RSS

Monthly Archives: أكتوبر 2019

سد النهضة بين المماطلات ومقترحات الحل

72121483_975568282786612_6676333766060802048_n

منذ أن نشرت جريدتنا الغراء «الدستور» مقالى «سد النهضة والمماطلات الإثيوبية»، بتاريخ ٢٠ سبتمبر ٢٠١٩، ورسائل القراء تعكس اهتمامًا بمعرفة المزيد عن أسباب ومبررات وأهداف سياسة المماطلة التى تنتهجها إثيوبيا، والتعرف على تصور للحلول بعيدًا عن الاستدراج لخشونة قد توقع أضرارًا ربما لا تقل عن أضرار السد.. وكانت مشاركتى فى ندوة اللجنة المصرية للتضامن «الأفروآسيوى» يوم ١٣ أكتوبر الجارى بشأن الموضوع فرصة لإعداد تلك الورقة، التى حرصت على تضمينها ردودًا مختصرة حول تساؤلات القراء.
بداية ينبغى أن نضع فى اعتبارنا أن يكون التعامل مع السد باعتباره ضمن الخطة الإثيوبية المدعومة دوليًا لبناء سلسلة من السدود تصل إلى «٣٣» سدًا، تتحكم فى معدلات تدفق المياه إلى مصر.. هذه الحقيقة تؤكد أننا بصدد أزمة بالغة التعقيد تفرض حلولًا غير تقليدية، تستخدم فيها كل الوسائل والأدوات المتاحة، دون استثناء.
بعد ذلك نعرض لعشرة عناصر تجمع أسباب ومبررات وأهداف سياسات المماطلة الإثيوبية، قبل أن ننتهى بوضع تصور لمقترحات المواجهة.

ضعف مستوى التنسيق
إثيوبيا اعتمدت فى مماطلاتها على ما لمسته من ضعف فى التنسيق وتبادل المعلومات بين الجهات المصرية المعنية بالمتابعة.. إعلانها الرسمى عن افتتاح سد «تانا بليس» مايو ٢٠١٠ أثار أزمة كبرى، الجيش المصرى رفع درجة الاستعداد، والخارجية استدعت السفير للاحتجاج والاستفسار، والمخابرات تحركت للتأكيد والمتابعة، والرى كعادتها وقفت حائرة.. وفى النهاية تبين أن بناء السد استغرق ست سنوات!، وأن طاقته التخزينية بالغة التواضع «٧ مليارات متر٣».

وفد «الدبلوماسية الشعبية»
نائب سابق بمجلس الشعب، له مصالح فى شرق إفريقيا، نظم زيارة إلى أديس أبابا، ٢٩ أبريل ٢٠١١، بوفد ضم ٨٤ عضوًا، أطلق عليه وفد «الدبلوماسية الشعبية»، ينتمون لمختلف القوى السياسية والحزبية والشخصيات العامة وائتلاف شباب الثورة، لم يتساءلوا عن أهداف الزيارة؟! هل لاستنكار بناء السد؟! أم للمطالبة بضوابط تحول دون الإضرار بمصالحنا؟!.. قبول السد كأمر واقع كان جزءًا من أهداف فوضى يناير ٢٠١١.. وفى غياب التخطيط ضاع الهدف، ووظفت إثيوبيا الزيارة، وغطت الفضائيات والصحف العالمية صور تضامن الوفد مع قادة إثيوبيا، لتوحى بموافقة مصر على بناء السد!.

التوسعات السياسية للمشروع
المماطلات الإثيوبية استهدفت كسب الوقت، الذى تستغرقه التعديلات والتوسعات التى طرأت على تصميم السد.. المشروع اقترحته أمريكا، بطاقة ١٢ مليار متر مكعب ضمن أربعة سدود، للتحكم فى منابع النيل الأزرق، عقابًا لمصر على بناء «السد العالى» ١٩٦٤، ارتفعت عند وضع حجر الأساس ٢ أبريل ٢٠١١ إلى ١٤ مليارًا.. فى أغسطس ٢٠١٣ نظمت المخابرات الأمريكية اجتماعًا لعدد من أجهزة المخابرات الغربية، بقاعدة دارمشتات بألمانيا، لمواجهة ما سمّوه «الانقلاب فى مصر»، اتخذت خلاله مجموعة قرارات عقابية، من بينها بناء سد التحويط الركامى بطول ٥٠٠٠ متر، مع أن مثيله فى العالم لا يزيد عادة على ٣٠٠ متر، ما رفع سعته لـ٧٤ مليار متر مكعب.

تأصل الكراهية ضد مصر
حكام مصر الفراعنة أوفدوا بعثات إلى منابع النيل، وتحالفوا مع بلاد بونت «إريتريا والصومال» لتأمينها.. لكن محمد على باشا كان أول من أعدّ «تقدير موقف» لعلاقة المنابع بأمننا القومى، خلاصته أن «من يسيطر عليها يتحكم فى مصر»، أوفد حملة عسكرية بقيادة ابنه «إسماعيل» لبلوغها، لكنه استُشهد بعد ضم «سنار» و«كردفان».. الخديو إسماعيل استكمل فتح السودان، ووصل بحدودنا إلى منابع النيل، ضم البلاد المطلة على بحيرة فيكتوريا، وسيطر على ساحل البحر الأحمر، والمحيط الهندى، وأمّن مضيق باب المندب وخليج عدن، وحصل على اعتراف إنجلترا بذلك، ثم اتجه إلى عمق إثيوبيا، لكن إنجلترا تحالفت مع الدول الأوروبية لعزله، وأجبرت «توفيق» على الانسحاب.
الحملات العسكرية المصرية ذرعت بذور العداء لدى الشعب الإثيوبى تجاه مصر، وتلك حقيقة ينبغى أن يعقلها دعاة الحرب.. مصر فى كتب التاريخ التى تُدرّس لتلاميذ المدارس هناك هى العدو المركزى.. المدافع التى غنموها فى معركة «جوندت»، إبان حملة الخديوى إسماعيل، وضعوها تذكارًا بميدان أكسيوم، وأطلقوا اسم «جوندت» على أرفع وسام عسكرى، الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية خرجت عن رعاية الكنيسة المصرية منذ ١٩٥٩، الرهبان الأحباش احتلوا جانبًا من دير السلطان التابع للكنيسة المصرية بالقدس، وعندما أعلن السادات عزمه مد مياه النيل إلى سيناء ١٩٧٩ لاستصلاح ٣٥.٠٠٠ فدان، تقدموا بشكوى لمنظمة الوحدة الإفريقية.. و«مبارك» تعرّض للاغتيال بأديس أبابا يونيو ١٩٩٥.. ثمار مُرَّة للكراهية.

