RSS

Monthly Archives: سبتمبر 2015

حوادث الحرم.. والمؤامرة على السعودية

12043010_10207061004856268_5305660913613858898_n

حادث سقوط الرافعة فى الحرم 11 سبتمبر 2015 أدى الى استشهاد 111 حاج، ومئات المصابين، ماأفقد الحجاج الإحساس بالطمانينة.. وقوف الرافعات العملاقة من هذا القبيل يخضع لإعتبارات علمية، تحقق التوازن والاستقرار فى مواجهة كافة الظروف المناخية، ومن المؤكد ان وقوف الرافعة لم تراع فيه هذه الإعتبارات، ماعرضها للسقوط، ووفق ماأوضحه الدكتور عبدالله المسند بقسم الجغرافيا جامعة القصيم، فإن الجبال التى كانت تحيط بمكة كانت تعمل كمصدات طبيعية للرياح، وإزالة بعضها لبناء أبراج فندقية عالية، أدى الى نشوء تيارات هوائية قوية تمر من بين الأبراج فتتضاعف سرعتها فى اتجاه المدينة، كما ترتفع لتسقط من اعلاها بسرعات عالية فتسبب مايشبه الأعاصير، تلك ظواهر مناخية معروفة ينبغى ان توضع فى الإعتبار عند تنفيذ اية توسعات فى مكة المكرمة، قوة الرياح وعدم اتزان الرافعة –بسبب عمدى أو عن طريق السهو- تسببا فى حادث السقوط.. وهناك تفسيرات أخرى تستند على ان الحادث وقع فى ذكرى 11 سبتمبر، واصاب إحدى الرافعات التابعة لشركة بن لادن للمقاولات، باستخدام غاز الكيميتريل لإحداث أمطار رعدية وفروق ضغط جوى تتسبب فى الأعاصير، مع القصف بسلاح الصواعق Haarp، من محطات الإطلاق الموجودة في “فنلندا” و “صربيا” و “مناطق أخرى” تابعة للولايات المتحدة.. تطوير الأبحاث المتعلقة بالتحكم فى المناخ عملية مستمرة منذ تسعينات القرن الماضى، فى إطار علم الهندسة المناخية، لكن الجزم بمثل هذا الإستخدام يستلزم المزيد من الدلائل العلمية.

الإعلام الإيرانى يتربص دائما بالمملكة، وصف الحادث بأنه “نتيجة إهمال السلطات السعودية، وعدم أهليتهم لإدارة هذا المكان العظيم قبلة المسلمين الأولى الذي يجب أن يدار من قبل هيئة أمناء من العالم الإسلامي، وصحيفة الجارديان وصفت الحادث بأنه يكشف عن مخاطر عمليات التوسعة المتسارعة غير المطابقة للمواصفات لمكة المكرمة.

***

فى سبعة أغسطس الماضى كتب محمد المقالح المحسوب على الحوثيين فى اليمن على صفحته بالفيس بوك “في موسم الحج سيكون هناك أمور لم يشهد لها التاريخ مثيلاً… دقوا يا رجال الله قبل الموسم ليتتوج نصركم يوم الوقوف على جبل عرفة”، إذن هو مخطط على نحو مسبق لتحقيق هدف سياسى، مايفسر انه بعد وقوع الحادث فى وقفة عرفات بدقائق صدر بيان من الخارجية الإيرانية يطالب بـ”تسليم شئون الحج لمنظمة المؤتمر الإسلامى لتدويل إدارته”، كما تزامن معه بيان مدير شئون الحج التركى مؤكداً “ان هناك مشكلة واضحة فى إدارة الحج، وقد اصبح من الضرورى عقد إجتماع دولى للبحث فى آليات تأمينه”، فجاجة موقف الأخير دفع اردوغان لإعلان رفضه تحميل السعودية مسؤولية الحادث وإظهارها بمظهر المذنب، رغم أنها تفعل ما بوسعها لضمان حسن سير المناسك، وأمير قطر يدعو الى تدويل إدارة الحج، حتى لاتتكرر الكوارث التى وصفها بانها نتيجة للأخطاء والتقصير المتعمد!!

حادث التدافع في منى هو الأول من نوعه الذي يشهده جسر الجمرات منذ تدافع يناير 2006، الذى أسفر عن وفاة 362 حاجًا، وهنا لابد من وقفة موضوعية للحيلولة دون تكرار مثل هذه الحوادث المؤسفة.. فالإدارة السعودية حرصت على تكريم وتامين ضيوفها من الحكام والسياسيين، لكن ذلك تحول بمرور الزمن، وتدخل جهات الإدارة، الى تمييز لأصحاب المقام الرفيع من رجال الإعلام وأصحاب رأس المال، ماينافى تماما فلسفة الإسلام فى فرض المساواة بين البشر فى الشعائر المقدسة حتى من خلال المظهر، الذى لاتدع فيه ملابس الإحرام أى مجال للتفاخر بالوضعية الإجتماعية أو المالية، ومن الطبيعى فى مكان محدود كالذى تقام فيه الشعائر ان يكون التوسع فى تخصيص مواقع خاصة للفئات المتميزة خصماً من المتاح لباقى الحجيج.

