RSS

Monthly Archives: أوت 2017

عودة السفير الإيطالى وإغلاق ملف «ريجينى»

29251

بين اختفاء جوليو ريجينى «25 يناير 2016»، والعثور على جثته «3 فبراير»، أحداث أزمة غابت تفاصيلها، لكن خطورة نتائجها تفرض محاولة سبر أغوارها.. بدأ دارساً للنشاط العمالى، ودور التنظيمات العمالية فى البلدان التى تعرضت للخريف العربى بجامعة كمبريدج البريطانية، أوفد كدارس للدكتوراه بالجامعة الأمريكية بالقاهرة سبتمبر 2015، شارك فى تأسيس نقابة الباعة الجائلين «تتجاوز أعدادهم 6 ملايين»!!، واستخدمها كنموذج برسالته عن النقابات المستقلة بمصر، اعتاد الحصول من رئيسها على معلومات تتعلق بأنشطتهم، وعده بمبلغ 10.000 جنيه، ولم يفِ، ما دعا الأول للتقدم ببلاغ يشكك فى نشاطه واهتماماته، الشرطة فرضت مراقبتها لعدة أيام، ثم رفعتها قبل اختفائه بثلاثة أيام.

الأمن الإيطالى وضع منذ البداية ثلاثة احتمالات للجهة المتورطة؛ الأولى: الأمن المصرى بسبب نشاط ريجينى على الأراضى المصرية، الثانية: بريطانيا، لأن تخصص المذكور يقع ضمن اهتمام دوائر مخابراتها، ولأن اتساع نشاطه وخضوعه للمراقبة الأمنية يمكن أن يكشفه، ويتسبب فى توريط بريطانيا مع مصر، والثالثة: التنظيمات الإرهابية وبينها الإخوان للإضرار بالعلاقات الاستراتيجية بين مصر وإيطاليا.. ولم يكن لدى الأمن الإيطالى ما يدفعه لترجيح أى من الاحتمالات الثلاثة.

القصور فى إدارة مصر للأزمة وضح منذ بدايتها، محاولة التنصل من أى علاقة بالقضية أوقعها فى المحظور، بعد أيام من العثور على جثة ريجينى، أعلنت أن الوفاة نتيجة حادث سير، ثم تراجعت بعد إعلان الطب الشرعى تعرضه للتعذيب.. بعد شهرين، قامت بتصفية تشكيل عصابى تخصَّصَ فى سرقة الأجانب، وكشفت عن العثور على مُتعلّقات ريجينى لدى شقيقة المتهم الأول، لكنها لم تلبث أن نفت علاقة التشكيل بالقضية، بعد اقتناع الجميع بأنها مجرد استخدام ساذج لأسلوب تقفيل القضايا المفتوحة بتحميلها لمحترفى الإجرام.. هذه الأخطاء ولدت شكوكاً لدى الجانب الإيطالى، استغلتها واشنطن ولندن، ويتامى البنا، وأبناء مجيدة، فى دس معلومات مغلوطة لتوريط مصر، مما كاد يحصر الشبهات فيها.. الأمور تعقدت فى «مارس» إلى حد طلب فريق التحقيق الإيطالى استجوابات وتحريات تتعلق بخمسة من ضباط قطاع الأمن الوطنى، وأعد فى أبريل قائمة تضم الـ«26» المعنيين بالقضية، استبعد منها التابعين لجهات سياسية أو تنفيذية، لمعرفتهم بالجريمة بحكم مناصبهم، وكذا من تدخل فى القضية بعد مقتل ريجينى، وبقى فى القائمة عشرة أسماء، اعتبرهم المسئولين، وطلب من النائب العام المصرى توجيه الاتهامات لهم، كما اتهم السلطات بعرقلة عمل الشركة الألمانية المكلفة بتفريغ أشرطة كاميرات المراقبة بمحطات مترو الأنفاق.. إيطاليا بدأت ضغوطها بسحب السفير، ومنع تصدير قطع غيار مقاتلات «إف-16».

فريق النيابة العامة الذى تسلم القضية، تدارك الأخطاء التى ارتكبت فى بدايتها، لأنه أدرك أن الطرف الآخر ند فى مهنيته، ما يفرض احترامه، اللقاءات المتبادلة بلغت ستة، اقتنع بعدها الجانب الإيطالى بأن الأمن المصرى ليست لديه دوافع لارتكاب الجريمة؛ الضحية أجنبى، حال ارتكابه جريمة، أو تسبب فى إزعاج السلطات، هناك العديد من إجراءات التعامل القانونية، بدءاً من القبض والتحقيق، وانتهاء بالمحاكمة والترحيل، إلقاء جثته فى الطريق أثناء زيارة وفد إيطالى من رجال الأعمال تترأسه وزيرة التنمية الاقتصادية، ليس بديلاً مطروحاً لجهة أمنية تعرف كيف تخفى مظاهر تورطها، الفريق اقتنع أيضاً بممارسة ريجينى لأنشطة سرية، بتمويل بريطانى، وتورطه فى عمليات تحريض وتوجيه لتحركات مضادة فى ذكرى 25 يناير، صحيفة «لاستامبا» تساءلت عما إذا كان ريجينى يعمل جاسوساً للمخابرات البريطانية، ومتعاوناً مع الإخوان، خاصة بعد العثور على أرقام لعناصر حركية بالتنظيم على هاتفه، المحلل الإيطالى «جييدو تاييتو» بصحيفة «البيريماتو نوتيسيا» اتهم بريطانيا بقتل ريجينى للوقيعة بين القاهرة وروما، وتضييق الخيارات الجيوسياسية لإيطاليا.. المحققون اتجهوا صوب بريطانيا، لكنها لم تبد أى تعاون، ولم تقدم أى معلومات، رغم الإلحاح، ما دفع حكومة ماتيو رينزى السابقة إلى اتهام كمبريدج بتعطيل التحقيقات، وإخفاء المعلومات.. بريطانيا قادت حملة الحصار الدولى لمصر منذ 30 يونيو 2013، وكانت بصدد توجيه ضربة قاصمة لعلاقات التعاون بين إيطاليا ومصر، على نحو ما تم مع روسيا، فى حادث إسقاط طائرتها فوق سيناء.