العراقيل الفنية وإشكاليات الفساد
ديسالين «رئيس الوزراء الإثيوبى السابق» أسند لشركة «ميتيك» التابعة للجيش تنفيذ الأعمال الكهروميكانيكية والهيدروميكانيكية المتعلقة بتركيب التوربينات، لكنها فشلت فى توفير بعض المعدات، وعجزت فنيًا عن تركيب الباقى، ما تسبب فى تأخير البرنامج الزمنى.. تورط أعمدة النظام، خاصة رئيس الأركان ومدير المخابرات فى عمليات الفساد، أدى لتفاقم الأزمة، وأسهم فى الإطاحة بديسالين وأتى بـ«أبى أحمد»، الذى استغرق وقتًا طويلًا لتغيير إجراءات وعقود الشركات العاملة بالسد، وتنحية المتورطين فى الفساد، ما تطلب مزيدًا من المماطلات.

مصادر التمويل
الميزانية الأساسية المقدرة لبناء السد قرابة ٥ مليارات دولار.. الصين والإمارات وكوريا والبنك الدولى انسحبت من التمويل.. قطر حلت محلها.. الحكومة طرحت سندات تمويل للإثيوبيين بالداخل والخارج.. والبنوك طرحت بعضها بالسوق الإسرائيلية.. رجل الأعمال السعودى ذو الأصول الإثيوبية «محمد العمودى» أكبر الممولين للسد، احتجز ضمن التحقيقات فى قضايا الفساد بالسعودية.. السياحة تعرضت للإجهاض، نتيجة تدهور الحالة الأمنية، ما حرّم الدولة من عائداتها.. النظام عجز عن التمويل، وتأخرت معدلات التنفيذ، والمماطلات دائمًا هى المخرج.

دور سودان البشير فى الأزمة
إثيوبيا نجحت فى احتواء سودان البشير.. استصدرت قرارًا من الاتحاد الإفريقى برفض قرار الجنائية الدولية بتوقيفه، فأصبح أسيرًا لفضلها.. عندما ثار الخلاف بين السودان والجنوب، أرسلت إثيوبيا قواتها للمنطقة المتنازَع عليها حتى استفتاء «أبيى».. السودان فتح موانئه لإثيوبيا للتصدير والاستيراد لأنها دولة حبيسة.. المستثمرون السودانيون يأتون فى المرتبة الثالثة فى إثيوبيا بعد الصين والسعودية، بنحو ١.٦ مليار دولار، والعمالة الإثيوبية بالسودان بأعداد كبيرة.
إثيوبيا تعهدت بمنح السودان ٥٠٠ ميجاوات كهرباء، وحفر فرع رى من البحيرة لأراضيه، بخلاف تسويق فوائده فى منع الإطماء عن السدود السودانية، وإتاحة الفرصة لتجفيف الأراضى الغدقة وتهيئتها للزراعة، ناهيك عن الاتفاق على تسوية نزاعات الحدود وترسيمها، خاصة فى «الفشقة».. سودان البشير تحول إلى حليف لإثيوبيا، ضد شقيقتة الكبرى مصر.. وأعلن ضمانه لأمن السد!، ووقّع اتفاقًا، لتشكيل قوة مشتركة لحمايته فى أغسطس ٢٠١٤.. وبعد اندلاع الثورة السودانية وسقوط البشير لعبت إثيوبيا الدور الرئيسى فى الوساطة بين المجلس العسكرى وتحالف قوى الحرية والتغيير.. دعم سودان البشير لإثيوبيا خلال المفاوضات كان أهم أسباب تشددها.

السد أداة مناكفة ومكايدة
ملف السد يُستخدم كأداة مناكفة ومكايدة لمصر، تمويل قطر للمشروع كان نوعًا من المكايدة السياسية.. وكذا الوعد التركى الكاذب بتوفير شبكة دفاع جوى خاصة بتأمينه، لإغراء إثيوبيا بتوقيع اتفاق تعاون عسكرى، صدّق عليه البرلمان الإثيوبى بعد أسبوع من توقيع «ديسالين» لـ«اتفاق المبادئ» بالخرطوم مارس ٢٠١٥!، كان الهدف من ورائه إجهاض الاتفاق.. إثيوبيا فتحت أبوابها لكل من لديه أزمة مع مصر.

زيارة أبى أحمد لإسرائيل
خلال زيارة «أبى أحمد» إلى تل أبيب، مطلع سبتمبر، أكد عدم الالتزام بقواعد ملء وتشغيل السد، الواردة بإعلان المبادئ.. ما تم تفسيره بالـ«استقواء بإسرائيل».. موقع «ديبكا»، المرتبط بالمخابرات، نشر خبرًا حول تزويد إسرائيل لإثيوبيا بمنظومة دفاع جوى «سبايدر SPYDER-MR» لحماية السد.. الصناعات العسكرية الإسرائيلية نفت، والحكومة أكدت أن اتفاقياتها مع إثيوبيا اقتصرت على التعاون الاقتصادى، واستبعدت اتخاذ خطوات تمس علاقاتها بمصر.. موقف جيد، لكنه يفرض التدقيق والمتابعة. والحقيقة أن الزيارة تمت تلبية لمسعى إسرائيلى، ضمن حملة الدعاية الانتخابية التى نفذها نتنياهو، لاحتواء التداعيات السلبية لاحتجاجات يهود الفلاشا «٢٪ من سكان إسرائيل»، بعد مقتل شاب بمعرفة شرطى فى تل أبيب.. زيارة «أبى أحمد» استهدفت إغلاق ملف الأزمة، تجنبًا لتعكير صفو العلاقات مع الحليف الإسرائيلى، الذى قدم الدعم اللوجستى والمالى والفنى للسد، ولا يزال يُعَوَّل عليه لاستكماله.

محاولة عزل القاهرة عن الجوار الإثيوبى
«أبى أحمد» تبنى سياسة «صفر مشاكل» فى علاقاته بحلفاء مصر فى شرق إفريقيا، لعزلهم عن القاهرة، وحرمان مصر من توظيفهم كأداة ضغط.. وقع مع إريتريا، الجارة اللدود، اتفاق جدة للسلام سبتمبر ٢٠١٨، لينهى أطول نزاع عرفته القارة الإفريقية.. وقام مع أوغندا، دولة المنبع الآخر للنيل، بوساطة بين الرئيس سلفاكير ميارديت، وقائد المتمردين رياك مشار، لإنهاء النزاع بجنوب السودان، حاضنة النيل الأزرق، الذى تعول مصر على تنمية حصتها منه، واستضاف توقيع اتفاق السلام بأديس أبابا.. ديناميكية الدبلوماسية الإثيوبية، واستهداف مراكز اهتمام المصالح المصرية داخل محيطها لتحييدها يلفتان النظر، لأنه أبعد ما يكون عن سياسة المماطلة التى تتبعها فى مفاوضات السد.

