RSS

Monthly Archives: أوت 2015

سوريا.. ومراجعة توازنات الإقليم

344ddc6fb7

المدركون لطبيعة المواجهة بين دول المنطقة والإرهاب، يضعون أيديهم على قلوبهم، تخوفاً على سوريا.. سواء اتفقت مع نظام الأسد، او إختلفت، فقد صمد قرابة الخمس سنوات.. يقينا، حالة الفوضى تسود البلاد، لكن تصور سقوطه ينذر بطوفان عات يجتاح المنطقة بكاملها.. مواجهة سوريا للإرهاب حالياً اصبحت عملية بالغة الصعوبة، فالتنظيمات والجماعات الإرهابية تزداد قوة، عدداً وعتاداً، والجيش يعانى من الإرهاق والتشتت، وضعف المعنويات، وعدم القدرة على تعويض خسائره، إضافة للصعوبات اللوجستيكية، ومشاكل الإمداد والتموين، مايفسر خسارة معارك بصرى الشام ونصيب، ثم إدلب وجسر الشعور.. حتى الطائفة العلوية تسودها حالة من السخط نتيجة الخسائر الكبيرة التى تقع فى صفوف أبنائها، المستهدفين سواء داخل الجيش او خارجه.. النظام أصدر عفواً عاماً عن جرائم الهروب من الخدمة العسكرية، فى محاولة لتعويض خسائره، وهو العفو الثانى خلال عام واحد، وقام بإعادة توزيع القوات، والإنسحاب من بعض المناطق، لتأمين الأكثر منها أهمية.. فى محافظة اللاذقية ومنطقة الساحل، حيث الأغلبية العلوية، ومسقط رأس الرئيس، لم يكتفِ النظام بقوات الدفاع الوطنى، وإنما أنشأ قوات خاصة “درع الساحل” من عشرة آلاف مقاتل، للدفاع عن حدود المحافظة، عند نقاط الاشتباك الساخنة في الجبال الشمالية والشمالية الغربية، كما اضطر للإستعانة بالمزيد من متطوعى حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية والإيرانية، وهو ما إعترف به الأسد فى خطابه الأخير “الوطن ليس لمن يسكنه، أو يحمل جنسيته وجواز سفره، بل لمن يدافع عنه!!”.. سوريا استعادت تنشيط علاقاتها ببعض القوى الكردية “حزب الشعب الديمقراطي الكردي (pkk) وغيره”، لإستخدامها فى الضغط المقابل على تركيا، وتهديدها بعمليات فى عمق أراضيها، تستهدف السدود المائية شرق الاناضول.. أدوات للضغط تماثل تلك التى تتعرض لها.

تركيا أساءت وضع سياستها تجاه سوريا، فهى تسعى لتقسيمها عن طريق نشر الفوضى.. قدمت لـ”داعش” الدعم المالى والتجهيزات الطبية، وسمحت لها بعلاج جرحاها بالمستشفيات التركية، وتجنيد المتطوعين، حتى من الأتراك، ومكنت الإرهابيون من التسلل، وتهريب الأسلحة عبر منافذها المختلفة لسوريا، وأباحت عقدهم لصفقات النفط والغاز المستخرج من الحقول السورية، دون الإنتباه الى ان ذلك مكن “داعش” من تشكيل خلايا نائمة، للضغط عليها، إذا ماقررت التضييق عليها مستقبلاً.. تركيا وافقت على السماح للطائرات الأمريكية باستخدام قاعدة انجيرليك  الجوية لضرب “داعش”، بحجة المشاركة فى التحالف الدولى، لكنها فى الحقيقة إضطرت لذلك تواؤماً مع المتغيرات الإقليمية التى فرضها توقيع الإتفاق النووى الإيرانى، بما تضمنه من مشاركة ايران فى حرب “داعش”، مايعنى تراجع اهمية تركيا للولايات المتحدة.. الطيران التركى شن غارات على سوريا، وسط ترويج بموافقة أمريكا على تدخلها البرى لإنشاء “منطقة آمنة” على الحدود، بحجة حماية الأقلية التركمانية، وإعادة توطين اللاجئين السوريين، لكن ذلك يستهدف منع سيطرة حزب العمال الكردستاني على الجهة السورية المحاذية لتركيا، من خلال جناحه السوري PYD، خاصة بعد الإعلان عن محاولات وحدات الحماية الكردية YPG تهجير العرب من بعض المناطق الحدودية “الحسكة”، تمهيداً لإعلان مايسمى كردستان سوريا.. التدخل التركى البرى شمال سوريا ترفضه روسيا وحلف الناتو، ويعارضه الجيش التركى ذاته، لأنه يضع قواته فى مواجهة مباشرة مع “داعش”، التى تسيطر على قطاعات واسعة من المنطقة المستهدفة (من غرب الفرات بامتداد 68 ميلاً حتى محافظة حلب”، وبعمق 40 ميلاً) مايعنى توقع رد “داعش” بعمليات تخريب فى عمق تركيا.. الداخل التركى على فوهة بركان.. الكيان السياسى الكردى تبلور وتعاظم تأثيره، ونجح “حزب الشعوب الديمقراطى الكردى” فى الفوز لأول مرة بـ78 مقعد فى البرلمان، واكتسب الشرعية على حساب حزب أردوغان الذى فشل فى تحقيق الأغلبية المطلقة التى كان يتمتع بها.. تفجرت المواجهة مع الأكراد، الذين غذت حالة الفوضى بسوريا تطلعاتهم لإنشاء كيان سياسى مستقل، بعد نجاحهم فى السيطرة على مناطقهم، وهزيمة “داعش” فى عين العرب، الحكومة التركية إتهمت حزب العمال بشن 281 عملية إرهابية منذ الإنتخابات، وإنهت الهدنة المعلنة منذ ابريل 2013 بعد تفجير سوروش، وتسعى لتشويه صورة الأكرد، تمهيداً لإجراء انتخابات برلمانية جديدة، أملاً فى إسترداد حزب اردوغان للقوة التصويتية التى انحازت للأكراد فى الانتخابات السابقة.