مصر بالنسبة لإيطاليا تلى ليبيا مباشرة من حيث الأهمية؛ استثمارات إينى بلغت 3.5 مليار دولار فى حقول غاز المتوسط، إيطاليا ثانى أكبر شريك تجارى مع مصر بعد الولايات المتحدة، والشريك الأول بالاتحاد الأوروبى، ناهيك عن أهمية التعاون لمحاربة الهجرة غير المشروعة، والأنشطة الإرهابية.. الغارات المصرية على مواقع الإرهابيين فى ليبيا عكست تطوير مصر لاستراتيجيتها بالمنطقة، نحو المزيد من الديناميكية، هذا التطور فتح الطريق للجيش الوطنى، لتوسيع سيطرته على الشرق الليبى، لتشمل الوسط والجنوب، وأصبح يهدد باجتياح المنطقة الغربية، التى تعانى فيها القوى السياسية والجماعات المسلحة من انقسامات حادة، ونقص فى الإمدادات، بعد أن هددت ضربات الطيران الدعم القطرى المقبل جواً وبراً من السودان، ونجحت زوارق البحرية الليبية، فى منع الإمدادات التركية من البحر.. إيطاليا دفعت بوحدات بحرية للساحل الليبى ضمن جهودها لوقف الهجرة، لكنها لا تضمن سلامتها دون تنسيق مع مصر، البرلمان الإيطالى لديه قناعة بالأهمية الجيوسياسية لمصر، وبأن التنسيق الاستراتيجى بين القاهرة وباريس سمح للأخيرة بلعب دور رئيسى على الساحة الليبية.. القطيعة بين مصر وإيطاليا دفعت الأخيرة للرهان على الطرف الخاسر فى الصراع «كرازاى ليبيا»، الأمر الذى يهدد بضياع مصالحها، مما يفسر هجوم البرلمان على سياسات حكومة جنتيلونى بليبيا، وضغوطه لعودة السفير للقاهرة، وإيفاده نيكولا لاتورى رئيس لجنة الدفاع بالشيوخ، وماوريتسيو جاسبارى نائب رئيس المجلس للقاهرة.. فى اليوم التالى لعودة السفير نقلت «نيويورك تايمز» عن مسئولين بإدارة أوباما السابقة تأكيدهم لمعرفة السلطات اﻷمريكية بتورط رسمى مصرى فى مقتل ريجينى.. طلقة فارغة، ذهب صداها أدراج الرياح.

البيان الصادر عن الخارجية الإيطالية يبرر عودة السفير بتطور التعاون بين هيئتى التحقيق بشأن قضية ريجينى.. تراجع مشرف، لكن الحقيقة أن عودته ترجع لقناعة إيطاليا بخطأ تقديراتها، وسعيها لضمان مصالحها الاستراتيجية، خاصة أن الخارجية وجدت أن قطع العلاقات مع مصر فتح عليها جبهات عديدة، تقف أمامها ويداها مغلولتان دون وجود دبلوماسى، بدأت باختفاء المصرى عادل معوض، وانتهت بالقبض على السائح الإيطالى الذى قتل المهندس المصرى بمرسى علم، الدولة الإيطالية ملزمة بمتابعة تلك القضايا والتدخل كلما لزم الأمر، وهو ما يحول دونه غياب السفير، وتوتر العلاقات.. متابعة مصالح الأحياء، التزام له أولوية لدى روما، عن كشف غموض جريمة رحل ضحيتها بأسرارها الخبيثة.

 
تعليق واحد

Posted by في 2017/08/30 بوصة غير مصنف

 

تعديل الدستور وشبهة المجاملات البرلمانية

1034736131503514306

دستور 2014 تم إقراره بأغلبية 98.1% «يناير 2014»، الانتخابات البرلمانية انتهت «ديسمبر 2015»، تشكيل اللجان النوعية «أبريل 2016»، ما يعنى أن عمل البرلمان لم يتجاوز 16 شهراً، لذلك لم ينته حتى الآن من إنجاز قوانين تفعيل الدستور، البعض اجتزأ قول الرئيس قبل الانتخابات البرلمانية «هناك الكثير من مواد الدستور كُتبت بحسن نية، والبلاد لا تُحكم بحسن النوايا»، وتبنى مرشحون مطلب تعديل الدستور خلال حملتهم الانتخابية، أو تحت قبة البرلمان، وعلى المنابر الإعلامية، مغفلين ما أكده الرئيس من احترام للدستور والإرادة الشعبية «لن أبقى يوماً واحداً فى الحكم دون رغبة الشعب».. نظرة بعض النواب للدستور لا تتناسب وما يستحقه كوثيقة مهيبة، قال عنها أرسطو «الدولة الصالحة هى التى يكون فيها الدستور هو السيد الأعلى، ويسير على مبادئه الحكم».

