RSS

Monthly Archives: مارس 2018

جمال طه يكتب عن حرب الغاز القادمة :

map_1

المقال الأول : ساحة حرب الغاز

 

«السيسى» عين رئيساً جديداً لأركان الجيش 28 أكتوبر 2017، كلفه بعد شهر باستعادة الأمن والاستقرار فى سيناء خلال ثلاثة أشهر، بالاستعانة بالشرطة، وباستخدام القوة «الغاشمة»، أى «الشاملة».. «سيناء 2018» بدأت 9 فبراير، بعد ثلاثة أسابيع من تغيير رئيس المخابرات العامة، كل الشواهد تؤكد أننا لسنا بصدد مواجهة بضع مئات من الإرهابيين بسيناء، وإنما عملية تعبئة شاملة للدولة، والتدريب على الفتح الاستراتيجى الشامل لأول مرة منذ 1973، استعداداً لخوض حرب بات قرع طبولها يصم الآذان.. مقالى يتناول «ساحة الحرب، الأسباب والمبررات»، تمهيداً لرصد عمليات «التحضير الميدانى».. وبداية لا تقلقوا، فبشائر النصر فى الآفاق.. فقط، انتبهوا جيداً.

إسرائيل أول منتج لغاز المتوسط، وأول من سعى لفتح أسواق تصديره، كان أمامها ثلاثة بدائل للاختيار.. الأول: مد خط أنابيب «إيست ميد» لنقل الغاز من حقول إنتاجه إلى قبرص، يتجه شمالاً تحت البحر إلى تركيا، ليصب فى شبكة الأنابيب التى تغذى السوق الأوروبية، أهمية هذا البديل ترجع إلى أن تركيا دولة استهلاك عالٍ للغاز، روسيا تمدها بـ55% من احتياجاتها، لكنها تسعى لتنويع مصادرها، المسافة بينها وبين الحقول قصيرة، والبنية الأساسية للتصدير لأوروبا جاهزة، وبالتالى فالتكلفة معقولة.. «نتنياهو» سارع بالاعتذار لـ«أردوغان» عن حادث مرمرة، ودفع تعويضات لعائلات الشهداء، ليستأنف العلاقات السياسية، وتركيا رحبت بربط إسرائيل بمصالح مشتركة ضماناً لوقف دعمها للأكراد.. قبرص لم تتحمس لتصدير الغاز الإسرائيلى عبر أراضيها لتركيا، لأنها تريد تصدير غاز حقولها، وهو ما لن يتم عبر تركيا، نظراً لعداوتهما التاريخية.. «مركز أورشليم لدراسات المجتمع والدولة»، أحد أوثق مراكز الأبحاث الإسرائيلية ارتباطاً بدوائر صنع القرار، أجرى «تقدير موقف»، بمناسبة اكتشافات الغاز بمصر 2015، أكد فيه أولوية الشراكة الاستراتيجية لإسرائيل مع مصر وقبرص واليونان، فى مواجهة تركيا التى وصفها بـ«العدو المشترك»، موقع «oil price»، المتخصص فى شئون الطاقة، حذر من أن تعاون إسرائيل مع تركيا سيدمر فرص تعاونها مع قبرص واليونان ومصر، ويهدد الاستقرار بالمنطقة.. رغم ذلك فضل «نتنياهو» الاختيار الأسوأ، حتى تراجع بعد الأزمة الأخيرة مع تركيا المتعلقة بالقدس.

البديل الثانى مد الخط الإسرائيلى إلى جنوب قبرص، ومنها إلى اليونان، ثم إيطاليا قبل توجهه لأوروبا، العواصم الأربع اتفقت، أبريل 2017، على أساسيات أطول خط غاز بحرى فى العالم «2200 كم»، تكلفته غير اقتصادية «7 مليارات دولار»، وطول مدة تنفيذه «8 سنوات»، تعتبر عوامل معوقة لقبوله.. البديل الثالث نقل الغاز القبرصى والإسرائيلى إلى مصر لتحويله إلى غاز مسال ثم تصديره، عبر خطوط أنابيب بحرية أو بالناقلات العملاقة لأوروبا، مصر وقعت مع قبرص اتفاقاً مبدئياً، أغسطس 2016، لربط حقل أفروديت بمحطات الإسالة، شراكة شل العالمية فى الحقل القبرصى «35%»، وفى محطة الإسالة المصرية، يعزز معدلات الإنجاز، ليصبح الخط جاهزاً للعمل 2020.. دخول إسرائيل كشريك يرتبط بتسوية غرامات «1.7 مليار دولار» حصلت على حكم بشأنها ضد مصر من محكمة سويسرية تعويضاً عن وقف بيع الغاز بعد 2011، اعتماد هذا البديل على الشحن بالناقلات يسمح بالإنتاج والتصدير فوراً، مما يوفر عائدات لتمويل الخط، هذا البديل سيحول القاهرة إلى مركز إقليمى متكامل للطاقة. الحروب التى أعقبت الخريف العربى لم تنفجر عشوائياً، لكن الحرب المقبلة هى الأخطر، والأشد ضراوة.. فمنطقة شرق المتوسط تحتضن ثروات غازية مهولة، تبلغ قرابة 340 تريليون متر مكعب، وفق تقديرات المسح الجيولوجى الأمريكى، وهى كمية تتجاوز الاحتياطى المؤكد بالولايات المتحدة، ما يجعلها بؤرة الاهتمام الدولى فى السنوات المقبلة، لأنها قادرة على قلب توازنات القوى بالمنطقة، والعالم..

