RSS

Monthly Archives: جانفي 2018

بأي وجهٍ عدت يا «عنان»؟!

111035226

لم يفاجئنى بيان القوات المسلحة بشأن التحقيق مع سامى عنان، كنت على يقين ان تجاوزاته لن تمر دون عقاب، عندما تقدم كمرشح لرئاسية 2014 كانت مؤسسات الدولة غائبة، نتيجة لتداعيات فوضى يناير 2011، وعام كامل من حكم الإخوان.. نظرياً فإن إنضمام منافس بوزن رئيس أركان سابق للجيش مستوفٍ لكل الموافقات والإجراءات القانونية كان يمكن ان يثرى الإنتخابات ويعدد فرص الإختيار أمام الناخب، لكن عنان له شأن آخر.. بداية أؤكد، لست منحازا لمرشح، ولا متحاملا على آخر، لكننى لا أملك الحياد، فيما يتعلق بأمن مصر القومى.

إختيار عنان الذى ينتمى للدفاع الجوى رئيساً للأركان، إنطوى على خطأً جسيم، لأنه تجاهل الإستحقاقات المهنية لمنصب رفيع، فقد جرى العرف فى كافة جيوش العالم على اختيار شاغله من بين قادة القوات البرية، بحكم دورها فى الحروب، لكن ذلك كان نتاج لفساد معايير الإختيار التى تغولت فى عهد مبارك، ولاتزال تنخر بعض مؤسساتنا حتى اللحظة.. الطموح لديه يعنى الطعن فى رؤساءه؛ اتهم مبارك بـ«إصدار اوامر بسحق المتظاهرين، لكنهم لم يفعلوا»، إدعى ان عدم اطلاق الرصاص على المتظاهرين كان قراره هو –وليس قرار طنطاوى– بحكم مسئوليته عن القوات فى الميدان، وانه صاحب فكرة الإنقلاب الناعم على مبارك، التى لم يتحمس لها طنطاوى، واصفاً موقفه بالتخازل، واسند لنفسه فضل إصدار بيان القوات المسلحة أول فبراير، لطمأنة الشعب الى إنحياز الجيش له.. لا أدرى أين كانت روح العنترية عندما أطاح به مرسى، فوقف منفرج الأسارير يتلقى وسام خُلعه، مخذولاً.

تناول الذمة المالية ليس مسموحاً على أعنته دون ضوابط، لكن المرشح الرئاسى مطالب بدرء الشبهات، وإحاطة العامة بتفاصيلها، مواقع التواصل تتحدث عن بيانات محددة لفيلات وقصور بغرب الجولف ومارينا، وسيدى كرير، وأراض بالقاهرة الجديدة والتجمع والوادى، ومكتب النائب العام لديه عدة بلاغات، منها 30 تم إحالتها للقضاء العسكرى، معظمها يتعلق بالفساد والكسب غير المشروع.

علاقتة بأمريكا تجاوزت مرحلة الشبهات.. فى زيارته الشهيرة لواشنطن 23 يناير 2011 طمأن ماتيس الى عدم تدخل الجيش لقمع «الثورة»، حتى لو تلقى الأوامر!!.. صبيحة عودته لمصر بعد قيامها كان برفقته الأدميرال وليام فالون رئيس القيادة المركزية الأمريكية، الذى أشرف على العمليات العسكرية بالشرق الأوسط، وضابط البنتاجون ماري بث لونج، فالون أكد «عنان رجل قاطع، رصين ويتمتع بخبرة مهنية متخصصة، وأعتقد أنه سيحاول عمل الشئ الصحيح»، وبالفعل فعلها، وكان، ولايزال، شريكا فى مؤامرة تمكين الإخوان.

عنان شكل فريقاً رئاسياً من نائبين؛ هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، لحقوق الانسان والشفافية، وحازم حسني الاستاذ في كلية السياسة والاقتصاد، لشؤون الثورة المعرفية والتمكين السياسي، ومتحدث رسمي، والمستشار محمود رفعت كمنسق عام للحملة بالخارج، ثلاثتهم أعداء للنظام وللدولة المصرية، وبعضهم عدو لعنان نفسه!!.. جنينة أكد أن عنان تعهد كتابياً بإعادة التحقيق في كافة «قضايا الثورة»، والفترة الانتقالية التي تبعتها، بما فيها القضايا التي ورد ذكر اسمه فيها كمتهم «بقتل الثوار»، على أن يشرف جنينة بنفسه على تلك التحقيقات بإعتباره قاضياً «ليضمن نزاهتها!!»، وتضمن التعهد أنه فى حالة ثبات أى إدانه فإن عنان لن يتوانى عن تنفيذ القانون بشأنها.. تصريح بالغ الخطورة، عنان سيمنح الإخوان الحق، فى إعادة كتابة تاريخ فوضى يناير 2011، وإعادة التحقيق فى القضايا المتعلقة بها، وإسقاط الإتهامات والأحكام التى صدرت، وتوجيه إتهامات لمتهمين جدد.. إستئناف صريح لمخطط أوباما الخاص بتسليم مصر للإخوان.. وإعادة بعث للمؤامرة من قبل مرشح يتغافل ان مصر الدولة لها شعب، هو السيد كما وصفه فى كلمته.

حسنى لم ينف صحة تصريحه السابق المتعلق بوصف عنان خلال ترشحه لإنتخابات 2014 بأنه «مسكين.. لا يصلح رئيساً للجمهورية، ولم يصلح أصلاً لمنصب رئيس الأركان، ولا لتمثيل العسكرية المصرية.. وصوره تقدم رسالة بائسة»، وأكد ان إنسحاب عنان من المنافسة غير وارد، لأن «استمرار الأوضاع في مصر قد يؤدي لخراب الدولة»، تصريح يهدف الى قطع طريق التراجع والإنسحاب على عنان.. رفعت كان قد شرع فى التواصل مع المسؤولين بالاتحاد الأوروبي، مستنداً على خلفيته كقاض دولى، يرأس المعهد الأوروبي للقانون، ومستغلاً علاقاته فى محاولة نقل صورة مغلوطة عن الأوضاع بمصر، والتمهيد لوصم الانتخابات باللا شرعية.. لاأدرى ماذا كان ينتوى ان يفعل بنفسه وبالوطن هذا الرجل؟!.

ترشح عنان إجراء كان مؤجلاً، منذ ان تبنى ترشيحه لرئاسية 2014 ائتلاف شباب القبائل العربية، الذى تأسس 2011 بدعم مباشر من خيرت الشاطر!!، كمقدمة للتحول الى «حزب القبائل العربية» برئاسته، تكشف تلك الحقيقة، وماتضمنه البلاغ 1930 لسنة 2014 المقدم للنائب العام بشأن تلقيه أموالاً من جماعة ارهابية، وتورطه فى قضايا فساد مالى، أدى لإنسحابه، لكنه شرع فى تأسيس حزب مصر العروبة الديمقراطى، وعين نجله الدكتور سمير رئيسًا فى نوفمبر 2014، رغم شغله منصب نائب رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، التابعة للجامعة العربية، وهو مايتعارض مع اللائحة التنفيذية للجامعة، التى تحظر على موظفيها ممارسة أى نشاط حزبى، مما يتعارض مع حيادها واستقلاليتها.

الحزب يعانى مشاكل تنظيمية؛ الأمين العام ينكر على المتحدث الرسمى التصريح للإعلام دون موافقة كتابية، والأخير ينفى ان تعيين الأمين العام تم عرضة على الهيئة العليا لمناقشته، ويشكك فى اللائحة التى تعطى لرئيس الحزب حق اختيار الأمين العام، ما يفسر عدم فوزه بأية مقاعد فى البرلمان، بعد خسارة 6 من مرشحيه فى الانتخابات الأخيرة، ويبرر إختيار عنان مساعديه من خارجه، مايعنى تهميشه، ويهدد بتفجيره من الداخل، إعلان الحزب ترشيح عنان لخوض الإنتخابات الرئاسية رغم كل ذلك يطرح التساؤلات عن كيفية السماح للحزب بتقديم مرشح رئاسى، الادعاء بأن هناك شرطاً آخر وهو الحصول على 25.000 توكيل من 15 محافظة، مردود عليه؛ المطرب سعد الصغير، إستوفى تلك التوكيلات فى انتخابات 2012 بسبب شعبيته كفنان شعبى، وسما المصرى تقدمت بأوراق ترشحها، وبعض المرشحين يستكملون التوكيلات بالرشاوى.. أما من نهاية لهذا الهزل؟!.. شروط الترشح لأرفع مناصب البلاد تحتاج لمراجعة شاملة.