عقب تفجير الكنيسة البطرسية، تزايدت الدعوات لتعديل الدستور، الدكتور على عبدالعال، رئيس البرلمان، أكد «لو تطلب الأمر تعديل الدستور لمواجهة الإرهاب سنقوم بتعديله بما يسمح للقضاء العسكرى بنظر جرائم الإرهاب»، اتفق معه عدد من رؤساء الهيئات البرلمانية لتمكين الدولة من مواجهة الإرهاب.. التفسيرات وسعت مضمون التعديل، ما دفع عبدالعال إلى نفى صحتها، لكنه عاد ليفتح الباب من جديد «الدستور لا يرضى طموح المصريين، لأنه وضع بصياغات رضائية»، وأضاف «أى دستور يتم وضعه فى حالة عدم استقرار يحتاج لإعادة نظر بعد استقرار الدولة».. وهكذا أطلق العنان لمن سارعوا للمطالبة بتعظيم سلطات الرئيس فى مواجهة البرلمان، وتمديد فترة ولايته، حتى يتمكن من تنفيذ قراراته، واستكمال مشروعاته.. علاء عابد رئيس لجنة حقوق الإنسان دعا إلى الإسراع فى تمديد فترة الرئاسة لـ6 سنوات، عشرون نائباً تقدموا للمكتب الفنى بمشروع تعديل المادة «140» لزيادة مدة الرئيس من 4 إلى 6 سنوات؛ لمناقشته داخل المكتب السياسى ومن ثم طرحه على المجلس خلال دور الانعقاد الثالث، وأحمد حلمى الشريف وكيل «تشريعية البرلمان» كشف إعداده لمسودة تتضمن تعديل مدة الولاية الرئاسية لتكون 6 سنوات بدلاً من 4، وسوف يتقدم بها عقب الانتخابات الرئاسية 2018، «تيار الاستقلال» و«تحالف الجبهة المصرية» اللذان يضمان عدة أحزاب سياسية أطلقا حملة «هنغير الدستور»، ومظهر شاهين أسس «الحملة الشعبية لتعديل الدستور».. فى المقابل حاول حمدين صباحى تنشيط «منتدى الحياة الدستورية»، للدعوة إلى الالتزام بالدستور، وعمرو موسى شكل «المؤسسة المصرية لحماية الدستور»، مستنكراً دعوات التعديل، ومؤكداً الحاجة إلى تعميق الاستقرار وليس إشاعة التوتر، احترام الدستور وليس التشكيك فيه، تقديم تفعيل الدستور على تعديله.. تعديل الدستور أصبح قضية خلافية فى دولة مأزومة.

والحقيقة أن شبح تجربتى حسنى مبارك ومحمد مرسى سيطر على خيال المشرع الدستورى، ما دفعه لتقليص صلاحيات الرئيس على نحو لا يتناسب وطبيعة الدولة المركزية فى مصر، وما تتعرض له حالياً من تحديات، أبرزها إرهاب الداخل، ومؤامرات الخارج، مما يفرض وجود سلطة تنفيذية قوية، تمتلك قدراً معقولاً من المرونة، لكن الدستور يمنح البرلمان حق سحب الثقة من رئيس الجمهورية بل ومحاكمته، وسحب الثقة من رئيس الوزراء أو الوزراء ومحاكمتهم، وأضاف إلى حالات المسئولية الجنائية لرئيس الجمهورية حالة انتهاك أحكام الدستور، وأجاز للبرلمان اقتراح سحب الثقة منه بإجراءات وأغلبية خاصة، يقرر بعدها الشعب فى الاستفتاء إما سحب الثقة من الرئيس، فيخلو منصبه، أو تأكيد الثقة فى الرئيس فيحل مجلس النواب «المادة 161»، صياغات فرضها هاجس وجود مرسى فى السلطة، والحاجة لتوفير أدوات لمواجهته!!.. دور البرلمان فى تشكيل الحكومة يعتبر تدخلاً فى اختصاص السلطة التنفيذية، وتبعية الأجهزة الرقابية ومنها الجهاز المركزى للمحاسبات للرئاسة يحد من فاعلية الدور الرقابى للبرلمان ويحرمه من أهم أدواته.. إذن هناك حاجة بالفعل لتعديل الدستور، ولكن هل الظروف ملائمة، وهل يقدّر النواب طبيعة المهمة؟!

المشرع الدستورى فى «المادة 226» فرض حظراً على تعديل النصوص المتعلقة بـ«إعادة انتخاب رئيس الجمهورية»، ما يعنى عدد مرات التجديد، لكنه لم يشر إلى «مدة الفترة الرئاسية»، الحظر فى الدساتير يعكس تزيداً من المشرع، وعدم تقدير لما تفرضه المتغيرات المحيطة بالوطن من ضرورات، ويصادر حق الأجيال المقبلة.. المادة 156 من دستور 1930 حظرت تنقيحه قبل 10 سنوات، تغيرت الأوضاع بعد مرور 5 سنوات فقط «1935»، فأعيد العمل بدستور 1923.. تعديل الدستور اختصاص وحق أصيل للبرلمان، ولكن ينبغى أن يسبقه تعديل القوانين لتتمشى معه، وفترة تطبيق تحدد ملامح التعديل.

النائب إسماعيل نصر الدين تقدم بمذكرة خاصة بالتعديلات الدستورية فبراير 2017، وأكد مؤخراً أنه سيعيد تقديمها مع بداية دور الانعقاد الثالث، تضمنت تعديل ثلاث مواد؛ المادة «103» بما يسمح باستثناء أصحاب الكفاءات والخبرات المميزة من النواب من التفرغ، بحيث يتسنى لهم الجمع بين عضوية المجلس ووظائفهم الرسمية، مع إضافة مكافأة خاصة للمتفرغين!!.. المادة «140» لزيادة مدة الرئاسة إلى ست سنوات.. المادة «147» لتسمح للرئيس بتعديل التشكيل الوزارى دون التقيد بالبرلمان.. المادة «190» لتعزيز دور البرلمان الرقابى فى المسائل القانونية، ومراجعة، وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية على النحو الذى يصبح فيه البرلمان شريكاً لمجلس الدولة.. للأسف هى محاولة صريحة لاستغلال التعديل فى تحقيق المصلحة الخاصة للنواب فى الجمع بين عضوية البرلمان ووظائفهم، والجمع بين مكافآت الأول ومرتبات الثانى، وزيادة مكافآت المتفرغين!!

