حادث سقوط الرافعة فى الحرم 11 سبتمبر 2015 أدى الى استشهاد 111 حاج، ومئات المصابين، ماأفقد الحجاج الإحساس بالطمانينة.. وقوف الرافعات العملاقة من هذا القبيل يخضع لإعتبارات علمية، تحقق التوازن والاستقرار فى مواجهة كافة الظروف المناخية، ومن المؤكد ان وقوف الرافعة لم تراع فيه هذه الإعتبارات، ماعرضها للسقوط، ووفق ماأوضحه الدكتور عبدالله المسند بقسم الجغرافيا جامعة القصيم، فإن الجبال التى كانت تحيط بمكة كانت تعمل كمصدات طبيعية للرياح، وإزالة بعضها لبناء أبراج فندقية عالية، أدى الى نشوء تيارات هوائية قوية تمر من بين الأبراج فتتضاعف سرعتها فى اتجاه المدينة، كما ترتفع لتسقط من اعلاها بسرعات عالية فتسبب مايشبه الأعاصير، تلك ظواهر مناخية معروفة ينبغى ان توضع فى الإعتبار عند تنفيذ اية توسعات فى مكة المكرمة، قوة الرياح وعدم اتزان الرافعة –بسبب عمدى أو عن طريق السهو- تسببا فى حادث السقوط.. وهناك تفسيرات أخرى تستند على ان الحادث وقع فى ذكرى 11 سبتمبر، واصاب إحدى الرافعات التابعة لشركة بن لادن للمقاولات، باستخدام غاز الكيميتريل لإحداث أمطار رعدية وفروق ضغط جوى تتسبب فى الأعاصير، مع القصف بسلاح الصواعق Haarp، من محطات الإطلاق الموجودة في “فنلندا” و “صربيا” و “مناطق أخرى” تابعة للولايات المتحدة.. تطوير الأبحاث المتعلقة بالتحكم فى المناخ عملية مستمرة منذ تسعينات القرن الماضى، فى إطار علم الهندسة المناخية، لكن الجزم بمثل هذا الإستخدام يستلزم المزيد من الدلائل العلمية.
الإعلام الإيرانى يتربص دائما بالمملكة، وصف الحادث بأنه “نتيجة إهمال السلطات السعودية، وعدم أهليتهم لإدارة هذا المكان العظيم قبلة المسلمين الأولى الذي يجب أن يدار من قبل هيئة أمناء من العالم الإسلامي، وصحيفة الجارديان وصفت الحادث بأنه يكشف عن مخاطر عمليات التوسعة المتسارعة غير المطابقة للمواصفات لمكة المكرمة.
***
فى سبعة أغسطس الماضى كتب محمد المقالح المحسوب على الحوثيين فى اليمن على صفحته بالفيس بوك “في موسم الحج سيكون هناك أمور لم يشهد لها التاريخ مثيلاً… دقوا يا رجال الله قبل الموسم ليتتوج نصركم يوم الوقوف على جبل عرفة”، إذن هو مخطط على نحو مسبق لتحقيق هدف سياسى، مايفسر انه بعد وقوع الحادث فى وقفة عرفات بدقائق صدر بيان من الخارجية الإيرانية يطالب بـ”تسليم شئون الحج لمنظمة المؤتمر الإسلامى لتدويل إدارته”، كما تزامن معه بيان مدير شئون الحج التركى مؤكداً “ان هناك مشكلة واضحة فى إدارة الحج، وقد اصبح من الضرورى عقد إجتماع دولى للبحث فى آليات تأمينه”، فجاجة موقف الأخير دفع اردوغان لإعلان رفضه تحميل السعودية مسؤولية الحادث وإظهارها بمظهر المذنب، رغم أنها تفعل ما بوسعها لضمان حسن سير المناسك، وأمير قطر يدعو الى تدويل إدارة الحج، حتى لاتتكرر الكوارث التى وصفها بانها نتيجة للأخطاء والتقصير المتعمد!!