أحد الأسباب الرئيسية لحالة التدافع هى تعجل الحجاج إنهاء المناسك قبل حلول مواعيد انتهاء حجوزات فنادقهم، ومغادرة طائراتهم، بعد تاخير وقفة عرفات لمدة 24 ساعة عما حددته الرؤيا الفلكية، التى حرصت السعودية فى السنوات الأخيرة على التوافق معها، معهد البحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر حدد غرة ذو الحجة فى مكة يوم الإثنين 14 سبتمبر، والوقفة يوم الثلاثاء 15، واول ايام العيد الأربعاء 16، وهو مااكدته القبة السماوية فى الشارقة بدولة الإمارات.. العودة للرؤية البصرية يكرر اخطاء الماضى، التى ارتكبها رجال “دين” يحرصون على العطايا وتبريكات البشارة اكثر من حرصهم على الإقرار بتعذر الرؤيا.  

والحقيقة ان كل الشواهد تشير الى دور ايرانى فى هذه الحوادث بهدف تهديد الإستقرار الداخلى بالسعودية، والتشكيك فى قدرة نظام الحكم على فرض السيطرة وحسن إدارة الأماكن الدينية المقدسة، وذلك للرد على تصدى السعودية للتغلغل الإيرانى فى اليمن، لذلك قد يكون هناك بعض التسرع فى التحقيقات المتعلقة بتحديد المسئولين عن وقوع الحادث، وإصدار أحكام بإعدام 28 من المسؤولين عن تحديد افواج الحجاج، لأن التحقيق فى هذا الحادث لايمكن ان يتم بمعزل عما سبقته من حوادث أخرى، أحدثت حالة من الذعر لدى الحجاج، وهيأتهم للتدافع عند اى شك فى إحتمال تعرضهم للتهديد، أولها سقوط الرافعة، وحريق أحد الفنادق، والإنهيار الصخرى على أحد العمارات السكنية، ثم تعطل القطار الخاص بنقل الحجاج الى منى لرمى الجمرات لمدة خمس ساعات كاملة، أعقبها تدافع الركاب بمجرد وصوله، ثم إغلاق الأبواب على ركابه وتعطله لساعة أخرى كاملة تعددت فيها حالات الإغماء والذعر، قبل ان يتوجه لمنى بركاب فى أشد حالات التوتر والخوف والقلق.. كل هذه مراحل للحادث، ترتبط به وتؤثر عليه، وبها مسئولين لاينبغى ان يظلوا بعيدين عن المساءلة.  

العاهل السعودى امر بمراجعة خطط المملكة لموسم الحج، وولى العهد تراس اجتماعاً طارئاً للقيادات الأمنية، والأمر يتطلب قرارات استراتيجية .. أهمها مراعاة التوازن بين الرغبة فى التوسع لإعطاء الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء فريضة الحج، وضرورة ألا تتجاوز الأعداد متطلبات خطة الإخلاء فى حالات الطوارىْ، وسهولة تحرك القوات الأمنية وعناصر الإنقاذ والإطفاء والإسعاف.. إن تكديس كل هذه الأعداد فى مساحة محدودة تفرضها طبيعة المناسك يشكل خطراً داهماً على الأرواح، ويعوق التدخل فى حالات الطوارىء.   

ايران حاولت إستغلال الحادث فى اللعب على التوازنات الداخلية بالمملكة، من خلال تسريبات لوكالة أنباء “فارس” و”الديار” اللبنانية القريبة من حزب الله الشيعى، بأن التدافع كان نتيجة للإجراءات الأمنية التى ارتبطت بمرور موكب الأمير محمد بن سلمان، وإغلاق واحد من البوابات الأربعة التى يدخل منها الحجاج لرمى الجمرات، الإعلام السعودى رد على هذا بالإدعاء بأن سبب التدافع سلوك مخطط من جانب قرابة الف من الحجاج الإيرانيين تجمعوا بتقاطع شارعى (٢٠٤) و(٢٢٣) بمنى ولم يمتثلوا لتعليمات الفض وساروا فى الإتجاه المعاكس، ومسئول بمؤسسة مطوفى ايران لم ينف لكنه خفض عددهم لثلاثمائة حاج، لكن كل ذلك يظل تسييساً غير مقبول لحادث يستحق المزيد من التحقيق والتحرى الجاد.  

***

حوادث الحرم مخطط يستهدف الأسرة الحاكمة السعودية، التى تعتبر خدمتها للحرمين الشريفين أهم مبررات مشروعيتها، وذلك رداً على الدور الإقليمى النشط فى استعادة ثقلها بالمنطقة، وإفساد المخطط الإيرانى لتطويقها، غير ان السعودية ينبغى ان تنتبه الى نقطتين بالغتى الأهمية..

الأولى: ضرورة ان ينصب اهتمامها لتوحيد أجنحة الأسرة الحاكمة، وتجنب الإنشغال بترتيبات تتعلق بتوريث العرش قفزاً على اعتبارات قبلية وعائلية مستقرة، لأن تجاهل ذلك سيشعل ناراً تأكل الجميع، ويكفى هنا ان نشير الى ان الجهات المعادية للمملكة استغلت تلك الحوادث فى الترويج بأن هناك مؤامرة وراء سقوط الرافعة تستهدف الإطاحة بإمبراطورية “بن لادن” من مشروعات توسعة الحرمين التي كانت حكرا عليها، لصالح شركة “نسما” التي يملكها “محمد بن سلمان” ولي ولي العهد، وزير الدفاع، كما أشرنا لمحاولة إقحام ولى ولى العهد فى حادث التدافع، فضلاً عما يتردد من ترتيب هذه الحوادث من داخل الأسرة الحاكمة لإستغلالها فى الإطاحة بالأمير محمد بن نايف ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الداخلية،ورئيس لجنة الحج العليا، ليحل محله بن سلمان تمهيداً لتنازل الملك عن الحكم لصالح نجله.. هذه التفسيرات المسيئة تحدث اثراً سلبيا بالغاً على استقرار النظام السعودى بالداخل والخارج وينبغى اعطاء اهمية قصوى لدحضها نظرياً وعملياً..

