RSS

Monthly Archives: جوان 2019

محاولة الإنقلاب فى أثيوبيا «إنطباعات أولية»

آبى أحمد.jpg

أجهزة الإعلام تناولت الموضوع باعتباره محاولة إنقلاب، لكن ذلك ينطوى على بعض المبالغة، فلم يتم رصد اى تحركات لتشكيلات من داخل الجيش ضد النظام الحاكم.. ولكن ماتم رصده مجرد عملية إرهابية تضمنت إغتيال رئيس الأركان وحاكم ولاية أمهرة وعدد من مسئولى الولاية، الذين كانوا يبحثون التعامل مع حركة تمرد عرقية يتزعمها جنرال متقاعد يدعى «أسامنيو تسيجى»، كان يتولى منصب رئيس جهاز الأمن في ولاية أمهرة، سبق إعتقالة، ينتمى الى القومية الأمهرية، يهدف الى التخلص من حكم الأمورو التى ينتمى اليها آبى أحمد وتشكل 40% من عدد السكان.

الأمهرية حكمت اثيوبيا طيلة العقود السابقة، رغم ان عددها لايتجاوز 25% من عدد السكان.. وعاست فيها فساداً.. وعندما سيطر احمد أطاح بالرؤوس الأمهرية داخل السلطة ومن قيادة الأجهزة السيادية.. وبالتالى فهو حدث ذو واجهة داخلية بإمتياز.

توقيت الحدث له بعد إقليمى.. بدليل إستعجال تنفيذ الإنقلاب بسيناريو يستحيل أن يحقق سوى الرهان على الفوضى، دون اى فرصة للنجاح فى تغيير النظام او القفز على السلطة.. هذا البعد الإقليمى يتعلق بالسودان، أثيوبيا كانت وسيط مقبول من القوى السودانية لفرض الإستقرار وعودة الهدوء للبلاد.. وبالتالى ماحدث فى أثيوبيا يؤجل دورها، ويدفعها للإنكباب على شئونها الخاصة.

من صاحب المصلحة فى محاولة نشر الفوضى فى اثيوبيا والحيلولة دون إستقرار الموقف فى السودان؟!

لاشك أنها القوى التى تعادى عودة النفوذ الإقليمى المصرى والسعودى الى المنطقة.. تغيير نظام الحكم الأثيوبى وتولى آبى أحمد أطاح بنظام معادى لمصر، وأتى بنظام صديق.. والتغيير الذى أطاح بالبشير إستقر على مجموعة أقرب لمصر والسعودية.. وألغى الإتفاق مع تركيا بخصوص سواكن.. وبالتالى هناك جهات مستفيدة مما حدث فى أثيوبيا، أولها الجهات التى تسعى لوقف تمدد النفوذ المصرى بالإقليم، ومعها وربما كانتا الأداة تركيا فى التنفيذ بحكم تواجد قواتها ومخابراتها فى الصومال وقطر فى التمويل.

 
أضف تعليق

Posted by في 2019/06/23 بوصة غير مصنف

 