المدة الأولى للرئيس تنتهى «يونيو 2018»، الدستور يفرض البدء فى إجراءات الانتخاب قبل انتهائها بمائة وعشرين يوماً على الأقل، أى بعد ستة شهور فقط من الآن.. المستشار بهاء الدين أبوشقة رغم تسليمه بأن «الدستور ملىء بالمطبات»، إلا أنه لا يحبذ الدخول فى مغامرة تعديله؛ لأن الظروف الراهنة غير مناسبة، وهى رؤية حكيمة.. الالتزام بالحظر الموضوع بالدستور على عدد فترات الرئاسة يقصر فائدة أى تعديل على زيادة عامين فقط من حكم رئيس زاهد فى السلطة، والإطاحة بالحظر تماماً تقدم مبررات على طبق من فضة لمن يريد الإساءة للرئيس، واجترار ذكرى تعديل دستور 1971، الذى مدد حكم مبارك لخمس فترات انتهت بخلعه «فبراير 2011».. الرئيس يواجه لأول مرة المشاكل المزمنة للاقتصاد المصرى، بحلول جذرية، بوقعها المرير على المجتمع، رغم أنه عام الانتخابات، وأظن أن هذا يكفيه.. نضج ثمار عملية الإصلاح، وتدفق عائدات الغاز خلال ولايته الثانية، كفيل بتحريك الرأى العام لفرض صيغة بديلة للتمسك به، لو توافقت الإرادات، دون حاجة لمجاملات المجاملين، أو نفاق المنافقين.

 
تعليق واحد

Posted by في 2017/08/26 بوصة غير مصنف

 

الى متى يخادعنا السراج؟!

07-11-810x486

فايز السراج رئيس «حكومة الوفاق» دأب على إصطناع الكوارث، عقب كل لقاء يجمعه بحفتر، لايمكن الجزم بما إذا كان متآمراً، أم ضحية سعى الميليشيات المسلحة التى تدعمه لإجهاض مايتم الإتفاق عليه.. بعد إتفاق القاهرة «فبراير 2017»، حاولت إحتلال الهلال النفطى، عقب لقاء أبوظبى «مايو»، ارتكبت مذبحة براك الشاطئ، مبادرة فرنسا بجمع الطرفين بحضور ماكرون وغسان سلامة المبعوث الأممى الجديد، وسفراء مصر وفرنسا وبريطانيا وأمريكا بليبيا أسفرت عن إتفاق باريس «25 يوليو»، «الحل السياسي عبر المصالحة الوطنية، وقف إطلاق النار عدا مايتعلق بمكافحة الإرهاب، توحيد مؤسسات الدولة، دمج المسلحين بالمؤسسات الأمنية، إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، بناء دولة مدنية ديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة»، بدأت بعده خطوات عملية، قادة عسكريين من فرنسا وبلجيكا يلتقون بقادة من الجيش الليبى بنادى ضباط باريس لبحث آلية منع تسلل العناصر الإرهابية من السواحل الليبية إلى أوروبا، أمريكا وافقت على الإتفاق، لم تعترض روسيا، وإيطاليا أصيبت بصدمة، لأن المبادرة تمت دون تنسيق معها، أو مراعاة لمصالحها، مما عرض حكومة جنتيلوني لهجوم من المعارضة، وأدى لتعبئة سياسية بالبرلمان.. فى هذا المناخ غادر السراج باريس الى روما مباشرة، ليرتكب «أم الكوارث»!!.

السراج يتخوف من تسوية المشكلة، والرجوع للشعب لإختيار رئيس وبرلمان، لأنه عُين بقرار غربى، دون إستناد لأية قوى وطنية، مايفسر إعتماده على الميليشيات، ودعوته المتكررة للقوى الغربية بالتدخل.. إستدعى أمريكا بحجة مواجهة داعش فى سرت «أغسطس 2016».. الأمين العام لحلف الناتو أكد تلقيه طلباً رسمياً من السراج بدعم الحلف، ووافق على إيفاد فريق خبراء لبحث إحتياجاته.. السراج قبل تمديد «العملية صوفيا» لمكافحة التهريب لنهاية 2018، وتوسيعها لتشمل تدريب عناصر القوات البحرية وحرس السواحل، ورفع الكفاءة الفنية والقتالية لوحداتها، ولقاعدة طرابلس البحرية.. مجلس العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية تبحثان إرسال بعثة شرطية لجنوب ليبيا، لتأمين الحدود، وسمحتا للدول الأعضاء بذلك فرادى!!.. ايطاليا تواجه مأزق سياسى، نتيجة لفشل إختياراتها.. راهنت على دعم «الوفاق» فلم يمنحها البرلمان الثقة، إطمأنت لتلبية إحتياجاتها من الطاقة التى تستورد 80% منها من المثلث النفطى الذى تسيطر عليه الميليشيات، فتمكن الجيش الوطنى من تحريرها.. خططت لتدريب ميليشيات مصراتة وتحويلها لقوات نظامية، فانقسمت بين مؤيد لـ«الوفاق»، وداعم لحكومة الغويل.. وإعتزمت التدخل فى الوسط والجنوب التابعتين لـ«الوفاق» لوقف تسلل المهاجرين، فحررهما الجيش وسيطر على الجفرة وسبها طريق المهاجرين للساحل.. فى المقابل إنهارت علاقاتها بحفتر بعد تسرعها بالترحيب بسيطرة سرايا الدفاع عن بنغازى على الهلال النفطى قبل تحريره، وإستهزاء سفارتها بطرابلس من قوائم إرهاب أعدها البرلمان.. حسابات ايطاليا الإستراتيجية باءت بالفشل.