تصور لمقترحات المواجهة

أولًا: مصر تمتلك أدوات للضغط لا تقل قوة عما تمتلكه إثيوبيا فى الأزمة.. السد يبعد قرابة ٧٤٠ كم عن أديس أبابا، لا توجد اعتمادات لمد خطوط التغذية الكهربائية إلى العاصمة والمدن الرئيسية.. لأنها تعتمد على تصدير الكهرباء لدول الجوار، خاصة تنزانيا والسودان وأوغندا.
مصر من خلال تحالف المقاولون العرب والسويدى إليكتريك شرعت منتصف ٢٠١٩ فى تشييد سد ومحطة كهرباء على نهر روفيجى بمنطقة «ستيجلر جورج» فى تنزانيا، بطول واحد كيلومتر وارتفاع ١٣٤ مترًا وقدرة إنتاجية من الطاقة الكهربائية ٢١٠٠ ميجاوات، وقدرة سنوية ٥٩٠٠ جيجا، قد تكفى تنزانيا ذاتيًا، وتغنيها عن الاستيراد.. السد ينتهى العمل به نهاية ٢٠٢١.
مصر أدخلت السودان ضمن استراتيجية الربط الكهربائى، وقعت اتفاق الربط معها، وانتهت من استكمال خطوطه مارس ٢٠١٩، بطاقة كهربائية قدرها ٤٠٠ ميجاوات كمرحلة أولى، ومن المقرر أن يبدأ التشغيل التجريبى بنهاية ٢٠١٩، بجهد ٢٢٠ كيلو فولت.
وجارٍ تنفيذ مشروع مصرى لإقامة محطة للطاقة الشمسية بقدرة ٤ ميجاوات فى أوغندا، بتمويل من المبادرة المصرية للتنمية فى حوض النيل التابعة للحكومة المصرية.
تشديد الحصار على السوق الإقليمية لتصريف الطاقة الكهربائية الناتجة عن السد سيضطر إثيوبيا إلى اللجوء لمصر لتصريفها، من خلال شبكة الربط مع السودان، وشبكة التصدير للسعودية والأردن، وكذا إلى قبرص والقارة الأوروبية والمغرب العربى.. مما يحقق مصلحة متبادلة.. مصر ستتقاضى رسومًا للنقل، وتعزز وضعها كمركز إقليمى لتبادل الطاقة.
ثانيًا: التأكيد على عدم اتخاذ أى مواقف أو إصدار أى تصريحات تتعلق بالسد، إلا بعد دراستها من منظور استراتيجى بمعرفة خلية أزمة.. وزير الرى زار السد وسط احتدام أزمة التفاوض، والتقطت له الصور التذكارية التى تداولتها الأنباء باعتبارها تعبيرًا رسميًا عن الرضا والقبول المصرى بالأمر الواقع!!.. وخلال أزمة «أبى أحمد» مع الشركات المنفذة للسد، انبرى سيادته بعرض تقديم خبرة مصر فى أعمال التوربينات، وتداولت مواقع التواصل احتمال تعاقد إثيوبيا مع شركات مصرية لاستكمال أعمال «ميتيك».. مثل هذه المبادرات الكريمة، لا علاقة لها بالتاريخ والجغرافيا والسياسة والأمن القومى؟!.. وينبغى التوقف عنها فورًا.
ثالثًا: ضرورة تصعيد التحرك السياسى المصرى حتى مجلس الأمن الدولى، باعتبار التشدد الإثيوبى يهدد السلم والأمن الدوليين، ويمكن اتخاذ كينيا نموذجًا لما يمكن أن يؤدى إليه التعسف الإثيوبى فى قضية النيل، الذى تعتمد عليه مصر فى ٩٧٪ من احتياجاتها المائية، من نتائج كارثية.. إثيوبيا افتتحت سد «جيبى ٣» على نهر أومو ديسمبر ٢٠١٦، ملء الخزان منع تدفق المياه لبحيرة توركانا، ما هبط بمنسوبها بحدة، فتوقف الإنتاج الزراعى والصيد، وانتشرت المجاعة شمال كينيا، وأصبح نصف مليون من السكان مهددين بالفناء.. وبالنسبة لمصر فإن كل مليار متر مكعب من المياه ينقص من حصتها التاريخية يعنى تبوير «٢٠٠.٠٠٠» فدان، لو قامت إثيوبيا بملء السد خلال خمس سنوات، تنقص وارداتنا بمقدار ١٢ مليارًاعام، ما يعنى تبوير ٢.٤ مليون فدان، وتشريد ١٢ مليون يعيشون عليها، وانخفاض منسوب بحيرة ناصر يقلل إنتاج الكهرباء ما بين ٢٠ و٤٠٪، وهو ما لا يمكن التسامح بشأنه.. القضية تشكل بالفعل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين.
رابعًا: لكن كل ذلك لا يعنى التخلى طواعية عن المفاوضات.. سياسة استهلاك الوقت الإثيوبية ربحت شهورًا نتيجة تجميد مصر المفاوضات نوفمبر ٢٠١٧، ردًا على رفض إثيوبيا والسودان تقرير المكتب الاستشارى الفرنسى بشأن أعمال ملء السد وتشغيله، استفزاز مصر يراهن على غضبها، لاستهلاك المزيد، ما يعتبر مضيعة لمصالحنا.. مصر ينبغى أن تعتمد على آلية الدعوة لقمم ثلاثية، وتفعيل الاتفاق الثلاثى فبراير ٢٠١٩ بإثيوبيا، الذى يعتبر أفضل البدائل السيئة، لأنه يقضى بملء خزان السد بـ٤٥ مليار متر مكعب خلال ثلاث سنوات، تتحملها مصر والسودان مناصفة، بواقع ٧.٥ مليار م٣ سنويًا لكل منهما، فهو ينتزع اعترافًا بحصتنا السنوية «٥٥.٥ مليار م٣»، ويختزل أضرار عملية الملء فى توقف زراعة الأرز، وأن يتم استيراده بتمويل من البنك الدولى، خصمًا من عائدات كهرباء السد.
خامسًا: مشروع ربط نهر النيل بنهر الكونغو لتعويض النقص فى تدفقات المياه يواجه إشكاليات عديدة، لكن البديل موافقة عدد من الرؤساء الأفارقة بالفعل على مشروع توسيع وتعميق منابع النيل الأبيض بعد خروجه من منطقة البحيرات العظمى بطول ١٣٠ كم بمناطق كيوجا بأوغندا ونيمولى بجنوب السودان، ومنطقة التقاء النيل مع نهر عطبرة شمال الخرطوم، وأعمال تكريك وحفر على الناشف ببحيرة فيكتوريا فى أوغندا وتنزانيا وكينيا، المشروع يرفع حصة النيل الأبيض كمصدر لمياه النيل إلى ٤٥٪، بزيادة تفوق ٣٠٪ عن معدلاته، ما يعادل بعض أضرار «النهضة».. «١٦٪» من حصتنا فى مياه النيل تمر عبر أراضى جنوب السودان، التى ينبغى التنسيق معها فى إقامة مشروعات أعالى النيل، لاستغلال فواقد المياه، خاصة قناة جونجلى، مما يعوّض البعض الآخر من النقص.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/10/18 بوصة غير مصنف

