منذ ان اعلن عن فوز مرشح الإخوان بالرئاسة، وهناك العديد من التساؤلات حول آليات فوزه بالمنصب، وعلاقاته المتوقعة مع مؤسسات الدولة، وطبيعة علاقاته مع جماعة الإخوان المسلمين..وفى النهاية مستقبل الأوضاع السياسية فى البلاد.
وفى ضوء المتابعة الدقيقة لتطورات الموقف على مدى الشهور الماضية ،وتوقعاتنا ، يمكن ان نتناول عدداً من الاشكاليات الهامة المطروحة على الساحة السياسية حالياً وفى المستقبل القريب ، وذلك على النحو التالى:
اولاً: اشكاليات الحشد لإسقاط دولة القانون
ان تجربة الحشد الجماهيرى المنظم من جانب الإخوان المسلمين للضغط على مؤسسات الدولة من اجل اصدار حكم يحقق مصالحهم او الإعلان عن فوز مرشحهم ، هذه التجربة تعتبر من أسوأ ماشهدته مصر من ممارسات على مدى تاريخها المعاصر، لأنها تشكل هدما لسيادة القانون ومؤسسة القضاء ، وحجراً على الارادة الشعبية ، واستبدال آليات العمل الديمقراطى بسطوة البلطجة السياسية .
لذلك فإن معيار جدية الرئيس الجديد من عدمه هو اعادة تنظيم قواعد التظاهر والاحتجاج السياسى على النحو الذى يجرم ممارسة الضغوط على مؤسسة القضاء ، او يمس آليات العمل الديمقراطى.
ثانياً: اشكاليات العلاقة مع المؤسسات السيادية والحساسيات المرتبطة بها
ان مؤسسات الدولة السيادية – الجيش وأجهزة الأمن التابعة له ، الشرطة وأجهزة الأمن التابعة لها ، المخابرات العامة بفروع انشطتها الداخلية والخارجية والمعلومات ، الإعلام الرسمى بصوره المختلفة ، الخارجية بامتداداتها عبر دول العالم ، الجهاز المركزى للمحاسبات ، الرقابة الادارية ، معلومات الرئاسة ومعلومات مجلس الوزراء ….الخ – هذه المؤسسات تمثل عادة “مطبخ ادارة الدولة واتخاذ القرارات”، وهى تتبع رئيس الجمهورية ، الذى ينتمى تاريخياً لواحدة من هذه المؤسسات وهى المؤسسة العسكرية ، غير ان وصول رئيس ينتمى لتنظيم تدور حول مشروعيته الشكوك ، فضلا عن انه واحداً ممن استهدفتهم أجهزة الأمن عبر العشرات من السنين ، مما يجعل من الاندماج العضوى ونشوء علاقات التعاون بينه وبين هذه المؤسسات واحدة من اخطر الاشكاليات التى تواجهها مصر خلال المرحلة المقبلة ، وتقديرى ان هذه المؤسسات – خاصة تلك التى تحكمها اعتبارات وضوابط أمنية صارمة- ستقدم كل المعلومات والتوصيات والدعم الذى اعتادت ان تقوم به وفقاً لتقاليدها المهنية وانطلاقا من التزامها بمسئولياتها الوطنية ، لكنها قد تكون لديها بعض الحساسية والشكوك تجاه اى محاولات من الرئيس لإجراء تغييرات جذرية فى قياداتها، او هياكلها التنظيمية ، او آليات عملها ، خشية ان تكون تلك مقدمة لإختراقها من جانب جماعة الإخوان .
ولذلك فليس امام الرئيس الجديد سوى تقدير حساسية وشكوك تلك المؤسسات وتقبلها ، والا فإن مصيره فى الغالب لن يختلف فى النهاية كثيراً عن مصير الرئيس السابق محمد نجيب.
ثالثاً: اشكالية انفصام العلاقة بين الرئيس والإخوان والحزب
ان الإنفصام فى العلاقة بين رئيس الجمهورية وجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة لايكفى تحققه بمجرد إعلان استقالته من الجماعة والحزب ، او التنويه عن تنازل المرشد عن مبايعة مرسى السابقة له ، مصر ليست مجتمع قريش ، لكنها دولة مؤسسات راسخة.. ومالم يكن رئيس الجمهورية حامياً للشرعية فسوف يفقد شرعيته .. جماعة الإخوان المسلمين تفتقد للشرعية القانونية التى تساندها كجمعية دعوية ، كما لاتخضع لأى مراجعة مالية تحدد مصادر ماتنفقه من اموال طائلة ، ولا جوانب الصرف المختلفة الظاهر منها والسرى ، كذلك لم تتم التحريات اللازمة على الجماعة لمعرفة طبيعة أنشطتها فى 80 دولة بالعالم باعتراف الجماعة نفسها ، ومدى تعاونها مع التنظيمات الدولية المتطرفة كمنظمة حماس والقاعدة ، اما حزب الحرية والعدالة – وعدد من الأحزاب المماثلة – فإنها تقوم على أسس دينية ، وترتبط بعلاقات عضوية مع جماعات اما غير قانونية ، او جمعيات دينية يحظر عليها العمل السياسى، ولذلك فإن جماعة الإخوان المسلمين التى ينتمى لها رئيس الجمهورية ، وحزب الحرية والعدالة الذى كان يترأسه ، مهددان بالحل ربما قبل نهاية العام الجارى بأحكام قضائية فى القضايا المرفوعة ضدهما فى هذا الشأن ، فهل سيتقبل الرئيس الجديد تلك القرارات ويأمر بتنفيذها ؟؟ أم سيسعى للإلتفاف عليها ؟؟!!