تفسير عنان لأسباب ترشحه فى خطابه انطوى على همز ولمز بالغ الخطورة.. ((مواجهة تردي أحوال الشعب المعيشية، تآكل قدرة الدولة المصرية على التعامل مع ملفات الأرض والمياه والمورد البشري، من أجل «إنقاذ الدولة المصرية»، دعوة الدولة والمؤسسة العسكرية الى عدم الإنحياز لرئيس قد يغادر منصبه خلال أشهر قليلة، تقاسم السلطة بين مؤسسات الدولة، عدم الإعتراف بأي أتفاقيات لم تعرض علي أستفتاء شعبى، وجود سياسات خاطئة حملت القوات المسلحة مسؤولية المواجهة دون سياسات رشيدة تمكن القطاعات المدنية من القيام بدورها، توطن الإرهاب)).. هذه ليست كلمات عنان، تلك صياغات سياسية شارك ممثلى التنظيم الدولى، وفوضوية يناير فى فرضها على من وصفوه بـ«المرشح المسكين»، تحقيقاً لأهداف متعددة وخبيثة: كسب تعاطف الطبقات المعدمة، التشكيك فى قدرة الدولة المصرية على الفعل، وفيما عرضه السيسى من إنجازات، وفى موضوعية مؤسسات الدولة المصرية المسيرة للإنتخابات تمهيداً للطعن على النتائج، زعزعة الثقة فى شعبية السيسى وفرص فوزه، وانتقاد سياسة الدولة فى مواجهة الإرهاب.

السيناريو الخبيث أفصح عن نفسه بشكل فج؛ قرار الترشح أعلن بعد أيام قليلة من انسحاب شفيق، وقبيل فجر نفس يوم إعلان السيسى عن ترشحه، لتشتيت عمليات الحشد والتركيز الإعلامى، وهو قرار ليس عشوائياً، وانما قائم على حسابات دقيقة، تدرك انها قد لا تستطيع تحقيق الفوز، ولكنها يمكن ان تجمع كتلة كبيرة من أصحاب التصويت العقابى «أبناء مبارك وأنصار شفيق…»، وقطاع من الطرق الصوفية يضم أتباع طريقة «السجادة العنانية»، التى يقدر البعض عدد مريدوها بـ2مليون، ويتزعمها شقيقه اللواء «حاتم عنان»، وبعض قبائل البدو بالبحر الاحمر والصحراء الغربية، وقطاع من رجال الأعمال.. عبد الموجود الدرديرى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسى للإخوان، دعا التيار الإسلامى بكل فئاته، الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية لدعمه، ممهداً لتنازل خالد على لصالحه، منعاً لتشتت الأصوات، وإجتذاباً لأصوات أنصار فوضى يناير.. ترشح عنان فى الإنتخابات السابقة كان يستهدف الإيحاء بوجود شرخ فى تضامن المؤسسة العسكرية، لكن ترشحه هذه المرة يعنى إعادة إحياء دور الإخوان فى النظام السياسى، نجاحهم فى تحقيق ذلك الهدف رهن بمعدلات المشاركة.. المعارك التصويتية بعد 30 يونيو 2013 كان يحسمها حزب غادر «الكنبة» لينقذ مصر، ربما عاد معظمه للـ«كنب» من جديد، إستناداً الى ان نتائج الإنتخابات محسومة لصالح السيسى، نتيجة لإنجازاته خلال الولاية الأولى، وعدم وجود مرشح قادر على منافسته.. هل يدفعهم رهان الإخوان على عنان للتخلى عن الكنبة من جديد؟!.

 
أضف تعليق

Posted by في 2018/01/23 بوصة غير مصنف

 

الرؤية الاستراتيجية لحلقات الحصار التركى (1/2)

282

تأسيس أردوغان «قصر السلطان» على مساحة 200.000 م2، بتكلفة 600 مليون دولار، كمقر للحكم، جاء تعبيراً عن رمزية تاريخية، تحاول تركيا فيها استعادة تمدد الدولة العثمانية.. سقوط إخوان مصر، وتواريهم بتونس والأردن، ونكساتهم بالمشرق والجزيرة العربية، فرض التعامل مع المنطقة كمجال حيوى للنفوذ، تتم السيطرة عليه بسلسلة حلقات حاكمة تحاصرها من كافة الاتجاهات، بدءاً بقبرص، مروراً بسوريا، العراق، قطر، إثيوبيا، الصومال، وانتهاءً بالسودان، حلقات الحصار التركى تحتاج لإطلالة، من خلال رؤية استراتيجية متعمقة، لأن مخاطرها ربما تفوق إسرائيل.

تركيا عقدت اتفاقاً عسكرياً مع قطر ديسمبر 2014، لـ«التدريب، والتصنيع الحربى، والمناورات المشتركة»، وذلك بعد إسقاط إخوان مصر، وسحب دول الخليج سفراءهم من الدوحة.. إنشاء قاعدة «الريان» التركية بدأ نوفمبر 2015، والاتفاق تم تحديثه لمواجهة «التهديدات المشتركة» أبريل 2016.. فى 7 يونيو 2017، وبعد يومين من فرض الحصار العربى وافق البرلمان التركى على نشر المزيد من القوات لتصل لـ5000 جندى، مدعومين بالقوات الجوية والبحرية.. خطورة التعاون العسكرى التركى القطرى ترجع لضخامة القدرات المالية للأخيرة، ما يمكنها من شراء أسلحة متطورة لاستخدامات القوات التركية، الأمر الذى يهدد التوازن بالخليج، ويحول قطر لمخلب قط بدول المنطقة.. والأخطر، أن «الريان» ستحل محل «العيديد» بعد الانسحاب الأمريكى من المنطقة.. كما حلت القوات البريطانية محل الأمريكية فى البحرين.

تفكك الدولة الصومالية وسقوطها كان مدعاة لتجاهل دول العالم لها.. لكن تركيا على العكس، وجدتها فرصة، فالتعامل مع الدولة الفاشلة أيسر من الرشيدة، رغم مخاطره.. اجتذبتها أهمية الموقع، تابعت عن قرب، خططت، وأحسنت المبادرة.. وهو ما يفتقده العرب، رغم أنهم الأحوج.. يا أبانا الذى فى المخابرات، انتبه، فتلك مسئولية تاريخية.

أردوغان زار مقديشيو مرتين، الأولى 2011، ضخ مساعدات إنسانية واقتصادية وتنموية تتجاوز مليار دولار، ووجه أجهزته لتلبية حاجة الصومال لبناء مؤسساتها، وعلى رأسها الجيش.. الاتفاقية العسكرية وقعت ديسمبر 2012، لإعادة تأهيل وتدريب قوات النخبة، ومكافحة الإرهاب، وأمن الحدود.. الزيارة الثانية 2015، وقع تسع اتفاقات للتعاون الاقتصادى والتجارى.. قاعدة مقديشيو افتتحت أكتوبر 2017، على مساحة 400 كم2، بتكلفة 50 مليون دولار، تضم ثلاث مدارس تعليمية، وثلاثة مجمَّعات سكنية، قوتها 200 عسكرى تركى، يمكن زيادتهم لـ1000، تتسع لتدريب نحو 1500 جندى فى الدفعة الواحدة.. الوجود التركى لم يحظ بالقبول؛ حركة الشباب الإرهابية هاجمت السفارة التركية بعد توقيع الاتفاق العسكرى، ثم اعتبرت القاعدة هدفاً.. وبعض حكام الولايات، ورؤساء القبائل والعشائر رفضوا وجودها.. وتلك مرتكزات للحركة العربية!!.

التفاهمات التركية السودانية لإنشاء قاعدة «سواكن» بدأت منتصف 2016، مع الهزائم النهائية لـ«داعش» بالعراق وسوريا، وتكفُل تركيا بمسئولية إعادة نشر فلولها، كما جمعتهم من قبل، ما أكد أن مصر هى الهدف، خاصة بعد أن بدأت السيطرة على عمليات التسلل عبر حدودها الغربية.. الجزيرة كانت مركزاً للبحرية العثمانية، ومقراً لحاكم جنوب البحر الأحمر «1821/1885»، تبعد قرابة 350 كم عن كل من ميناء جدة، ومثلث حلايب، وبالتالى تهدد السعودية ومصر، وتسيطر على الطريق المؤدى للقناة.. أردوغان وقع 22 اتفاقاً، بعضها يتعلق بأمن البحر الأحمر!!، نفى بناء قاعدة عسكرية، لتجنب إحراج السودان على نحو ما تم من قبل مع الصومال، لكن سوء تبريراته فضحته «سواكن ستكون محطة لحجاجنا قبل توجههم لمكة!!»، رغم أن المسافة من تركيا للجزيرة أطول كثيراً من نظيرتها لمكة، قبل إضافة المسافة منها إلى جدة.. وعنجهيته كشفت المستور «هناك ملحق سرى للاتفاق».. إخلاء «سواكن» بدأ بالفعل، بمعرفة لجنة حكومية، تتولى تعويض الأهالى، ما يؤكد الطبيعة السرية للأنشطة التى ستتم عليها.. قبل شهر من إعلان الاتفاق عرض البشير على بوتين إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، إلا أن الأخير اعتذر.. هى إذن عملية بحث سودانية عن شراكة استراتيجية موجهة للسعودية ومصر.. فهل راجعت المملكة موقف القوات السودانية المشاركة فى حرب اليمن؟!.. أم ستكرر مأساة الاختراق القطرى، الذى دعَّم الحوثيين، أكثر مما استهدفهم؟!.