الثانية: أهمية ان تستوعب القيادة السعودية استراتيجيات التغيير بالمنطقة، وهى متسارعة وعنيفة، وبالتالى تبدى من المرونة مايسمح لها بفرض وجودها ضمن القوى الرئيسية المشاركة فى إعادة ترتيب الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط، ونشير هنا الى ان جمود الموقف السعودى تجاه ضرورة الإطاحة فوراً بالرئيس بشار الأسد يكاد يجهض كل جهودها للتقارب الإستراتيجى مع روسيا، بينما تتراجع الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن موقفها المتشدد من نظام الأسد، لقناعتها بأن ماسيترتب على سقوطه من نتائج سيؤدى لسقوط الدولة السورية، وتوطن كيانات إرهابية بدلاً منه يصعب مواجهتها مستقبلاً..

رحم الله شهداء الحرم، وحمى الأسرة السعودية من مخاطر الصراع والإنقسام، فهى الجناح الثانى الذى لاغنى عنه لنجاح مصر فى سياستها الإقليمية التى تستهدف تطهير المنطقة من الإرهاب، واستعادة وحدة دولها الوطنية، وتحقيق أمن المواطن العربى.

gtaha2007@gmail.com

   

 

 
3 تعليقات

Posted by في 2015/09/26 بوصة غير مصنف

 

إنشقاق «الإخوان».. وإنقلاب السحر على الساحر

1

مؤسس الإخوان “حسن احمد عبدالرحمن محمد”.. شهرته “حسن البنا الساعاتى”.. “البنا” هى الترجمة العربية لكلمة ماسونى Mason، وحتى لاتُفسر باعتبارها مهنة “بناء” أضيفت “الساعاتى”، مهنتة ومهنة والده وجده.. ولد بقرية “دميتوه” بدمنهور، حيث استقر جده -منذ قدومه مهاجراً من المغرب- فى منزل قرب مقام “ابوحصيرة”، المغربى الأصل، ومقصد اليهود، قبل إلغاء الإحتفال بمولده.. تأسيس جماعة الإخوان كان إستجابة لدعوة أطلقها السلطان عبدالحميد على مدى 30 عاماً، لإنشاء «الجامعة الإسلامية»، كبديل لإنحلال وتفكك الإمبراطورية العثمانية، وقطع الطريق على المطالب القومية للشعوب الخاضعة لها.. شعار حزب “الحرية والعدالة” مقتبس من شعار الماسونية “حرية عدالة مساواة”، وكف “رابعة” أشهر رموز الماسونية.. تلك مقدمة ضرورية للتذكير ببدايات تنظيم، نشهد حالياً بوادر إنحلاله.

الإعلام يلهث وراء “سيناريو إنشقاق الإخوان”، بين الحرس القديم، والشباب الغاضب.. تحليلات واجتهادات تفتقر للحقيقة، المتمثلة فى إتفاق القادة على توزيع الأدوار بين الطرفين، لمواجهة التحديات الراهنة، بعض الأطراف تتجاوز دورها المتفق عليه فى الصراع، يرد الآخر بالمثل، يخسر الطرفان، فتعيدهما القيادة للسيناريو الموضوع!!.

***

بعد الإطاحة بمرسى انقلبت مجموعة من شباب الجيزة على قيادة الجماعة، تزعمهم على خفاجى امين شباب “الحرية والعدالة”، فى إعتصام رابعة إنضمت لهم مجموعات من المحافظات، طالبوا بإعادة هيكلة التنظيم، وتولى قيادة شبابية جديدة، حاول مكتب الإرشاد إحتوائهم، شكل منهم “خلية ازمة” إحتياطية، لإدارة الجماعة حال القبض على اعضاء مكتب الإرشاد، وهو ماحدث بالفعل بعد فض الإعتصامات، صدور أحكام الإعدام والمؤبد على قيادات الجماعة، وهروب أو إختفاء الحرس القديم، دفع “الإدارة الجديدة” لتقنين وضعها بانتخابات محلية فبراير 2015، أبقت على بديع مرشداً عاماً، إستبدلت 65% من القيادات بعناصر شبابية، وشكلت مكتب إدارة الأزمة من د.محمد كمال أستاذ الأنف والأذن جامعة أسيوط، على بطيخ، محمد طه وهدان “كلف بأعمال المرشد وإدارة الأزمة”، حسين إبراهيم “أمين الحرية والعدالة”، أحمد عبد الرحمن، رئيس المكتب الإدارى بالخارج، محمد سعد عليوه، ومحمد منتصر متحدثاً رسمياً، أيدها عمرو دراج، يحى حامد، واسامة سليمان، و4 من مسئولى القطاعات السبعة “القاهرة- الأسكندرية- شمال الصعيد- وسط الدلتا”، ولجنة الطلاب، وأنشأت لجنة الشباب لتوجيه أنشطة الشارع، و”الهيئة الشرعية” لتحل محل لجنة نشر الدعوة، القرضاوى أيد الإدارة الجديدة، التى تبنت “نداء الكنانة”، المُحَرِض على قتل العسكريين والشرطة والإعلاميين والقضاة.

