بعد الإطاحة بمرسى، أكد الفريق أول عبد الفتاح السيسي أنه “لايتطلع إلى السلطة”.. الضغوط الشعبية اضطرته لترك الباب مفتوحا لأن الأمر “عظيم وجلل، والله غالب على أمره”.. اتساع الحشد لترشحه، فرض على المجلس الأعلى للقوات المسلحة مناقشة الموضوع.. رؤيا طرحت المخاوف من تفسير ترشحه باعتباره هدف تدخل الجيش.. وأخرى رأت انه لاموضع للمخاوف حال ترشحه استجابة للمطالب الشعبية.. وخرج السيسى 11/1/2014 ليؤكد انه “لايستطيع إعطاء ظهره لمصر، لكن المصريون عندما أرادوا.. نزلوا إلى الشوارع والميادين”.
الفريق سامى عنان.. طمأن واشنطن خلال زيارته 23يناير2011 الى عدم تدخل الجيش لقمع الثورة، قاد الإنقلاب الناعم على مبارك، شارك فى مؤامرة تمكين الإخوان من الحكم، واستسلم بخزى ومهانة لصفعة مرسى عندما اطاح به وبالمشير، وفى إطار مشروع بديل لسقوط الإخوان بدأ حملته الرئاسية من مطروح20 سبتمبر2012.
الفريق أحمد شفيق.. الفائز الحقيقى فى رئاسية 2012، يمهد لعودته بحملة إعلامية شارك فيها المنجمون، لكنه سيصدم بحقيقة ان ثورة 30 يونية قد قضت على نظام مبارك بأضلاعه الأربعة.. الرئيس، والوريث، والتلميذ، والإخوان فزاعة النظام، وخلفاء حكمه.
اللواء مراد موافى.. لم يعلن دخوله السباق، لكنه مرشح محتمل منذ إقالته من المخابرات أغسطس2012 بعد كشفه مسئولية مرسى عن مذبحة رفح، ورفضه لخطة القضاء على الجماعات الإرهابية والتكفيرية بسيناء.
مؤتمرات التنظيم الدولى للإخوان فى لاهور واستانبول اوصت بترشيح عبدالمنعم ابوالفتوح للرئاسة، اما سليم العوا فهو مرشح إحتياطى مالم يتم اعلان حكومة منفى برئاسته.. خالد على تموله الجماعة – بحجة الدفاع عن متهميها – ليتمكن من شن حملة قادرة على تفتيت اصوات مرشحى التيار المدنى.
حمدين صباحى.. اعتبر ان سؤاله عن تأثير ترشح السيسى على موقفه “سؤال مقحم”، وفى مغازلة صريحة للتيارات الدينية “استخار الله وأعلن ترشحه للرئاسة”، داعياً الى حل سياسى مع الإخوان، وبقاء السيسى وزيراً للدفاع!!
ثمانية وجوه مطروحة على الساحة، ربما تراجع بعضهم، وقد يتقدم المزيد، وفى كل الأحوال فإن معركة الإنتخابات الرئاسية بدون السيسى ضارية، ونتائجها كارثية، لكنها بوجوده معركة أحادية محسومة قبل ان تبدأ.
***
إشكالية المرشحين المدنيين
مرسى اول رئيس مدنى للجمهورية، وللمرة الأولى فى تاريخ الدولة المصرية يحدث ذلك الصراع بين الرئاسة ومؤسسات الدولة.. الجيش، الشرطة، القضاء، الإعلام، حتى مؤسسة الأزهر.. مرسى أستاذ جامعى، لم يرأس إدارة، لم يدير مؤسسة، فكيف يدير دولة؟! لمقعد الرئاسة استحقاقات ينبغى استيفائها، إدارة الدولة تستلزم حد ادنى من علم وخبرة الإدارة، السياسة، الإقتصاد، الإجتماع، الإستراتيجية والتكتيك، وقدرة على التنسيق وحسن المواءمة، وهو مايكتسب بالدراسة والممارسة والتدرج فى المناصب التنفيذية والإدارية، والدورات التدريبية، المؤسسة العسكرية تؤهل قادتها لذلك، اما المرشحين المدنيين المحتملين فالأول تقتصر خبراته على إدارة لجنة خيرية فى نقابة مهنية، والثانى والثالث تنحصر خبرتهما فى ادارة مكاتب محاماة، اما الأخير فهو رئيس تحرير لجريدة لم يتجاوز توزيعها بضع مئات.. افتقار واضح لإستحقاقات المنصب ومتطلباته، ينبىء بفشل إدارى وسياسى، وتكرار لتجربة الصدام بين الرئاسة ومؤسسات الدولة.. وصول مرشح مؤهل للحكم بعد تلك الأزمة يجنبنا تكرارها، على ان يتولى البرلمان القادم تحديد مواصفات المرشحين، والحد الأدنى لمؤهلاتهم وخبراتهم، ودور الأكاديميات ومراكز الدراسات والبحوث فى تدريب وتأهيل المدنيين على مهارات الإدارة، إضافة لتفعيل دور الأحزاب فى التأهيل السياسى لكوادرها.