حادث التدافع في منى هو الأول من نوعه الذي يشهده جسر الجمرات منذ تدافع يناير 2006، الذى أسفر عن وفاة 362 حاجًا، وهنا لابد من وقفة موضوعية للحيلولة دون تكرار مثل هذه الحوادث المؤسفة.. فالإدارة السعودية حرصت على تكريم وتامين ضيوفها من الحكام والسياسيين، لكن ذلك تحول بمرور الزمن، وتدخل جهات الإدارة، الى تمييز لأصحاب المقام الرفيع من رجال الإعلام وأصحاب رأس المال، ماينافى تماما فلسفة الإسلام فى فرض المساواة بين البشر فى الشعائر المقدسة حتى من خلال المظهر، الذى لاتدع فيه ملابس الإحرام أى مجال للتفاخر بالوضعية الإجتماعية أو المالية، ومن الطبيعى فى مكان محدود كالذى تقام فيه الشعائر ان يكون التوسع فى تخصيص مواقع خاصة للفئات المتميزة خصماً من المتاح لباقى الحجيج.
أحد الأسباب الرئيسية لحالة التدافع هى تعجل الحجاج إنهاء المناسك قبل حلول مواعيد انتهاء حجوزات فنادقهم، ومغادرة طائراتهم، بعد تاخير وقفة عرفات لمدة 24 ساعة عما حددته الرؤيا الفلكية، التى حرصت السعودية فى السنوات الأخيرة على التوافق معها، معهد البحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر حدد غرة ذو الحجة فى مكة يوم الإثنين 14 سبتمبر، والوقفة يوم الثلاثاء 15، واول ايام العيد الأربعاء 16، وهو مااكدته القبة السماوية فى الشارقة بدولة الإمارات.. العودة للرؤية البصرية يكرر اخطاء الماضى، التى ارتكبها رجال “دين” يحرصون على العطايا وتبريكات البشارة اكثر من حرصهم على الإقرار بتعذر الرؤيا.
والحقيقة ان كل الشواهد تشير الى دور ايرانى فى هذه الحوادث بهدف تهديد الإستقرار الداخلى بالسعودية، والتشكيك فى قدرة نظام الحكم على فرض السيطرة وحسن إدارة الأماكن الدينية المقدسة، وذلك للرد على تصدى السعودية للتغلغل الإيرانى فى اليمن، لذلك قد يكون هناك بعض التسرع فى التحقيقات المتعلقة بتحديد المسئولين عن وقوع الحادث، وإصدار أحكام بإعدام 28 من المسؤولين عن تحديد افواج الحجاج، لأن التحقيق فى هذا الحادث لايمكن ان يتم بمعزل عما سبقته من حوادث أخرى، أحدثت حالة من الذعر لدى الحجاج، وهيأتهم للتدافع عند اى شك فى إحتمال تعرضهم للتهديد، أولها سقوط الرافعة، وحريق أحد الفنادق، والإنهيار الصخرى على أحد العمارات السكنية، ثم تعطل القطار الخاص بنقل الحجاج الى منى لرمى الجمرات لمدة خمس ساعات كاملة، أعقبها تدافع الركاب بمجرد وصوله، ثم إغلاق الأبواب على ركابه وتعطله لساعة أخرى كاملة تعددت فيها حالات الإغماء والذعر، قبل ان يتوجه لمنى بركاب فى أشد حالات التوتر والخوف والقلق.. كل هذه مراحل للحادث، ترتبط به وتؤثر عليه، وبها مسئولين لاينبغى ان يظلوا بعيدين عن المساءلة.
العاهل السعودى امر بمراجعة خطط المملكة لموسم الحج، وولى العهد تراس اجتماعاً طارئاً للقيادات الأمنية، والأمر يتطلب قرارات استراتيجية .. أهمها مراعاة التوازن بين الرغبة فى التوسع لإعطاء الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء فريضة الحج، وضرورة ألا تتجاوز الأعداد متطلبات خطة الإخلاء فى حالات الطوارىْ، وسهولة تحرك القوات الأمنية وعناصر الإنقاذ والإطفاء والإسعاف.. إن تكديس كل هذه الأعداد فى مساحة محدودة تفرضها طبيعة المناسك يشكل خطراً داهماً على الأرواح، ويعوق التدخل فى حالات الطوارىء.