الحرس القديم “محمود عزت، ابراهيم منير، محمود حسين، محمد عبدالرحمن، محمود الإبيارى، محمد البحيرى…”، بدأ يروج لسيناريو الإنشقاق، مؤكداً انه يسيطر على مصادر التمويل، ويحظى بتأييد 3 مسئولين للقطاعات “الشرقية- الدقهلية- جنوب الصعيد”، ويسعى لإستقطاب مسئولى التربية واللجنة السياسية، ومروجاً لنفسه بتبنى “السلمية”، فى مواجهة الإدارة الشبابية التى تسعى لـ”دعشنة” الجماعة، الهدف.. أن تهرع الدولة للعفو عن القيادات المسجونة، وتمكينها من السيطرة على “جموح الشباب”، مايعنى إلغاء وصف التنظيم بالإرهابى، والإعتراف به، وعودته للساحة السياسية.. مظهر الإنشقاق إنعكس بوضوح على الفضائيات -أهم أدوات الجماعة فى حربها ضد الدولة- منذ فض رابعة دأب الإرشاد على تمويل الفضائيات “الشرق، رابعة، مكملين، الحوار، مصر الآن…”، ثم يترك إدارتها للشباب.. لم تنجح، إذ إقتصرت مشاهدتها على أعضاء الجماعة الملتزمون بالسمع والطاعة، إلا انها تمكنت من توسيع نطاق المشاركين فى العنف، بتبنيها للتحريض، مايشكل زيادة فى الضغط على الدولة.. عندما يبدأ التحريض فى التاثير على الصورة الدولية للتنظيم يغلقها الإرشاد، مؤكداً التمييز بين توجهاته “السلمية”، و”إندفاع الشباب”، ويفتتح غيرها بإسم مختلف، المحلل التركى أحمد زاهد جول المقرب من “العدالة والتنمية” أكد انه “لم تطلب أى جهة تركية من الإخوان إغلاق قناة، وما يشاع على لسان بعضهم هو الكذب بعينه”.

القبض على بعض القيادات الحركية ومجموعات “الأنشطة النوعية” متلبسين باغتيال ضباط جيش وشرطة وتخريب المرافق الخدمية “المحولات وأبراج الكهرباء…”، سبب قلقاً للقيادة القديمة، خشية إنعكاس ذلك على الصورة الدولية للتنظيم.. محمود غزلان باعتباره نائباً للمرشد، وقائماً بأعماله، نشر مقالاً فى مايو الماضى أكد على “السلمية ونبذ العنف”، أعقبه محمود حسين بمقال مماثل ذيله بصفته “أمين عام الجماعة”، ماأثار ردوداً غاضبة من الشباب.. اتهموهم علناً بالفشل فى إدارة الملفات الثلاثة التى تولوها منذ الإطاحة بمرسى.. ملف الإعلام كان أداؤه سيئاً، الملف الحقوقى خسرت فيه الجماعة كافة القضايا المرفوعة ضد الدولة ومسئوليها، والملف السياسى خُربت فيه العلاقات الخارجية للجماعة حتى مع جنوب افريقيا وتركيا وقطر، وإدعى الشباب نجاحهم فى إدارة ملف الحراك الثورى بالداخل.. القيادة القديمة دعتهم لإجتماع بالداخل، لكنهم رفضوا، واعتبروا الدعوة إنقلاباً على ماتم من إجراءات قانونية لإعادة هيكلة الجماعة.

أواخر مايو تم القبض على وهدان وعليوة وسط قناعة الشباب بأن الحرس القديم حاول التخلص منهم بمساعدة الأمن فى الوصول اليهما، بعدها بأيام قليلة قُبِضَ على غزلان والبر والشرقاوى أعضاء الإرشاد، ليردد أنصار الحرس القديم بأن إعترافات وهدان وعليوة أدت للإيقاع بهم.. شروخ تراكمت، وولدت حالة حادة من فقدان الثقة، خلقت إنشقاقاً فعلياً بالجماعة، يتجاوز السيناريوهات الموضوعة.

فى 8 أغسطس إجتمع ممثلى الطرفين بتركيا للتهدئة، إتُفق على استمرار محمود عزت -المعروف بميله الى العنف- قائما بأعمال المرشد، وابراهيم منير -الذى يعكس صورة سلمية للتنظيم أمام الغرب- نائباً له ومسئولاً عن ملف الإعلام، وأحمد عبد الرحمن –من الإدارة الجديدة- مديراً لمكتب الإخوان بالخارج، وتوافقوا على إجراء إنتخابات داخلية فى اسرع وقت لتشكيل لجنة جديدة لإدارة الأزمة.. أواخر اغسطس تراجع الحرس القديم عما تم الإتفاق عليه بعد إدراكه  أن تحكم الإدارة الجديدة فى تحركات التنظيم على الأرض، بسبب غيابه عن الداخل، تجعلها الأقوى، فقرر وقف كل صور التمويل عنها لإجبارها على الإنصياع له، وطالبها بإغلاق المواقع الإلكترونية التابعة لها وتسليمها لمنير، وبدأ الإعداد لإنتخاب ممثلين جدد للقطاعات المؤيدة للشباب.