 

العراق المضطرب بين الفساد والنفوذ الإيرانى

2018_9_8_10_15_48_499

مظاهرات العراق اشتعلت بداية أكتوبر، بالعاصمة والمحافظات الشيعية جنوب البلاد، بدأت على مواقع التواصل الاجتماعى بمطالب بسيطة؛ تحسين الخدمات العامة «الكهرباء ومياه الشرب..»، وتوفير فرص عمل، ومحاربة الفساد، وتوجت بالدعوة لإنهاء التدخل الأجنبى «الإيرانى والأمريكى»، لأنه أوقع العراق فى حصار مميت، نتيجة للتوترات المتصاعدة بين الدولتين؛ بينما يستضيف العراق آلافًا من القوات الأمريكية، ولديه ميليشيات «الحشد الشعبى» التابعة لطهران.

الاضطرابات على الأرض تصاعدت إلى حد المطالبة باستقالة الحكومة، وتميزت بالعفوية، واعتمادها على الأغلبية الشيعية التى تشكل القاعدة الشعبية المؤيدة للنظام.. لم تشارك فيها الأحزاب السياسية، ولا المناطق السنية، التى تستشعر الحصار، وتتوقع القمع بتهمة الانتماء لـ«داعش»، أو لحزب البعث المنحل.. السلطات فرضت حظرًا للتجوال، تحداه المتظاهرون، فاضطرت لرفعه.. حجبت الإنترنت فاشتعل الغضب.. واستخدمت الشرطة مدافع المياه للتفريق، وقطعت بعض الطرق الحيوية بالعاصمة، وعطلت الدوام الرسمى.. هيئة الإعلام والاتصالات دعت لتوخى الدقة فى التعاطى مع أخبار التظاهرات، تجنبًا للتصعيد، وخدمة أصحاب المصالح.

العراق يمتلك رابع أكبر احتياطى نفطى فى العالم، لكن قرابة ربع السكان يعيشون دون حد الكفاف.. البطالة بين الشباب القادرين على العمل ١٧٪، حرب داعش أنهكت الدولة، وألحقت بها الدمار، مليون شخص مازالوا مشردين، ٦.٧ مليون فى حاجة للمعونات الإنسانية، والدولة بحاجة لـ٨٨ مليار دولار لتمويل خطة الإعمار.. العراق يمتلك ١٩ جهازًا رقابيًا لمحاربة الفسادين الإدارى والمالى، حيدر العبادى أنشأ مجلسًا أعلى للمكافحة، حقق فى ٢٩.٠٠٠ قضية، شملت ٣٤.٠٠٠ متهم، منهم ٤٨ وزيرًا، و٤٨ نائبًا، و٣٩ محافظًا، و٤٣٨ عضو مجلس محافظة، و٦٢٤ مديرًا عامًا، وأصدرت أكثر من ٢٠٠٠ أمر قبض عام ٢٠١٧، بينهم ٢٩٠ مسئولًا حكوميًا، ولكن كل ملفاتها ما زالت مفتوحة، لم تبلغ نهاياتها بعد!!.. عادل عبدالمهدى شكل برئاسته المجلس الأعلى لمكافحة الفساد يناير ٢٠١٩، ضم الرؤساء التنفيذيين للمؤسسات المركزية المخولة بمكافحة الفساد، ليكون بمثابة الجهاز التنفيذى للمكافحة، ترأس جلسته الخاصة ببحث نتائج تحقيقات هيئة النزاهة بشأن الموظفين الصادرة بحقهم أحكام قضائية تتعلق بالاختلاس وإهدار المال العام، وقرر تنحية ألف موظف بمختلف المؤسسات.

رغم تلك الجهود تراجع العراق للمرتبة ١٦٦ من أصل ١٧٦ دولة، فى معيار الشفافية، ليصبح من أكثر دول العالم فسادًا ٢٠١٩.. تقديرات عبدالمهدى لخسائر الفساد تجاوزت ثلاثمائة مليار دولار، لكن البنك الدولى ومنظمة الشفافية الدولية قدرا حجمه بـ٦٠٠ مليار، أما تقديرات الأجهزة الرقابية فتشير إلى ابتلاعه نحو ٤٥٠ مليارًا من الأموال العامة، منذ سقوط نظام صدام حسين ٢٠٠٣.. الفساد أمسك بخناق قرابة ٩.٠٠٠ مشروع، بعضها وهمى والآخر متعثر منذ ٢٠٠٤.. الحكومة الحالية كشفت مؤخرًا عن قرابة ٤٠ ملفًا جديدًا للفساد، وما زال هناك ١٥ ألف ملف بانتظار التحقيق.. البرلمان تعهد بإقرار حزمة تشريعات لدعم هيئة النزاهة واسترداد أموال الدولة، وإيجاد حلول للمشاريع الوهمية والمتعثرة، وكان الأولى به البدء بمراجعة قانون «العفو العام» الذى أقره ٢٠١٦، ويعتبر بوابة الفساد الخلفية، لأنه سمح للفاسدين بالهروب خارج العراق، والتنصل من جرائم المال العام، دون محاسبة.

تداولت الأنباء أخبار إطلاق قوات «مكافحة الشغب» الرصاص الحى على المتظاهرين، فأردت أكثر من مائة قتيل، و٦٠٠٠ جريح، لكن هناك شواهد أثارت الشكوك، أهمها قتل ٨ من رجال الشرطة، والتخريب المتعمد لـ٦٠ مبنى عامًا ومقرًا لأحزاب سياسية، وذلك رغم تأكيد الداخلية عدم وجود أوامر باستخدام العنف، وأن دورها حماية المتظاهرين والممتلكات من المندسين، وأنه لم تقع صدامات إلا عندما اضطرت لمنع المحتجين من اقتحام مطار بغداد الدولى، وكذا وضع حد للتصعيد بمدينة الصدر شرق بغداد.. تفسير ذلك أن ميليشيات «الحشد الشعبى» حاولت تشتيت المتظاهرين، خاصة بالمناطق التى رفعت فيها شعارات منددة بالنفوذ الإيرانى؛ فشكلوا مجاميع من الملثمين بالملابس السوداء، أطلقوا عليهم «فرق الموت»، وزعوهم على المبانى المرتفعة المحيطة بساحات التظاهر، لقنص المتظاهرين وعناصر الشرطة، لإرباك الموقف، وتصعيد العنف.. إيران افتتحت غرفة عمليات بسفارتها ببغداد للإشراف والمتابعة، ودعمت القناصة بعناصر من «الوحدة ٤٠٠» التابعة لفيلق القدس المسئول عن تنفيذ الاغتيالات بالخارج، بينها عناصر من حزب الله اللبنانى.