عملية صياغة الإطار العسكرى لحلقات الطوق التركى جسَّدها اجتماع رئيس الأركان التركى بنظيريه القطرى والسودانى بالخرطوم، فى وجود أردوغان، وزيارتاه لتشاد وتونس بحدودهما المشتركة مع ليبيا، رغم أن تركيا لم تكن تهتم بهما عندما كانت قادرة على التواصل المباشر مع التنظيمات الإرهابية فى ليبيا، قبل تدخل الطيران المصرى، والتنسيق مع البحرية اليونانية والقبرصية والأوروبية فى الرقابة على السواحل الليبية، زيارة أردوغان لنجامينا كانت محاولة لرأب الصدع فى علاقتها بقطر، نتيجة طرد تشاد طاقم السفارة القطرية بنجامينا يونيو 2017، بعد اكتشاف تمويلها للمعارضة التشادية، التى شاركت فى الهجوم على الهلال النفطى مارس الماضى، وزيارته لتونس استهدفت دعم المعارضة الإسلامية، ومحاولة استنساخ أحداث الربيع العربى، وهو ما فجر الأوضاع بحجة ارتفاع الأسعار، تركيا تبحث عن منافذ برية لاستمرار دعمها للإرهاب فى ليبيا، حفاظاً عليها كمنفذ لإرهابيى مصر.

تركيا تدرك أهمية المياه لمصر، لذلك تحرص على امتلاك قدرة التأثير على دول المنابع، الاستثمارات التركية هى الأكبر فى إثيوبيا، متفوقة على الصين والهند، حجمها 3 مليارات دولار، 350 شركة، يعمل بها قرابة 500.000 إثيوبى، استثمرت مشكلة سد النهضة، وسارعت بتوقيع اتفاق للتعاون الدفاعى مع أديس أبابا مايو 2013، يتضمن تقديم الدعم الفنى واللوجيستى، لزيادة القدرات العسكرية لإثيوبيا، والتعاون فى مجال الصناعات الدفاعية، وشاركت فى بناء شبكة الدفاع الجوى التى تؤمن «سد النهضة».

حلقات الحصار العسكرى التركى تحظى بموافقة أمريكية، وإلا ما سمحت لها بالتمركز بجوار القواعد الأمريكية، فى العيديد بقطر، وكيسمايو بالصومال، واشنطن تدرك أن تركيا تعتمد على الجماعات المحلية كمرتكزات لاستراتيجيتها، لكنها تتغافل عن حقيقة أن بعض أطقم القراصنة الذين هددوا الملاحة الدولية فى بحر العرب وخليج عدن، وكادوا يتحولون لأدوات منظمة للتأثير على الملاحة فى البحر الأحمر والقناة، تخرجوا من مراكز التدريب التركية، مصر ينبغى أن تتحسب لمخاطر الوجود التركى، بقرارات جريئة، تحفظ أمنها، وتعبر عن قوتها الضاربة، على النحو الذى يدخلها فى حسابات التوازن بالمنطقة، فالسلاح مهما تم اقتناؤه، لا يدخل ضمن معايير القياس ومعادلات التأثير، إلا عندما يعبر عن وجوده فى صورة قرارات رادعة، تفرض سياجاً من الحماية حول مصالح الأمن القومى للدولة، وتردع الآخرين عن الاقتراب منها.. تفاصيل ذلك، واستكمال رصد باقى الحلقات «سوريا، العراق، وغزة»، وتحليل أبعاد دائرة الحصار، ومواجهتنا له.. الأسبوع المقبل إن شاء الله.

 
تعليق واحد

Posted by في 2018/01/23 بوصة غير مصنف

 

المعونة الأمريكية.. ومراجعات واجبة

11964898411495214804

«نيويورك تايمز» وصفت مصر بـ«الحليف السيئ».. رغم أن أمريكا هى «الحليف الأسوأ».. تخون الأمانة، وتطعن الصديق.. ما يفرض مراجعات استراتيجية، لا نتخلى فيها عن توازن علاقاتنا الخارجية، إلا بقدر انحيازنا لمصالحنا.. مقالنا قبل السابق اختتمناه بكيفية الاستغناء عن المعونة الأمريكية؟!.

أمريكا أقرت المعونة لإسرائيل ومصر إثر توقيع اتفاقات السلام نهاية السبعينات، حجمها وأهدافها يختلف، إسرائيل تتلقى 3.075 مليار دولار سنوياً، لطمأنتها لجدية الضمانات الأمريكية لأمنها، وهى ثابتة لا تُمس، مصر خُصص لها «2.1 مليار، 815 اقتصادية، والباقى عسكرية»، بهدف توفير أدوات ضغط تكفل توجيه سياساتنا بما يتفق والمصالح الأمريكية، أمريكا أدركت جدواها خلال حرب الخليج، لذلك لم تمس الدعم العسكرى إلا مؤخراً، ومع ارتفاع تكلفة الأسلحة والمعدات، لم يعد ما تبقى يكفى لتغطية تكلفة الصيانة والتحديث والتدريب وتنمية المهارات وتوفير بعض الذخائر، ولن يسمح بشراء أسلحة استراتيجية، أما الاقتصادية فقد أوشكت على إلغائها.

المعونة تستخدم كأداة ضغط؛ الكونجرس يهدد بقطعها عند كل خلاف؛ آخرها بعد محاكمة المتهمين فى قضية التمويل غير المشروع للمنظمات الأجنبية، وجمدها بعد الإطاحة بالإخوان، ولم يفرج عنها إلا مكرهاً «مارس 2015»، نتيجة فتح مصر مجالات جديدة لحركتها مع روسيا وفرنسا، التهديد تكرر عندما قبض على الشواذ السبعة الذين نظموا حفل مشروع ليلى لدعم حقوق الشواذ سبتمبر الماضى.. عضو الكونجرس «باتريك ليهى» طالب بربطها بسماح مصر للمنظمات الحقوقية الأمريكية وأعضاء السفارة الأمريكية والإعلام الدولى بحرية الحركة والمراقبة شمال سيناء!!.. ومسئولا ملف ما كان يطلق عليه صفقة القرن «كوشنر، جرينبلات»، الذى أسقطه التحرك المصرى فى الأمم المتحدة، وصلا القاهرة 21 أغسطس بعد ساعات من قرار التخفيض، فى توظيف سياسى، وممارسة استعمارية، لا علاقة لها بالتعاون الاستراتيجى.

الحديث عن تعاون استراتيجى مع أمريكا لم يعد له موضع، تجميد الدعم عقاباً لمصر بعد إسقاط الإخوان تم فى وجود حاكم ديمقراطى، وتخفيضه بـ300 مليون دولار تم بعد أربعة شهور فقط من زيارة السيسى لواشنطن أبريل 2017، فى وجود حاكم جمهورى، ما يؤكد اتفاق المؤسسات الحاكمة بشأنه.. بعد التخفيض خرجت تبريرات عدة، أولها الادعاء بوجود قصور فى حالة حقوق الإنسان، نتيجة للسيطرة الصارمة للقانون الجديد للجمعيات الأهلية على مصادر تمويلها، وتخويله سلطة المراقبة للدولة على أنشطتها.. وثانيها المخاوف المتعلقة بالتعاون بين مصر وكوريا الشمالية.. وثالثها الدور المصرى فى إحكام الحصار على قطر.. والحقيقة أنها مبررات واهية، فأين كان الحرص الأمريكى على حقوق الإنسان، وهى تستجوب الحالات المشتبه بها فى مصر إبان عصر مبارك؟!.. وهل نسى ترامب أنه من أطلق شرارة المواجهة مع قطر، خلال القمة الأمريكية الإسلامية بالرياض؟! أما التعاون المصرى الكورى فهو قائم، طوال العقود التى قدمت خلالها أمريكا المعونة.. كل ذلك يفرض العتاب.. السياسة تحكمها المصالح، ولكن لا تنعدم فيها القيم، مصر تربطها بكوريا الشمالية نحو 20 اتفاق تعاون تتنوع بين الاقتصاد والأمن والإعلام والتكنولوجيا والثقافة، بعضها تخللته مواقف يستحيل نسيانها؛ سرب من 30 طياراً كورياً شاركوا فى الدفاع عن الجبهة الداخلية خلال حرب أكتوبر 1973، والطيارون الإسرائيليون ادعوا اشتباكهم فى المعارك، معهد «ويسكونسن بروجيكت» كشف أن كوريا زودت مصر بالصواريخ الباليستية، ودعمتها بالدراسات الفنية والتصاميم والتكنولوجيا اللازمة لتوطين صناعتها.. القاهرة اعترضت سفينة كورية محملة بـ30.000 قذيفة صاروخية «PG-7» أغسطس 2016، وكررت إدانتها لتجاربها النووية، وكان يمكنها إعلان قطع العلاقات العسكرية معها مبررة الإجراء باحترام التزاماتها الدولية، وهو حق، أما أن يتم الإعلان من سيئول عاصمة كوريا الجنوبية، عدوتها الأولى، فإن ذلك يصيب الشعب الكورى الشمالى بمرارة النكران فحسب، بل قد يؤثر مستقبلاً على تعاون دول أخرى معنا.. فلماذا التزيد لإرضاء دولة براجماتية، لا تضع أى اعتبار للعواطف والشكليات؟