الموقف العربى من مرشح الرئاسة
لم يحدث من قبل ان كان التأثير المتبادل بين الموقف العربى والإنتخابات الرئاسية فى مصر بمثل هذا القدر من القوة، خطة التقسيم الطائفى والعرقى التى كشفتها النيويورك تايمز سبتمبر2012 قسمت العراق، وتقسم سوريا، وتسعى لتفكيك الجيش حتى تقسم مصر، وهى نفس الخطة التى تستهدف السعودية، حروب الجيل الرابع التى اسقطت السودان، وتستهدف ليبيا واليمن، كادت ان تسقط البحرين، معطيات الموقف الإستراتيجى الراهن بالمنطقة جعلت من مصر حجر الزاوية فى الأمن الإقليمى العربى.. لوسقطت ينهار دون عناء.. إدراك دول الخليج لهذه الحقيقة، وامتلاكها قدرات اقتصادية وتمويلية ضخمة حولها لرمانة ميزان لمستقبل المنطقة، إما ان تنشىء نظام إقليمى وأمنى يجمعها بمصر ويحول دون انهيارهما معاً، تمهيداً لإعادة ترتيب الأوضاع بالمنطقة، او لاموضع لحديث عن مستقبل عربى.. بهذا الطرح يكون للخليج صوت مؤثر فى الإنتخابات المصرية.
دول الخليج تدرك أهمية دعمها لمصر خلال المرحلة المقبلة، لتجنيبها مخاطر الإنتقام من سقوط الإخوان وآثار الأزمة الإقتصادية، كما تعى مصر أهمية دورها فى ضمان أمن الخليج، تلاقى المصالح يحدد رؤية هذه الدول تجاه مرشحى الرئاسة، لأن فوز أحدهم ينعكس على حجم التوافق المصرى الخليجى فى مرحلة فارقة.
دول الخليج لاترحب بأى مرشح ينتمى للتيار الإسلامى، او مدعوماً منه، وذلك بعد تجربتها المريرة مع نظام الإخوان الذى أنعش الخلايا النائمة على اراضيها، واستخدم ايران للضغط عليها، كما لاتبدى ارتياحاً لصباحى.. محاولته ارتداء قميص عبدالناصر يعيد لذاكرتها مرحلة المواجهة بين مصر الجمهورية وأنظمتها الملكية، وإثارته لبعض الإشكاليات الإجتماعية قد ينطوى على تأليب بعض الفئات ضد الحكام، ناهيك عن تاريخ علاقته مع صدام حسين والقذافى، وتفاهماته مع مرسى.. موسى بالنسبة لهذه الدول وجه مقبول، بكل ماعرفوه عن دبلوماسيتة من قدرة على الموائمة.. اما نظرتها للمرشحين العسكريين فهى ترى ان إستقرار مصر على مدى السنوات الماضية ارتبط بحاكم ينتمى للمؤسسة العسكرية، واذا كان الإختيار ينحصر بين السيسى ومتنافسين ينتمون ايضاً لنفس المؤسسة فهى تفضل الأول لأن المرحلة المقبلة تتطلب قائد ينطلق من حركة، لا من يجتر ذاكرته، ولعل ذلك يفسر رفضها للطلب الأمريكى بالتدخل لعدم ترشح السيسى.