إسقاط إيران طائرة الإستطلاع الأمريكية.. الأبعاد والتداعيات

5d0b2fb73c824
مايزعج أمريكا ودول المنطقة بشدة ان الدفاع الجوى الإيرانى قد نجح فى رصد طائرة الإستطلاع الأمريكية المزودة بأجهزة ستيلث لحمايتها من الكشف بالرادار، وذلك منذ انطلاقها من القاعدة الأمريكية فى الإمارات، وظلت تتابعها وهى تحلق على ارتفاع 60 ألف قدم لمدة تصل إلى اربع ساعات.. رصد الطائرة وإسقاطها اصاب القيادة العسكرية الأمريكية بالصدمة، فلم يكن هناك أى توقع بقدرة إيران التكنولوجية على إسقاط مثل هذه الطائرة المتقدمه، على ذلك الإرتفاع الشاهق، وهو تطور إستراتيجى لابد وأن يعكس تأثيراته على التوازنات الراهنة بالمنطقة.. خاصة بعد تهديدات أمير زاده قائد القوات الجوية للحرس الثورى بأن إيران إمتنعت عن إسقاط طائرة استطلاع أمريكية أخرى طراز P-8 على متنها 35 عسكريا كانت على مقربة من الطائرة المسيرة جلوبال هوك، وفى متناول الدفاعات الجوية الإيرانية، لكنهم قرروا إسقاط الثانية، على سبيل الإنذار لأمريكا، مما يعنى أن الأسوأ لم يأت بعد.
أمريكا وضعت خطة الضربة الإنتقامية ضد إيران، كانت تستهدف قصف رادارات وبطاريات دفاع جوى، من بينها منظومة صاروخية أرض/جو من طراز «إس-125 نيفا/بيتشورا» سوفيتية الصنع، يعتقد البنتاغون أنها التى أسقطت الطائرة الأمريكية «جلوبال هوك RQ-4C» التى تعد من أحدث طائرات التجسس في العالم.. خطة الضربة الإنتقامية تحمس لها الثلاثى المتشدد فى رؤيته للتعامل مع إيران؛ مايك بومبيو وزير الخارجية، جون بولتون مستشار الأمن القومي، جينا هاسبل مديرة وكالة الاستخبارات المركزية.. وقبل ساعات من شن الضربة الإنتقامية، التقى على نحو مفاجىء برايان كوك المبعوث الأمريكي الخاص للولايات المتحدة المسؤول عن متابعة إيران مع خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع ليبلغه نية امريكا شن هجمات محدودة ضد إيران، ونبه الى ضرورة وضع القوات السعودية في حالة الاستعداد القصوى، تحسبا لإحتمالات التعرض لضربة إنتقامية، قد تفرض الرد الموسع.. إذن نية امريكا فى الهجوم إقترنت بتحسب لنتائجه وتداعياته، وهو مايفسر معارضة الديمقراطيون بالكونجرس له.
قبل بدء التنفيذ دعا ترامب الى إجتماع طارىء مع قادة الكونجرس، لكنه وجد تياراً قوياً يعارضه، وان ذلك قد يكون بداية لتناقض خطير بين البيت الأبيض والكونجرس، يهدد وضع ترامب، ويهدم حملته الإنتخابية التى بدأها إستعداداً للإنتخابات.. الديمقراطيون فى الكونجرس حذروا من خطر التورط فى الحرب ضد إيران؛ نانسى بيلوسى زعيمة الأغلبية الديمقراطية رئيسة مجلس النواب أكدت أنه «لا نية لواشنطن لشن حرب على الجمهورية الإسلامية»، مايعنى تمسك الديمقراطيون بمنع الحرب.. شاك شومر زعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس الشيوخ عبر لترامب عن تمسكه بضرورة الحصول على موافقة الكونغرس لتمويل أي صراع مع طهران، حتى لاتتكرر تجربة العراق، وطلب تعديل مشروع قانون الدفاع السنوى، ليحظر استخدام الأموال للعمليات العسكرية ضد إيران دون إذن صريح من الكونغرس.. جو بايدن المرشح الرئيسى للحزب الديمقراطي فى الرئاسية القادمة، وصف استراتيجية ترامب في إيران بأنها «كارثية».. أما الجمهوريون بمجلس النواب فقد دعوا على إستحياء الى الرد على إيران «ردا محسوبا»، بعد تلمس ترامب قوة المعارضة لقرار الحرب، حاول ان يوجد مخرجاً للتراجع، مايفسر ترجيحه أن يكون قد تم إسقاط الطائرة على سبيل الخطأ «أجد صعوبة في تصديق أنه كان عملا مقصودا».. خصوم ترامب الديمقراطيون نجحوا فى تقييد نزعاته للرد المحدود، بعد ان تيقنوا أنه غير قائم على حسابات دقيقة للنتائج، وأن تداعياتها كارثية.
