدة مع شركة بلاك ووتر أمريكا  (Blackwater USA) فى تنفيذ برنامج ضخم خاص بحماية الشخصيات والمؤسسات الأمريكية في الخارج الذي يمتد إلى سبع وعشرين دولة على الأقل ، وهذه الشركة تمثل إحدى المؤسسات المرتبطة بالجمهوريين بشكل خاص ، ومؤسسها هو الـ”ميجا-مليونير” المتطرف اليميني الأصولي والضابط السابق في البحرية إيريك برينس ، سليل أسرة غنية من المحافظين لطالما قامت بتمويل الحركات اليمينية والمسيحية المتطرفة ، وقد قام برينس بتعيين أحد كبار أعضاء منظمة فرسان مالطا وهو جوزيف سميتز مستشاراً لمجموعة شركاته المالكة لشركة (بلاك ووتر) ، وقد عمل سميتز مفتشاً عاماً في وزارة الدفاع الأمريكية ، مما اكسبه القدرة على التنسيق الثلاثى بين وزارة الدفاع فيما يتعلق بالإحتياجات من الأسلحة والمعدات ، وفرسان مالطا بالنسبة لتجنيد الأفراد المدربين ، وشركة بلاك ووتر التى اصبحت أكبر مؤسسة عسكرية خاصة تتعاقد مع الولايات المتحدة فى مجالات التدريب العسكرى لعشرات الآلاف من القوى والوكلاء المحلييين والفدراليين كل عام ، وكذلك تدريب قوى من الدول الصديقة، والشركة تمتلك قسم إستخباري خاص بها، وتضم من خلال مدرائها التنفذيين العديد من موظفي المخابرات والعسكريين السابقين، ومؤخراً بدأت ببناء تسهيلات جديدة في كاليفورنيا (“بلاك ووتر وست”) وفي الينوي(”بلاك ووتر نورث”)، هذا بالإضافة الى غابات التدريب والتسهيلات الأخرى في الفلبين، وترتبط الشركة بعقود مع الحكومة الأمريكية تتجاوز 500 مليون دولار؛ لاتشمل بالطبع ميزانية عملياتها السرية فى تعاقداتها مع وكالات المخابرات الأمريكية، هذا بالإضافة الى الشركات الخاصة و الافراد والحكومات الأجنبية الأخرى. وكما ذكر أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، فإن الشركة بالمعني العسكري الحقيقي، تستطيع التخلص من الكثير من الحكومات في العالم ، ونشير الى عدد عناصرها فى العراق قد وصل الى حوالي (200) ألف معظمهم ينتمون للأيديولوجية الصليبية.

***

مثلث الشر والثورة المصرية

       مثلث الشر هذا كان له دور هدام فى مصر خلال الثورة ، العديد من المواطنين اكدوا للفضائيات بأنهم قد رصدوا قناصة أجانب يحتلون سطح الجامعة الأمريكية وعدد من العمارات المطلة على ميدان التحرير بالقاهرة ليلة 28 يناير 2011 – التى قرر الإخوان فيها المشاركة الصريحة فى الثورة بعد التنسيق مع الولايات المتحدة – اللواء محمود وجدي وزير الداخلية الأسبق أكد ان شرائط الفيديو تثبت ان هؤلاء القناصة كانوا من الأجانب ، وانهم كانوا يحملون  أسلحة متطورة مزودة بأشعة الليزر وهي اسلحة غير متوافرة بمصر ، اما المواطن «درويش أبوالنجا» فقد حرر محضر رسمى بقسم شرطة بولاق ابوالعلا برقم 2884 لسنة 2011 أكد فيه انه قد تمكن من تصوير 6 من القناصة ملامحهم أجنبية أثناء إطلاقهم الرصاص على المتظاهرين فى ميدان التحرير وشارع القصر العينى يوم 28 يناير 2011.