***

مع مراجعة أمريكا لسياستها الدفاعية بالمنطقة بداية حكم ترامب، أوفدت الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة العسكرية المركزية للقاهرة أغسطس 2016، وفبراير 2017، لم يتلمس أى استعداد لدى مصر لقبول نشر قوات أمريكية بسيناء، ولا مشاركة قواتها فى أى عمليات مشتركة خارج حدودها، أمريكا لم تكتف بتخفيض المعونة، بل أوقفت بداية 2018، استخدام آلية التمويل الائتمانى التى تسمح لمصر بشراء المعدات والأسلحة التى تراها مناسبة لأولوياتها الدفاعية، وحددت أربع فئات لاستخدامات الأسلحة التى يمكن شراؤها؛ مكافحة الإرهاب وأمن الحدود وأمن سيناء والأمن البحرى.. هكذا فقد الدعم مبرراته وجدواه.

العملية الإرهابية فى الواحات «21 أكتوبر»، أسفرت عن استشهاد 16 شرطياً، وعشرات المصابين، تم القضاء على الخلية التى نفذتها بعد أسبوعين، كان فيها الجانب الأمريكى يُعَتِم، والجانبان الروسى والفرنسى يتعاونان، وكان الدعم اللوجيستى الروسى الأكثر عائداً، شويجو وزير الدفاع الروسى وصل القاهرة آخر نوفمبر، للاتفاق على الاستخدام المتبادل للمطارات العسكرية، ماتيس وزير الدفاع الأمريكى زار مصر فى اليوم التالى، وعاد بخفى حنين، قرار ترامب الخاص بالقدس «6 ديسمبر»، تهديدات ترامب والمندوبة الأمريكية فى الأمم المتحدة، لمصر وللدول الداعمة لمشروع القرار المصرى «18 ديسمبر»، فى اليوم التالى استُهدفت طائرة وزيرى الدفاع والداخلية بمطار العريش، وفُتح ملف «قانون دعم الأقباط بمصر» الذى قدّمته منظمة «كوبتك سولديراتى» للكونجرس، ثم وقع الحادث الإرهابى ضد كنيسة مارمينا بحلوان ليقدم مادة تدعم تمريره.. لو أدت هيئة الاستعلامات دورها بالربط بين وقائع استهداف المسيحيين بالكنائس، واستهداف المسلمين بمسجد الروضة، لفقد هذا الملف العفن مبررات فتحه.

الإدارة الأمريكية تُشرك إسرائيل فى مراجعة تخفيض المعونة المقدمة لمصر، وذلك يمثل لها إشكالية كبرى، موافقتها تقترن بالخشية من تأثيرها على استقرار السلام، ورفضها يرتبط بالمخاوف من تصاعد الثقل العسكرى لمصر، التى تبوأت المركز العاشر دولياً، وبعض الأنشطة التى تستقطب انشغالات الجيش والشرطة، ترتبط بتلك المخاوف.. فلتذهب المعونة للجحيم، بكل ما ترتبط به من علاقة باتفاقات السلام، خاصة أنها 0.002% من قيمة الناتج المحلى، و0.004% من الموازنة العامة، الاقتصاد الأمريكى لم يعد يحتمل توزيع الهبات والمنح، وإسرائيل تستشعر القلق من الانسحاب الأمريكى.. حرب 73 كانت تجربة مريرة، لا يسعى طرفاها لتكرارها، اتفاقيات السلام بملاحقها لم تعد قائمة، بسبب ما أدى إليه تطبيقها من فراغ عسكرى وأمنى أدى إلى انتشار الإرهاب، ينبغى البدء فوراً فى ترسيم الحدود، ووضع إطارات جديدة لسلام حقيقى، لا يرتبط بالمعونات، ولنشكر الله أن ذلك يتم ومصر تودع السبع العجاف.. ما يجنبنا ذوى اللحى، جامعى الملايين، بحجة تعويضها، ثم لا ندرى مصيرها.. أما آن الأوان للتحرر من قيود الدعم؟!.

 
تعليق واحد

Posted by في 2018/01/18 بوصة غير مصنف

 

أحداث إيران.. ودروس فى السياسة

F10A33A6-8DC5-4FD9-BAE9-D5AFA729BBF9_w1200_r1_s

كان موعدنا اليوم مع مقال «المعونة الأمريكية.. ومراجعات واجبة»، استكمالاً لمقالنا السابق (الحليف الأسوأ.. وسقوط «صفقة القرن»)، لكن اضطرابات إيران فرضت نفسها، وأجلت ما هو مقرر.

شعارات المتظاهرين تعكس مبررات الغضب؛ ارتفاع الأسعار، الفساد، إهدار الثروات لـ«تصدير الثورة».. لم تبدأ بمناطق الأقليات القومية، إنما انطلقت شرارتها من مشهد، حيث السكان الأصليين، ومعقل المتشددين، ولذلك دلالاته.. ولأول مرة ترتفع شعارات تمس أيديولوجية النظام، ترفض ولاية الفقيه، وتطالب بسقوط المرشد، حتى فى قلب «قم»، معقل الملالى.. مفهوم «الجمهورية الإسلامية» طاله الغضب، وفجر الحنين لنظام إمبراطورى لفظوه منذ 39 عاماً، ناشدوا الشرطة الانضمام إليهم لمواجهة الحرس الثورى، مخاطرين بحرب أهلية.. إيران على سطح صفيح ساخن.

الاعتبارات الاقتصادية كانت على رأس العوامل المحركة، الغلاء ورفع أسعار المحروقات وزيادة الضرائب كانت الشرارة، مدخرات المواطنين ضاعت نتيجة لإفلاس البنوك والمصارف، التضخم يتزايد بـ1.5% شهرياً، والبطالة 3.2 مليون بنسبة 12.4%، قطاع النفط يحتاج لاستثمارات 200 مليار دولار لتطوير نشاطه، وتحديث بنيته، روحانى شجع الاستثمارات الأجنبية، لكنها ظلت تراقب الأوضاع، وتأكد عدم ملاءمتها، الدولة خلال ثلاثة عقود نقلت ملكية معظم مؤسساتها الاقتصادية إلى الحرس الثورى، ليهيمن على قطاعات النفط والغاز والاتصالات والتشييد والتعدين والبتروكيماويات والفنادق والنوادى، إضافة للصحة والزراعة، وشركاته تضم 160 ألف عضو، تستغل نفوذه فى ممارسة الفساد، وإعاقة الاستثمار تجنباً للمنافسة، ضخامة مخصصاته عبء على الميزانية، خاصة بعد رفعها لـ7.6 مليار دولار لـ2018.. القمع والتضييق والتمييز، وإهدار حقوق المرأة، أسباب إضافية، ومقاطعة الملالى لموسم الحج، أثارت الغضب، لإسقاطه فريضة قد لا يتسع العمر لأدائها.. الغضب الساطع آتٍ.

النزعات القومية من العوامل الرئيسية للتذمر بالمحافظات الحدودية، بلوشستان وسيستان بالشرق، يضمان جماعات مسلحة جهادية سنية، حفرت الأنفاق على الحدود لتهريب أسلحة ومتفجرات من باكستان وأفغانستان للداخل.. الأذريون «الشيعة»، والتركمان «السنة»، فى الشمال، أضحوا أقرب لتركيا، من وطنهم.. الأكراد تخلوا عن الكفاح المسلح، لكنهم لم ينالوا حقوقهم.. الأهواز بسُنّتها وشيعتها تشهد مظاهرات دائمة تنقلب لاشتباكات مع الأمن.. عمليات الجماعات المسلحة توقع عشرات الضحايا من الحرس والقوى الأمنية وحرس الحدود، ما أطاح برئيس الأركان يونيو 2016، وبقائد الجيش أغسطس 2017، ولم يتحسن الأداء، لأن القضية تحتاج لمعالجات سياسية.. خامنئى حذر البرلمان من احتمالات التفكك القومى.