«تحالف المحور الوطنى» علق عضويته بمجلس النواب، بعد ساعات من توجيه مقتدى الصدر نواب تحالفه «سائرون» الذى يضم «التيار الصدرى» و«الحزب الشيوعى»، إلى تعليق عضويتهم فى البرلمان، لتفويت الفرصة على استخدام السلطة التشريعية كأداة للفوضى وابتزاز السلطة التنفيذية، وإعاقة عمل الوزراء بالتلويح بالاستجواب أو الإقالة لتمرير صفقات مشبوهة من بعض الأطراف، وربط العودة بصياغة موقف جاد مع باقى الكتل السياسية، يبدأ ببرنامج حكومى يلبى مطالب الشعب، وتصحيح مسار العملية السياسية، وفتح تحقيقات جادة عن الفساد فى تسمية رؤساء وأعضاء اللجان بمجلس النواب، وكذا بآليات سن القوانين.

الحكومة أدركت أن تكرار التظاهرات الاحتجاجية على سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية يهدد الاستقرار فى البلاد، لذلك اتخذت مجموعة أولى من القرارات الجيدة للتهدئة «صرف رواتب لـ٦٠٠.٠٠٠ أسرة تستحق الرعاية الاجتماعية، تخصيص أراضٍ سكنية لذوى الدخل المحدود، برنامج وطنى للإسكان لبناء ١٠٠ ألف وحدة سكنية، منح ١٥٠.٠٠٠ عاطل منحة شهرية لمدة ثلاثة أشهر لحين توفير الأكشاك المخصصة لهم، تدبير فرص عمل جديدة بتنشيط قروض المشاريع المتوسطة والصغيرة، وفتح باب التطوع فى الجيش، وإعادة بعض المستغنى عنهم إلى الداخلية».

إيران تدرك أنها أول المتضررين من الاضطرابات الراهنة، كما تعى خطورة استمرارها، وحتمية امتصاص غضب الشارع، حتى لا يتحول إلى رفض صريح لوجودها.. اتهمت إسرائيل والسعودية وأمريكا وبريطانيا بتحريكها، وأغلقت معبرى «خسروى وجذابة» الحدوديين اللذين يستخدمهما الزوار، بسبب تطور الأوضاع الأمنية، لأن الاضطرابات وقعت قبل بضعة أيام من ذكرى أربعينية الحسين، التى تجتذب نحو ٢٠ مليونًا من شيعة جنوب العراق وإيران، لزيارة المراقد المقدسة بكربلاء والنجف والأشراف، وهى تسعى لتوفير طرق بديلة، يتم تأمينها بالتنسيق مع «الحشد الشعبى» العراقى.

أما الأزمة السياسية فإن طهران قد تستغل نفوذها وتضحى بالحكومة الحالية، وتدفع باتجاه إجراء انتخابات مبكرة، قد تأتى بأغلبية من الموالاة.. وفى حالة عدم حدوث تغيير لمراكز القوى فقد تلجأ للهروب بالحشد الشعبى إلى الأمام، لأن القرار الصادر بحله، وما تلاه من هجمات جوية ضد معسكراته، يستهدف تصفيته، ما قد يدفعها لاستنساخ تجربة الحوثيين، وإشعال أى اضطرابات مقبلة، لتوفير المناخ للانقلاب على السلطة، والاستئثار بها، ما يفرض على الدولة والجيش اليقظة، والتحسب من الآن لهذا الاحتمال بالغ الخطورة.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/10/18 بوصة غير مصنف

 

محاور مؤامرة الإخوان فى «جمعة الإخلاص»

04

الجمعة ٢٧ سبتمبر التى سماها الإخوان «جمعة الخلاص»، شهدت محاولة لاستنساخ فوضى يناير ٢٠١١، بعد المرور البائس للذكرى السادسة لسقوطهم «٣٠ يونيو». فالتنظيم يمر بأضعف حالاته. قياداته فى السجون أو هربوا للمنفى. حملاتهم فقدت تأثيرها. خلافاتهم خرجت للعلن، وصراعاتهم محورها أموال التنظيم، أما مواجهاتهم بشأن مصير المسجونين فقد انتهت باتهامات متبادلة بلغت حد التخوين.. التنظيم حاول الهروب للأمام بالسماح لأعضائه بالعمل من خلال الأحزاب، والعودة الخفية لساحة العمل السياسى، وتنشيط الحراك الجماهيرى، إضافة لدعم الأنشطة الإرهابية. الشعب المصرى خرج رافضًا أى مساس بالدولة، وأحبط المؤامرة.. قطع «البازلز» فى المشهد عديدة، وتجميعها صار لازمًا للفهم وربما تصحيح بعض المسارات.

مخطط الإخوان بدأ بإعادة إنتاج سيناريو تسلل عناصر الدعم الخارجى التى فتحت السجون، واستهدفت مراكز الشرطة واغتالت المتظاهرين، لإشعال الموقف ونشر الفوضى. قوات إنفاذ القانون بسيناء حالت دون تسلل خلاياهم من قطاع غزة، فاعتمدوا على تنفيذ «داعش» عملية «كمين تفاحة»، مؤكدين التنسيق بينهما.. الطيران المصرى نجح فى تدمير ٧ سيارات دفع رباعى بالاتجاه الشمالى الشرقى، و٨٣ عربة على الاتجاه الاستراتيجى الغربى، و٢٥ على الجنوبى، ما يعنى أن ليبيا لا تزال مصدر الخطر الأكبر، نتيجة للارتباط الاستراتيجى بين معركة تحرير طرابلس من الميليشيات، ومعركة مصر ضد الإرهاب، وأن الحدود السودانية لا تزال تمثل خطرًا داهمًا، نتيجة استغلال العناصر الإرهابية عدم الاستقرار هناك.