رابعاً: اشكالية منع الإجتراء والحفاظ على مدنية الدولة وآليات العمل الديمقراطى
ان انتصار مرسى فى معركة الرئاسة قد أحدثت حالة من النشوة لدى أنصاره ومؤيديه من جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين ، وهذه الحالة أوجدت ظواهر وتجاوزات بالغة الخطورة .. أهمها:
1. انتشار حالة من الإجتراء والتجاوز الى حد العدوان على المرأة والمسيحيين ، تمس حرياتهم الشخصية سواء فى المظهر او العقيدة .
2. استمرار الحشد الجماهيرى المؤيد للرئيس بميدان التحرير دون مبرر ، وأخطر نتيجة تترتب على ذلك انهاء دور التحرير كموقع مركزى لحشد الجماهير المطالبة بالتغيير ، وكأن رسالة احتلال الميدان على النحو الراهن هو استمرار الحكم للإخوان ، وعدم السماح بمعارضته ،فضلاً عما يحثه هذا الحشد من تاثير على النشاط الإقتصادى وحركة المرور وحالة الأمن ومستوى النظافة والمظهر الحضارى….الخ
ومما لاشك فيه ان معيار الحكم على ماإذا كان ولاء رئيس الجمهورية للوطن او للجماعة هو موقفه من تلك الظواهر والتجاوزات التى بلغت حتى الآن حد الجرائم ، ووضع حد لها على الفور ، وفرض عقوبات صارمة على مرتكبيها .
خامساً: اشكالية الخلط بين الحريات الشخصية للرئيس وقيود منصب الرئاسة
ومن بين الإشكاليات بالغة الأهمية خلال المرحلة المقبلة هو مابدا من وجود خلط واضح لدى الرئيس بين مفهومه لحريته الشخصية ..ووضعيته كرئيس دولة.. الرئيس يرفض الانتقال للقصر الرئاسى وسيستمر فى اقامته فى سكنه الخاص .. الرئيس يؤدى صلاة الفجر بالمسجد كعادته .. تخفيض الحراسة على موكب الرئيس ومقر الإقامة..لاإغلاق للطرق كأحد آليات عملية التأمين سواء لمقر الإقامة او فى التنقلات ..التدخل للتخفيف عن افراد التأمين والحراسات الذين يعملون تحت أشعة الشمس….الخ
لابد ان يدرك الرئيس انه مع احترامنا وتقديرنا لكل تلك المشاعر الانسانية والأخلاقية بالغة الرقى الا ان مرسى كرئيس مستهدف من العديد من القوى الاقليمية والدولية التى ترى ان رئيس اخوانى لمصر يشكل خطراً على مصالحها .. كما انه مستهدف من بعض التيارات السياسية بالداخل ناهيك عن الساعين لخلق حالة من عدم الاستقرار قد تصل الى حد السعى لتقسيم البلاد ، ولذلك على الرئيس ان يدرك ان هناك فارق جوهرى بين ان يكون رئيساً لدولة محورية كمصر ، وبين زعيم قبيلة منعزلة بصحراء نجد.. ومالم يدرك هذا الفارق ومايفرضه من قيود وضرورات أمنية فالفتنة الكبرى آتية لامحالة.
سادساً: اشكاليات العلاقة بين مرسى والإخوان
العلاقة داخل الإخوان تقوم على السمع والطاعة ..البيعة للمرشد..الالتزام الى حد الخضوع بالمستويات التنظيمية ، مرسى بايع المرشد..كان يقبل يده ورأسه .. وكان عضواَ ملتزماً الى حد تكليفه بالترشح للرئاسة كإحتياط لخيرت الشاطر.. الإخوان نظموا حملة مرسى الرئاسية .. وقاموا بتمويلها بعشرات الملايين .. ونتيجة الانتخابات نجاح للإخوان قبل مرسى .
من جانبه استقال مرسى من الجماعة والحزب .. او هكذا قيل.. اما المرشد الذى وعد مرسى ان يمن عليه بالعفو بإحلاله من بيعته فلم يتأكد أحد من ان هذا الإحلال قد تم ، او انه جائز من الأساس وفقاً لقواعد العمل فى الجماعة .. خاصة وأنه امر غير مسبوق.
لذلك فالمتوقع ان تستمر العلاقة العضوية والتبعية التنظيمية من مرسى للجماعة رغم كل الظواهر او الادعاءات المخالفة.
غير ان هناك احتمال ضعيف هو ان تلعب النوازع والطموحات الشخصية دورها فى انفصام تلك العلاقة .. مرسى يرتقى فجاة من عضو تابع يسمع ويطيع الى رئيس يسمعه ويطيعه كل المصريين..والمصريين صناع الفراعين..وبعد ان كان اداؤه لتكليفاته من قبل الجماعة يعتمد على توجيهاتها وتمويلها..اصبحت مؤسسة الرئاسة وأجهزة الدولة تخدم عليه وتدعمه..وليس مضمونا ان تخرج كل الاجراءات متوافقة مع مصالح الإخوان وتوجهاتهم بل الأغلب ان لايحدث ذلك..ومع تكراره تزداد الحساسيات بين الاخوان ومرسى ..ويصبح موضع صراع دائم بين إخلاصه لموقعه الرئاسى وإرضاءه للجماعة فأن كان اختياره هو الأول التزاما تجاه قسم أداه فأن انفصام العلاقة الى حد الصراع بينه وبين الاخوان يصبح هو الإحتمال الأرجح.
أى الإحتمالين هو الأرجح ؟ يستحيل التنبوء بذلك حالياً ..وفى المستقبل إجابة عن هذا التساؤل وغيره من الاشكاليات المطروحة على الساحة حالياً