       اما شبكة “إن بى سى” الأمريكية فقد ذكرت انه تم الإستعانة بعناصر بلاك ووتر لإنقاذ ممرضة أمريكية متقاعدة تقطن شقة مطلة على ميدان التحرير أثناء الثورة وتدعى ماري ثورنسري، كانت قد حبست نفسها خوفاً داخل شقتها أثناء المظاهرات، وهو مايتمشى ايضاً مع اعتراف إيريك برنس رئيس شركة بلاك ووتر نفسه لأكثر من وسيلة إعلامية بأن بلاك ووتر لها أنشطة خاصة بمصر.  

       وفيمايتعلق بالسيارات الأمريكية التى دهست عشرات المتظاهرين خلال أحداث الثورة ، فهى تؤكد ايضاً مشاركة ذلك الثالوث فى احداث الثورة ، فقد خرج من جراج السفارة ليلة 28 يناير 2011 دفعة واحدة وفى طابور منتظم 22 سيارة دبلوماسية جميعها من ماركات لايمكن تشغيلها سوى بالنسخة الأصلية لمفاتيحها ، وبمجرد خروجها تحركت فى اتجاهات مختلفة كان أحداها شارع القصر العينى الذى كان مكتظاً بالمتظاهرين الذين حاولوا استيقافها لكنها دهست منهم العشرات لأنه لم يكن مسموحاً بكشف انتماء قائديها مهما كان الثمن ، وبعد استخدام هذه السيارات فى متابعة أحداث الثورة بمختلف ميادين مصر فى غياب كامل لأجهزة الأمن ، وتخلى مبارك عن الحكم ، ضبطت الشرطة بعض هذه السيارات حتى ان واحدة منها كان تقف امام النادى الدبلوماسى بوسط المدينة ، اما البعض الآخر والذى كان يتعلق به مشاكل جمركية فقد اختفى تماماً !!

      العقيد عمرو الرجيلي قائد قوات الأمن المنوط بها حماية السفارة الأمريكية قال في التحقيقات التي جرت معه بالنيابة العامة إن السيارات التي تتبع السفارة وتم الإبلاغ عن سرقتها بلغ عددها 22 سيارة لا 12.. غير أن هذه السيارات لا تعمل بدون المفاتيح الخاصة بها و حتى لو تم سرقتها فلا يمكن تشغيلها بدون هذه المفاتيح المزودة بشفرة خاصة لا يعلمها إلا العاملون عليها ، ولا توجد إلا داخل السفارة الأمريكية وحدها ، اما الدكتور “عصام النظامى” الأستاذ بطب القصر العينى والناشط السياسى فقد أكد أن شهود العيان شاهدوا 22 سيارة تخرج كلها فى وقت واحد من باب الجراج الخاص بالسفارة يوم 28 يناير ومن المستحيل أن يتم سرقة كل هذا العدد من السيارات فى وقت واحد خاصة مع الإجراءات الأمنية المعقدة والكاميرات المنتشرة على أبواب السفارة.

***

      السفارة الأمريكية على رأسها قائم بالأعمال .. رجل مخابرات محترف .. له تاريخ أسود فى تنفيذ مخطط تفكيك العراق من خلال عمليات التفجير والإغتيالات ونشر الفوضى .. يستعين بشركة – لم يتم التصريح لها بالعمل فى البلاد – لتنفيذ عمليات خاصة ذات طابع مخابراتى عسكرى ..تتعاون مع سفارة معتمدة بالبلاد فى إمدادها بالمقاتلين المدربين لتنفيذ عملياتها ، تحت ستار الأنشطة الخيرية .. هل تسمح حساسية الأوضاع فى البلاد بترك هذا القائم بالأعمال يستكمل عمله بكل حرية ؟! هل تسمح بترك أكثر من 1200 دبلوماسى يدعمونه ، معظمهم من عناصر المخابرات ؟! هل تسمح باستمرار سفارة لاتمثل دولة وليس لديها اقليم ولاشعب ولاحكومة فى ممارسة انشطتها المشبوهة ؟!