***

عودة جماعة الإخوان لممارسة العمل السياسى بالجامعات مطلع السبعينات بعد إعدام قطب ومعاونية 1966، والتوسع فى العمل الجماهيرى، تعطيها الثقة بأنه حتى فى حالة إعدام قادتها الحاليين فهى قادرة على العودة للساحة، لولا سيناريو الإنشقاق، الذى بدأ بالإتفاق على توزيع الأدوار لخداع الدولة وإنقاذ رؤوس القادة، وإنتهى بانشقاق فعلى للجماعة، ووضعها أمام خيارين أحلاهما مُر.. الأول إنتصار الحرس القديم، وهو إحتمال يؤدى لإنشقاق قطاع واسع من الشباب “لن يقل عن الثلث”، لقناعتهم بإنفصال هذه القيادة عن الواقع، وعدم تقديرها أن ثمن قراراتها الخاطئة يدفعه الشباب على الأرض، قطاع كبير من هؤلاء مهيأ للإنضمام للجماعات الإرهابية، خاصة بعد الدعوات الصريحة التى وجهتها “داعش” و”النصرة” لشباب الإخوان بالإنخراط فى صفوفهم.. الثانى ان يتغلب جناح الشباب مايعنى فقدانهم مصادر التمويل، وعجزهم عن تغطية التزامات الجماعة، خاصة تجاه أسر المسجونين، الأمر الذى يدفعهم لتوسيع نطاق العنف وتشكيل جماعات تمويل بالسطو والسرقة المسلحة، على نحو ماقامت به الجماعات الإسلامية فى الثمانينات والتسعينات، وتلك أخطر إشكاليات التنظيم فى المرحلة المقبلة، مايفسر خروج يوسف ندا عن صمته، وإعلانه التوسط لرأب الصدع داخله، وإنحيازه منذ البداية للشباب، باعتباره القوة الفاعلة على الأرض، مايوسع الإنشقاق لداخل معسكر الحرس القديم.

gtaha2007@gmail.com

 
تعليق واحد

Posted by في 2015/09/18 بوصة غير مصنف

 

شريف اسماعيل.. بين مبررات الكفاءة، وافتقاد المواءمة السياسية

d696551c91f621600e32013b940b587a

تكليف المهندس شريف اسماعيل بتشكيل الحكومة الجديدة يعكس رؤية أحادية التفكير، تنطلق من تقديرها لعامل الكفاءة، وطبيعة المرحلة، وتستند الى إعتبارات موضوعية لامجال للتشكيك فى أهميتها:

1- أنه عمل منذ تخرجه حتى عام 1979 كمهندس في مجال البحث والاستكشاف، ومصر مقبلة على مرحلة بالغة الأهمية فى مجال التنقيب عن ثرواتها الدفينة من البترول والغاز، تحتاج لمن يستطيع التعامل مع ألاعيب ومصالح إحتكارات البترول الدولية التى تتولى عمليات التنقيب.

2- انه تولى التفاوض مع الشركات البترولية العاملة بمصر، منذ أن التحق بحكومة الببلاوى، لتسوية نزاعاتها مع الدولة، نتيجة لتراكم الديون التى بلغت 6 مليار دولار، بسبب سحب الحكومة من حصة هذه الشركات دون سداد المقابل، وقد نجح بالفعل فى تسوية نصف هذه الديون، وجدولة النصف الباقى، ولولا تسوية هذه المشكلة ماكان يمكن للشركات استئناف استثماراتها فى عمليات التنقيب التى كشفت عن حقل شروق الواعد.

3- ان تكليفه يعكس تأكيد لرؤيا متفائلة بأن مستقبل مصر ورخائها يعتمد على عائدات النفط والغاز، واستثماراتها الضخمة التى ستنعكس على عمليات التنمية.

***

غير أن هذا التكليف يفتقد للمواءمة السياسية، فنحن فى اتون معركة ضارية ضد الفساد، والإعلام طبل وزمر لها، واستبق العدالة بنصب المحاكم غير الشرعية، على شاشات الفضائيات، لينكشف المستور، ويصيب المجتمع كله بحالة من الغثيان.. ماسورة صرف صحى فتحت على أرض المحروسة، وبالتالى لم يكن من الملائم تكليف وزير ينتمى الى أى من الوزارات التى لاترتقى فوق الشبهات فيما يتعلق بفساد مسئوليها وهى الزراعة- الأوقاف- البترول- التنمية المحلية…”، خاصة وان هناك بعض الأمور المتعلقة بالمرشح الجديد ينبغى ان توضحها الدولة للراى العام قبل تشكيل الحكومة:

1- رئيس الحكومة المكلف عمل منذ عام 2005 حتى 2007 بشركة إيجاس ومنذ 2007 حتى 2013 بشركة جنوب الوادى للبترول.. شركات البترول هى الباب الخلفى للفساد والرشوة الحكومية، بتعيين أبناء أعضاء مجلس الشعب وكبار المسئولين بمرتبات لامنطقية، كنوع من الترضية، أو التكميم.. فأين شريف اسماعيل من تلك التصرفات؟!

2- ويرتبط بذلك مباشرة ماردده المستشار مرتضى منصور من تعيين رئيس الوزراء المكلف لزوجته وشقيقها وعدد من الأقارب بشركة انبى للبترول.

3- كذلك أبعاد شهادته فى قضية تصدير البترول لإسرائيل التى كانت سبباً فى براءة سامح فهمى ومبارك وحسين سالم المتهمين فى القضية.

4- ثم ماطفح علينا فجأة من البومات صور تجمع رئيس الوزراء المكلف بالمدعو محمد فودة، المتهم الرئيسى فى قضية فساد وزارة الزراعة، فى مناسبات مختلفة، ناهيك عن مقالات المدح والإشادة التى كالها المذكور لشريف اسماعيل، وزيارات الأخير لزفتى المقر الإنتخابى لفودة لإفتتاح مشروعات فيها بحضور فودة فى الواجهة، وكل ذلك يستحق التبرير لما إذا كان وراءه أية خلفيات من إرتباطات أو مصالح.