أجهزة الأمن كشفت مخزنًا للبنادق الآلية والطلقات المضادة للطائرات بـ«دشنا» شمال قنا، كما ضبطت بميدان التحرير مجموعة من العرب والأجانب الذين خططوا لدعم عناصر الجماعة وإثارة الفوضى.. اثنان من المتهمين أتراك، تم ضبطهما أثناء قيامهما بعمليات رصد وتصوير الشباب والارتكازات الأمنية.. الثالث هولندى ضبط أثناء تصوير التظاهرات بطائرة «درون» من شرفة أحد الفنادق، وتم تحريز الأجهزة والمبالغ المالية.. الرابع والخامس أردنيان من العناصر المناهضة للمملكة، شاركا فى لجان الإخوان الإلكترونية، وقدما لها الدعمين المادى والفنى.. السادس فلسطينى ينتمى للجهاد الإسلامى، كمسئول للرصد والاتصال وجمع المعلومات، والأخير مصرى كلفه التنظيم بتمويل الشباب وحثهم على التظاهر، مستغلًا علاقته بالعناصر الإخوانية داخل أحد روابط الألتراس.
الجانب الإعلامى للمؤامرة تضمن شن حملات موسعة بمواقع التواصل وعبر الميليشيات الإلكترونية للدعوة للتظاهر والاحتجاج ضد النظام، إضافة لتدشين مواقع إخبارية وصفحات وجروبات سرية وحسابات للحشد وترويج الشائعات والصور المزيفة التى تخدم أغراضهم، وتحقق أهدافهم فى إثارة السخط، وإضعاف الثقة فى الدولة ومؤسساتها. أدار هذا الجانب محمود حسين، أمين عام الجماعة، وعاونه أيمن عبدالغنى زوج ابنة خيرت الشاطر، بالاستعانة بعناصر الجماعة المقيمة بتركيا والسودان وماليزيا وقطر. تقرير معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط «MEMRI» بواشنطن بعنوان «قطر تشعل الاحتجاجات ضد السيسى عبر الجزيرة لإسقاط النظام المصرى»، كشف عن الأدلة الدامغة على تنفيذ الدوحة- بالتعاون مع الإخوان- مخطط إشعال الفوضى وزعزعة الاستقرار، عبر نشر الشائعات والتحريض على التظاهر ضد الدولة المصرية، استنادًا لدور قناة «الجزيرة» ووسائل الإعلام القطرية، وتوظيف مذيعيها فى إطلاق الشائعات والتحريض عبر صفحاتهم الإلكترونية.

التسريب الصوتى للإخوانى «أمير بسام» مستشار مرسى، كشف عن حجم الاختلاسات داخل الإخوان: «الجماعة خدعت قواعدها ٨٠ عامًا باسم الدين»! عمر حسن صاحب التسريب هدد بنشر المزيد، لكشف المرتزقة والفسدة المتصدرين المشهد، ما لم يرعَ التنظيم الهاربين من أعضائه، لمواجهة ظروفهم الصعبة بتركيا. عماد أبوهاشم أحد حلفاء الإخوان المنشقين فضح أساليبهم لترويج الشائعات تحت إشراف خبراء فى العلوم الإنسانية، للتأثير على الشارع المصرى، باعتبارها أهم الأدوات المتاحة لهم.

مكالمة «على بطيخ» مسئول المكتب الإدارى للإخوان بـ٦ أكتوبر، الهارب لتركيا، مع أحد عملاء التنظيم بالداخل أكد عدة حقائق.. الأولى: هدف التنظيم حاليًا استعادة القدرة على الحشد والتظاهر.. الثانية: معاناة عناصره من إحكام القبضة الأمنية على تحركاته واتصالاته.. ثالثًا: تصميم تركيا على دعم نشاط التنظيم ضمانًا لاستمرار الاضطرابات.. رابعًا: تكليف قياداتهم الميدانية بتحريك الحشود الجماهيرية بكل المحافظات.. خامسًا: تضمن مخطط المؤامرة هجمات إرهابية على الأديرة والكنائس لزيادة الأمور اشتعالًا.
الدعم السياسى لتحركات الإخوان قدمه أردوغان من منبر الأمم المتحدة، بالدورة ٧٤ للجمعية العامة، وحديثه عن وفاة محمد مرسى بقاعة المحكمة.. الاحتجاج المصرى ببيان متحدث الخارجية تضمن معلومات مُفحمة وردًا رصينًا، لكن تداوله لم يكن بنفس المستوى. نتنياهو رد بنفسه على هجوم أردوغان ضد إسرائيل بنفس الخطاب، فكان الأولى بنا رفع مستوى القائم بالرد، لأن ذلك معيار لتداوله بمصادر الأنباء العالمية.

فى مواجهة مؤامرة الإخوان متكاملة الأركان حوَّل الحشد الجماهيرى «جمعة الخلاص» إلى «جمعة الإخلاص» للدولة وقيادتها، لكن هناك بعض التحفظات التى ينبغى مراعاتها، أهمها، أولًا: ضرورة تجنب استعادة آليات الحشد والحشد المضاد، لأنه يُخِل بالانضباط وينشر السيولة والفوضى.. ثانيًا: مراعاة أن «الجماعة» قد لا تراهن على الشعب بعد فشل تجربتها، ولكنها قد تلجأ لتوسيع نطاق عمليات التجنيد، ودعم خلايا ونشاط العمل المسلح، لتجنب الاعتماد على تسلل عناصر الخارج، بعد الخسائر الضخمة التى ألحقتها بها قواتنا الجوية، فى محاولاتها للتسلل، عبر مختلف نطاقات الحدود المصرية، ذلك يفرض اليقظة.. ثالثًا: إن مراجعة وسائل نقل بعض الكتل الجماهيرية، والشعارات التى قاموا برفعها، تشير إلى دور نشيط لرجال أعمال وتنظيمات حزبية فى الحشد، بعضهم لا ترقى سمعته لأن تضيف للنظام، بل تسحب من رصيده، ما يفرض تجنبها.

رابعًا: تلاحظ أن قيادات «حزب الاستقلال» عضو «تحالف دعم الشرعية» الموالى للإخوان، والمُخلى سبيلهم بتدابير احترازية منذ مارس ٢٠١٦، لعبوا دورًا رئيسيًا فى قيادة عمليات الحشد للتظاهرات استجابة لدعوة الإخوان، لو لم يخضع هؤلاء وأمثالهم من الأحزاب السلفية للضوابط المسموحة بمقتضى قانون الطوارئ، فما الحاجة له؟!.. خامسًا: ما زال الإخوان يحتلون مواقعهم داخل مؤسسات الدولة، رغم خوضهم الحرب ضدها. فمتى يتم تقنين عملية إبعادهم؟!.. سادسًا: الحرب ضد الفساد وصلت لمراجعة أوضاع رؤساء المؤسسات الحاليين ومساعديهم، وكل من يتصرف فى مال عام، مصلحة بعضهم استعادة الفوضى، ما يفرض الحذر.. سابعًا: عودة الجمهور للمباريات تفتح أبواب إعادة توظيف روابط الألتراس، مما يتطلب مراعاة الاحتياطات الواجبة.