إسرائيل اكتشفت الغاز قبالة سواحلها 1999، لكن الاحتياطات الأكبر كانت بالمياه العميقة، حقل «تامار» 2009 بتقديرات 9 تريليونات قدم مكعب، يقع بالمنطقة المتنازع عليها مع لبنان، والتى تسيطر عليها إسرائيل، حقل «ليفياثان» احتياطياته 18 تريليون قدم مكعب.. قبرص اكتشفت حقل أفروديت 2011، باحتياطى مقدر بـ27 تريليون قدم مكعب، التهديدات التركية الأخيرة، ومنع بحريتها لحفار «إينى» الإيطالية من الوصول لمواقع التنقيب القبرصية، تزامنت مع اكتشاف كونسورتيوم إينى وتوتال الفرنسية مكمناً كبيراً للغاز شمال غربى قبرص، مماثل فى طبيعته لحقل «ظُهر». لبنان رسَّم حدوده البحرية مع قبرص، لكن الأطماع الإسرائيلية والأزمة السورية حالتا دون ترسيمه لحدوده الجنوبية والشمالية، المسوحات التى نفذتها شركة «أس جى أس» الأمريكية أكدت وجود كميات كبيرة من الغاز، لا تقل عن 20 تريليون قدم مكعب، لبنان وافق، ديسمبر 2017، على عرض كونسورتيوم «توتال» و«إينى» و«نوفاتك» الروسية للتنقيب والإنتاج بالشريط الموازى لمنطقة النزاع مع إسرائيل، لكن «ليبرمان» وصف الإجراء بالاستفزازى، ووجه تهديدات صريحة.. حقل مارين تم اكتشافه بالمياه الإقليمية لقطاع غزة الفلسطينى منذ 2000، يحتوى على كميات تكفى لسد احتياجاته، بدلاً من الاستيراد، لكن إسرائيل تسيطر عليه، وتشترط موافقتها قبل السماح بأية عمليات تنقيب أو مد أنابيب للغاز.. إسرائيل تفرض الوصاية على جيرانها، بدعاوى أمنية.. والمنطقة على برميل بارود.

سوريا ليست فى وضع يسمح بدخولها معترك حرب الغاز، رغم أن الحرب السورية من بدايتها حرب غاز، استهدفت إسقاط النظام وتفتيت الدولة لإيجاد ممر لخط أنابيب الغاز القطرى المتجه لتركيا ومنها لأوروبا، مما يفسر التدخل الروسى للدفاع عن مصالحه الاقتصادية فى استمرار السيطرة على 40% من إمدادات الطاقة لأوروبا، لكن الاقتصاد يحكم السياسة، وعندما استشعر الروس التطبيع التركى الإسرائيلى تمهيداً لصفقة الغاز، ابتلعوا علقم إسقاط طائرتهم الحربية، واغتيال سفيرهم بأنقرة، وطبعوا العلاقات مع أنقرة لأنها ثانى أكبر مستورد للغاز الروسى «30 مليار متر مكعب» بعد ألمانيا، لكن «القطرية للغاز» تمكنت من شراء 20% من أسهم «روس نفط»، وقامت بشراء 30% من أسهم «ظهر» لتشارك «إينى» و«بى بى» البريطانية.. تشابك المصالح يتخذ منحىً أقرب للجنون.. مصر تعمل بمعدلات متسارعة لإنجاز مراحل تنمية الحقل، على النحو الذى أدهش رئيس «إينى»، وذلك انطلاقاً من حقيقة أن الغاز والبترول بشرق المتوسط يوجدان تقريباً فى حوض واحد وعلى أعماق مشتركة، تمتد من شواطئ شبه جزيرة سيناء، مروراً بشواطئ فلسطين ولبنان وسوريا وقبرص، وصولاً إلى تركيا، لذلك فإن الجميع يسحب من نفس المصدر، مما يفسر تبكير إسرائيل بعمليات الكشف والاستخراج، ومماطلتها فى ترسيم الحدود البحرية مع لبنان وسوريا وقطاع غزة.. تلك «ساحة الحرب»، ما وقّع من اتفاقات موضع رفض ممن لم يوقعوا.. وما لم يوقع تحكمه النزاعات.. ومحور النزاع ثروات ضخمة، تستحق الحروب.

 

المقال الثانى : الاستعدادات الميدانية لحرب الغاز «2»

 

تركيا نجحت فى التحول إلى مركز لنقل الغاز الطبيعى من أماكن إنتاجه فى روسيا وكازاخستان إلى أوروبا عبر مشروع «السيل التركى» وغيره العديد.. وخاضت مفاوضات مع إسرائيل ولبنان بهدف التحول إلى مركز لتجارة الغاز بين شرق المتوسط وأوروبا.. ولكن الاكتشافات القبرصية، عدوتها اللدود، ثم اكتشافات مصر، الأشد عداءً، أطاحت بآمالها.

تركيا اجتاحت شمال قبرص عسكرياً 1974، احتلت 35% من الجزيرة، ونشرت حامية عسكرية «40.000 جندى»، أعلنت «جمهورية شمال قبرص التركية» 1983، لم تعترف بها أى دولة، واعتبرته الأمم المتحدة إجراءً باطلاً.. أنقرة رفضت اتفاقات ترسيم الحدود التى وقعتها قبرص مع مصر وإسرائيل ولبنان.. اعتبرتها جزيرة لا تتمتع بحق استغلال المنطقة الاقتصادية، رغم أنها عضو بالأمم المتحدة، ثم ناقضت نفسها بتوقيع اتفاق غير قانونى مع «قبرص التركية» للتنقيب عن الموارد النفطية قرب السواحل الشمالية للجزيرة.. حدود المنطقة الاقتصادية البحرية لتركيا تتحدد بخط المنتصف الفاصل بينها وبين شمال جزيرة قبرص، الاحتلال لا يرتب حقوقاً إضافية لتركيا، ولا ينتقص من حقوق الدولة القبرصية.. تركيا منعت عمليات التنقيب التى تقوم بها قبرص على سواحلها وداخل حدودها الإقليمية بالقوة المسلحة 2008، وبعد توقيع قبرص وإسرائيل لاتفاق ترسيم الحدود ديسمبر 2010، هددت باتخاذ إجراءات لمنع الدولتين من استغلال الموارد الطبيعية شرق المتوسط، وقصفت بوارجها الشريط الفاصل بين حقلى «أفروديت» القبرصى ولفياثان الإسرائيلى، بعرض «2 كم»، قبرص تقدمت بشكوى للأمم المتحدة مما وصفته بـ«دبلوماسية البوارج التركية» ديسمبر 2011، وإسرائيل ألغت صفقة تزويد سلاح الجو التركى بأجهزة استطلاع ورؤية متقدمة قيمتها 90 مليون دولار، لكن التحرشات لم تتوقف إلا بعد أن أرسلت روسيا، حليف قبرص، غواصتين نوويتين للمراقبة والردع.. ومؤخراً اعترضت البحرية التركية سفينة التنقيب التابعة لشركة «إينى»، داخل المياه الإقليمية القبرصية، ومنعتها من الوصول إلى المناطق التى تعمل بها.. البلطجة التركية ليست وليدة أزمة، لكنها أسلوب حياة حرصت على تعزيزه بقوة بحرية تفى بمتطلباته.