قرارات حاسمة وعاجلة تفرض نفسها .. تتعلق باستبدال القائم بالأعمال من خلال الطرق الدبلوماسية الودية ..والتخفيض المتبادل لعدد الدبلوماسيين فى السفارتين الأمريكية بالقاهرة والمصرية بواشنطن على النحو الذى يتناسب مع تراجع مجالات التعاون ، ويحقق التساوى فى عدد الأعضاء العاملين بالبعثتين عند حده الأدنى ، وتحذير السفارة الأمريكية من ان تسمح لشركة بلاك ووتر بممارسة أية انشطة من خلالها .. سحب كافة المزايا والحصانات الدبلوماسية لسفارة فرسان مالطة وإسقاط الطابع العسكرى عنها ، اسماًً ووضعية .. والسماح لها فقط بممثل لرعاية مصالحها لحين تصفية كافة أعمالها خلال فترة زمنية محددة (تتولى السفارة تجديد مستشفى علاج مرضى الجذام في محافظة القليوبية ولانعرف لها انجازات أخرى) .. ذلك هو الحد الأدنى المطلوب من الإجراءات الكفيلة بتأمين الوطن فى مواجهة مخاطر جسيمة يمثلها ذلك الثالوث الهدام. 

 
3 تعليقات

Posted by في 2013/09/15 بوصة غير مصنف

 

تعديل يمين الطاعة للجيش..وتحية واجبة لـ”رأفت شحاته”

Image

     قضى الجيش المصرى عاماً كاملاً وعلى رأسه قائد أعلى تحوم حول شرعية انتخابه وولاؤه للوطن كل الشبهات ، نتيجة لهروبه من سجن وادى النطرون ، مع خلو ملف ترشحه من شهادة براءة “ذمته الجنائية” ، فضلاً عما تردد حول اتهامه بالتخابر لصالح الولايات المتحدة ، سواء فيما أطلق عليه قضية الكربون الأسود التى أوشى خلالها بالعالم المصرى الجليل الدكتور عبدالقادر حلمى ، او قضية تخابره – هو وعدد من اعضاء جماعة الإخوان – مع المخابرات الأمريكية حول سيناريوهات مشاركة الجماعة فى الثورة المصرية.

      وعلى مدى عام كامل قضاه فى الرئاسة اتضح انه يقوم بتأسيس جيش من الإرهابيين فى سيناء ، يعمل لصالح الجماعة فى مواجهة الجيش الوطنى ، وانه اتفق على تسليم جزء من سيناء لحماس مقابل تعاونها مع الجماعة فى فتح السجون ابان الثورة ومابعدها ، كما عمل على فصل إقليم قناة السويس عن الوطن وإدارته بمعرفة قطر وجماعته ، واعتزم التنازل عن حلايب وشلاتين للسودان ، بخلاف العديد من الإجراءات الأخرى الداخلية والخارجية التى تدخل فى عداد جرائم خيانة مصالح الوطن.