ترامب وعد خلال حملته الإنتخابية بأنه لن يتورط فى حروب جديدة، لكنه يعوض ذلك باللجوء لسياسة حافة الهاوية، وإن كان ينفذها دون حساباتها المعقدة والدقيقة، بل بمجهود شخصى أقرب لعمليات الـBluff فى لعبة البوكر.. إيران أدركت ذلك، تجيد إستفزازه، وتحسن التعامل مع ردود فعله العصبية، هذه السياسة مسئولة مباشرة عن فشل سياسته فى التعامل مع كوريا الشمالية، والأخطر انها وضعت الولايات المتحدة فى موقع الخصم لكل القوى الدولية، حتى حليفتة أوروبا تعارض سياسته تجاه إيران، وتبحث عن مسارات للتحايل عليها، تركيا تتخارج حالياً من حلف الناتو بصورة تدريجية، وتنضم رسميا الى المحور الروسى، وحلفاء ترامب بالمنطقة فى حالة قلق، من نتائج وتداعيات اى حرب محدودة ضد إيران، قد يعقبها ردود فعل كاسحة ضد أهداف إستراتيجية مختارة تنال منهم، خاصة أن الجنرال أبو الفضل شكارجى قائد القوات المسلحة الإيرانية حذر من أن إطلاق رصاصة واحدة باتجاه إيران «سيشعل مصالح واشنطن وحلفائها بالمنطقة».. أمريكا قصفت سوريا مرتين عامى 2017 و2018، لم تتردد أو تتراجع، لكنها تراجعت عن ضرب إيران، لأنها أدركت أن الثمن فادح، وهو مايبرر وصف بيلوسى لإيران «نتعامل مع لاعب سيء جداً في المنطقة».
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أطلقوا نهاية يناير 2019 آلية «إينستكس» لتسهيل الحركة المالية والتجارية مع إيران، خلافاً لقواعد الحظر التى فرضتها أمريكا عليها.. الضغط الأمريكى أعاق تنفيذها، وفرض قصرها على السلع الأساسية غير الخاضعة للعقوبات مثل المنتجات الإنسانية والطبية والزراعية، دون شمولها للنفط، المصدر الرئيس للعائدات الأجنبية فى إيران، لكنها لم تنفذ حتى الآن، روسيا أعربت عن استعدادها لضمان مصالح إيران في تصدير النفط والمجال المصرفى، في حال عدم تشغيل آلية التجارة التي أعلن إطلاقها الاتحاد الأوروبي للالتفاف على عقوبات واشنطن ضد طهران، لكن ذلك لايمثل مواجهة فعلية لأزمة إيران، لأن تعامل روسيا معها محدود للغاية فى مجال النفط، لكنه موقف سياسى داعم معنويا بإعتبارها حليفةً لإيران، ماقد يساعد على قبولها كوسيط، ربما يسعى لإقناعها بتخفيف وجودها فى سوريا، لوضع حد لتصاعد المواجهات الراهنة.
ايران لم تعد مجرد مستقبل للضغوط الإقتصادية من خلال العقوبات الأمريكية، ولكنها نجحت فى ان تضغط على أمريكا فى إتجاه مضاد، حسام الدين آشنا مستشار الرئيس روحانى رد على التراجع الأمريكى عن الضربة العسكرية بان أمريكا إذا لم تكن تسعى للحرب فعليها التراجع عن الإنسحاب من الإتفاق النووى، وتخفيف العقوبات المفروضة على طهران.. العقوبات بالنسبة لإيران تساوى الحرب، مايعنى إستمرارها فى إستهداف الناقلات والسفن التجارية، وأهداف إستراتيجية داخل المملكة، وربما الإمارات، حيث انطلقت الدرون الأمريكية.. كل الردود الإيرانية على إجراءات التصعيد الأمريكية تتولاها قوات الحرس الثورى، التى دفع خامنئى بأقطاب الصقور لرئاستها، رداً على الطموحات الأمريكية بأن يتمكن روحانى من فرض تيار الإعتدال عقب غيابه، ولذلك فالأمور مرشحة للمزيد من التصعيد.
تراجع ترامب عن تنفيذ العملية العسكرية الإنتقامية التى سبق أن أبدى تأييده لها، سلوك لايدهش أحد، لأنه جزء من شخصية ترامب الإنفعالية، أمريكا تراهن على تاثير العقوبات على الإقتصاد الإيرانى، بما يؤدى اليه من نشر لحالة السخط لدى الراى العام، مما ينعكس على موقفه من النظام.. أما إيران فتراهن على وضع القوات الأمريكية تحت ضغط مستمر، وإمتداد هذا الضغط الى حلفاء أمريكا بالمنطقة، وإقناعهم بصورة عملية أن كل اهدافهم الإستراتيجية والحيوية مهددة، سواء بصورة مباشرة وصريحة، أو عن طريق وكلائهم من التنظيمات الشيعة المسلحة بالمنطقة.
مقالى الأسبوعى حصرياً
 