اهتمام تركيا بالقوة البحرية يأتى ضمن استعداداتها لحرب الغاز منذ سنوات، ويتسق مع قناعتها بأن إعادة بعث العثمانية الجديدة لن تتم دون امتلاك أسطول بحرى قوى، قادر على تلبية أطماعها فى الهيمنة العسكرية على مناطق فى البحر الأسود شمالاً وبحر إيجه غرباً والبحر المتوسط جنوباً وبحر مرمرة شمال غرب، حيث مضيقا الدردنيل والبسفور ذات الأهمية الاستراتيجية فى الربط بين البحر الأسود والعالم، فضلاً عن تأمين سواحلها الإقليمية والجزر البحرية الخاضعة لسيادتها.. خطتها تعتمد على تنمية قدراتها الذاتية، وتشجيع المستثمرين الأجانب على الدخول فى شراكات إنتاجية للمركبات البحرية بأنواعها وطرازاتها المختلفة، نظراً لتعرض علاقاتها مع أمريكا وأوروبا لموجات من التدهور.. استثماراتها بلغت 30 مليار دولار، مما ساعدها على رفع نسبة المكون المحلى لـ60%.. أهم إنجازاتها تسليم أول بارجتين إلى القوات البحرية، ومثلهما سيتم تسليمه 2020، وبناء مركبات برمائية قادرة على حمل كتيبة قوامها 1200 فرد من قوات الإبرار البحرى و150 عربة قتال من بينها دبابات قتال رئيسية، وإنتاج مركبات قتال بحرى للتصدى للغواصات قادرة على إطلاق طوربيدات الأعماق سرعتها المتوسطة 33 ميلاً فى الساعة ومدى إبحارها 3500 ميل بحرى، التصنيع الحربى فى تركيا جدير بالمتابعة.

إسرائيل تحسبت واستعدت لحرب الغاز منذ عدة سنوات، خصصت 420 مليون دولار لتزويد بحريتها بنظم بحرية لحماية الحقول وممرات الشحن، وقامت بشراء 4 سفن حربية ألمانية «ساعر-6»، تستخدم لحراسة المياه الإقليمية، زودتها برادارات «أدير»، ونظام صاروخى مضاد للصواريخ، ومهبط لطائرة مروحية، تل أبيب تدرس خطة تسليحية طارئة، بتكلفة 760 مليون دولار، لحماية حقلى «تمار» و«لفيتان»، تعتزم تحميل نصف تمويلها لشركة «نوبل إنرجى» الأمريكية، الشريك الأكبر فى الحقلين، وتعتمد الخطة على توفير سفن صواريخ جديدة طلبت البحرية عروض توريد بشأنها، ومنظومة متطورة للحرب الإلكترونية «السايبر»، ووسائل كشف وتتبع الأهداف الجوية والبحرية، وطائرات استطلاع دون طيار، وقوة تدخل سريع محمولة بطائرات الهليكوبتر، بالإضافة لاستخدام الأقمار الصناعية، والتنسيق مع الأسطول السادس الأمريكى لتوفير الدعم وقت الطوارئ استناداً للتنسيق الاستراتيجى بين الدولتين.. إسرائيل تدرك خطورة تصاعد الموقف بشأن خلافات الغاز شرق المتوسط، مما يفسر تنفيذها لقرابة 12 تدريباً ومناورة مركزية خلال 2017، بمشاركة الدول المعنية بالمنطقة والولايات المتحدة وبريطانيا.. الخطة الإسرائيلية جادة، وتستحق التأمل.. بعد التدهور الأخير فى علاقاتها بأنقرة ديسمبر 2017، وتبادل الاتهامات بالإرهاب فيما بينهما، تراجعت إسرائيل عن مشروع خط الغاز التركى للتصدير لأوروبا، وألغت زيارة ممثلى شركة «بوتاش» التركية التى كانت مقررة إلى تل أبيب، وأضحى البديل المصرى هو الخيار الوحيد لانعدام الجدوى الاقتصادية لخط «قبرص/اليونان/إيطاليا».. استيراد شركة «دولفينوس» لـ64 مليار م3، خلال 10 سنوات، بـ15 مليار دولار لتسييلها وإعادة تصديرها لأوروبا، هى أول الغيث، ولكن لنستعد، برفع كفاءة معامل الإسالة، للوفاء بالتزامات دولية لا تحتمل التقصير.

مصر وقبرص واليونان تستعد لمواجهة التحرشات التركية منذ 2014، عقدت خمس قمم على مدى ثلاث سنوات، تحقيقاً لتقارب استراتيجى بات عنصراً رئيسياً فى التوازن العسكرى شرق المتوسط، إعلان القاهرة صدر عن القمة الأولى «القاهرة نوفمبر 2014»، ردت عليه تركيا بالتهديد بالحرب، وتفويض قواتها البحرية بتطبيق قواعد الاشتباك الجديدة، التى جرى تعديلها لمواجهة مشروعات التنقيب عن الغاز والنفط شرق المتوسط.. الدول الثلاث ردت بإعلان نيقوسيا أبريل 2015، وقمم أثينا ديسمبر 2015، القاهرة أكتوبر 2016، نيقوسيا نوفمبر 2017.. سلسلة من التصعيد المتبادل يقابلها استنفار للوحدات البحرية بالمنطقة.. اتفاق التعاون العسكرى وقع نوفمبر 2015، القوات الجوية والبحرية تجرى مناورات «ميدوزا» عدة مرات سنوياً منذ 2014، والقوات الجوية اليونانية تشارك المصرية فى المناورات السنوية «حورس»، انطلاقاً من القواعد الجوية المصرية منذ 2015، وتشارك الإسرائيلية فى مناورات مشتركة شرق المتوسط.. مشاركة القوات البحرية والجوية المصرية فى مناورات قرب السواحل التركية فى بحر إيجه وأمام جزيرتى كريت ورودس يثير لدى تركيا قلقاً بالغاً، خاصة أن رودس تبعد 10 كم عن مدينة سليمية التركية، ما يعنى أن أزيز الطائرات وهدير المدافع والصواريخ المصرية تصم مسامع الأتراك، ويزداد القلق بمشاركة حاملة المروحيات «أنور السادات» والفرقاطة فريم «تحيا مصر»، والغواصة «41» والمقاتلات متعددة المهام إف 16، المناورات شملت أعمال التخطيط والقيادة والسيطرة وتنفيذ العمليات الهجومية والدفاعية ومكافحة الإرهاب والبحث والإنقاذ وتأمين الأهداف البحرية وبنية الطاقة وخطوط الملاحة.. مصر تستعد للحرب، فى نفس الميادين التى قد تدور فيها المعارك.

