لم يفاجئنى بيان القوات المسلحة بشأن التحقيق مع سامى عنان، كنت على يقين ان تجاوزاته لن تمر دون عقاب، عندما تقدم كمرشح لرئاسية 2014 كانت مؤسسات الدولة غائبة، نتيجة لتداعيات فوضى يناير 2011، وعام كامل من حكم الإخوان.. نظرياً فإن إنضمام منافس بوزن رئيس أركان سابق للجيش مستوفٍ لكل الموافقات والإجراءات القانونية كان يمكن ان يثرى الإنتخابات ويعدد فرص الإختيار أمام الناخب، لكن عنان له شأن آخر.. بداية أؤكد، لست منحازا لمرشح، ولا متحاملا على آخر، لكننى لا أملك الحياد، فيما يتعلق بأمن مصر القومى.
إختيار عنان الذى ينتمى للدفاع الجوى رئيساً للأركان، إنطوى على خطأً جسيم، لأنه تجاهل الإستحقاقات المهنية لمنصب رفيع، فقد جرى العرف فى كافة جيوش العالم على اختيار شاغله من بين قادة القوات البرية، بحكم دورها فى الحروب، لكن ذلك كان نتاج لفساد معايير الإختيار التى تغولت فى عهد مبارك، ولاتزال تنخر بعض مؤسساتنا حتى اللحظة.. الطموح لديه يعنى الطعن فى رؤساءه؛ اتهم مبارك بـ«إصدار اوامر بسحق المتظاهرين، لكنهم لم يفعلوا»، إدعى ان عدم اطلاق الرصاص على المتظاهرين كان قراره هو –وليس قرار طنطاوى– بحكم مسئوليته عن القوات فى الميدان، وانه صاحب فكرة الإنقلاب الناعم على مبارك، التى لم يتحمس لها طنطاوى، واصفاً موقفه بالتخازل، واسند لنفسه فضل إصدار بيان القوات المسلحة أول فبراير، لطمأنة الشعب الى إنحياز الجيش له.. لا أدرى أين كانت روح العنترية عندما أطاح به مرسى، فوقف منفرج الأسارير يتلقى وسام خُلعه، مخذولاً.
تناول الذمة المالية ليس مسموحاً على أعنته دون ضوابط، لكن المرشح الرئاسى مطالب بدرء الشبهات، وإحاطة العامة بتفاصيلها، مواقع التواصل تتحدث عن بيانات محددة لفيلات وقصور بغرب الجولف ومارينا، وسيدى كرير، وأراض بالقاهرة الجديدة والتجمع والوادى، ومكتب النائب العام لديه عدة بلاغات، منها 30 تم إحالتها للقضاء العسكرى، معظمها يتعلق بالفساد والكسب غير المشروع.
علاقتة بأمريكا تجاوزت مرحلة الشبهات.. فى زيارته الشهيرة لواشنطن 23 يناير 2011 طمأن ماتيس الى عدم تدخل الجيش لقمع «الثورة»، حتى لو تلقى الأوامر!!.. صبيحة عودته لمصر بعد قيامها كان برفقته الأدميرال وليام فالون رئيس القيادة المركزية الأمريكية، الذى أشرف على العمليات العسكرية بالشرق الأوسط، وضابط البنتاجون ماري بث لونج، فالون أكد «عنان رجل قاطع، رصين ويتمتع بخبرة مهنية متخصصة، وأعتقد أنه سيحاول عمل الشئ الصحيح»، وبالفعل فعلها، وكان، ولايزال، شريكا فى مؤامرة تمكين الإخوان.