مجلسا البرلمان الإيطالى وافقا على عجل، بأغلبية كبيرة، على طلب السراج إرسال وحدات بحرية إلى المياه الإقليمية الليبية، بحجة مكافحة التهريب والاتجار بالبشر، خبراء السفينة «كوماندانتي بروزيني» المختصة في حراسة السواحل قضت بقاعدة طرابلس خمسة أيام، عاينوا القطع البحرية الليبية، وحددوا إحتياجاتها من قطع الغيار، لتتولى السفينة الورشة «تيرا ميتي» تنفيذ برنامج الصيانة المقرر، الخطة تتضمن إرسال 6 قطع بحرية و12 ذورق حماية، وطائرات مراقبة وتجسس «جلف ستريم» رصدت بكثافة فوق طرابلس ومحيط الجبل الغربي وترهونة ومصراتة.. التدخل حظى بموافقة إخوان ليبيا الذين رفضوا اتفاق باريس، وتأييد السويحلى رئيس مجلس الدولة، لأنه يعرقل تقدم حفتر لطرابلس، لكنه أثار ردود فعل وطنية معاكسة، البرلمان رفض، المظاهرات اندلعت فى طرابلس، المنشورات دمغت السراج بالخيانة، ورفضت عودة الإستعمار، واستنكره فتحى المجبرى نائب رئيس المجلس الرئاسي لـ«الوفاق»، والحركة الوطنية الشعبية ولجنة حقوق الإنسان.

  إيطاليا أستعدت جيداً للتدخل العسكرى.. البرلمان أقر العام الماضى نص تشريعى يتيح إرسال قوات خاصة الى مناطق النزاع للقيام بمهام سرية لمكافحة الإرهاب تحت مظلة المخابرات، حتى لاتحتاج لموافقة البرلمان، نشرت أول قوة عسكرية بمصراتة أكتوبر الماضى لدعم عملية البنيان المرصوص لتحرير سرت.. كلفت الجنرال باولو سيرا المستشار الأمني للمبعوث الدولى لليبيا بتوثيق العلاقات مع التنظيمات المسلحة وقوات مصراتة.. أعادت فتح سفارتها بطرابلس، وهى الوحيدة العاملة هناك.. وقعت مذكرة تفاهم مع السراج فبراير 2017، لتعزيز مكافحة الهجرة، وتدريب حرس الحدود.. دفعت بقوات خاصة نهاية ابريل، تعرضت إحدى تشكيلاتها لهجوم من «داعش» أثناء تحركها من مصراتة إلى سرت، وسقط قتلى وجرحى.. الداخلية الإيطالية رعت فى روما العديد من اتفاقات المصالحة بين القبائل الليبية، لضمان دعمها لحكومة الوفاق، بين قبيلة «التبو»، و قبيلتى «الطوارق وأولاد سليمان» فى الجنوب، وبين مصراتة والزنتان فى الغرب، وتعهدت بدفع تعويضات المتضررين.. إستعانت بتونس كوسيط، وإستضافت رئيسا البرلمان ومجلس الدولة «عقيلة، والسويحلى»، محاولة مصالحتهما، لتهميش حفتر.. صقلية إستضافت المنتدى الإقتصادى الإيطالى/الليبى.. ووزير الداخلية الإيطالى التقى عمداء البلديات الليبية بطرابلس «يوليو 2017»، ووعدهم بالمساعدة.

روما كشفت عدة مرات عن نيتها التدخل العسكرى فى ليبيا منذ فبراير 2015.. جنتيلوني رئيس الوزراء حاول إقناع ترامب «ابريل الماضى» بالقيام بدور أكبر في ليبيا، لكن الأخير لم يتحمس متعللاً بأن «الولايات المتحدة لديها ما يكفي من أدوار»، تدخل ايطاليا لم يتم رداً على المبادرة الفرنسية فحسب، وانما كمحاولة للإنفراد بليبيا بعيداً عن الناتو؛ خلال قمة الناتو ببروكسل «مايو 2017» وأثناء بحث طلب السراج بالتدخل، دعا جنتيلونى الحلف للتريث حتى يتم التوافق الوطنى وانشاء هيكل أمنى متكامل، ولم يفسر لماذا لم يتريث هو عملاً بنصحه!!.. والمريب ان تنحاز روسيا لجانب ايطاليا، رغم كل ماتربطها من علاقات مع حفتر، ليف دينجوف رئيس لجنة الاتصال بالخارجية والبرلمان «الدوما» عرض التعاون مع روما لمنع تدفق المهاجرين، متجاهلا ملابسات تدخلها العسكرى، ومناخ الرفض له داخليا وخارجياً، كل مايعنيه المشاركة فى تحرك طرف قد يهيمن، ولو بالإحتلال، على المنطقة الغربية من ليبيا.. إنتهازية الدب الروسى فاقت الحدود.

نقدر حجم التهديدات التى تتعرض لها ايطاليا جراء موجات الهجرة عبر المتوسط، وانها تجاوزت ربع مليون خلال الـ18 شهراً الأخيرة، لكن ذلك لايبرر عودتها لعصر إنتهاك سيادة الدول، وإستعمار اراضيها، حتى لو إستندت الى طلب «كرزاى ليبيا»، الذى لم يعرضه على البرلمان، وحكومتة لم تحصل على الثقة، حتى تمثل الدولة فى شأن سيادى.. الخطب جلل، لايمس سيادة ليبيا وحدها، بل يهدد أمن مصر القومى، وهى لن تسمح للإستعمار القديم بالعودة للعبث بساحتها الخلفية.

 
تعليق واحد

Posted by في 2017/08/18 بوصة غير مصنف

 

حتى لا يُفرِز مجلس مكافحة الإرهاب «وجهات نظر»

891514df-146a-4f97-b25d-0884a90bbc3c

من حق الدولة المصرية أن تقلق، إرهاب تسعينات القرن الماضى، والعشرية الأولى من الحالى استهدف السياح الأجانب وبعض المسئولين الحكوميين، تغيرت البوصلة منذ تفجير القديسين «يناير 2011» مستهدفة المسيحيين، لزعزعة التركيبة الطائفية للمجتمع، وعناصر الجيش والشرطة لإسقاط الدولة.. إنشاء المجلس القومى لمواجهة الإرهاب والتطرف تقرر عقب الهجمات الإرهابية على كنيستى مارجرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية، الحكومة لم تتمكن من إنهاء مشروع القانون الخاص به قبل الإجازة البرلمانية، ما كان يفرض عليها انتظار دور الانعقاد الثالث «أكتوبر المقبل»، لذلك تم تشكيله بالقرار الجمهورى 355 فى 26 يوليو، برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية الوزراء ورؤساء هيئات ومؤسسات الدولة ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب، وعدد من الشخصيات العامة، بهدف وضع سياسات تحشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من مسببات الإرهاب ومعالجة آثاره، تخدمهم أمانة عامة دائمة، من ممثلين للمخابرات العامة والأمن الوطنى والمخابرات الحربية والرقابة الإدارية، ألحق بها متحدث رسمى ومركز بحثى وآخر إعلامى، ما يسمح بوضع برنامج زمنى للتنفيذ، ونظام صارم للمتابعة.