5- أننا نمر بمرحلة تُخرج فيها جماعة الإخوان خلاياها النائمة من جحورها بعد ان غابت صفوفها الأولى والثانية وجزء من الثالثة، وباتت مهددة بالغياب تماما عن الساحة، وقد لاحظ الأستاذ مجدى الدقاق الكاتب الكبير أن “الرجل لم يضبط يوما وهو حليق الذقن، ويضع ساعتة في يده اليمني” وأضاف “طبعا ربما يكون ذلك نوع من الروشنة الشبابيه، وليس دروشة علي طريقة انوار السلف الصالح” وهى ملحوظة على كل حال تستحق التدقيق والمراجعة.

***

الموازنة بين إعتبارات الكفاءة وضرورة المواءمة السياسية، تعتبر من اصعب الإشكاليات المتعلقة بإتخاذ القرارات السيادية، وإدارة الدولة، خاصة انها تنعكس مباشرة على موقف الرأى العام من نظام الحكم، ورئيس الجمهورية.. أمل مصر الوحيد فى المستقبل يعتمد على البترول والغاز، لأن البديل هو الإستدانة، وخطة وزارة البترول تستهدف بالفعل تكثيف البحث والتنقيب فى البر والبحر من خلال طرح المناقصات العالمية وتوقيع اتفاقات لزيادة معدلات الاحتياطي والإنتاج، وإحلال وتجديد البنية الأساسية المتعلقة بتخزين وتداول المنتجات البترولية لزيادتها، وتحقيق سرعة وانسيابية وصول المنتجات للسوق المحلي.. تكليف المهندس شريف اسماعيل بتشكيل الحكومة يعكس تقدير الرئيس لنزاهته وبعده عن الفساد، لكن الدولة المصرية مطالبة بتوضيح ماإذا كان ذلك هو الوقت الملائم لسحبه من اهم القطاعات الإستراتيجية فى الدولة، كما انه شخصيا مطالب -كما اشار الصديق الكاتب أنور الهوارى- بأن يبرئ ساحته من علاقته بأيقونة الفساد فى كل العصور.. وإنا لمنتظرون.

 
أضف تعليق

Posted by في 2015/09/12 بوصة غير مصنف

 

“إسرائيل والمشرق العربى.. دروس للتاريخ” حكاية ومقال

-08ni

الحكاية:

هذا المقال أعتبره من أهم ماكتبت.. دفعنى لتناول موضوعه ثلاثة مبررات: الأول.. اننى أتتبع مخططات تقسيم المنطقة منذ سنوات، وأجدها تنفذ على الأرض وفق برامجها المعلنة، والعرب صامتون، اقرب للموتى.. الثانى.. أننى حزين على أوطان عربية تتحول من الحضارة والبناء الى أطلال وخراب، وقلبى ينفطر على ملايين العرب الباحثون عن مأوى بعد ان هاجروا هرباً من الموت، الى الموت.. الثالث.. اننى حاولت تحديد الجهة الفاعلة وراء مايحدث بالمنطقة.. وأسبابها ومبرراتها فيما تفعل.. وماإذا كانت هناك سبل للتوصل معها لصيغة قد تضع حداً لذلك الخراب.. عملية البحث أكدت أن إسرائيل هى المحرك الرئيسى لما يحدث بالمنطقة، وان عامل الخوف المتأصل لديها، والقلق من المستقبل، يدفعها للتخلص من كل الكيانات والقيادات التى تهدد وجودها.. ذلك هو الدافع!!

تساءلت.. هل يستطيع العرب القضاء على اسرائيل؟ وكانت الإجابة “لا”.. حتى إذا كنا قادرون على ذلك، هل يتقبل المجتمع الدولى بتوازنه الراهن أى مساس بكيان إسرائيل؟.. والإجابة “لا”.. ثم هل هناك بصيص أمل فى تغير قدرة العرب واستطاعتهم او تغير المناخ الدولى؟.. وكانت الإجابة ان اوضاعنا تتجه من سىء لأسوأ، ومن تقسيم لتفتت، والواقع الدولى لن تتغير معطياته فى المدى المنظور، بل انه يتجه لمزيد من البراجماتية، ولن يكون به موضع للضعف والرعونة وفقدان الحكمة.

 وبناء على تلك الحقائق استعرضت فى مقالى ثلاثة نماذج عربية، الأول العراق بقيادة صدام الذى هدد بحرق إسرائيل بالكيماوى، ثم ظهر فأراً عند المواجهة، وسوريا التى تاخرت فى الوصول الى مصير العراق بسبب الإنقسام داخل اسرائيل بشأن السياسة التى يتم اتباعها معها، والأردن الذى قرأ المشهد واستوعبه فاختار الإنبطاح، وفتح أبوابه للحليف الأمريكى الذى استغلها فى فتح معسكرات لتدريب الإرهاب، وتنفيذ سياساته المنحازة لإسرائيل.

وختمت مقالى بالإشارة الى النموذج المصرى الفريد الذى يبعث على الأمل.. عندما استخدم السادات الحرب كوسيلة ضغط وتوازن لتحقيق الإنسحاب الإسرائيلى، واعقبها بالعمل على ذرع الثقة، بالتوصل لإتفاق السلام، وإتخاذ إجراءات عملية لإسترداد كل أراضينا، ومحاولة تثبيت الثقة من خلال إجراءات وفرت بالفعل قدر من الثقة المتبادلة سمح لنا بمواجة إرهاب سيناء بقوات واسلحة تتجاوز القيود الواردة بإتفاق السلام.. وتساءلت فى الخاتمة.. متى يعى الجميع الدرس؟!