       لذلك لم يكن غريباً ان تحدث المواجهة بينه وبين القائد العام للقوات المسلحة ، وهى المواجهة التى حسمها الشعب المصرى بثورته فى 30يونية 2013 والتى أسقطت الشرعية عن القائد الأعلى.. تصدى القائد العام لمحاولات القائد الأعلى الإضرار بمصالح الوطن طرح إشكالية خطيرة ، تتعلق بترتيب الأولويات وإحتمال التناقض بين ثلاثة عناصر يتضمنها يمين الطاعة الذى يقسمه ضباط القوات المسلحة ، الأول الولاء والوفاء للوطن ، والثانى الإنضباط وتنفيذ اوامر القادة (ويدخل فيها بالطبع طاعة القائد العام لأوامر القائد الأعلى) ، والثالث الإخلاص لرئيس الجمهورية ، هذه الإشكالية الخطيرة حسمها القرار الجمهورى رقم 562 لسنه 2013 الذى صدر يوم 18 أغسطس الجارى وتضمن فى مادته الأولى “يؤدى ضباط القوات المسلحة عند بدء تعيينهم يمين الطاعة الآتى نصه: أقسم بالله العظيم .. أقسم بالله العظيم .. أقسم بالله العظيم .. أن أكون جنديا وفيا لجمهورية مصر العربية محافظا على أمنها وسلامتها، حاميا ومدافعا عنها فى البر والبحر والجو، داخل وخارج الجمهورية، مطيعا للأوامر العسكرية، منفذا لأوامر قادتى، محافظاً على سلاحى، لا أتركه قط حتى أذوق الموت، والله على ما أقول شهيد” .. وبذلك يكون قد تم حذف جملة “مخلصا لرئيس الجمهورية” منه.

***

      حسم إشكالية العلاقة بين  “الولاء للوطن ، والإخلاص لرئيس الجمهورية” فى يمين الطاعة للقوات المسلحة يفرض ضرورة حسم نفس الإشكالية فيمايتعلق بأهم الأجهزة السيادية فى الدولة “المخابرات العامة” .. لكن تناول هذا الموضوع يفرض عرض مقدمة واجبة ولازمة لتجريد الموضوع من اى شبهة ذاتية ، ولإعطاء كل ذى حق حقه..فليس مقبولاً ان اتعرض لهذا الموضوع دون كلمة حق واجبة لمن بذل وأعطى للوطن ، ثم لايجد من ذوى الأصوات العالية سوى “جزاء سنمار”.

***

   لاتربطنى بهذا الرجل أية مصلحة او منفعة خاصة..شغل منصب رئيس المخابرات العامة لمدة إحدى عشر شهراً دون ان أشرف بزيارته ولو مرة واحدة – خلافاً لما تفرضه حقوق الزمالة وقواعد المجاملات – ولم تجمعنى به خلال تلك الفترة أية مناسبة عامة او خاصة ، الآن بعد ان ترك السلطة والقوة والتأثير أجدنى ملزماً أخلاقياً وموضوعياً ووطنياً بعرض هذا الموضوع بعيداً عن أية شبهات يمكن ان تمس الموضوعية والحياد.

      عرفته للمرة الأولى خلال دورة تدريبية راقية طويلة بالغة المهنية مؤهلة للعمل بالخارج فى الظروف بالغة التعقيد والحساسية استناداً الى الوسائل “الناعمة” وبعيداً عن تلك الأدوات التقليدية – ربما الغير نظيفة – التى تستخدمها الأجهزة المماثلة..تلك هى المعضلة..تلك هى مدرسة..رجائى فارس..واحد من أعظم فرسان هذا الجهاز..وصاحب مدرسة تدريب بالغة التميز.. تخرج منها رجال صنعوا مجد وشرف وتاريخ واحد من أعظم الأجهزة فى العالم..قبلها مباشرة ولعشرة سنوات لم يكن أحد بالجهاز يعرف رأفت شحاته ولايراه لأنه كان ينتمى لوحدة خاصة يمكن ان نطلق عليها “وحدة مكافحة الفساد” التى تتولى عملية التطهير الذاتى للجهاز ..تلك الوحدة التى خضع أعضائها لكافة أنواع الإختبارات التى تضمن دون اى احتمال للشك ان هناك خصائص مشتركة تجمعهم.. حالة أرق دائم للضمير يستعصى معها على الغفلة او النوم .. إحساس عميق بالإكتفاء والشبع مهما كانت المعدة خاوية .. استمتاع بمشاعر متعة الأثرياء ورفاهية المنعمين أياً كان شظف العيش فى الواقع المعاش .. كان ذلك هو صمام الأمن الحقيقى لطهارة جهاز وطنى لعب دوراً رئيسياً فى الحفاظ على الوطن خلال عام من حكم الإخوان ، كانت الجماعة خلالها تعمل بدأب على تقسيم الوطن وإسقاط الدولة المصرية.