الزعم بدور أمريكى أو سعودى لتحريك الأحداث لا أساس له، حتى لو اقترن بتهديدات لـ«ترامب»، أو وعيد لـ«بن سلمان»، لا أحد يمتلك قدرة تحريك الأوضاع بإيران، لكنها الإدارة السياسية، من يعرف قوتها، ويجيد توظيفها، ليس فى حاجة لأساليب أخرى، أمريكا أجادت، وساعدتها الأوضاع.. الصراع بين الجناح المتشدد والمعتدل قائم منذ بداية الثورة، وانتقل منذ سنوات لمؤسسات السلطة.. خامنئى، زعيم المتشددين، يتمتع بأغلبية البرلمان، ومجلسى الخبراء، وتشخيص مصلحة النظام، يتبعه الحرس الثورى والمنظومات الأمنية والعسكرية.. روحانى يتزعم المعتدلين، تتبعه مؤسسة الرئاسة والمؤسسات السيادية للحكومة.. التوازن داخل النظام السياسى أصبح هشاً، لانشغالهما بالتطاحن، وعجزهما عن الإصلاح الاقتصادى ورفع مستوى المعيشة، روحانى تحدى خامنئى «شرعية القائد الأعلى يحددها الجمهور» لا ولاية الفقيه، ولا عصمته، وخامنئى ذكَّره بمصير أبوالحسن بنى صدر، أول رئيس للجمهورية، الذى أقيل وفر هارباً إلى باريس، فى تهديد صريح للرئيس.. نائبه إسحق جهانجيرى اتهم المتشددين صراحة ببدء الاحتجاجات، لكنهم فقدوا السيطرة، وحذر: «من يقفون وراءها سيحترقون بنيرانها».

أمريكا استهدفت من الاتفاق النووى تعزيز موقف المعتدلين، لكن الانتخابات مكنت المتشددين، ما يسقط مبرر الاتفاق، خاصة بتوسيع إيران لبرنامجها الصاروخى كبديل للقيود المفروضة على النووى، ووصول صواريخها للمجال الجوى للرياض وأبوظبى.. واشنطن راهنت على إمكانية دفع روحانى ليخلف خامنئى (79 عاماً) كمرشد أعلى، مما يسمح بإجراء تغييرات جذرية بالنظام، إلا أن خامنئى بدأ يمهد لاختيار خليفته من الصقور، استمراراً لتوجهات النظام.. أمريكا نسقت مع إيران فى حرب «داعش»، وبانتهائها اتجهت لإعادة ترتيب الأوضاع بالمنطقة، وكسر الطوق الذى فرضته طهران حول إسرائيل والسعودية، بوجودها فى العراق وسوريا ولبنان وقطر واليمن وغزة.. قبل أن تنهى «داعش» معركة الموصل يونيو 2017، قامت بأول هجوم على طهران، فى عملية تحويل أمريكية لميدان المعركة، وفقاً لأهداف المرحلة.. سيطرة ميليشيا الحشد وحزب الله على مدينة البوكمال، نوفمبر الماضى، اعتبرته واشنطن تطوراً خطيراً لسياسة التمدد الإيرانى، لموقعها الاستراتيجى الذى يربط حدود العراق بسوريا والطريق المؤدى إلى لبنان.

الاعتبارات السابقة دفعت أمريكا لمحاولة دفع نظام الملالى للانكماش داخل حدوده من خلال خمسة إجراءات سياسية.. الأول: تجديد مجلس الشيوخ للعقوبات على إيران لـ10 سنوات.. الثانى: فرضت وزارة الخزانة حزمة جديدة من العقوبات، استهدفت الكيانات التى تدعم إنتاج الصواريخ الباليستية.. الثالث: رفض ترامب إعادة التصديق على الاتفاق النووى، ووصفه بـ«أحد أسوأ الاتفاقات فى التاريخ الأمريكى».. الرابع: تأكيد نيته مواجهة الطموحات الإيرانية بالشرق الأوسط.. الخامس: إعلان الحرس الثورى -لأول مرة- كمنظمة إرهابية.. إجراءات سياسية أدت لانسحاب الشركاء التجاريين فى أنشطة الحرس التى تتجاوز 100 مليار دولار، خوفاً من العقوبات، وأنهت اهتمام المستثمرين بسوق غير مستقر، عززت موقف المتشددين، وأسقطت مرتكزات قوة المعتدلين، وأخرجت الصراع بينهما لمرحلة الصدام المباشر والعلنى.. فاقمت المعاناة.. بددت الآمال.. فاشتعلت الاضطرابات.

التطورات الراهنة تطرح تداعياتها على مستقبل الحكم فى إيران، وتطور الأوضاع بالمنطقة.. الموقف متدهور، أجبر عضو مجلس الخبراء المتشدد آية الله أحمد علم الهدى الذى حذر بداية الأحداث من التساهل مع مثيرى الشغب، على التراجع وتبرير مطالبهم: «تظاهرات الغلاء لها ما يبررها».. استمرار الاضطرابات رغم تحريك عشرات الألوف من المؤيدين يعنى امتداد عدم الاستقرار لفترة ليست بالقصيرة، اضطرابات 2009 استمرت ثمانية شهور، والتداعيات مفتوحة لكل الاحتمالات، خاصة إذا ما تكثفت الضغوط الدولية.. المتشددون لن يستسلموا بسهولة، والحرس والباسيج فى انتظار الإشارة.. فى كل الأحوال، إيران المقبلة، غير التى نعرفها، حتى لو استعاد الملالى سيطرتهم.. طهران ستضطر لتعديل استراتيجيتها، للحد من تدخلاتها بسوريا والعراق، وخفض معدلات الدعم لحزب الله والحوثيين وحماس وشيعة البحرين، والالتفات للداخل، ما يعنى تغيُّرات أساسية فى التوازنات.. المتشددون يرفضون التفاهمات الإيرانية مع أمريكا بنفس قدر تحفظهم على التفاهمات الروسية الإسرائيلية، لإبعاد قواتهم عن جنوب سوريا.. الوجود الإيرانى بالمنطقة من نقاط المساومة الأمريكية لترتيبات ما بعد الحرب، روسيا بوتين بتوجهاتها البراجماتية تشترى مصالحها، النفوذ الإيرانى ينحسر، بانتهاء هدنتها مع أمريكا، وبرودة تحالفها مع روسيا، أزمة السعودية فى اليمن وقطر تنفرج، ومصر لاعب رئيسى بالمنطقة، إذا ما كشرت عن أنيابها.. انتبهوا أيها السادة.. فالمنطقة تعبر جسراً من الجمر!!

 
تعليق واحد

Posted by في 2018/01/18 بوصة غير مصنف

 

«الحليف الأسوأ».. وسقوط «صفقة القرن»

الاعتراف-بالقدس-عاصمة-لإسرائيل

 ما بين حديث «ترامب» عن الكيمياء التى تجمعه بالسيد الرئيس «أبريل 2017»، وما تلاه من سياسات عدائية، بون شاسع.. «ترامب» يفتقر للخبرة السياسية، وسلوكياته تتسم بالرعونة، لذلك يستحيل الرهان عليه.. اللوبى المضاد استغل تورطه فى قضية التعاون مع روسيا خلال الحملة الانتخابية، وتهديده بالمحاكمة، لتغيير رؤيته لمسار العلاقات مع مصر، ما فجر الخلافات داخل مؤسسات السلطة؛ البنتاجون والمخابرات المركزية يتمسكان بالشراكة الاستراتيجية مع القاهرة، «الخارجية»، مدفوعة باللوبى المؤيد للإخوان بالكونجرس، تتعلل بقضايا على رأسها حقوق الإنسان، لتنسف العلاقات، وللأسف فإن تحركات الإخوان وقطر فى أمريكا تتفوق على تحركات الدولة المصرية، وهو أمر يفرض الكثير من المراجعة والتصحيح.

قرار «ترامب» الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها دفع مصر لتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن يستهدف إبطاله، ويدعو إلى الامتناع عن إقامة بعثات دبلوماسية فى القدس، القاهرة كانت على ثقة بأن أمريكا ستبطله بحق الفيتو، رغم نجاحها فى حشد كل أعضاء المجلس «14 صوتاً من 15»، ولكنها خطوة ضرورية للانتقال بالتصويت إلى الجمعية العامة، النتيجة جاءت فى نفس السياق؛ 128 دولة ضد أمريكا، لم يؤيدها سوى إسرائيل، والدولتين الأصغر فى أمريكا اللاتينية «جواتيمالا – هندوراس»، والأصغر فى أفريقيا «توجو»، وأربع جزر ميكروسكوبية بالمحيط الهادئ «مارشال – ميكرونيسيا – ناورو – بالاو».. التحفظ الوحيد على قرار الجمعية العامة أنه منح اليمن ممثلة الكتلة العربية، وأردوغان عن منظمة التعاون الإسلامى، شرف تبنى القرار، وكانت مصر الأحق به.. واشنطن اكتشفت فجأة أن مصر «حليف سيئ»، ومصر، فى تقديرى، تأكدت أن أمريكا «الحليف الأسوأ».. تخون الأمانة، وتطعن الصديق.. ولنستعرض السياق..