حسن تشكيل أى مجلس يعتبر أهم مرتكزات نجاحه.. تخصص الأعضاء ومهنيتهم، يجعل منه إضافة علمية قادرة على مواجهة الإرهاب باستراتيجياته وتكتيكاته المدعومة من أجهزة مخابرات عالمية.. انسجامهم يضفى على الأداء روح الفريق، ويحولهم إلى جيش له ثقله فى ميادين المواجهة.. التنظيم ووضوح الرؤية يجنبهم شطط التعبير عن «وجهات نظر»، تنتهى بالتناقض، لأنها تعكس حالة ممزوجة بالعاطفة، متأثرة بالسياق العام للتطورات.. خبراء الإرهاب قادرون على تحديد محاور المواجهة الشاملة، ووضع الخطط الكفيلة بحسن تنفيذها، وإسناد كل محور للجهة المختصة ضماناً لحسن التنفيذ.. الدفع بأطراف التنفيذ داخل المجلس، أو عناصر تفتقد الكفاءة، مهما كانت مناصبها الرسمية، يحوله إلى «منتدى» يطرح أطرافه مجرد «وجهات نظر».

شاعرنا الكبير يبهرنا دائماً بما يعكسه من تأثر بالحالة الوطنية.. أوائل يناير 2011 كتب متأثراً بسقوط بن على فى تونس، دافع عن مبارك وإنجازاته، وندد بالحكومة وفشلها، أواخر يناير كتب لمبارك «ارحل وعارك فى يديك» متأثراً بأحداث التحرير، مارس 2012 وصف عبدالمنعم أبوالفتوح بالمقاتل، وطنى حر، إسلامى مستنير، صاحب سيرة طيبة، تجعله الأنسب لرئاسة مصر!! بعد خمسة شهور أيد مرسى كأول رئيس مدنى منتخب، وعمل مستشاراً له، كتب مقدمة دستور الإخوان، قبل استقالته احتجاجاً على الإعلان الدستورى «نوفمبر»، وانقلب على الإخوان بعد 30 يونيو.. مدير مركز الأهرام للدراسات وصف أول خطاب لمرسى كرئيس بـ«خطاب المواءمة والمسئولية»، وأكد «خروجه من عباءة الجماعة، إلى قلب الدولة المصرية»، تحليلاته إبان حكمه لم تخل من تقريظ فى غير موضعه، اللغط بشأن تصريحه بالانتماء لعضوية الإخوان لم يُحسم، والتساؤلات عن مدى كفاءته ومؤهلاته لرئاسة هيئة الاستعلامات لم تتوقف حتى الآن.. وتمتد الدهشة إلى كاتبنا الكبير؛ بعد خمسة أيام من تعيينه بالمجلس، أحاله النائب العام إلى الجنايات فى قضية «هدايا الأهرام» بتهمة الإضرار العمدى بالمال العام، إبان رئاسته لمجلس إدارة الأهرام «268 مليوناً و121 ألف جنيه»!!.. فناننا المخضرم خرج للإعلام فور تعيينه مبشراً باستراتيجية تعيد صياغة المفاهيم الدينية، وكأن المواطن البسيط يمكن أن يتقبل ما ستطرحه النخبة المدنية، حتى لو تم بمشاركة رجال الدين! متجاهلاً أن تجديد الأزهر لن يتم إلا برجاله، تصعيد قيادات مُحَدِثة يمكن أن يعيد الحياة لدوره التنويرى فى مواجهة التشدد والتطرف والإرهاب، أما الفنانون والأدباء والشعراء فمهمتهم الإنتاج الراقى، الذى يعيد بعث القيم والأخلاقيات، ويواجه التدنى والعنف والفساد، وللأسف تمادى فناننا فى حماسه فتورط فى اتهام الدولة بالمشاركة فى المسئولية عما يقع من إرهاب، مفسراً «هناك من ظُلموا ودخلوا السجون باسم الإرهاب، وهم فى الحقيقة ارتكبوا شيئاً أبسط من ذلك، فيه ناس واقع عليها ظلم ومش متشافين، لا بد من معالجة ذلك أولاً»!!.