***

     كتب على هذا الجيل من فرسان المخابرات العامة المصرية ان يتعايش مع صدمتين.. واحدة منهما فقط كانت كفيلة بإحداث خلل وعدم قدرة على التوازن .. لكنه عبرهما بسلام لأن من أعدوه من “أساتذة الفرسان” امتلكوا من الحكمة والمهنية والتوازن النفسى مامكنهم من ان يجعلوا ولاء هذا الجيل للوطن يتصدر تلقائياً كافة العناصر والحسابات مهما كانت حالة الإلتباس والتداخل والتشوش..

الصدمة الأولى .. توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل فى مارس 1979 والتى اوقفت حرباً ممتدة منذ عام 1948.. عدو الأمس الذى تفتحت عيوننا على حروبه المتتالية ضد الوطن ، وتعمقت كراهيته فى وجداننا بما تضمنته مناهجنا الدراسية التى تلقيناها ، وآلة التعبئة والشحن الإعلامية التى تعرضنا لها مبرزة لعمليات اغتصابه للأرض والعرض، ومذابحه ضد أهلنا الآمنين ، وتحفزه كل الوقت لشن عدوان جديد يحقق له حلمه “من النيل للفرات”.. كل منا كان معبأ فى مجال اختصاصه داخل منظومة بالغة الدقة تستهدف إحباط الجهاز لمخططات هذا العدو ومواجهته بما يستحق .. ولكن بين عشية وضحاها حولت السياسة العدو الى جار .. والعداء الى تعايش .. والحرب الى منافسة ..تغير جذرى يفرض نوعاً من التكيف الذكى..تغيير الوسائل والأدوات لتتناسب وتلك الحالة السياسية الجديدة ، دون ينعكس على مخططات حماية الوطن ، او إجراءات تأمينه ، وهى الإشكالية التى عبرناها بنجاح.

الصدمة الثانية .. هى وصول رئيس إخوانى لسدة الحكم فى مصر 30 يونية 2012 .. الإخوان..ذلك التنظيم الإرهابى الذى شاركت المخابرات البريطانية فى تأسيسه ، واغتال النقراشى رئيس الوزراء 1948 ، والخازندار ذلك القاضى الجليل الذى دفع حياته ثمناً لإدانة جرائمهم ، حاول اغتيال جمال عبدالناصر 1954 واغتال السادات 1981 ، وقام بتفريخ كل منظمات وجماعات الإرهاب فى العالم بما فيها القاعدة.. التنظيم الذى كان هدفاً للمتابعة فى الخارج والداخل ومتصدراً لكافة التكليفات ، حماية للوطن من مخططاته الإرهابية ، تحول بين عشية وضحاها حاكماً لمصر واحتل مندوبه قصر الإتحادية..واصبح فرسان الوطن مطالبون بالموازنة بين حقائق الواقع السياسى على الأرض ..وتطوير الخطط والآليات على النحو الذى لاتنقطع معه خيوط المتابعة لتنظيم دولى أصبح جاسماً على صدر الوطن .