«ترامب» أصدر قراره الخاص بالقدس «6 ديسمبر»، مصر شرعت فوراً فى التشاور حول مشروع قرارها لمجلس الأمن، «داعش» توعدت أمريكا بشن هجمات انتقامية رداً على قرار «ترامب» يوم «14 ديسمبر»، نيكى هايلى، مندوبة أمريكا، اعتبرت نتيجة التصويت فى مجلس الأمن «إهانة لن ننساها أبداً»، 18 ديسمبر، وخرجت «نيويورك تايمز»، «19 ديسمبر»، تصف مصر بـ«الحليف السيئ»، وفى اليوم نفسه استُهدفت طائرة وزيرى الدفاع والداخلية بمجرد هبوطها بمطار العريش، العملية تطور نوعى فى السلاح، ودقة التصويب، والدعم المعلوماتى، المعتمد على وسائل اتصالات متطورة.. أداء مخابراتى واضح، يستحيل عدم الربط بينه وبين تهديدات السفيرة الأمريكية الصريحة لمصر، وما أعقبها من تهديد «ترامب» لمن يؤيد قرار الجمعية العامة.. قلناها ونكررها «مصر فى حرب، لمَ لا تصدقون؟!».

مقال «نيويورك تايمز» دعا لإعادة النظر فى الشراكة الاستراتيجية مع مصر، أهميته تنبع من وضعية كاتبيه، أحدهما «آندرو ميلر»، محلل الوضع المصرى بوزارة الخارجية، ومدير سابق للملف المصرى بمجلس الأمن القومى، والآخر «ريتشارد سوكلسكى»، باحث بمؤسسة كارنيجى للسلام.. المقال استعرض جوانب التناقض فى المصالح الاستراتيجية بين الدولتين: رفض القاهرة الاستجابة لرغبة واشنطن تحويل الجيش المصرى إلى قوات لمكافحة الإرهاب.. اتفاقها مع روسيا على الاستخدام المتبادل للقواعد الجوية.. تحفظ أمريكا على توطين مصر للتصنيع الحربى محلياً.. الدعم المصرى لـ«حفتر».. تعارض مواقف القاهرة بمجلس الأمن حول سوريا وفلسطين وإسرائيل مع المواقف الأمريكية.. هى إذاً شكوى من اتباع مصر سياسة ديناميكية مستقلة تتعارض مع مسار التبعية الذى تنشده واشنطن، بما لا يتفق وادعاء المقال بأن «التآكل الداخلى» أفقد مصر ثقلها الإقليمى، وإلا ما كان كل هذا «الندب واللطم» من الانعكاسات الاستراتيجية للاتفاق المصرى الروسى.. فقد أفقد واشنطن رخصة استخدام المجال الجوى المصرى، وامتيازات المرور بالقناة، ومنحها لروسيا، فأحدث اختلالاً جسيماً فى التوازن الاستراتيجى، وأجهض كل مخططات العبث بالمنطقة، ووفر أدوات دعم تسمح بسرعة استكمال عمليات التعبئة لتوجيه ضربة قاصمة تنهى وجود الجماعات الإرهابية فى سيناء، وتسقط مبررات التعلل بعدم قدرة مصر على حمايتها لفرض إشراف دولى يسمح بتمرير المشروعات المشبوهة، ما يفسر تراجع «ترامب» المخزى عن «صفقة القرن».. إنها مصر يا سادة!!.

مصر بصدد إحداث تغيُر استراتيجى بالمنطقة، أمريكا سعت لإسقاط النظام عقب الإطاحة بالإخوان، زيارات «السيسى» لموسكو، فبراير وأغسطس 2014، ومايو 2015، كانت البداية، إذ أنهت خزعبلات القوة المتمثلة فى تهديدات الأسطول السادس، وعززت التوازن الإقليمى.. روسيا واجهت الحصار الغربى نتيجة للأزمة الأوكرانية بالتدخل العسكرى فى سوريا، وتعزيز قواعدها، ففرضت نفسها كرقم رئيسى فى التسوية، وهكذا السياسة، لن تستطيع تجاوز دائرة الحصار إلا بالقفز على حدودها.. مصر نوّعت مصادر التسليح وتمكنت من الحصول على أسلحة استراتيجية «حاملتى الميسترال، طائرات الرافال، وإعادة التموين الجوى، والقيادة والسيطرة والإنذار المبكر..»، لكنها على المستوى الاستراتيجى حاولت إمساك العصا من المنتصف، ما حال دون الاستفادة من الثقل الروسى، وظلت معرضة للتهديد، سواء بوسائل ضغط محلية على نحو إيقاف «أرامكو» تنفيذ عقد إمداد مصر بالبترول، أو بفعل التنظيمات المسلحة فى سيناء، وتعاونها مع جماعات قبلية، ولم تخل سياساتها من بعض التناقض، فقد أيدت التدخل العسكرى الروسى فى سوريا، مثلما أيدت ضرب أمريكا لقاعدة الشعيرات!!، مثال لـ«ميوعة» القرار، والحرص على إرضاء كل الأطراف، وهو اختيار يأخذ منا، ولا يعطى. أمريكا فقدت هيمنتها على المنطقة، فلا داعى للتردد، إنهاء الحرب السورية، دون سقوط «الأسد»، جاء نتاج للدعم الروسى، إنهاء الحرب العراقية أنجزه الجيش العراقى بدعم إيرانى، مساهمات أمريكا محدودة، وذات طابع طائفى، لحساب الأكراد، وضد الشيعة، انسحابها من المنطقة قرار استراتيجى، لتتفرغ للمحيط الهادئ، حيث يتمدد التنين الصينى، تأخرها فى التنفيذ يرجع إلى ارتباك بعض مخططاتها الخاصة بالتفتيت الطائفى لدول المنطقة، وتدمير مبانيها ومنشآتها، وتشريد شعوبها، لتتحول إلى تجمعات بدائية، تتوسطها جزيرة من التطور والحداثة عاصمتها القدس المغتصبة.. أمنت شر الجميع، وباتت قادرة على ابتلاع المنطقة.

ليس عيباً أن نتعلم من أعدائنا.. تركيا تقدم نموذجاً فى حسن تقدير الموقف، ودقة تحديد الأهداف، وشمول الرؤية الاستراتيجية، أدركت أن المخابرات الأمريكية سعت لتوريطها فى إسقاط الطائرة الحربية الروسية «Su-24» نوفمبر 2015، ومحاولة انقلاب يوليو 2016، واغتيال السفير الروسى ديسمبر 2016، قدرت الموقف جيداً، ولم تتهور مع موسكو، وإنما وظفت تلك الأحداث لتفرض متغيرات جديدة، تلزم الروس، وهم بصدد وضع ترتيبات ما بعد انتهاء الحرب السورية، أن يعطوا لها وضعها كشريك إقليمى، ما يفسر مشاركتها لموسكو وطهران فى ترتيبات أستانة، والضمانات الخاصة بالمناطق الآمنة.. عضو الناتو، وحليف أمريكا، تحول إلى حليف رئيسى لروسيا، وأقرب لها من الحلف ومن واشنطن.. هكذا تكون السياسة.

قد يتساءل البعض، وكيف نتخلى عن المعونة الأمريكية؟.. ذلك موضوع آخر موعده الجمعة المقبل إن شاء الله.

 
تعليق واحد

Posted by في 2018/01/03 بوصة غير مصنف

 

أحزان اليمن.. وهموم خادم الحرمين

_15123932589947011

القدس حبست أنفاسنا جميعاً.. كنا بانتظار مواقف حاسمة من إيران، صاحبة «فيلق القدس»، أو وكلائها بالمنطقة؛ الحوثيون، حزب الله، الحشد الشعبى، كتائب القسام، وسرايا بيت المقدس، لكنهم منشغلون بالتمدد.. ضاعت القدس، وانضم اليمن «الحزين» لمناطق نفوذهم.. يا خادم الحرمين الشريفين.. انتبه!!، فبعض الأخطاء، والخطايا، جلبت تركيا وإيران، أكبر قوتين إقليميتين، إلى الساحل العربى من الخليج، واخترقت إيران قلب الجزيرة العربية.. همومكم أضحت جبالاً.