عنان شكل فريقاً رئاسياً من نائبين؛ هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، لحقوق الانسان والشفافية، وحازم حسني الاستاذ في كلية السياسة والاقتصاد، لشؤون الثورة المعرفية والتمكين السياسي، ومتحدث رسمي، والمستشار محمود رفعت كمنسق عام للحملة بالخارج، ثلاثتهم أعداء للنظام وللدولة المصرية، وبعضهم عدو لعنان نفسه!!.. جنينة أكد أن عنان تعهد كتابياً بإعادة التحقيق في كافة «قضايا الثورة»، والفترة الانتقالية التي تبعتها، بما فيها القضايا التي ورد ذكر اسمه فيها كمتهم «بقتل الثوار»، على أن يشرف جنينة بنفسه على تلك التحقيقات بإعتباره قاضياً «ليضمن نزاهتها!!»، وتضمن التعهد أنه فى حالة ثبات أى إدانه فإن عنان لن يتوانى عن تنفيذ القانون بشأنها.. تصريح بالغ الخطورة، عنان سيمنح الإخوان الحق، فى إعادة كتابة تاريخ فوضى يناير 2011، وإعادة التحقيق فى القضايا المتعلقة بها، وإسقاط الإتهامات والأحكام التى صدرت، وتوجيه إتهامات لمتهمين جدد.. إستئناف صريح لمخطط أوباما الخاص بتسليم مصر للإخوان.. وإعادة بعث للمؤامرة من قبل مرشح يتغافل ان مصر الدولة لها شعب، هو السيد كما وصفه فى كلمته.
حسنى لم ينف صحة تصريحه السابق المتعلق بوصف عنان خلال ترشحه لإنتخابات 2014 بأنه «مسكين.. لا يصلح رئيساً للجمهورية، ولم يصلح أصلاً لمنصب رئيس الأركان، ولا لتمثيل العسكرية المصرية.. وصوره تقدم رسالة بائسة»، وأكد ان إنسحاب عنان من المنافسة غير وارد، لأن «استمرار الأوضاع في مصر قد يؤدي لخراب الدولة»، تصريح يهدف الى قطع طريق التراجع والإنسحاب على عنان.. رفعت كان قد شرع فى التواصل مع المسؤولين بالاتحاد الأوروبي، مستنداً على خلفيته كقاض دولى، يرأس المعهد الأوروبي للقانون، ومستغلاً علاقاته فى محاولة نقل صورة مغلوطة عن الأوضاع بمصر، والتمهيد لوصم الانتخابات باللا شرعية.. لاأدرى ماذا كان ينتوى ان يفعل بنفسه وبالوطن هذا الرجل؟!.
ترشح عنان إجراء كان مؤجلاً، منذ ان تبنى ترشيحه لرئاسية 2014 ائتلاف شباب القبائل العربية، الذى تأسس 2011 بدعم مباشر من خيرت الشاطر!!، كمقدمة للتحول الى «حزب القبائل العربية» برئاسته، تكشف تلك الحقيقة، وماتضمنه البلاغ 1930 لسنة 2014 المقدم للنائب العام بشأن تلقيه أموالاً من جماعة ارهابية، وتورطه فى قضايا فساد مالى، أدى لإنسحابه، لكنه شرع فى تأسيس حزب مصر العروبة الديمقراطى، وعين نجله الدكتور سمير رئيسًا فى نوفمبر 2014، رغم شغله منصب نائب رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، التابعة للجامعة العربية، وهو مايتعارض مع اللائحة التنفيذية للجامعة، التى تحظر على موظفيها ممارسة أى نشاط حزبى، مما يتعارض مع حيادها واستقلاليتها.
الحزب يعانى مشاكل تنظيمية؛ الأمين العام ينكر على المتحدث الرسمى التصريح للإعلام دون موافقة كتابية، والأخير ينفى ان تعيين الأمين العام تم عرضة على الهيئة العليا لمناقشته، ويشكك فى اللائحة التى تعطى لرئيس الحزب حق اختيار الأمين العام، ما يفسر عدم فوزه بأية مقاعد فى البرلمان، بعد خسارة 6 من مرشحيه فى الانتخابات الأخيرة، ويبرر إختيار عنان مساعديه من خارجه، مايعنى تهميشه، ويهدد بتفجيره من الداخل، إعلان الحزب ترشيح عنان لخوض الإنتخابات الرئاسية رغم كل ذلك يطرح التساؤلات عن كيفية السماح للحزب بتقديم مرشح رئاسى، الادعاء بأن هناك شرطاً آخر وهو الحصول على 25.000 توكيل من 15 محافظة، مردود عليه؛ المطرب سعد الصغير، إستوفى تلك التوكيلات فى انتخابات 2012 بسبب شعبيته كفنان شعبى، وسما المصرى تقدمت بأوراق ترشحها، وبعض المرشحين يستكملون التوكيلات بالرشاوى.. أما من نهاية لهذا الهزل؟!.. شروط الترشح لأرفع مناصب البلاد تحتاج لمراجعة شاملة.