ايران حاولت إستغلال الحادث فى اللعب على التوازنات الداخلية بالمملكة، من خلال تسريبات لوكالة أنباء “فارس” و”الديار” اللبنانية القريبة من حزب الله الشيعى، بأن التدافع كان نتيجة للإجراءات الأمنية التى ارتبطت بمرور موكب الأمير محمد بن سلمان، وإغلاق واحد من البوابات الأربعة التى يدخل منها الحجاج لرمى الجمرات، الإعلام السعودى رد على هذا بالإدعاء بأن سبب التدافع سلوك مخطط من جانب قرابة الف من الحجاج الإيرانيين تجمعوا بتقاطع شارعى (٢٠٤) و(٢٢٣) بمنى ولم يمتثلوا لتعليمات الفض وساروا فى الإتجاه المعاكس، ومسئول بمؤسسة مطوفى ايران لم ينف لكنه خفض عددهم لثلاثمائة حاج، لكن كل ذلك يظل تسييساً غير مقبول لحادث يستحق المزيد من التحقيق والتحرى الجاد.
***
حوادث الحرم مخطط يستهدف الأسرة الحاكمة السعودية، التى تعتبر خدمتها للحرمين الشريفين أهم مبررات مشروعيتها، وذلك رداً على الدور الإقليمى النشط فى استعادة ثقلها بالمنطقة، وإفساد المخطط الإيرانى لتطويقها، غير ان السعودية ينبغى ان تنتبه الى نقطتين بالغتى الأهمية..
الأولى: ضرورة ان ينصب اهتمامها لتوحيد أجنحة الأسرة الحاكمة، وتجنب الإنشغال بترتيبات تتعلق بتوريث العرش قفزاً على اعتبارات قبلية وعائلية مستقرة، لأن تجاهل ذلك سيشعل ناراً تأكل الجميع، ويكفى هنا ان نشير الى ان الجهات المعادية للمملكة استغلت تلك الحوادث فى الترويج بأن هناك مؤامرة وراء سقوط الرافعة تستهدف الإطاحة بإمبراطورية “بن لادن” من مشروعات توسعة الحرمين التي كانت حكرا عليها، لصالح شركة “نسما” التي يملكها “محمد بن سلمان” ولي ولي العهد، وزير الدفاع، كما أشرنا لمحاولة إقحام ولى ولى العهد فى حادث التدافع، فضلاً عما يتردد من ترتيب هذه الحوادث من داخل الأسرة الحاكمة لإستغلالها فى الإطاحة بالأمير محمد بن نايف ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الداخلية،ورئيس لجنة الحج العليا، ليحل محله بن سلمان تمهيداً لتنازل الملك عن الحكم لصالح نجله.. هذه التفسيرات المسيئة تحدث اثراً سلبيا بالغاً على استقرار النظام السعودى بالداخل والخارج وينبغى اعطاء اهمية قصوى لدحضها نظرياً وعملياً..
الثانية: أهمية ان تستوعب القيادة السعودية استراتيجيات التغيير بالمنطقة، وهى متسارعة وعنيفة، وبالتالى تبدى من المرونة مايسمح لها بفرض وجودها ضمن القوى الرئيسية المشاركة فى إعادة ترتيب الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط، ونشير هنا الى ان جمود الموقف السعودى تجاه ضرورة الإطاحة فوراً بالرئيس بشار الأسد يكاد يجهض كل جهودها للتقارب الإستراتيجى مع روسيا، بينما تتراجع الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن موقفها المتشدد من نظام الأسد، لقناعتها بأن ماسيترتب على سقوطه من نتائج سيؤدى لسقوط الدولة السورية، وتوطن كيانات إرهابية بدلاً منه يصعب مواجهتها مستقبلاً..
رحم الله شهداء الحرم، وحمى الأسرة السعودية من مخاطر الصراع والإنقسام، فهى الجناح الثانى الذى لاغنى عنه لنجاح مصر فى سياستها الإقليمية التى تستهدف تطهير المنطقة من الإرهاب، واستعادة وحدة دولها الوطنية، وتحقيق أمن المواطن العربى.