استبعاد وزير الثقافة يثير العديد من الإشكاليات؛ فهو يتناقض مع الفلسفة الخاصة بتمثيل الوزراء المعنيين بالإرهاب داخل المجلس، رغم أهمية الوزارة فى المواجهة الفكرية، وتشكيل الوعى الجمعى للمجتمع، وهو على المستوى الشخصى، ألف كتاب «سيد قطب: سيرة التحولات» الذى يعتبر واحداً من أهم الكتب التى استعرضت مراحل التحول فى أفكار رسول التكفيريين، ما يضفى عليه أهمية فى مكافحة الفكر الإرهابى، بغض النظر عن رضا المثقفين عنه من عدمه، خلو المجلس من ممثل للوزارة، بدا كما لو أن الدولة لا تعترف بدور الثقافة فى تلك المواجهة، وتلك مصيبة كبرى، أو أنها تسلم بسوء اختيار الحكومة للوزراء وتلك مصيبة أكبر.. ضم صابر عرب للمجلس استند لمعارضته حكم الإخوان إبان توليه الوزارة فى حكومة هشام قنديل، وفى عهده اهتمت الوزارة بالدفاع عن حرية الإبداع، والحفاظ على الهوية المصرية، ومواجهة محاولات الإخوان اختطافهما، واستقالته من الوزارة احتجاجاً على تجاوزات الإخوان ضد متظاهرى الاتحادية، لكنه فى الحقيقة لا يمثل أى إضافة للمجلس، لأنه لن يكون قادراً على تفعيل التوصيات المتعلقة بالثقافة بسبب انقطاع علاقتة بالوزارة، كما أنه على المستوى الشخصى لم يدرس ثقافة التكفير مثلما فعل الوزير الحالى.. تشكيل المجلس تأثر بشدة بما تردده مواقع التواصل، بمجرد الإعلان عن تأسيسه انتشرت أقاويل بأنه سيتولى مهمة تجديد الخطاب الدينى، ما يعنى تهميش الأزهر، بمناهجه ومعاهده التى تتحمل وزر التطرف، الرد على ذلك لم يكن ممكناً دون ضم الشيخ الطيب للمجلس، والتوازن فرض ضم البابا تواضروس، قامتان دينيتان كان ينبعى أن تظلا بمنأى عن مجلس مهنى كهذا، لن يقدما داخله، مثل العديدين غيرهم، أكثر من «وجهات نظر».

المجلس بتركيبته الحالية فى حاجة للمراجعة، كان ينبغى الاكتفاء بممثلين عن الوزارات والمؤسسات العامة، لأن ضم الوزراء ورئيسى الحكومة والبرلمان يعيد إنتاج نفس الأجهزة البيروقراطية المعنية بالتعامل مع الإرهاب، الشخصيات العامة لا تضم من المعنيين بمكافحة الإرهاب سوى «علام» و«عكاشة»!!، وغاب رؤساء قطاع الأمن الوطنى، المركزى للتعبئة والإحصاء، والقومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.. القرار الجمهورى المنشئ للمجلس يعطى للرئيس مرونة فى اختيار أعضائه، وإجراء أى تعديلات لازمة فى التشكيل، وضم شخصيات عامة أخرى، ودعوة من يرى الاستعانة بخبراته فى المسائل المعروضة لحضور اجتماعاته، وتشكيل لجنة أو أكثر من بين أعضائه أو من غيرهم من جهات الدولة المعنية، لمعاونته فى القيام بالاختصاصات المسندة إليه.. القانون جيد، يتضمن من المرونة ما يسمح بتلافى أى قصور، ولكن.. هل تتوافر الإرادة؟!.

 
تعليق واحد

Posted by في 2017/08/13 بوصة غير مصنف

 

إيران تختطف العراق «بوابتنا الشرقية»

533617

إيران تمر بمرحلة حرجة، ربما لم تواجهها فى عنفوان المقاطعة الدولية، حملة التعبئة ضدها وصلت لحشد 55 دولة إسلامية بمؤتمر الرياض، العراق بالنسبة لها يمثل العمق الاستراتيجى، وبوابتها للعبور إلى سوريا ولبنان وشرق المتوسط، أمريكا عززت وجودها فيه، وحكومة العبادى تحاول التملص متجهة لمحيطها العربى، طهران استغلت صلاحيات «الدولة العميقة» التى ما زال يديرها نورى المالكى، وخلال زيارة الحيالى وزير الدفاع لطهران 23 يوليو، فرضت على العراق مذكرة تفاهم، للتعاون فى مكافحة الإرهاب والتطرف، و«حماية الحدود»، والدعم اللوجيستى والفنى والعسكرى والتدريب، إيران استهدفت أن تُحكِم بالاتفاق سيطرتها على العراق، إضافة لردع تطلعات الأكراد نحو الانفصال عن الدولة العراقية، لتأسيس دولتهم القومية، طهران ظلت قادرة على حماية نفسها من خطر الإرهاب، لكنها ربما لا تستطيع مواجهة عدوى الانفصال، ولعل ذلك يفسر إدراج «حماية الحدود» ضمن أهداف الاتفاق، وأداً للنزعات الانفصالية، فى كلا البلدين.. الاتفاق يشكل متغيراً استراتيجياً، جاء انعكاساً للتفاعلات الدولية والإقليمية، ومؤثراً على دور القوى الفاعلة بالمنطقة.

الجبير وزير الخارجية السعودى زار العراق فبراير 2017، تبعه وفد دبلوماسى عراقى للرياض لبحث التعاون الاقتصادى والأمنى والسياسى «مارس»، اتفق على تشكيل مجلس تنسيقى مشترك، ووقف التصريحات العدائية، العبادى التقى العاهل السعودى على هامش القمة العربية بالأردن «مارس»، الرئيس فؤاد معصوم شارك فى القمة الإسلامية الأمريكية بالرياض «مايو»، رغم أن مواجهة التمدد الإيرانى كانت على قمة أهدافها، «الأعرجى» وزير الداخلية العراقى زار المملكة «17 يوليو»، لبحث ملف السجناء، ورئيس الأركان السعودى زار بغداد «20 يوليو»، لتنسيق التعاون فى تأمين الحدود المشتركة.. إجراءات متسارعة لتطبيع العلاقات تمت فى وقت تركز فيها إدارة ترامب على محاصرة التمدد الإيرانى، وتعول على دور المملكة فى سحب العراق خارج دائرة تأثير طهران، واستعادته للصف العربى، ومنع إيران من استكمال طريق نفوذها حتى شرق المتوسط.. طهران استشعرت القلق من عمق التغيير فى التوجهات العراقية نحو عدوتها اللدود، لكن السعودية لم تترجم ذلك التوجه إلى إجراءات عملية.. الديون العراقية للخليج قرابة 40 مليار دولار، لم تفكر المملكة فى إسقاط جزء منها، تخفيفاً عن كاهل بغداد المثقل بما يتجاوز 110 مليارات، لم تقدم أى وعد بدعم خطة إعادة الإعمار، التى تبلغ احتياجاتها 100 مليار، ولا أخرجت استئناف خطوط الطيران، وفتح منفذ الجُميمة الحدودى إلى حيز التنفيذ.. حتى استضافتها لمقتدى الصدر لا تبدو ضمن خطة تستهدف انتزاع فتيل الطائفية!!.