 

المقال الثالث : حرب الغاز.. وسيناريوهات الصدام «3»  

 

استعرضنا ساحة الحرب، فى أولى مقالات السلسلة، ثم الاستعدادات الميدانية فى ثانيها.. هذا الأسبوع نختتمها بسيناريوهات الصدام.

السياسة الخارجية التركية منذ عشرات السنين اعتمدت دولياً على التحالف مع أمريكا، وعضويتها بالناتو، وإقليمياً على الارتباط بالمحور السنى «السعودية والخليج».. عام 2015 كان فاصلاً فيما أحدثه من تغييرات جوهرية، نتيجة لاكتشاف مصر للغاز الطبيعى بكميات تكفى لإحداث خلل فى توازنات القوى بالمنطقة، لأنها تدعم قدرتها على التصدى لمحاولات بعث الخلافة العثمانية، ومواجهة العداء التركى المتصاعد منذ إسقاط الإخوان.. التغيرات التركية اتخذت محورين، الأول الاندماج بالمحور الروسى الإيرانى الذى جمع الغاز بين أطرافه؛ روسيا بالنسبة لتركيا مصدر لـ200 مليار متر3 سنوياً من الغاز، تغطى 55% من احتياجاتها، وقرابة 40% من احتياجات أوروبا، وتحقق عائدات مرور ضخمة.. إيران اعتمدت على تركيا كممر لبيع الغاز إبان الحصار الغربى، وتصدر لها حالياً 10 مليارات متر3 سنوياً، تمثل ثانى مصدر للغاز بعد روسيا.. معركة دول المحور فى سوريا تستهدف قطع الطريق أمام الغاز القطرى لأوروبا، كمنافس للروسى، والاستفادة من ثروات واعدة مقابل شواطئ طرطوس، كفيلة بتحويل سوريا إلى ثالث أكبر مصدّر للغاز فى العالم.. المحور الثانى إنشاء سلسلة قواعد عسكرية تشكل حلقات متصلة لحصار مصر، قاعدة الريان فى قطر نوفمبر 2015، مقديشو بالصومال أكتوبر 2017، سواكن بالسودان ديسمبر 2017، بخلاف اتفاقات الدفاع مع إثيوبيا، والتسهيلات العسكرية مع إخوان ليبيا.. التحولات التركية كان دافعها الأول اكتشافات الغاز، والثانى الرغبة فى حصار مصر، استعداداً للمواجهة.

نعم.. تركيا تُعِد لمواجهة مصر، منذ توقيع اتفاقية الرورو مارس 2012، سفنها العملاقة كانت تفرغ حمولاتها بالموانئ المصرية، متوسط حمولة كل منها 120 سيارة نقل ثقيل «تريللا»، على متن كل منها عشرات الكونتينرات، عثر فى بعضها على أسلحة ومواد متفجرة؛ 20٫350 قطعة سلاح خفيف وطبنجات بميناء بورسعيد يوليو 2013، 20٫000 بميناء الإسكندرية فى أغسطس، ولكن كم أفلت من المهربات نتيجة للفساد، وأعطال أجهزة كشف الأشعة!! وضعف نسبة ما يخضع للتفتيش اليدوى «سيارة واحدة لكل 10 سيارات».. مصر تهاونت كثيراً بمنح حرية الحركة للشاحنات التركية بسائقيها الأتراك بما تحمله من كونتينرات من موانئ الرسو عبر المحافظات، دون مراقبة، حتى ميناء الأدبية بالسويس، والغريب أن المردود الاقتصادى للاتفاقية طوال السنوات الثلاث التى طبقت فيها لم تتجاوز 13 مليون دولار، استهلكت فيها التريلات وقوداً مدعماً زادت قيمته عن ذلك، وأفسدت شوارع المحروسة!!.. جزء كبير من أسلحة وأدوات الإرهاب دخلت خلال تلك الفترة.

المواجهة العسكرية بين مصر وتركيا أصبحت قاب قوسين أو أدنى، وهى على كل حال ليست بالجديدة، بل إنها تجربة متكررة عبر حقب مختلفة من التاريخ.. استعدادات مصر الراهنة للحرب تتسم بالرؤية الاستراتيجية، أنشأت قاعدة محمد نجيب كأول قاعدة عسكرية متكاملة يتمركز بها تجمع قتالى قوى قادر على حماية المصالح المصرية على الساحل، وداخل المياه الإقليمية وفى عمق المتوسط.. حساب التوازنات الراهنة مطلوب، أحدثها ما صدر عن Global Fire Power المتخصص فى ترتيب قدرات الجيوش.. ساحة الحرب المقبلة هى أعالى البحار، المواجهة فيها تعتمد على البحرية والطيران، مصر السادسة على العالم فى القوة البحرية، وتركيا فى المركز الثانى عشر، مصر تتفوق بـ«319 قطعة، مقابل 194 لتركيا»، تدعمها حاملتا طائرات هيل لا تتوفران لأنقرة، فإذا أضفنا أن ساحة القتال تبعد 200 كم من الساحل المصرى، بينما تبعد قرابة 450 كم عن الساحل التركى، لأدركنا الصعوبات اللوجيستيكية التى ستواجهها تركيا حال المواجهة، وإمكانية قطع خطوط الإمداد والدعم عن طريق القواعد القبرصية واليونانية.. الطيران المصرى يتبوأ المركز الثامن على العالم، بـ1132 طائرة، تتبعه تركيا فى المركز التاسع بـ1018.. طائرات الهجوم المصرية ضعف ما لدى تركيا «427 مقابل 207»، وكذا المقاتلات الاعتراضية «337 مقابل 207»، تركيا حصلت خلال عملية التقييم على نقاط إضافية نتيجة انتمائها لحلف الناتو، ما دفع بها لهذا الترتيب، لكن الحلف اعتاد الحياد فى أى مواجهات طرفاها اثنان من أعضائه «تركيا واليونان»، ما يعنى أن التقدير مجرداً من علاقاتها بالحلف سيتراجع عن ذلك.. والمدهش أن تحقق مصر كل هذا التفوق بميزانية عسكرية «4.4 مليار دولار»، تساوى قرابة نصف ميزانية تركيا «8.208 مليار».