أضف تعليق

Posted by في 2019/06/22 بوصة غير مصنف

 

السياحة الروسية للبحر الأحمر والهيمنة التركية

السياحة الروسية

روسيا تعتمد كمصدر رئيسى للدخل على البترول والغاز وتصدير الأسلحة.. تتعرض لعقوبات إقتصادية أمريكية وأوروبية، منذ تدخلها فى أوكرانيا، تتزامن مع سياسة إغراق، لحرمانها من الإستفادة من رفع أسعار النفط، نتيجة لنقص المعروض بسبب العقوبات المفروضة على حليفتها إيران، لذلك تسعى لتنمية السياحة الداخلية، ومنع إستنزاف العملات الأجنبية فى سياحة الخارج.. حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء 2015 وفر مبرراً لموسكو لمنع سائحيها من السفر، والتوجه الى سوتشى وسان بطرسبورج، وشبه جزيرة القرم.

هذا التوجه تم تطبيقه بتشدد مع مصر، إستناداً لمبررات وحجج أمنية، رغم جهود الدولة والقيادة السياسية.. الجهود الأمنية جعلت مطاراتنا ضمن الأكثر أمناً فى العالم، لكن التعنت سببه ان حصة مصر المتوقعة من السياح الروس المولعين بشرم الشيخ والغردقة، لن تقل عن اربعة ملايين، لو أنفق السائح على رحلته 500 دولار، فإن ذلك يعنى 2 مليار دولار، لاتملك روسيا رفاهية ضخها فى الإقتصاد المصرى، الذى لايزيد حجم تبادلها التجارى معه عن 7.6 مليار دولار 2018.. هذا القياس لايمكن تطبيقه على العلاقات الروسية التركية، التى وصل حجم التبادل التجارى بينهما لـ25.56 مليار، مرشح للزيادة لـ100 مليار، مما يفسر تسامح موسكو مع إسقاط طائرة السوخوى العسكرية، وقتل طياريها فوق سوريا، وإغتيال سفيرها بأنقرة.

تحايل الشركة التركية
إستئناف الحركة السياحية الروسية لمصر تأجل مراراً، بحجة المراجعات الأمنية فى المطارات، وعندما سُدَت كل الزرائع، وافقت روسيا خلال قمة بوتين والسيسى أكتوبر 2018 على استئناف الطيران المنتظم بين القاهرة وموسكو، لكنها رفضت السماح بالطيران العارض منخفض التكاليف الى شرم الشيخ والغردقة، وهى صيغة وسط تضمن عدم تجاوز معدلات التدفق السياحى للحدود المؤثرة على الإقتصاد الروسى، وذلك لإرتفاع تكلفة الطيران المنتظم، بخلاف تكلفة الإنتقال من القاهرة الى منتجعات البحر الأحمر.. شركة «بيجاس توريستيك» التركية تحايلت على القرار، ونجحت فى الحصول على تصريح من السلطات الروسية، بتشغيل خط بواقع 3 رحلات أسبوعيًا، لنقل السائحين مباشرة من 10 مدن روسية إلى شرم الشيخ وطابا عبر مطار إيلات، على سبيل التجربة، الخط بدأ ديسمبر 2018 وسرعان ما أوقفته الشركة متعللة برفض السائحين الهبوط فى إسرائيل!!، بعد إحاطتهم بالتعقيدات اللوجستية والمشاكل المحتملة على الحدود، وعلى طريق المطار، وخلال تجاوز المعابر!!.. وبات واضحاً أن إختيار الشركة لإيلات كان وسيلة مؤقتة لضمان موافقة السلطات الروسية، التى وجدت ان تلك التعقيدات تقيد أعداد السائحين، كما وجدت فى الهبوط بمطار إيلات ضمانة لصرامة الإجراءات الأمنية.