***

       هنا نصل الى الحبكة ..فقد أقال الرئيس الإخوانى محمد مرسى اللواء مراد موافى رئيس الجهاز فى 8 أغسطس 2012 وعين رأفت شحاته قائما بالأعمال .. صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية هاجمت تلك الإقالة بحدة ووصفتها بالمحاولة من جانب مرسى للتغطية على الفشل فى إحباط هجوم رفح الذى راح ضحيته 16 جندى من أبناء الوطن ، واشارت الى ان موافى الذى عمل محافظاً لشمال سيناء لمدة عام ونصف قبل ان يتولى رئاسة المخابرات العامة بعد عمر سليمان كان من المتحمسين لتنفيذ حملة منظمة لتطهير سيناء من الإرهابيين الذين تمركزوا فيها قادمين من باكستان وافغانستان وليبيا ، وبعد تكشف أبعاد المخطط الإخوانى لإنشاء جيش من هؤلاء الإرهابيين فى سيناء يكون أداة للجماعة فى مواجهة الجيش الوطنى نستطيع ان نتفهم الآن الأسباب والمبررات لإقالة موافى ، ومن الطريف انه قبل ان يصدر مرسى قراره بتعيين رأفت شحاتة رئيساً للمخابرات العامة فى 19 أغسطس ترددت مقترحات داخل الإخوان بتعيين رئيس إخوانى للجهاز ، وسعى البعض لتزكية محمد البلتاجى لكن هذا الإقتراح – الساذج والمستحيل – تم استبعاده لأن المخابرات العامة بالنسبة لهم كانت صندوقاً اسود لن يستطيع احد التعامل معه ، حتى لو تسلم مفاتيحه.

       القانون 100 لسنة 1971 والخاص بالمخابرات العامة منح فى المادة (2) درجة وزير لرئيس الجهاز ، وفرض فى المادة (16) على رئيس الجهاز وعلى ضباطه حلف اليمين ، على ان تحدد صيغة هذا اليمين وإجراءات حلفه بقرار من رئيس الجمهورية ، ورغم ان المادة الثالثة من القانون تنص على اختصاصات محددة للمخابرات العامة أبرزها “المحافظة على سلامة وأمن الدولة ، والحفاظ على كيان نظامها السياسى، وذلك لوضع السياسة العامة للأمن وجمع الأخبار وتجميع معلومات لسلامة الدولة ومد رئيس الجمهورية ومجلس الدفاع الوطنى وهيئة المخابرات بجميع احتياجاتها وتقديم المشورة والتوصيات اللازمة لها” وهذا يعنى أن جهاز المخابرات هو هيئة مستقلة لها اختصاصاتها الوطنية ، الا ان حالة التوجس والقلق من جانب الرئيس – الذى اضطر صاغراً ان يعين رئيساً لجهاز الأمن السيادى التابع له مباشرة دون ان يعرف عن ميوله واتجاهاته شيئاً – دفعته للتزيد والمبالغة بجعل القسم على المصحف الشريف ، اما صيغة القسم التى تضمنت الولاء الكامل لرئيس الجمهورية فهى لاتختلف كثيراً فى صياغتها ودلالاتها عن العبارة التى كان يتضمنها يمين الطاعة لضباط القوات المسلحة “الإخلاص للرئيس” قبل ان يحذفها القرار الجمهورى الذى صدر يوم 28 أغسطس.

     الواقعة على هذا النحو كان يمكن لها ان تمر دون ان تلفت نظر أحد ، لكنها التفسيرات والتحليلات الشيطانية لخبراؤنا الإستراتيجيون .. أحدهم رأى فى القسم “أمر غير عادى قصد منه إضفاء الصبغة الإسلامية على الدولة ، وإعلان التيار الإسلامى عن نفسه”.. ولم يخجل من نفسه وهو ينسى او يتناسى ان ذلك هو نفس نص القسم الذى ردده هو نفسه عند التحاقة بالعمل بالجهاز منقولاً من القوات المسلحة ، وقبل ان يتركه بعد انتهاء خدمته ليتنقل بين الفضائيات!!!! خبير آخر رأى فيه تقليد جديد يدل على الإتجاه الدينى للدولة ، ويفرض ان يؤكد اصحاب الوظائف الحساسة فى الدولة الولاء لله وللرئيس وكأن من سبق من مسئولين كان ولاءهم لتماثيل بوذا..تزيد ومزايدة من مدعين يصدعون الناس بسخافات وتفسيرات لاتستهدف سوى الحفاظ على سبوبة الفتى فيما يستحق ومالايستحق حتى لو أضروا بالسمعة الخاصة بالمسئولين او بمصالح الوطن .