على عبدالله صالح حكم اليمن قرابة 40 عاماً، 33 منها رسمياً، والباقى بالمناورة وفرض الأمر الواقع، بشاعة اغتياله أثارت تعاطفاً، لكن التاريخ يستند لضعف حديث «اذكروا محاسن موتاكم»، ليؤكد أنه أسوأ حكام المنطقة.. شارك فى قتل الرئيس السابق إبراهيم الحمدى أكتوبر 1977، تحالف مع السعودية فى خوض ست جولات من الحرب ضد الحوثيين «2004/2009»، وأعدم زعيمهم حسين الحوثى.. تحالف مع الإخوان «التجمع اليمنى للإصلاح»، وسمح بنشر التشدد الدينى، حتى تغلغلت «القاعدة» فى الجنوب، فسمح لأمريكا بالتعامل معها، دون رجوع للدولة.. وقع اتفاقية جدة 2000، تنازل فيها للسعودية عن عسير وجيزان ونجران.. عندما انقلب عليه الإخوان وانضموا لانتفاضة 2011، تعاون مع الحوثيين «الشيعة» للانتقام، وقاد انقلاب سبتمبر 2014، ما أوقع البلاد فى حرب أهلية، أرغم رئيس الجمهورية «هادى» على الاستقالة فتدخلت السعودية، قاتل مع الحوثيين ضدها لثلاث سنوات، قتل قرابة 10 آلاف، أوقع بالبلاد كوارث إنسانية.. 8.4 مليون على حافة المجاعة، ثلاثة ملايين نازح، مليون إصابة بالكوليرا، ثروته 15 مليار دولار، بينما 45% من اليمنيين تحت خط الفقر، 35% بطالة، عجز الموازنة يتجاوز 50%، الأمية 35%، أطفال الشوارع 20%، 45% دون مياه شرب نقية، والقات على رأس المحاصيل المنتَجة.. «صالح» خان منصبه لحساب مصالحه، وباع وطنه بمناورات سياسية قذرة.. لا تجوز عليه سوى اللعنات.

رغم أن المعروف عنه إجادة الرقص مع الذئاب، إلا أن «صالح» فقد حياته نتيجة أخطاء ما كان يقدر لفطن ارتكابها، عندما طلب التحالف مع الحوثيين 2011 تحفظ قادتهم، بسبب تقاليد الثأر القبلية، التى أغفلها هو، لكن إيران شجعتهم، كمقدمة للسيطرة على الدولة.. بدأوا باستقطاب أنصار «صالح» من ضباط الجيش المحترفين الذين سرَّحهم «هادى» 2012، ضمن إعادة الهيكلة.. الحصانة التى كفلتها السعودية لـ«صالح» فى المبادرة الخليجية سمحت له بتأمين التحالفات القبلية والعسكرية التى مكنت الحوثيين من السيطرة على عمران، واجتياح معسكرات الجيش، والأهداف الحيوية بصنعاء، تحت سمع وبصر الحرس الجمهورى، الموالى لـ«صالح».. ارتكب الخطأ الثانى بتأسيس «مصلحة شئون القبائل» لتتولى صرف مخصصات شهرية لزعمائها، فأفسدهم، وجعلهم ينحازون لمن هو فى السلطة، ضماناً لاستمرار العطايا.. الحوثيون تغلغلوا داخل مؤسسات الدولة، أغدقوا على مشايخ ورجال قبائل «طوق صنعاء»، وجمعوهم فى تحالف يرتبط بهم.. اعتقلوا الناشطين والصحفيين الموالين لـ«صالح»، وأقصوا المسئولين التابعين له، نشروا الكمائن العسكرية، واقتحموا جامع الصالح الكبير، وفرضوا حصاراً على عائلة «صالح»، وقيادات ومقرات المؤتمر الشعبى.. واتخذوا قرارات أحادية شملت تغييرات فى رأس السلطة القضائية، والأجهزة الأمنية والرقابية والمالية، ليحكموا قبضتهم على الدولة.

«صالح» كثف اتصالاته مع أمريكا والسعودية، بوساطة إماراتية، طُلِب منه التنازل عن رئاسة «المؤتمر»، ومغادرة البلاد، بعد التعاون لطرد الحوثيين، وطُرحت فكرة تشكيل حكومة ائتلافية بمشاركة «المؤتمر» و«تجمع الإصلاح»، يرأسها خالد بحاح، ويتولى أحمد على صالح وزارة الدفاع، أو يشكلها الأخير توطئة لترشحه للرئاسة، قوات «صالح» استعادت السيطرة على الأهداف الحيوية بالعاصمة، دعا الشعب للانتفاض ضد الحوثيين، وأكد استعداده لفتح صفحة جديدة مع دول الجوار، الإعلام السعودى حذف اسم «المخلوع»، وبدأ القصف لأهداف الحوثيين السرية يتسم بالدقة والفاعلية، كثمرة للتنسيق.. المكاسب التى حققها الحوثيون عبر سنوات أضحت فى مهب الريح، فأهدروا دم «صالح»، نجحوا فى اختراق أمنه، زرعوا أجهزة تنصت بالقصر، جندوا المسئول عن مخزن أسلحة الحرس الخاص بتأمينه، وقبائل طوق صنعاء سمحت بتدفق تعزيزاتهم للعاصمة، فجّروا القصر، ولاحقوا موكبه، واغتالوه، واستعادوا السيطرة بعد تصفية من ظل على ولائه لـ«صالح» من قادة الحرس والحزب.. جعفرى، قائد الحرس الثورى الإيرانى، اعترف ضمناً بالمسئولية: «مؤامرة الانقلاب تم إخمادها فى مهدها، والدعم الإيرانى لليمن استشارى، لكنها بحاجة إلى أكثر من ذلك، ولن ندخر جهداً»!!، وعبدالملك الحوثى استبدل خنجره بخنجر والده المقتول، ليؤكد الأخذ بالثأر، واعتبر اغتيال صالح «يوماً تاريخياً»، وحشود الحوثيين خرجت فى احتفالية تردّد: «انتقمنا لسيدى حسين».

يا خادم الحرمين: تلك حقائق ينبغى إدراكها..

تصفية «صالح» تمت فور التأكد من أنه بصدد المصالحة مع خصومه، لأن ذلك يعنى نهاية الحوثيين والنفوذ الإيرانى، لذلك فالجهود ينبغى أن تنصب على استكمال المصالحة، وتوحيد قوات على محسن الأحمر، نائب الرئيس، مع بقايا الحرس الجمهورى، بقيادة أحمد على صالح، وإلا فالأمور إلى انهيار.. مواجهة المجاعة، والكوليرا، وتسكين النازحين، التزام على المملكة بحكم دورها الإقليمى، قبل أن يكون أخلاقياً، وهو يحسّن صورتها دولياً وداخل اليمن، وعليها تبنى حملة دولية لذلك.. يأس الجنوب مدعاة لتكريس الانفصال، فاجتهد لمنعه.. الثأر لـ«صالح» يعنى عقوداً من التربص، والحرب القبلية، فلنوسّع المصالحات.. القراءة الاستراتيجية للأوضاع يحددها الدور السعودى، دورية «انتليجنس أون لاين» الفرنسية كشفت يوليو الماضى عن اتصالات بين أحمد عسيرى، نائب رئيس المخابرات، وأحمد على صالح فى أبوظبى، وتردد يوسف الفيشى، مبعوث «صالح» على المملكة، ما يعنى أن تصفية «صالح» لا تمثل إجهاضاً للجهود للسعودية فحسب، بل هزيمة جديدة لتحركاتها الإقليمية.. عاصفة الحزم التى قُدِر لحسمها 15 يوماً، قاربت على استكمال عامها الثالث، ودفعت إيران لمواجهة مباشرة بالصواريخ الباليستية بعد أن كانت تدعم على استحياء، القصف الجوى لا يحسم المعارك، مهما بلغت كثافته، والحصار يتحمل تبعاته المدنيون، ويضاعف السخط.. الحوثيون اكتسبوا الثقة فى قدرتهم على الانتصار.. الجسر الذى مدته إيران لقلب الجزيرة العربية ستعبر عليه الأهوال، ما لم يتم قطعه، ولو بحرب بحرية جوية تستهدف أى وجود إيرانى حتى لو خارج المياه الإقليمية أو المجال الجوى لليمن، إيران حالياً فى أضعف مستويات التسليح للقوتين، فلماذا تقبُّل الهزيمة؟!.. إيقاف مشاركة قطر فى التجمعات الخليجية المتعلقة بالقضايا الاستراتيجية أصبح ضرورة أمنية، إيران تؤمّن النظام، والدوحة ترتبط بعلاقة خاصة مع الحوثيين، وهناك شكوك حول دورها فى تصفية «صالح»، من خلال وساطتها للمصالحة بعد إهدار دمه، وقبل تصفيته مباشرة، واتصالات قطر بالتنظيمات الإرهابية تفرض ذلك، على الأقل مؤقتاً.

اللهم بلغت، اللهم فاشهد.