مصر لديها عنصر تفوق آخر فى المواجهة، القواعد العسكرية التركية فى الصومال والسودان، حال إعلان الحرب ستكون تحت طائلة الأسطول البحرى الجنوبى، المتمركز فى راس بيناس وبرنيس، تأثير ذلك ليس عسكرياً فقط، متمثل فى تفكيك هذه القواعد التى تستهدف أمن مصر القومى، لكن تأثيرها الأكبر كسر الروح المعنوية للقوات التركية المقاتلة، ما يعنى عناصر تفوق إضافية لمصر.. مصر ياسادة تتأهب لتحقيق انتصار مهم على العثمانية الجديدة، تؤمِّن به اكتشافات توفر 13 مليار دولار/عام، كانت تستخدم فى استيراد مشتقات البترول، بخلاف عائدات تصدير الفائض، ومقابل عمليات تسييل ومرور الغاز القبرصى والإسرائيلى.. لكن طريق الرخاء ملبد بالغيوم، مزروع بالألغام.. فهل نقبل التحدى؟!. التحرشات التركية الأخيرة بمنع حفار «إينى» من الوصول لمناطق الاستكشاف القبرصية قبالة الساحل الجنوبى للجزيرة تستهدف مصر فى الحقيقة، لأنها لو كان دافعها التحرش بقبرص فقط لاستهدفت أنشطتها الكشفية أمام ساحل القطاع الشمالى من الجزيرة، حيث ما تدعيه حقوقاً للأقلية القبرصية التركية فى اكتشافات الغاز، والحقيقة أن تحرش أردوغان بات متوقعاً بعد أن بلغ تبجحه فى كلمته أمام الكتلة البرلمانية لحزبه «العدالة والتنمية» بالبرلمان ديسمبر 2017، حد الجهر بأن «عناصر داعش الذين غادروا الرقة، أرسلوا إلى مصر، لاستخدامهم بصحراء سيناء».. رد الفعل القبرصى تجاه العدوان التركى يعكس الثقة نتيجة لدعم مصر واليونان، نيقوسيا أعلنت عن إجراء مناورات حربية من 15 فبراير، لمدة أسبوع، بنفس المنطقة التى أعلنت تركيا خضوعها للحصار، ووزيرا خارجية مصر واليونان اجتمعا للتنسيق.. مصر واليونان وقبرص قبلوا خيار المواجهة.

 التساؤل الأخير، فى نهاية تلك السلسلة من المقالات، هل تتحول المواجهة مع تركيا إلى حرب فعلية؟!.. فى تقديرى أن السياسة التركية فى عهد أردوغان تتسم فى فعلها بالرعونة والاندفاع، وفى رد فعلها بالبراجماتية المقيتة، بمعنى أنها تتصرف بعدوانية نتيجة لحالة الغرور والتعالى التى تنتاب العثمانيين الجدد، ولكن عندما يرد الطرف الآخر عليها يتعاملون مع رده بحسابات المكسب والخسارة، الردود الهزيلة تعقبها هجمات تركية ساحقة، والردود القوية يتعاملون معها بتراجع وخذلان.. الاختيارات هنا أمام صانع القرار المصرى أضحت واضحة ومحددة، تفرض التربص، واصطياد الخطأ، للرد بعقاب رادع.

تُرى، هل بلَّغت الرسالة، عبر مقالاتى الثلاث؟!

 

المقال الرابع : المواقف الدولية والإقليمية من حرب الغاز المقبلة «4»

 

كنت قد أنهيت سلسلة مقالات «حرب الغاز»، تناولت فى الأول ساحة الحرب وأطرافها، أوضحت فى الثانى الاستعدادات الميدانية لكل طرف، واختتمتها بسيناريوهات الصدام المحتمل.. ولأنه موضوع الساعة، فقد حقق تجاوباً واسعاً، وطلب الكثيرون رصداً لمواقف القوى الدولية والإقليمية حال الصدام.

الثروات من الضخامة بما يغرى بالحرب، حقل «ظهر» المصرى باحتياطى 32 تريليون قدم3، «ليفياثان» الإسرائيلى 20 تريليوناً، وشقيقه «تمار» 10 تريليونات، «أفروديت» القبرصى 7 تريليونات، «غاز قبرص أ» 7 تريليونات، «كاليسبو» الجديد يقترب من «ظهر»، بخلاف الثروات الكامنة أمام سواحل طرطوس السورية، وبالمنطقة الاقتصادية للبنان.. القوى الدولية الرئيسية المعنية بالصراع أمريكا وروسيا، والإقليمية إيطاليا واليونان، وأطراف الأزمة مصر وتركيا وإسرائيل وقبرص ولبنان وسوريا وفلسطين.

أمريكا لا تزال القوة الرئيسية الفاعلة بالمنطقة.. قطبا الصراع فى حرب الغاز، حليفاها الـ«مارقان»، مصر وتركيا، التعامل الأمثل معهما من وجهة نظرها «سياسة التحريض» التى أشعلت حرب الثمانى سنوات بين إيران والعراق فدمرا آلاتهما العسكرية، قبل أن تورط «أبريل جلاسبى»، سفيرتهم ببغداد، صدام حسين فى المستنقع الكويتى، لتقضى عليه.. الحرب هنا لها بعد آخر، يوقع أضراراً جسيمة بالشركات الأمريكية العاملة بالمنطقة، خاصة نوبل إنيرجى، التى تعمل بإسرائيل، وإكسون موبيل، وغيرهما مما تستحوذ أمريكا على حصة فيها، الحرب تربك عمليات التنقيب والاستخراج، وتُحدث أزمة فى سوق الغاز الدولى، المواجهة العسكرية بين تركيا واليونان، عضوى الناتو، تفكك التحالف الغربى فى مواجهة روسيا، وقد تطول شرارة الحرب حليفتها إسرائيل.. كل الاعتبارات تفرض على أمريكا التدخل السياسى، وسرعة احتواء الأزمة، على نحو ما تفعل حالياً بين لبنان وإسرائيل.

روسيا حليفة لتركيا، ضمن المحور الثلاثى الذى يجمعهما بإيران، دور مصر فى استخراج ونقل وتسييل وتصدير الغاز للسوق الأوروبى سيكون خصماً من حصة روسيا «40%»، مما يسمح للقارة العجوز بالتجاوب مع المطالب الأمريكية بتشديد المقاطعة والحصار على روسيا.. الغاز بالنسبة لموسكو يمثل نصف عائدات الميزانية، و70% من الصادرات، لذلك أى مساس بحصتها يعتبر قضية أمن قومى، مما يبرر خوضها لثلاث حروب فى جورجيا وأوكرانيا وسوريا، فما بالك وتعاقدات «روس نفط» مع أوروبا تنتهى بين 2021/2035، واحتمالات التجديد غامضة، بعد ظهور المنتجين الجدد.