إيران تعتقد أن العبادى -الذى ينتمى أساساً لحزب الدعوة الموالى لها- بات يتصدى لمشاريعها وحلفائها داخل البلاد، بينما يرى هو أن طهران تحاول السيطرة على الدولة بشكل كامل، العبادى يقود تياراً داخل النظام العراقى يؤمن بوجوب إحداث قدر من التوازن فى علاقات العراق بمحيطه الإقليمى، وملء الفراغ الناتج عن الانسحاب العربى من الساحة العراقية طوال الأعوام الماضية، بما يحد من التدخلات الإيرانية، ويحقق فوائد سياسية وأمنية واقتصادية، مظاهر التوتر بينه وبين إيران خرجت إلى العلن، خامنئى مرشد الثورة استقبل العبادى «20 يونيو»، وحذر من «إضعاف الحشد، أو السعى إلى حلّه»، ما يفسر استقواء الحشد بطهران، وظهوره فى الاستعراض العسكرى بمناسبة إعلان النصر فى معركة الموصل «منتصف يوليو»، بزى الحرس الثورى الإيرانى!! جوانب الخلاف تتجاوز ذلك لتشمل الموقف من مشاركة بعض الجماعات الشيعية العراقية فى القتال بسوريا، العبادى يراه غير دستورى، وإيران تشجعه وتحث عليه، علاء الدين بروجردى رئيس لجنة الأمن القومى والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيرانى حذر: «بدون فيلق القدس سيحكم الإرهابيون دمشق وبغداد».. أهم ما تستهدفه إيران حالياً محاولة السيطرة على كل أنحاء الدولة العراقية، بما فيها المناطق السنية، هذا الهدف يعقد الأمور، ويضع الخلاف حول دور الحشد الشعبى فى معارك التحرير فى موضع بالغ الحرج، حيث سنكون مجبرين على الاختيار بين الحشد والتنظيمات الإرهابية، بين التحرير أو الرضا باستمرار دولة البغدادى، وهو اختيار محسوم للأسف لصالح الحشد والتحرير، على أن يتم التعامل مع القضية عقب انتهاء الأزمة، مما يؤكد أن إيران ستعارض ترشح العبادى لرئاسة الحكومة المقبلة، وستسعى لعودة المالكى حليفها القوى، أو من على شاكلته، وربما دعمت مرشحاً من الحشد الشعبى، لتفرض هيمنتها كاملة، وتُخرس الألسنة.

فى غياب الدور السعودى، كان يمكن لتركيا معادلة الدور الإيرانى، إلا أن أنقرة اعتمدت على القوى السنية فى الحشد الوطنى بقيادة أثيل النجيفى حاكم نينوى السابق، المتهم بالتواطؤ مع داعش، فى إسقاط الموصل، أردوغان وصف الحشد الشعبى بـ«الإرهابى»، ورفض وجود الشيعة بالموصل، واقتصارها على سكانها «السنة» من عرب وتركمان وأكراد، هذا التعامل الطائفى، إضافة إلى رفضه إخلاء قاعدة بعشيقة رغم إلحاح العراق، أضاع دور تركيا الموازن، وأفقدها نصيبها فى مشاريع الإعمار، وأفرغ موقفها من رفض إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم الكردى، وتمسكها بوحدة العراق، من تأثيره السياسى.. التنافس الإيرانى التركى يشكل عاملاً بالغ التأثير على التوازن بالمنطقة، لاستناده إلى اعتبارات طائفية «سنية، شيعية»، وقومية «طورانية، فارسية»، تركيا تخشى من تشكيل إيران هلالاً شيعياً، وإيران تتخوف من تشكيل طوق تركى خليجى تدعمه أمريكا ضد مصالحها، روسيا تحاول جاهدة تقليل حدة التناقضات، دعماً لقوة المحور الذى تتزعمه، وذلك بإشراكهما كضامنين لاتفاقيات التسوية فى سوريا، الناتجة عن مؤتمر أستانا.

■■■

العراق وقع الاتفاق مع إيران تحت ضغط تهديد الأكراد بإجراء الاستفتاء على الانفصال، ومحاولة استثمار دورها كقوة ردع، ناهيك بضغوط الأجهزة العميقة، والمؤسف أن طهران لم تكتف باستغلال ظروف العراق، وتقييد حريته فى الحركة الخارجية، بل تسببت فى فتنة بين الحكومة والإقليم الكردى، وكالة «ايرنا» الرسمية نسبت للحيالى أن الجيش سيتدخل لمنع قيام الدولة الكردية، ما أثار حكومة الإقليم، مستنكرة منطق التهديد، الجيش العراقى سارع بالنفى، مؤكداً حقه القانونى فى مقاضاة المسئول.

العرب وقفوا متفرجين عندما أسقط الغزو الأمريكى بغداد 2003، واكتفوا بالاندهاش عندما احتلت داعش أكثر من ثلث الدولة العراقية، وظلوا محملقين فيما لحق ببلاد الرافدين من دمار بذريعة الحرب ضد الإرهاب، بل شارك بعضهم فيه.. الكويت تسعى لاستضافة مؤتمر دولى لإعمار العراق 2018، الصين أبدت استعدادها للمساهمة بـ11.7 مليار دولار كمساعدات مالية، وبريطانيا بـ12 مليار تسهيلات ائتمانية للمشاريع، هل تظل السعودية والخليج فى موقف المتفرج، تاركين بوابتنا الشرقية فريسة سهلة للهيمنة الفارسية؟!

 
2 تعليقان

Posted by في 2017/08/07 بوصة غير مصنف