وأخيرًا، التخوفات التى تعلقت باحتمالية استجابة البعض لدعوات الإخوان، تعبيرًا عن الغضب من تبعات الإصلاح الاقتصادى، ثبت عدم صحتها، حتى من جانب الأفراد الذين ركبوا الموجة فى البداية، لتوصيل رسالتهم للدولة.. الجميع خرج للمساندة، واستجابة الرئيس تعكس مرونة النظام، وتقديره حساسية المرحلة.. فهل يحول المسئولون ذلك إلى إجراءات عملية وواقع معيش؟!

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/10/18 بوصة غير مصنف

 

خريف الوهابية.. منبع الإرهاب الأسود

70839869_624908311372992_6461168351346425856_n (1)

عندما أسس محمد بن عبدالوهاب الدعوة «الوهابية» اواخر القرن الثامن عشر، إستند على أفكار إبن تيمية، فجاءت مخالفة لما درج عليه المجتمع السعودى المسلم، حتى ان والده تصدى له وزجره، وألف شقيقه سليمان كتاباً بإسم «الصواعق الإلهية فى الرد على الوهابية»، خصصه لتفنيدها، وتنبيه الناس الى خطورة إنتشارها.

دور المخابرات البريطانية
محمد بن عبدالوهاب كان على صلة وثيقة بالمستشرق البريطانى الشهير «همفر»، الذى عمل لحساب المخابرات البريطانية، والف كتاباً بعنوان «مذكرات المستر همفر» كشف فيه «أسرار مهمته في العالم الإسلامى» بداية القرن الـ18م، حيث اوضح «ان العائق الوحيد للاستعمار البريطاني في هذه المنطقة الحيوية، على طريق الهند، هو الدين الإسلامى، وكان السبيل الوحيد لإخضاع شعوبها تمزيقها من الداخل، وبث الفتن بين المذاهب، بتحريف المبادئ والقيم التي قام عليها»، وهكذا أوعزت المخابرات البريطانية بأفكار وأدبيات الدعوة «الوهابية» لمؤسسها، وقامت برعايتها من خلال علاقتة الوثيقة بـ«همفر»، ليستخدمها العرب فى إشاعة ثقافة التكفير والتفجير، لتفكيك العالم الإسلامى، مما يفسر قتلهم للشريف غالب حاكم مكة، وتنفيذ مذبحة ضخمة لمخالفيهم فى الطائف، وطرد الشريف الحسين بن على، ملك الحجاز من المدينة، وإنحيازهم لبريطانيا فى الحرب العالمية الأولى.

الوهابية والتنظيمات الإرهابية
الوهابية أنتجت العديد من الثمار المُرّة، أبرزها يتعلق بالعلاقة العقائدية الوثيقة مع التنظيمات الإرهابية، التى بنتمى معظمها الى المذهب السنى، على المنهج الوهابى.. أسامة بن لادن الوهابى أسس تنظيم «القاعدة».. 15 من الـ19 الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة كانوا وهابيين.. خرج من الوهابيين أعداد كبيرة من الانتحاريين للعراق بعد الغزو الأمريكى 2003.. وزودوا «داعش» بقرابة 2500 مقاتل.. أما الكتب التى إعتمدت عليها «داعش» فى مدارسها فهناك سبعة من إجمالى 12 كتاب من تاليف بن عبدالوهاب.. الشيخ عادل الكلبانى الإمام السابق للحرم المكى تباهى بأن «داعش»، استمدت أفكارها من كتبهم ومبادئهم الخاصة!!.

الوهابية فى مصر
الوهابيون يضمرون الكراهية لمصر وجيشها، نظراً لأنه عندما كثرت جرائمهم فى جزيرة العرب، واستفحل أمرهم، استنجد الخليفة العثمانى بمحمد على والى المحروسة، فجهز حملة لتأديبهم، ودفع الجيش المصرى الى هناك، ونجح في القضاء عليهم، ودخول عاصمتهم الدرعية، قبل ان يعود أدراجه الى مصر.. لكنهم عادوا من جديد بمساعدة بريطانيا، ليرتكبوا أعمالاً عدائية أبرزها إحراق المحمل المصرى بمكة، رغم أنه يضم كسوة الكعبة، وإعتدوا على المصريين المصاحبين.. والحقيقة ان إتفاق التنظيمات التكفيرية على كراهية الجيش المصرى، يبدأ منذ ذلك التاريخ.

الفكر الوهابى تسلل الى مصر عبر محمد رشيد رضا، الذى تبنى المذهب، وقدم ابن تيمية لأول مرة للثقافة المصرية، وذلك خلال فترة الصراع بين الحركة الوهابية والشريف حسين، قبل طرد الأخير من المدينة، والملفت ان رشيد هذا قد أصبح أستاذاً لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، مما يؤكد انها أحد روافد الحركة الوهابية، كما يفسر إعتياد عناصرها التوجه للمملكة، كلما إصطدموا بالدولة المصرية، خلال حكم عبدالناصر.

منذ منتصف السبعينات بدأت الوهابية تنتشر بمصر نتيجة لهجرة العمالة، خاصة المدرسين والكوادر الأزهرية، الى السعودية والخليج، لذلك انتشر الحجاب والنقاب والاسدال، وأطلقت اللحى.. والأهم والأخطر، هو ان وسطية الأزهر تراجعت أمام مِنَح الوهابيين وعطاياهم.. وللأسف فقد انفقت الأموال بسخاء على بناء المراكز الدينية والجمعيات الخيرية، دون أن تواجه مصر تلك الأفكار، لأن الرئيس السادات كان قد أطلق يد الجماعات الإسلامية لممارسة أنشطتها، سعياً لإيجاد قوة توازن الدور المتصاعد لليسار، كل الأبواب إنفتحت أمام المدارس السلفية في الفكر الدينى.. الوهابية استقطبت الشيخ محمد حامد الفقى احد رجال الأزهر المتشددين، ودعمته لتأسيس «جماعة أنصار السنة المحمدية»، أول قاعدة منظمة للوهابيين بمصر، والتى كانت ساحة لأنشطة التنظيمات المتطرفة، خاصة فيما يتعلق بالفرز وتجنيد العناصر الصالحة.. وفى التسعينيات بدأ ظهور الدعاة الجدد الممولين من الحركة الوهابية، وعلى رأسهم حسان، ويعقوب، وبرهامى، وغنيم، بالإضافة الى توسع الأزهر في تأسيس المعاهد الدينية في القرى والنجوع، ما أضعف دوره فى المتابعة، وأعطى فرصة للمتطرفين فى إتخاذها أوكاراً لنشر أفكارهم.