تفسير عنان لأسباب ترشحه فى خطابه انطوى على همز ولمز بالغ الخطورة.. ((مواجهة تردي أحوال الشعب المعيشية، تآكل قدرة الدولة المصرية على التعامل مع ملفات الأرض والمياه والمورد البشري، من أجل «إنقاذ الدولة المصرية»، دعوة الدولة والمؤسسة العسكرية الى عدم الإنحياز لرئيس قد يغادر منصبه خلال أشهر قليلة، تقاسم السلطة بين مؤسسات الدولة، عدم الإعتراف بأي أتفاقيات لم تعرض علي أستفتاء شعبى، وجود سياسات خاطئة حملت القوات المسلحة مسؤولية المواجهة دون سياسات رشيدة تمكن القطاعات المدنية من القيام بدورها، توطن الإرهاب)).. هذه ليست كلمات عنان، تلك صياغات سياسية شارك ممثلى التنظيم الدولى، وفوضوية يناير فى فرضها على من وصفوه بـ«المرشح المسكين»، تحقيقاً لأهداف متعددة وخبيثة: كسب تعاطف الطبقات المعدمة، التشكيك فى قدرة الدولة المصرية على الفعل، وفيما عرضه السيسى من إنجازات، وفى موضوعية مؤسسات الدولة المصرية المسيرة للإنتخابات تمهيداً للطعن على النتائج، زعزعة الثقة فى شعبية السيسى وفرص فوزه، وانتقاد سياسة الدولة فى مواجهة الإرهاب.
السيناريو الخبيث أفصح عن نفسه بشكل فج؛ قرار الترشح أعلن بعد أيام قليلة من انسحاب شفيق، وقبيل فجر نفس يوم إعلان السيسى عن ترشحه، لتشتيت عمليات الحشد والتركيز الإعلامى، وهو قرار ليس عشوائياً، وانما قائم على حسابات دقيقة، تدرك انها قد لا تستطيع تحقيق الفوز، ولكنها يمكن ان تجمع كتلة كبيرة من أصحاب التصويت العقابى «أبناء مبارك وأنصار شفيق…»، وقطاع من الطرق الصوفية يضم أتباع طريقة «السجادة العنانية»، التى يقدر البعض عدد مريدوها بـ2مليون، ويتزعمها شقيقه اللواء «حاتم عنان»، وبعض قبائل البدو بالبحر الاحمر والصحراء الغربية، وقطاع من رجال الأعمال.. عبد الموجود الدرديرى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسى للإخوان، دعا التيار الإسلامى بكل فئاته، الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية لدعمه، ممهداً لتنازل خالد على لصالحه، منعاً لتشتت الأصوات، وإجتذاباً لأصوات أنصار فوضى يناير.. ترشح عنان فى الإنتخابات السابقة كان يستهدف الإيحاء بوجود شرخ فى تضامن المؤسسة العسكرية، لكن ترشحه هذه المرة يعنى إعادة إحياء دور الإخوان فى النظام السياسى، نجاحهم فى تحقيق ذلك الهدف رهن بمعدلات المشاركة.. المعارك التصويتية بعد 30 يونيو 2013 كان يحسمها حزب غادر «الكنبة» لينقذ مصر، ربما عاد معظمه للـ«كنب» من جديد، إستناداً الى ان نتائج الإنتخابات محسومة لصالح السيسى، نتيجة لإنجازاته خلال الولاية الأولى، وعدم وجود مرشح قادر على منافسته.. هل يدفعهم رهان الإخوان على عنان للتخلى عن الكنبة من جديد؟!.