روسيا أخطأت عندما قطعت إمدادات الغاز عن أوروبا لمدة أسبوعين أثناء الأزمة الأوكرانية، فى شتاءٍ قارص، مما أثار غضب القارة عليها، موسكو لا تريد ارتكاب أخطاء جديدة، بدعم حليف أرعن، أسقط إحدى مقاتلاتها منذ عامين، وأهان سلاحها وعسكريتها، ثم اغتال سفيرها.. مصر الطرف الآخر فى المواجهة، وهى رغم ترددها، تظل حليفاً محتملاً، تقتنى التكنولوجيا النووية والسلاح الروسى، وعادت لدورها الإقليمى، خاصة فى ليبيا وسوريا على نحو لا يمكن تجاهله.. التحالف الروسى مع تركيا إذاً مجرد محاولة اختراق لحلف الناتو، ولا ينبغى أن تتجاوز ذلك.

روسيا تواجه متغيرات السوق بتعزيز شراكتها فى غاز المتوسط، أنشأت قاعدتها العسكرية فى طرطوس، التى يقابلها واحد من أكبر الاحتياطات، التى ستحول سوريا لثالث أكبر منتج للغاز فى العالم.. «روس نفط» باعت 20% من أسهمها لشركة «الغاز القطرية» لتتمكن من شراء 30% من حصة «إينى» الإيطالية فى حقل «ظهر».. وهناك محاولات روسية لشراء حقلى «كاريش» و«تانين» الإسرائيليين المحاذيين للحدود اللبنانيّة باحتياطى 6 تريليونات قدم3.. بخلاف الاتفاقات مع إقليم كردستان العراق للتنقيب والخدمات اللوجيستية وتطوير البنية التحتية وتجارة موارد الطاقة.. استراتيجية متعددة المحاور تدعم وجود روسيا بسوق الطاقة العالمى، دون التورط فى حرب الغاز.

إيطاليا أهم القوى الإقليمية المعنية بحرب الغاز، «إينى» اكتشفت «ظهر» المصرى، وبمشاركة توتال الفرنسية تكتشف «كاليسبو» القبرصى، وتحظى بحصص فيهما، ستساعد الاقتصاد الإيطالى لزيادة معدلات نموه، إضافة إلى أن روما لم تفقد الأمل فى أن يغرى التوسع فى الاكتشافات بمد خط أنابيب عبر قبرص واليونان ليعبر أراضيها متجهاً لأوروبا، لتلبية استهلاكها المحلى، وتصدير الباقى.. مصالح إيطاليا مع مصر تفوق مثيلتها مع تركيا، مما يفسر العديد من محاولات الاستهداف والوقيعة، أبرزها تفجير القنصلية الإيطالية بالقاهرة، و«تلفيقات جريمة ريجينى».. تعاطف روما مع مصر يفرضه تقديرها للدور الذى تقوم به القاهرة لكبح جماح الهجرة غير المنظمة، مقابل «الابتزاز التركى» وتهديد «أردوغان» الدائم بإغراق أوروبا باللاجئين، وكذا دور مصر الفاعل لتحقيق الاستقرار فى ليبيا، مما يحد من الهجرة، مقابل دعم تركيا للإخوان والتنظيمات المسلحة، التى تحفز عليها، لذلك لم يكن مفاجئاً أن تدفع إيطاليا فرقاطة عسكرية، لحماية الحفار الإيطالى The Saipem 12000 حتى يتمكن من استكمال مهمته جنوب شرق قبرص، فى تحذير بالغ الوضوح لتركيا.

***

تركيا ستجد نفسها حال المواجهة فى عزلة كاملة عن أى دعم دولى أو إقليمى، باستثناء حليفتيها؛ إيران وقطر.. توسط أمريكا لتسوية الخلاف بين لبنان وإسرائيل حول المناطق المتنازع عليها يستهدف منع طهران من استغلال الموقف، بعد أن دفعت حسن نصر الله للتهديد باستهداف منصات الغاز الإسرائيلية.. إيران من أكثر الدول المتضررة من اكتشافات شرق المتوسط، خاصة أن اتفاق القاهرة وبغداد «فبراير 2017» على مد خطوط أنابيب للنفط والغاز من حقول البصرة عبر الأردن للتصدير لأوروبا قضى على مشروع إيران بمد «الأنبوب الإسلامى» عبر العراق وسوريا ولبنان لتغطية احتياجاتهم وتصدير الفائض.. الإنحياز القطرى لتركيا لا يرجع فقط لتضررها من تعاظم الدور المصرى فى سوق الغاز الدولى، وإنما يتعداه لكون تركيا حليفتها، التى تتمركز قواتها بقاعدة «الريان» لتؤمن نظام الحكم فى الدوحة.. ولكن كلاً من إيران وقطر لا يقدم ولا يؤخر حال المواجهة مع تركيا، بسبب حدود قوتهما، وابتعادهما عن ميدان المعركة.

السيناريوهات حالياً مفتوحة على كافة الاحتمالات، أقلها تعطل عمليات التنقيب والبحث والاكتشاف، وأوسطها توقف عمليات الاستخراج، وأخطرها الحرب.. الاحتمال الأول وقع بالفعل لقبرص، واحتمالات التصاعد مفتوحة على مصراعيها.. مواقف القوى الدولية والإقليمية إما محايدة، أو ضد تركيا، مما يسمح لمصر بتوجيه رد ساحق، على أى تحرش عسكرى، يوجه لمصالحنا الغازية بالمتوسط.. بعدها سيعيد «أردوغان» حساباته فى كامل سياساته بالمنطقة.. ولكن فلنحذر، إذا كانت التحرشات التركية موجهة فقط لقبرص أو اليونان فالدعم اللوجيستى والمعلوماتى يكفيان، لأن الطرفين فى النهاية أعضاء بحلف الناتو، وستتدخل أجهزته فى الوقت المناسب لوضع حد لأى مواجهة بينهما.. مصر لا تتخلى عن أصدقائها، لكنها لا تخوض حروباً إلا دفاعاً عن مصالح شعبها.. مصر وتركيا بينهما ملفات خلافية عديدة، الإخوان، الإرهاب، سوريا، إيران، قطر، لكن الغاز هو الخط الأحمر.. من يقترب فعليه أن يدفع ثمن اجترائه فادحاً.. وقد أعذر من أنذر.