بن سلمان والمواجهة
محمد بن سلمان ولى العهد السعودى إعترف لـ«واشنطن بوست»، أن نشر الوهابية، كان بطلب من الحلفاء الغربيين، لمواجهة الاتحاد السوفيتي، ومنع تقدمه في العالم الإسلامي إبان الحرب الباردة!!، وهو نفس السبب وراء إفراج السادات عن الإخوان، وإطلاق يدهم لدعم «مجاهدى» أفغانستان.. بعد عقود من المعاناة، أعلنت المملكة ومصر والعديد من الدول أن الإخوان تنظيماً إرهابياً.. وأكد بن سلمان فى أكتوبر 2017 «سنعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل، المنفتح على جميع الأديان، لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أفكار متطرفة، قطعنا خطوات، وسنقضى على بقاياه فى القريب العاجل».
رجال المؤسسة الدينية الفاسدون مارسوا تجاوزاتهم بدعوى تحالفهم مع السلطة الحاكمة.. الدولة سحبت البساط من تحت أقدامهم، فإعتدلوا والتزموا برؤيتها، والشعب تجاوب مع الإصلاح، ودعم الدولة فى مواجهتها، وأقنع شيوخ الوهابية أنه لم تعد هناك ثغرة للنفاذ منها، ولا مجال للعودة الى ما كانوا عليه من نفوذ.. حزم الدولة كان لازماً، مما يفسر تقديم بعض الدعاة للمحاكمة، خاصة من بين «تيار الصحوة»، الذى أسس مدرسة التكفير والولاء والبراء، ونجح فى السيطرة على 80 ألف مسجد، وشكل أفراده خلايا لبث قيم اجتماعية جديدة، والقطيعة مع الثقافة التقليدية عبر المنابر والإعلام والجامعات، فضلاً عن إنتشارهم فى معظم الدول العربية من خلال الكتيبات والأشرطة.

النيابة السعودية طالبت بإعدام سلمان العودة، لتؤكد أنه لارجعة مع التطرف ولا مكان للمتطرفين. وعائض القرنى خرج لوسائل الإعلام معتذرا للرأى العام عن الأفكار المتشددة المخالفة للقرآن والسنة، التي كان يروج لها خلال فترة نشاطه الدينى ضمن «تيار الصحوة»، أما عبد العزيز الطريفى وعلي العمرى فقد إبتلعوا ألسنتهم.. لقد أفسد هؤلاء الدعاة عقول الشباب عبر عقود طويلة، وساقوا منهم عشرات الآلاف وقوداً للإرهاب والتخريب بدعوى الجهاد، تلبية لتوجيهات مشايخ التطرف فى الدوحة، وأجهزة المخابرات الغربية.. كم أفسدوا علينا حياتنا تمسحاً بالحُرمانيات، ثم خرجوا بإعتذار سخيف يخلو من معنى، ويفتقر لمضمون.. حسبنا الله ونعم الوكيل.

إصلاحات المملكة
تغيير وضع «هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» يعتبر واحداً من أبرز شواهد الإصلاح فى المملكة، الهيئة استُحدثت 1940، لممارسة دور الشرطة الدينية، فى تطبيق الشريعة الإسلامية بالأماكن العامة!!، ومنع إرتكاب المنكرات الشرعية، انتشرت فروعها بأنحاء المملكة، ومنحت صلاحيات تتيح الإعتقال وإقامة الحدود الشرعية؛ لكنها إجتذبت غير المؤهلين؛ طمعاً فى مميزاتها، ما أدى الى تجاوزات وفساد أساءت لدورها فى المجتمع، حتى ان منتسبيها يرون أنهم «الفرقة الناجية» التى حَسُن إسلامها، بينما سطحوا فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومفهوم الحسبة، بإعتبار كل من يحلق لحيته، أو يطيل ثوبه، أو يفتح باب محله التجارى أثناء الصلاة، فاسق يستحق الجلد؛ دون ان تطبق ذلك إلا على عوام الناس، ولم تقترب من أصحاب النفوذ، فأهدرت مبدأ المساواة.. هذه الهيئة قُلصت صلاحياتها، كخطوة فى سبيل إلغائها.. وبدأت مراجعة مناهج التعليم، لتخليصها من مرتكزات التطرف.

المملكة على طريق الإصلاح رصدت 64 مليار دولار لأنشطة الترفيه خلال السنوات العشر المقبلة، سمحت بالإختلاط لأول مرة إبان احتفالات اليوم الوطنى السعودى باستاد الملك فهد الدولى بالعاصمة الرياض سبتمبر 2017، أعادت الطرب للتليفزيون الرسمى، ونظمت عشرات الحفلات العنائية لمطربين ومطربات عرب وأجانب، سمحت بفتح دور عرض سينمائية، شرعت فى بناء دار للأوبرا بجدة، وبدأت فى تعديل القوانين المتعلقة بحقوق المرأة، وأهمها إلغاء المنع عن قيادتها للسيارات، وإستخراج جواز سفر، مع منحها حقوقاً مساوية للذكر فيما يتعلق بحرية السفر، دون ولاية.

مصر قبل ان تهب عليها رياح السموم الوهابية كانت مختلفة تماما؛ فى ملابس البشر، أشكالهم، روائحهم، ناهيك عن إكتساب الميل غير المعتاد، للخشونة فى التعامل، والتطرف فى التفكير، وفظاطة رد الفعل، وبذائة اللفظ.. حتى الأزهر الوسطى الأشعرى الذى تبنى الإعتدال الدينى منذ نشأته، إندست داخله عناصر متشددة، تسعى لتغيير توجهاته وطبيعته على حساب مبادىء الإسلام السمح.. وتجديد الخطاب الدينى، تحول الى قضية خلافية ووجهات نظر متضاربة تارة، والترهيب منه بدعوى المساس بالدين تارة أخرى، متجاهلين حديث الرسول «صلعم» «إنَّ الله تعالى يبعث لهذه الأمَّة على رأس كلِّ مائة سنةٍ من يجدِّد لها دينها».. إذن التجديد جزء من الدين، ووسيلة للحفاظ على ريادته فى عالم ملىء بالديانات والمذاهب المتصارعة.

المملكة تتخلص من الوهابيين، منبع التشدد والتطرف فى المنطقة، فماذا نحن فاعلون بإمتداداتهم المتجذرة لدينا؟!.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/10/03 بوصة غير مصنف