الموقف الدولى من مرشح الرئاسة
الولايات المتحدة تتبنى موقفاً معلناً ورافضاً للسيسى، فهى لاتريد لمصر قيادة كاريزمية، تحفظ تماسك الجيش، تعيد فعالية المؤسسات، تحرك الجماهير، تتخطى الحدود الى المنطقة العربية، تحشدها لإحباط مخططات التفتيت، وسداد الثغرات التى تنفذ منها حروب الجيل الرابع، وإزالة آثار “الفوضى الخلاقة”، واشنطن تعتمد على التنظيم الدولى للإخوان وركائزها بالمنطقة “قطر –السودان –تركيا”.. التنظيم يرفض إجراء الإنتخابات الرئاسية فى إطار دستور جديد يؤسس لشرعية جديدة، لاوجود للإخوان داخلها إلا كتنظيم ارهابى، لأول مرة فى تاريخ الجماعة.. العمليات الإرهابية وإثارة الفوضى هى الوسيلة الوحيدة للحيلولة دون استقرار الأوضاع فى البلاد، والتحرش العسكرى على الحدود مع السودان بشأن حلايب وشلاتين وعمليات التهريب عبر الحدود متوقع خلال المرحلة المقبلة، لإستدراج تشكيلات إضافية من الجيش فى اتجاه الجنوب وتخفيف الضغط على الجماعات المسلحة فى سيناء، بمايسمح بدفع تعزيزات للإرهابيين عبر الحدود الشرقية والغربية.. حكمة التعامل مطلوبة، فالأولوية للإنتهاء من الإستحقاقات الدستورية، واستكمال مؤسسات الدولة.. التنسيق المبكر مع حلفاء مصر فى الخليج، والعالم “روسيا والصين…” للتهدئة ونزع الفتيل أمر حتمى لتجنب إختيارات مرحلة الأزمة، لأن أحلى مافيها مرُ.
***
عملية حساب أوزان القوى المؤيدة لكل مرشح سابقة لأوانها، الطريقة التقليدية للحساب تعتمد على رصد مواقف القوى والأحزاب.. يصطف خلف السيسى المصريين الأحرار، الناصرى، التجمع، المصرى الديمقراطى، الجبهة الديمقراطية، جبهة مصر بلدى، وحملات كمل جميلك، نريد، قرار الشعب، بأمر الشعب، ومعظم الكتلة الصوفية “جبهة الإصلاح – الطريقة العزمية – شباب الصوفية”، اما أنصار الشيخ حاتم عنان فمن الطبيعى ان ينحازوا لشقيقه المرشح للرئاسة، حزب الكرامه الذى اسسه صباحى وحزب المؤتمر سينحازان للسيسى حال ترشحه، وإلا فالأول أقرب لمؤسسه، والثانى أقرب لموسى، حركة تمرد رغم انقسامها فأغلبيتها للسيسى، الوفد يتراجع عن تأييده لشفيق، وقد ينحاز للسيسى، والا فقد يدعم صباحى، عبد المنعم أبو الفتوح سيستأثر وحده بأصوات الإخوان والجماعة الإسلامية وحزب الوسط وحزبه “مصر القوية” والسلفيين باستثناء اعضاء حزب النور.. شباب 30 يونية، حزب الدستور، الحركات الإشتراكية واليسارية والأناركية والإشتراكيين الثوريين قد يميلوا لصباحى، الجمعية الوطنية للتغيير وحركة 6 ابريل يرفضان رئيس ينتمى للمؤسسة العسكرية لكنهما لم يتفقا على مرشح، شفيق لم تعلن تأييده سوى حركة شباب الإخوان المنشقون وحزب الحركة الوطنية وبعض قبائل البدو فى البحر الأحمر.
***
الحقيقة ان طريقة الحساب التقليدية تلك لاعلاقة لها بالواقع السياسى على الأرض، فالإنتخابات الرئاسية المقبلة يحسمها “حزب الكنبة” لا السياسيين ولا القوى والأحزاب، وترشح السيسى يحسمها لصالحه، من الجولة الأولى، ويجنبنا عودة “حزب الكنبة” الى البيوت، والدخول فى “حسبة برمه” تعيد للمشهد تأثير فئة “عاصرى الليمون” وأدبيات الصراع بين “الفلول والإخوان والعسكر”، ونتائج درامية صادمة نتيجة تفتيت أصوات المرشحين المدنيين والعسكريين، وتصدر ابوالفتوح للمشهد.. نتيجة انفاق بالغ الضخامة، واتساع غير مسبوق لحملة حشد الأنصار والمؤيدين بمختلف الوسائل والأساليب.
***
السيسى خاطر بحياته حين بادر بقيادة عملية دعم الإرادة الشعبية 30 يونية 2013.. هل أقدم على تلك المخاطرة ليشاهد الإخوان بعد عدة شهور يستعيدوا خطف الدولة المصرية؟! واذا كان الوضع الراهن لعلاقته بمؤسسه الرئاسة غير قابل للتثبيت إزاء رفض المستشار عدلى منصور الترشح، فهل السيسى من ذلك النمط من الرجال الذين يعطون أولوية لمصالحهم الذاتية فى البحث عن الأمان والهدوء الشخصى؟!
الخروج الرابع للشعب بعد30/6 و3/7 و26/7/2012 يدفع السيسى رسمياً لموقعه فى قلب الوطن.