 

 
2 تعليقان

Posted by في 2018/03/13 بوصة غير مصنف

 

مصر.. حملات وشائعات أهل الشر

مقال الشائعات

1. «سيناء 2018» و«صفقة القرن»

 

منذ إشارة السيسي ببدء العملية «سيناء 2018»، ومصر تتعرض لحملات شرسة؛ بدأت بمطالبة البرلمان الأوروبي بوقف عمليات الإعدام، وتقديمه حصراً بـ«2116 حكم منذ يناير 2014، تم تنفيذ 81 حكما منها»، دون الإستناد لمصدر ذى مصداقية، للأعداد وللجرائم.. ثم ربطت التغطيات بين العملية والإعداد لتنفيذ ما يسمى بـ«صفقة القرن»، بإستكمال إخلاء شمال شرق سيناء، الذى بدأ منذ ثلاث سنوات وبلغ عمق 1500 متر بطول الشريط الحدودى فى رفح، والشيخ زويد، وما تم مؤخراً فى حرم مطار العريش، ملمحة الى أنه تمهيد لهجوم إسرائيلى على غزة يدفع سكانها للجوء الى مصر، وتوطينهم بالمنطقة!!.. والحقيقة ان مصر لاعلاقة لها بـ«الصفقة»، وإلا ماجرأت على تبني القرار المضاد لأمريكا بشأن القدس فى مجلس الأمن وداخل الجمعية العامة.. تفريغ الشريط الحدودى يستهدف وضع حد لعمليات التهريب عبر الأنفاق التى كانت تنتهى داخل المنازل، إخلاء الشيخ زويد تم ضمن خطة التطهير، وحصر الغرباء، وعاد معظم السكان الى منازلهم، وما يتعلق بمطار العريش تم ضمن مراجعة خطتة التأمينه، ورفع الإعتداءات على حرمه، بعد ان إستغلها الإرهابيون فى إستهداف المطار أثناء تفقد وزيرا الداخلية والدفاع للمنطقة، بعد مذبحة مسجد بلال بقرية الروضة.
الحملات إشتملت أيضاً على محاولة الزج باسم إسرائيل في العمليات، لتشويه جهود القوات المشاركة، وسرقة نجاح بدأت بوادره فى الظهور.. ديفيد كيركباتريك مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» إدعى قيام إسرائيل بتنفيذ نحو 100 هجمة جوية بسيناء خلال العامين الماضيين بموافقة مصر.. الإدعاء رغم فجاجته حقق إنتشاراً واسعاً، قبل ان تكذبه إسرائيل نفسها.
ضراوة الحملات التى تتعرض لها العملية ترجع الى أجهاضها للمخطط الدولى الخاص بدفع «الدواعش» الى سيناء، كموقع بديل، عقب هزيمتهم في الموصل والرقة.. «سيناء 2018» اتسمت بخصائص تختلف عما سبقها من عمليات «نسر 1 أغسطس 2011، ونسر 2 أغسطس 2012، وحق الشهيد سبتمبر 2015»؛ فهى شاملة، لم تعتمد على قوات التدخل السريع، ولا وحدات مكافحة الإرهاب، بل شاركت فيها التشكيلات التقليدية للقوات البرية والجوية والبحرية، إستهدفت عصابات الجريمة المنظمة، التى تتولى زراعة وتجارة المخدرات، الإتجار فى البشر، تجارة الأسلحة، والتهريب، لصالح تمويل التنظيمات الإرهابية.. هى أكبر عملية إنتشار للقوات المصرية بسيناء فى التاريخ الحديث، إعتمدت على تقسيم المنطقة الى مربعات مساحية، وتوزيع مسئولية تطهيرها على التشكيلات المشاركة، على نحو يحول دون هروب العناصر الإرهابية من منطقة لأخرى، على نحو ماكان يحدث من قبل، الدور الذى تقوم به القوات البحرية فى حصار الشواطىء المصرية أثناء العمليات يستهدف منع عمليات الهروب أو الدعم من خلال البحر.. «سيناء 2018»العملية تمهد لدفع برامج التنمية بسيناء إعتماداً على الأنفاق الأربعة أسفل القناة، التى انتهت بالفعل عمليات الحفر فيها، والتفرغ للدفاع عن مصالحنا الاقتصادية وثرواتنا الغازية شرق المتوسط، فكيف لانتوقع ان تكون محاولة تشويهها هدفاً لمن يدعمون الإرهاب، وعملائهم؟!.

2. «صفقة الرافال» مع فرنسا

 