المقال:

إسرائيل والمشرق العربى.. دروس للتاريخ

مايحدث فى العراق وسوريا -النطاق الأول لسياسة “تفكيك المنطقة”- مثير للدهشة، تدمير وتشريد وتمزيق لم يسبق لهم مثيل، ولا بمعرفة المغول، والسبب.. هشاشة الأوضاع الداخلية، خاصة طائفياً وتنموياً، سوء تقدير قادتهم لقوة إسرائيل، وقدرتها على التأثير داخل دولهم، وعدم إدراك طبيعة التوازنات الدولية التى لاتسمح بالمساس بوجودها، ناهيك عن عدم تقديرهم لمسئولية الكلمة، بما أصدروه من تهديدات “للإستهلاك المحلى”، أثارت القلق، وبررت لإسرائيل ما رأته “دفاع، أو رد عدوان”.. أمريكا، وإن كانت الأداة الظاهرة فى تفاعلات المنطقة، إلا ان إسرائيل هى المحرك.. واقع مرير ينبغى تفهمه، وتجنب أخطاؤه، لنوقف إنهياراً قارَبَ القيعان؛ حرب أكتوبر 1973، دقت ناقوس الخطر لإسرائيل، وعرَّضَت كيانها ووجودها للخطر.. لولا التفكك العربى، وضعف القدرة على الحشد، وسوء الإدارة الإستراتيجية.. لتحول شعار “القاء إسرائيل فى البحر” -الذى كان أيقونة الوطنية والقومية بدول المنطقة- الى واقع عملى، فماذا ينتظرون من ردود فعل إسرائيلية؟!.

***

العراق هو الوحيد الذى رفض الهدنة 1949، شارك فى حربى 1948 و1973، لم يعترف بإسرائيل، أبقى على حالة الحرب، وعبأ المنطقة ضد إتفاق السلام 1979.. إستخدمته أمريكا بعد الثورة الإيرانية لتحطيم الترسانة العسكرية التى شيدها الشاة.. خرج من حرب الثمانى سنوات بأكبر جيوش المنطقة (2مليون مقاتل- 500 طائرة- 5000 دبابة- 3500 مدفع- صواريخ بعيدة المدى- قنابل كيماوية وجرثومية وبيولوجية- وميزانية مفتوحة للتصنيع الحربى…)، لذلك أصبح هو الهدف الأول للـ”تفكيك”.. وضعه الإقتصادى كان سيئاً، إستنفذ أرصدته الإحتياطية، تجاوزت ديونه 90 مليار دولار، فوائدها 7 مليار سنوياً، بخلاف 160 مليار تعويضات لإيران.. الكويت بأرصدتها المتراكمة، وإحتياطيها البترولى الضخم، كانت طُعماً شجعت أمريكا العراق على إبتلاعه.

إسرائيل قصفت مفاعل تموز النووى 1981، وهددت بضربة وقائية 1990، رد صدام بالتهديد بحرق نصف إسرائيل بالكيماوى.. خلال “حرب تحرير الكويت” 1991، “ولد فأراً”، فقد إستهدف تل أبيب وحيفا بـ 43 صاروخ سكود، لم يوقعا سوى قتيلين و231 جريح، إصاباتهم طفيفة!! الصحفى الأمريكى سيمور يرش كشف فى كتابه «الإدارة الأمريكية العمياء» عن تدريبات مشتركة للقوات الخاصة الإسرائيلية والأمريكية فى فورت براغ وشمال كارولينا وإسرائيل تحضيراً للغزو.. “تايم” الأمريكية و”فورين ريبورت” البريطانية أكدتا سبتمبر 2002 تمشيط القوات الخاصة الإسرائيلية لمساحة 80 الف كيلومتر مربع غرب العراق، لرصد المناطق التى أستخدمت كقواعد صورايخ، لإستهدافها إذا ماتكرر القصف العراقى.. “نيويورك ديلي نيوز” الأمريكية، رصدت إستعانت القوات الأمريكية، إبان غزوها للعراق 2003 بعملاء إسرائيل المزروعين ببغداد، وبخدمات قمر التجسس الإسرائيلي “أفق 4”.. بعد الإحتلال تأسس بالسليمانية “بنك القرض الكردى” بتمويل يهودى لتسهيل شراء الأكراد لأراضى شمال العراق وإنشاء دولتهم المستقلة، على غرار ماتم بفلسطين.. “معاريف” اكدت ان أكثر من 70 شركة تجارية وصناعية إسرائيلية تعمل وتسوق منتجاتها بالعراق!! الموساد –وفقاً للتقارير الرسمية الأمريكية- قتل 350 عالمًا نوويًّا عراقيًّا، و300 أستاذ جامعي بمختلف التخصصات، بمساعدة القوات الأمريكية بعد رفضهم العمل بالولايات المتحدة.. تفكيك العراق كلف أمريكا تريليون دولار، و4000 قتيل، و30.000 جريح.

***

خطة تفكيك سوريا بدأت بإندلاع الإضطرابات مارس 2011، إنقسمت اسرائيل تجاه أسلوب التعامل معها الى إتجاهين، الأول سياسى.. يرى الإبقاء على نظام الأسد لمحافظته على هدوء الجولان منذ 1974، وتجنبه الرد على الإنتهاكات الإسرائيلية ضد قواعد ومخازن الأسلحة والصواريخ، وكوادر وأسلحة حزب الله، وقيادات الحرس الثورى الإيرانى.. سقوط النظام يؤدى لفوضى، قد تدفع المتشددين للسلطة، وتمكن المتطرفين من الإستيلاء على مخزون الأسلحة الإستراتيجية.. الإتجاه الثانى وزارة الدفاع.. ترى أن سوريا لم توقّع معاهدات مع إسرائيل، مثل مصر والأردن، ودعمت حزب الله والقوى الفلسطينية الرافضة لنهج «أوسلو».. سقوط النظام يفسح المجال لنظام سنى، ينهى التحالف مع ايران، ويطرد حزب الله، وهو مكسب استراتيجى لإسرائيل.. لم يتم حسم الإختيار، لذلك تم التواصل مع كافة الأطراف المتصارعة، وتقديم المساعدات اللوجستيكية للسكان والتنظيمات الإرهابية على السواء “أدوية- أغذية- وقود- إستقبال الجرحى للعلاج …”!!.