السعودية فى إطار ترتيباتها لمواجهة تحديات الإقليم، ضخت فى الساحة السورية كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة، لكنها اصبحت أكثر إدراكاً لإستحالة السيطرة على مصير هذه الأسلحة، بعد ان خصصت “داعش” و”النصرة” تشكيلات مهمتها الإستيلاء على إمدادات الأسلحة الموجهة للجماعات “المعتدلة”.. إمتناع روسيا الحكيم عن استخدام “الفيتو” ضد قرار مجلس الامن 2216 الذي وفر الغطاء الدولى للتدخل العسكري السعودي في اليمن، ونتائج زيارة بن سلمان لموسكو 29 يونية، أشاعا حالة من الثقة، استثمرتها روسيا فى ترتيب زيارة اللواء علي المملوك رئيس مكتب الامن القومي السوري للرياض، والإعداد لزيارة مدير المخابرات السعودية لدمشق، على نحو يشير الى ان السعودية لم تعد تتمسك بشرط تنحى بشار.. وان سوريا يمكن ان تمثل جسراً لتهدئة المخاوف السعودية من ايران.. وتقييد دعم حزب الله للحوثيين فى اليمن، وفتح الملف الأمنى بين الدولتين بصورة مباشرة، تخدم الأمن السعودى، فى مواجهته للمتطرفين من مواطنيه، الذين يحارب بعضهم فى صفوف “داعش” و”النصرة”، ويقبع الآخر فى السجون السورية، وذلك فى الوقت الذى تسعى فيه السعودية للإعداد لعقد مؤتمر بالرياض للتنسيق بين فصائل المعارضة السورية المختلفة، مستفيدة من ثقل 2.5 مليون سورى يقيمون على أراضيها.

موقف القوتين الأعظم من المشكلة السورية شهد تغيرات هامة عبر الشهور الماضية، واشنطن لم تعد متمسكة بمطلب رحيل نظام الأسد، لأنه لازال يشكل “ثقلا في مواجهة الإرهاب”، ولابديل له حالياً، واكتسب ذلك أهميتة بعد الضربة القاصمة التى تعرض لها البرنامج الأمريكى لتدريب وتسليح “المعارضة المعتدلة”، الذى بدأ مايو الماضي لإعداد 5400 مقاتل، بنجاح جبهة “النصرة” فى إختطاف قائد أول مجموعاته و7 من عناصرها، والهجوم على مقر المجموعة وقتل 11 من أعضاء “الجيش الحر”.. موسكو من ناحية أخرى لم تعد متمسكة باستمرار الأسد، بل تدعو لإيجاد وسائل لإنتقال السلطة سلميا، قامت بإجلاء 80 من خبرائها العسكريين وعائلاتهم، وقلصت عدد العاملين بسفارتها الى الحد الأدنى، ولم تف بعقود صيانة طائرات “سوخوي”، وتؤدى دوراً نشطاً كوسيط مع القوى الإقليمية، خاصة السعودية وتركيا والأردن لتشكيل جبهة موحدة مع الدولة السورية لمواجهة “داعش”، وإنهاء أزمات المنطقة، كما تسعى لعقد جولة جديدة من المشاورات بشأن سوريا “موسكو 3″، قبل نهاية سبتمبر المقبل، برعاية مشتركة مع الولايات المتحدة والمبعوث الأممي الخاص لسوريا.. التساهل الأمريكى بشأن نظام الأسد، ومرونة روسيا تجاه المرحلة الإنتقالية، يفسران اتفاق مواقفهما تجاه الأزمة السورية، الى حد إجتماع كيرى ولافروف بالدوحة، بمشاركة وزير الخارجية السعودى، لمحاولة إعادة ترتيب أوراق الصراع بالمنطقة، خاصة فى سوريا واليمن، للتفرغ لمواجهة “داعش”.

الإقليم يمر بمرحلة إنتقالية بالغة الأهمية، تقوم فيها روسيا بالدور الرئيسى فى إعادة ترتيب التوازنات على نحو مختلف، عما حاولت امريكا فرضه بالتآمر.. توازنات تتراجع فيها مبررات العداء التقليدية، وتنشأ محاور على أسس جديدة تستهدف إستعادة الأمن والإستقرار.. فمتى تبدأ محاسبة من بدأها فوضى.. وتصورها خلاقة؟!

gtaha2007@gmail.com

 
تعليق واحد

Posted by في 2015/08/20 بوصة غير مصنف