      اما خالد على المحامى الشريف فقد اتخذ موقفاً وطنياً محترماً كعادته وتعامل مع الموضوع كقضية عامة ، برفع دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة حملت رقم 3625 لسنة 67 قضائية ، اختصم فيها رئيس الجمهورية وطالب بإلزامه بتعديل صيغة حلف اليمين القانونية لرئيس وأفراد جهاز المخابرات العامة، وحذف عبارة “أن يكون ولائي كاملاً لرئيس الجمهورية ولجهاز المخابرات العامة”. مشيراً إلي أن هذه الصياغة مخالفة للقانون ومبادئ الشريعة والدستور ، ومؤكداً ان الولاء للوطن وللشعب مصدر السلطات.

***

     ماينبغى الإشارة اليه هنا هو ان كافة التسريبات التى تناقلتها مصادر المعلومات والأخبار العلنية عن المواقف التى التزم بها رأفت شحاتة خلال إجتماعات مجلس الدفاع الوطنى او خلال لقاءاته مع الرئيس فى حضور وزيرا الدفاع والداخلية تجمع على تطابق مواقفه تماما مع مواقف وزير الدفاع خاصة ماتعلق منها بمعارضة الرئيس ، فالرجلين ينتميان فى الأساس لنفس المؤسسة العسكرية قبل ان ينتقل شحاتة للمخابرات العامة ويكمل الآخر مشوارة فى المخابرات الحربية ، وبالتالى رؤيتهم للأمن القومى المصرى كاملة التطابق ، أما ماقام به شحاتة من دور لإطفاء الحرائق التى اشعلها حمق مؤسسة الرئاسة فهى عديدة وكان آخرها زيارة السودان لرأب الصدع بعد حوار “سد النهضة” “السرى” بقصر الإتحادية..وبكل الطمأنينة استطيع ان اؤكد فى ضوء المهام الملقاة على عاتق الجهاز فى تلك الفترة الحساسة من تاريخنا ان رأفت شحاتة حاول بتقارير الجهاز وتقديرات المواقف التى قدمها لمؤسسة الرئاسة تبصيرها بأبعاد المخاطر التى يتعرض لها الأمن القومى جراء سياسات غير وطنية تنتهجها الجماعة ، كما حاول ان يعوض جهل الرئاسة بآليات عمل وادارة الدولة بكل الوسائل ، وعندما تيقن تمسكها بتخطيط الجماعة ومكتب الإرشاد كان واحداً ممن لعبوا دوراً محورياً فى إنجاح ثورة الشعب فى 30 يونية .

***

     لقد سار الرجل احدى عشر شهراً على حد الموسى حرصاً على عدم الإخلال بالتوازن بين أداء الجهاز لدوره كمستشار للسلطة السياسية دون استفزاز حمق الرئاسة على النحو الذى كان يمكن ان يعصف بالجهاز ، وقد حافظت هذه السياسة الحكيمة عليه دون ادنى اختراق ، واحتمل زوبعة جوفاء اثيرت بسبب صيغة القسم ، التى تم تغييرها فيما يتعلق بالقوات المسلحة بالقرار الجمهورى الصادر فى 18 أغسطس الجارى ، وينبغى ان يتم إدراج نفس الصيغة فى نص المادة (16) من القانون 100 لسنة 1971 حرصاً على إغلاق الباب وراء اية اجتهادات او تزيد لايصب فى النهاية فى صالح الوطن ، تحية للمواطن الشريف رأفت شحاتة .. الفارس الذى حمى واحد من من أهم صمامات الأمن القومى الرئيسية فى مصر ..المخابرات العامة.

 
2 تعليقان

Posted by في 2013/09/03 بوصة غير مصنف