الرؤية الإستراتيجية لإسرائيل تجاه الأزمة أميل لتقسيم سوريا، على ان يكون الشريط الحدودى الموازى لها منطقة آمنة يتمركز بها مقاتلى المعارضة “المعتدلة”، الذين تدربهم أمريكا، والدروز الذين تتجاوز أعدادهم 480 الف نسمة، “هآرتس” أطلقت منتصف يونية بالون إختبار لقياس رد الفعل بشأن إحتمالات التدخل فى سوريا دفاعاً عن الدروز بعد أن إستهدفتهم “النصرة”.. الائتلاف الوطنى السورى المعارض سارع بالرفض، “الجيش الحر” أكد مشاركته فى حماية القرى الدرزية، و”النصرة” قررت التحقيق فى إستهداف أفرادها للدروز بريف إدلب.. ومعارضة داخلية لتكرار تجربة التدخل الإسرائيلى دفاعاً عن المسيحيين والمارون جنوب لبنان منتصف السبعينات، خاصة وأن بعض الدروز يحاربون فى صفوف الجيش السورى، وزعيمهم وليد جنبلاط ينفى صفة الإرهاب عن “النصرة”، الحكومة إضطرت لنفى التدخل، والإكتفاء بإستعدادها لاستقبال اللاجئين.

عملية قرصنة الحاسب الخاص بـ”مندى الصفدى” أحد العاملين بمكتب نتنياهو، كشفت محاولاته تجنيد عملاء لبنانيين وسوريين، وتجميع معلومات تحدد أهدافاً سورية لتقصفها قوات التحالف، وفضحت علاقتة بقادة “داعش”، وتنسيقه لتزويد “جبهة النصرة” بالسلاح الإسرائيلي، بصفقة لم تكتمل، لتمسك مسئول الجبهة بالتوقيع داخل سوريا، ورفضه السفر الى “براغ”.

***

الاردن سياسته على النقيض، الأزمة السورية تمسه، من خلال 1.3 مليون نازح سورى، و700 مواطن يقاتلون بصفوف “داعش”، وآلاف بـ”النصرة”.. موقعه الجغرافى يتوسط المشرق العربى، وعلاقته التاريخية مع العشائر السنية، مكنته من القيام بدور فعال فى حرب “داعش”، بإصطياد ابو مصعب الزرقاوي، أول قادتها، وإختراق التنظيم على نحو ساعد فى إنجاح العديد من العمليات ضده، والمشاركة فى إنهاء التمرد السُنّي بالعراق 2006، وأخيراً فتح قواعده الجوية لطيران التحالف.

الأردن سمح لأمريكا بإنشاء معسكر البقعة 2006/2007، لإعداد قادة جماعات تنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة “عش الدبابير”، الذى تخرج منه البغدادى زعيم “داعش”.. ومعسكر بمدينة “غور الصافي” بالأغوار الجنوبية محافظة الكرك 2012، لتدريب وتجهيز عناصر المعارضة التى تم دفعها لسوريا «معظمهم إنضموا لـ”داعش”»، الموساد شارك بمدربيه، بحكم خبرتهم وإجادتهم العربية.. تنسيق الجهود فى الحرب السورية تتم من خلال غرفة قيادة العمليات العسكرية “الموك” التابعة للبنتاجون قرب عمان، وتضم ضابط من أمريكا واسرائيل وجنسيات أخرى!! اعتبارا من مايو نشرت أمريكا مدربيها على الحدود، فى إطار مشروع تشكيل “المعارضة المعتدلة”.. الحدود الأردنية تزداد أهميتها نتيجة للمخاوف من تقييد تركيا للحركة عبر حدودها، بعد العمليات الإرهابية التى تعرضت لها مؤخراً، ورود الفعل الغربية تجاه نقض اتفاقات السلام مع الأكراد.. ومع إقتراب “داعش” و”النصرة” من الحدود يميل الأردن لتبنى الطرح الإسرائيلى بإنشاء منطقة عازلة للإغاثة الإنسانية بمحافظتى درعا والسويداء جنوب سوريا، بإشراف تحالف “الجبهة الجنوبية” الذى يتزعمه “الجيش الحر” الذى يحقق تقدماً فى عملية “عاصفة الجنوب” لإحتلال درعا، وان كانت قوة “جيش الفاتح” بالمنطقة « يضم “النصرة” و”أحرار الشام” المتشددتين»، تهدد باختلاس التقدم لصالحه.

***

العراق وسوريا يتفككان، الاردن إستوعب الدرس، لكنه تزيد فى الإختيار، وانحاز لما رآه “الأضمن”، حتى ولو على حساب الأمن الإقليمى.. رحم الله الرئيس السادات، إختار لمصر “الحرب كآداة للسلام”، ثم عمل على ذرع الثقة، باتفاق للسلام، وإجراءات عملية لإسترداد كل أراضينا، وتبادل الثقة، التى لولاها لما واجهنا إرهاب سيناء بقوات واسلحة تتجاوز القيود الواردة بالإتفاقية.. فمتى يعى الجميع الدرس؟!

gtaha2007@gmail.com

 
تعليق واحد

Posted by في 2015/09/05 بوصة غير مصنف