مصر طلبت مؤخراً «12» طائرة رافال إضافية من فرنسا، صحيفة «لا تريبيون» اشارت لوجود مشاكل فى الصفقة، بسبب رفض الولايات المتحدة تصدير الأجزاء الخاصة بصاروخ كروز «SCALP EG» لفرنسا، لتسليح الصفقة.. امريكا متعددة الوجوه.. وتعاملاتها لاتبعث على الثقة.. وزير خارجيتها أكد «نحن مع مصر في حربها ضد الإرهاب«، ثم رفضت تسليح الرافال أحد الأسلحة الرئيسية لمواجهته، رغم موافقتها على تصدير نفس الصاروخ بمكوناته الأمريكية لقطر!!.. الإعلام ومواقع التواصل سرعان ماتداولت الخبر، وبتلوين متصاعد، بلغ حد الإدعاء بأن صفقة الرافال الأولى التى تسلمتها مصر تحولت الى «خردة» نتيجة عدم تسليحها بتلك الصواريخ.. للأسف شارك البعض فى الترويج دون إدراك بأن ذلك تشكيك فى «ذراع مصر الطويلة»، أثناء خوض الجيش حرباً مصيرية.. معرفة الحقيقة ربما تحمى من التورط فى تداول الشائعات.
أمريكا تستحوذ على ثلث تجارة السلاح فى العالم، وفقاً لمعهد ابحاث ستوكهولم العالمي للسلام «SIPRI»، لكن السلاح الأمريكى مغموس بالسياسة؛ الى حد أن الطائرةF16 التى تصدَّر لمصر تختلف عن نظيرتها لإسرائيل، لإعتبارات تتعلق بتوازن القوى، مصر تتعامل بنوع من البراجماتية، تقتنى السلاح الأمريكى، لكنها لاتجعله عصب قواتها المسلحة، مما يفسر سياسة تنويع المصادر.. مصر أول زبائن فرنسا للميراج 2000، وكذا للرافال، من بعدها توالت الطلبات الدولية، أمريكا تمارس ضغوطًا كبيرة لتقليل مبيعات الأسلحة الفرنسية، لأنها فى المركز الرابع بحصة 6%، وتزحف بثقة نحو الثالث، ما أضحى يشكل قلقاً لمنتجى السلاح الأمريكيين، واشنطن حاولت عرقلة تصدير بعض مكونات تصنيع أقمار صناعية للمعلومات للإمارات فبراير 2014، وكررت نفس الإجراء مع مصر، تزامناً مع موقفها المعارض لقرار ترامب حول القدس.
شركة MBDA الأوروبية المنتجة للصاروخ ملكية مشتركة بين فرنسا وبريطانيا وايطاليا، لديها فرع بالولايات المتحدة يتولى تصنيع بعض المكونات التى تنخفض تكلفتها عن نظيرتها الأوروبية.. الفرع الفرنسى قادر على إنتاج الصاروخ بمكونات فرنسية، على نحو ماتم مع صفقات سلاح الجو الفرنسي.. والصفقة السابقة لمصر «2015» التى تم تسليمها بكامل تسليحها «50 صاروخ SCALP-EG».. فرنسا لن تضيِّع الصفقة، الأزمة الراهنة، إما أن يسويها ماكرون خلال زيارته لواشنطن 23 أبريل المقبل، أو يسحب تسليحها من مخازنه، ويصنع البديل فى فرنسا.. ذراع مصر الطويلة قوية، وتزداد قوة، فهل نتصدى لأنفسنا، ونتوقف عن ترديد الشائعات؟!

3. «صفقة الغاز» مع اسرائيل

 

التشكيك فى ثروات مصر الغازية شرق المتوسط كان محوراً لحملة إعلامية وشائعات انتشرت كالنار فى الهشيم، أول محاورها تمثل فى المعالجة الإخبارية لأنباء تعاقد الشركة المصرية على شراء 60 مليار م3 من الغاز الطبيعى تعادل 2 مليار وحدة حرارية، خلال عشر سنوات، التناول أوحى بأن التعاقد للإستهلاك الداخلى بمصر، لنشر حالة من الإحباط، تحرم المصريين من سعادتهم ببدء انتاج حقل اتول، وإفتتاح الرئيس لحقل ظهر، والغريب ان البعض صم آذانه عن كل التفسيرات والمبررات التى قُدِمت لتلك الصفقة، بإعتبارها بهدف التسييل وإعادة التصدير، مقابل 5 دولار نظير نقل المليون وحده حرارية عبر شبكة الانابيب التابعه لوزارة البترول، و6 دولار مقابل عمليات التسييل، بإجمالى 22 مليار دولار خلال العشر سنوات، بخلاف رسوم النقل عبر القناة وضريبة القيمه المضافه ورسوم التصدير.. الحقائق كادت تضيع أدراج الرياح أمام حملة مقيتة.. المحور الثانى الترويج بأن مصر باعت حصتها فى حقل ظهر للشركة القطرية، ومن جديد كانت هناك مقاومة لتقبل حقيقة ان لا أحد قد مس حصة مصر فى الحقل وهى «40%»، وان الذى بيع لـ«روس نفط» 30% من حصة «إينى»، أما «القطرية» فقد استحوزت على 20% من «روس نفط»، فأصبحت حصتها فى ظهر 6%.. تلك تعاملات شركات دولية يحكمها الإقتصاد والسياسة.. المحور الثالث الإدعاء بأن قبول مصر الحصول على 40% فقط من العائدات يتنافى مع قاعدة تقاسم العائدات مع الشريك الأجنبى المعمول بها دوليا، دون الإشارة الى ان مصر لم تشارك فى تكاليف ومخاطر عمليات الإستكشاف، حتى تحصل على 50%.. الشريك الأجنبى تحملها كاملة، ليحصل على 60% لخمس سنوات، يسترد فيها إستثماراته، ثم تنخفض حصته لـ30%، وترتفع حصة مصر لـ70%.
***
تصيبنى الدهشة من نجاح الحملات والشائعات فى دفع بعض المصريين لتغليب كراهيتهم لإسرائيل على مستقبل أبنائهم، تركيا كانت قد توصلت بالفعل لتفاهمات مع إسرائيل على إستيراد غاز تمار وليفياثان لإستهلاكها المحلى وتصدير الباقى، عبر شبكة خطوطها الى أوروبا.. اليونان طرحت فى اجتماع ابريل 2017 مع اسرائيل وقبرص وإيطاليا كل التدابير المتعلقة بالتصدير لأوروبا عبر مسارها الطويل.. لكن البديل المصرى نجح فى إجتذاب غاز شرق المتوسط للإسالة والتصدير، لتحويل المحروسة الى مركز الغاز الرئيسى للمنطقة، بعائداته الضخمة.. هل تستكثرون على شعبنا الفرحة؟!.
كلمة أخيرة، وفاء لرجل أعتبره الجندى الذى يقف وراء ذلك الإنجاز التاريخى.. نجاح شريف إسماعيل رئيس وزراء مصر أكد حقيقة ان «مصر تستطيع» عندما تتوافر لها الرؤية، وتعتمد فى تنفيذها على المتخصصين، نجح كوزير بترول فى تسوية ملف سداد ديون شركات البترول الأجنبية بعد تجاوز متأخراتها 6 مليار دولار، فأعادوا ضخ الاستثمارات فى مجالات البحث والإستكشاف، عدَّل القوانين المنظمة للقطاع على النحو الذى يقلص صلاحيات القطاع الحكومي، ويعطى للقطاع الخاص مزيداً من الحريات والضمانات تحت إشراف الهيئة العامة للبترول، داهمه المرض، فقام بأول رحلاته العلاجية منتصف 2015، لكنه لم يتخل عن معركته الأساسية، حتى أكملها بنجاح.. أتأمله نشيطاً متفائلاً، لكن شحوبه يقدم نموذج نادر، لكادر وطنى، يؤثر مصالح البلاد، على راحة واجبة، بعد طول عناء.. تحية إجلال وإكبار لـ«الشريف إسماعيل».

 
أضف تعليق

Posted by في 2018/03/12 بوصة غير مصنف