 
تعليق واحد

Posted by في 2018/01/03 بوصة غير مصنف

 

«صفقة القرن».. واستهداف شمال سيناء

148477_660_0531

 موافقة الإخوان على توطين الفلسطينيين بسيناء كانت مبرراً للدعم الأمريكى الذى مكنهم من حكم مصر، منحوا الجنسية لعشرات الآلاف من الموالين لجناحهم العسكرى «حماس»، وفتحوا الباب على مصراعيه لتجمع إرهابيى العالم بسيناء.. ما لم يمهلهم الشعب والجيش لتنفيذه، هو استفزاز إسرائيل، الذى كان مقدراً له أن يوفر المبرر لاجتياح سيناء، بحجة القضاء على التنظيمات الإرهابية.. مسلحو «حماس» مطعمين بعناصر من حزب الله قاموا باختراق الحدود، ونسفوا المقرات الأمنية ومراكز السلطة فى رفح يناير 2011، قبل التوجه لوادى النطرون لإطلاق سراح عصابة الساعاتى.. الجماعات التكفيرية بسيناء تستكمل المؤامرة، نشطت بمنطقة الأنفاق التى تخترق الحدود، وتمركزت فى رفح الملاصقة لها، فتم إعلانها منطقة عازلة، وتهجير قاطنيها، انتقل الإرهاب غرباً للشيخ زويد والعريش، وتمدد مؤخراً لبئر العبد، ليخلق حالة من التوتر والقلق نتيجة للاختلال الأمنى، وغياب بعض مؤسسات الدولة، خاصة المحاكم والنيابات، وانشغال الشرطة بالمواجهة، تأثرت الخدمات اللازمة للمعيشة، من خطوط مياه، كابلات وأعمدة ضغط عال، أكشاك كهرباء، شبكات محمول، ونقص المواد الغذائية، القذائف العشوائية تسببت فى قتل مئات المدنيين، ناهيك عن استهداف فئات بعينها كـ«المسيحيين، والصوفية..»، فى محاولة لدفع المدنيين للهجرة، وتفريغ المنطقة، استعداداً للقفز عليها، وتوطين الفلسطينيين.

طبول المؤامرة على سيناء قرعتها سلسلة متتالية من المشاريع التى تم طرحها منذ 1954، بدأت بمشروع البروفيسور يتسحاق عيتسيون ودافيد تترسكى لتأسيس لجنة «تأهيل اللاجئين الفلسطينيين»، وتوطينهم بسيناء، على مساحة تصل إلى 12٫000 كم2 بمستطيل رفح/العريش، بحيرة البردويل، بير الحمة، جبل لبنى، وأبوعجيلة، تتنازل عنها مصر، وتقام فيها منشأة لتحلية المياه، وقرى زراعية للتصدير بتكلفة تقدر بنحو مليار دولار، فى المقابل تتنازل إسرائيل عن قرابة 400 كم2 بالنقب، وتخلى المستوطنات بغوش قطيف وغزة.. مقترح دالاس وزير الخارجية الأمريكى 1955، يقوم على عودة بعض اللاجئين إلى وطنهم، وتسكين الباقى فى الدول العربية التى يقيمون فيها، إضافة لتشغيل وتوطين 12.000 أسرة على أراضٍ يتم استصلاحها للزراعة شمال سيناء.. مشروع إيجال آلون وزير الخارجية الإسرائيلى يوليو 1967، تضمن ضم قطاع غزة بسكانه الأصليين إلى إسرائيل، وترحيل لاجئى 1948 من القطاع لتوطينهم فى قرى نموذجية تشيدها إسرائيل بدعم دولى فى الضفة الغربية والعريش التى كانت تحت الاحتلال.. مشروع جولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية نوفمبر 1971، يعرض انسحاباً من بعض أجزاء سيناء المحتلة، على أن يتم نزع سلاحها، مع بقاء البعض الآخر تحت الاحتلال، بعضه لاستغلال إسرائيل، والآخر لتوطين الفلسطينيين.. مشروع يهوشع بن آريه الرئيس السابق للجامعة العبرية «2003» تضمن تنازل مصر عن مساحة تصل لـ1000 كم2 بامتداد الحدود مع غزة، تبدأ من رفح حتى العريش، لإقامة غزة الكبرى، مقابل تنازل إسرائيل لمصر عن منطقة مماثلة بوادى فيران جنوب غرب النقب.. خطة الميجور جنرال جيورا إيلاند رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى (2004/2006)، نشرها مركز بيجن للدراسات الاستراتيجية يناير 2010، تعتمد على تنازل مصر عن مساحة محاذية للقطاع تضاعف مساحته ثلاث مرات، لإقامة وطن بديل للفلسطينيين، مقابل تنازل إسرائيل عن مساحة مقابلة من صحراء النقب المحاذية لحدود مصر الجنوبية، وإنشاء ممر تحت السيادة المصرية يربط مصر بالأردن.. كل مشاريع ومقترحات التسوية مبنية على اقتطاع سيناء من السيادة المصرية!!.

إسرائيل تحاول تهيئة العالم لتقبل الخطة؛ النشر الواسع لتقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» 2015، استهدف تعزيز الطروحات المتعلقة بتوسيع قطاع غزة، بالتأكيد على أنه سيكون جاهزاً للانفجار بحلول 2020، إذ يقيم قرابة 2 مليون نسمة على مساحة 360 كم2، وهى أعلى كثافة سكانية فى العالم، وأضعف موارد.. التبجح وصل إلى حد أن القناة الثانية «الرسمية» بالتليفزيون الإسرائيلى عرضت تصريحاً لـ«جيلا جمئيل» الوزيرة الإسرائيلية للمساواة الاجتماعية تؤكد فيه أن «الحل الجذرى للقضية الفلسطينية هو توفير وطن بديل فى سيناء»، وذلك أثناء وجودها بالقاهرة لحضور مؤتمر دولى للمرأة نظمته الأمم المتحدة، بعدها بثت هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» وثائق زعمت أن مبارك وافق على توطين فلسطينيى لبنان بمصر، ضمن تسوية شاملة للأزمة، مبارك نفى، وأوضح أن نتنياهو طلب توفير قطعة أرض للفلسطينيين فى سيناء 2010، ضمن مقترح بتبادل الأراضى، لكنه حذره من إعادة طرح الموضوع، حتى لا يشعل حرباً بين الدولتين، والحقيقة أن موقف مبارك هذا كان السبب الرئيسى لقرار أوباما الإطاحة به، ودفع الإخوان للسلطة، بعد التفاهمات التى تمت معهم، وقبولهم لـ«الصفقة»، مقابل 8 مليارات دولار.

مشاريع التسوية المطروحة تعتمد كلها على تبادل الأراضى، وكانت، خاصة مشروعى يهوشع وإيلاند، هى الأساس لما أطلق عليه «صفقة القرن»، وتتلخص فى ضم مستطيل من الأراضى المصرية بشمال سيناء إلى قطاع غزة، يمتد ضلعه الشمالى من حدود القطاع بامتداد الساحل حتى العريش بطول 24 كم، والشرقى من كرم أبوسالم جنوباً لـ30 كم، بمساحة 720 كم2، مقابل مساحة مماثلة بوادى فيران جنوب غرب النقب، ويتنازل الفلسطينيون عن 12% من مساحة الضفة الغربية لإسرائيل «قرابة 720 كم2».. «فوكس نيوز» نقلت عن مصادر بالمخابرات الأمريكية بأن «المستهدف ضم 2000 كم2 للقطاع»، ما يفسر توسيع العمليات الإرهابية لتشمل العريش وبئر العبد، وادعت أن ولى العهد السعودى تعهد بدعم تنفيذ «الصفقة»!! فهل لذلك علاقة بما تضمنه برنامج الملك سلمان لتنمية سيناء من شق طريق يصل بين القناة وصحراء النقب، وإنشاء منطقة حرة شمال سيناء، وبناء محطة عملاقة لتحلية المياه؟!.

عندما تولى ترامب السلطة وعد أبومازن باتفاق تسوية للأزمة، وكلف مستشاره جاريد كوشنير، ومبعوثه الخاص جيسون جرينبلات، وسفيره بتل أبيب ديفيد فريدمان، بتهيئة الظروف الملائمة لتنفيذ «الصفقة» خلال 2018.. إسرائيل اشترطت أن تكون القدس الموحدة عاصمة لها، ما يفسر مسارعة ترامب بإصدار إعلانه المتهور، رغم تحذيرات الخارجية والمخابرات.. كوشنير أكد «أمضينا 7 شهور للتقريب بين الطرفين وركزنا على صفقة القرن، لكننا لن نكشف عنها»!!.. ولافروف صرح بأن تيلرسون ألمح له عن «الصفقة»، دون تفاصيل.. لأنها ببساطة تتضمن استقطاع جزء من وطننا.. الموقف بالمنطقة مرشح للمزيد من التدهور، نتيجة لرعونة ترامب، وانعدام خبرة كوشنير، ونقص تجربة ولى العهد السعودى، وتصوره بأن واشنطن طريقه للعرش.. هذه الحقائق تفسر السقف الزمنى الذى حدده الرئيس السيسى لقطع دابر إرهاب سيناء، خلال ثلاثة شهور، فالخطر بات أقرب إلينا من حبل الوريد.

 
تعليق واحد

Posted by في 2018/01/03 بوصة غير مصنف