شركة «بيجاس» نجحت فى تغيير مسار خط شرم الشيخ ليكون عبر منتجع «إنطاليا» السياحى جنوب تركيا بدلاً من إيلات يناير 2019!!.. أعقبته بتشغيل خط جوي إلى الغردقة فبراير 2019، الخطان لقيا زيادة كبيرة فى الطلب، من جانب السائحون المتعطشون لمزاراتهم السياحية المفضلة فى شرم والغردقة منذ 3 سنوات، معدلات التدفق وصلت لـ10 رحلات أسبوعياً لمطار الغردقة، و16 رحلة لمطار شرم.. وبإستمرار تزايد الإقبال ضاعفت شركة «بيجاس» العدد فى ابريل لـ22 رحلة أسبوعياً للغردقة، تحمل 4500 سائح، والى 32 رحلة أسبوعياً لشرم الشيخ، على متنها 5000 سائح.

عودة الحظر الروسى
الطفرة الهائلة فى أعداد السائحين الروس لمصر، وتطلع شركات السياحة الأخرى لمشاركة «بيجاس» فى إقتسام الكعكة، أزعج السلطات الروسية، من مؤشرات إقبال غير مسبوق، مما يفسر قرار وزارة النقل الروسية بإيقاف برنامج شركة «بيجاس» السياحى لمصر، وحظر الرحلات الجوية المنتظمة أو العارضة لمطاري شرم الشيخ والغردقة إعتباراً من 10 يونيو 2019، إلا بعد موافقة السلطات الروسية.. هذا الإجراء فتح الباب لتفسيرات وإجتهادات عديدة.. البعض فسر الحظر بأنه رد فعل لحادث جنوب العريش الإرهابى صبيحة أول أيام عيد الفطر المبارك، وهو إدعاء مغلوط؛ لأن الحادث وقع يوم 5 يونيو، بينما إعلان «بيجاس»، عن توقف رحلاتها لمصر صدر 4 يونيو، وبالتالى لايوجد أى إرتباط بينهما.. والحقيقة ان القرارات الروسية لاتتأثر بمثل هذه الحوادث، فبمجرد إتمام المصالحة بينها وبين تركيا بعد إسقاط طائرتها الـ«سوخوى24»، سمحت بإستئناف الشركات التركية العاملة على أراضيها لرحلاتها، وذلك فى اليوم التالى مباشرة لوقوع انفجار ضخم بمطار أتاتورك، مما يؤكد أن الموضوع لا علاقة له بأمن الطائرات والمطارات والسائحين، بقدر ما يتعلق بالمصالح الاقتصادية والسياسية.

البعض الأخر فسر الحظر بأنه نتيجة لضعف الطلب، مدعين ان آخر رحلة لمطار الغردقة كان على متنها 20 راكب، وهذا ايضاً إدعاء لايستقيم والتزايد المطرد فى الطلب على الخط، الذى كان يبشر بـ«بووووم» سياحى، كان السبب فى وقفه.. ووصل البعض فى تفسيره للقرار باعتباره إجراء يدخل فى إطار السياسة التى تنتهجها الدولة التركية وشركاتها العاملة بالسياحة لضرب القطاع السياحى المصرى لأنه منافس قوى لها، بسبب التميز وإنخفاض الأسعار، وهو إدعاء لايجوز هنا لأن القرار روسى وليس تركى.. وان كانت إثارة الموضوع تفتح المجال لتناول إشكالية بالغة الخطورة تتعلق بعلاقة الشركات التركية بالسياحة المصرية.

الشركات التركية والسياحة المصرية
مصر عقب سقوط الإخوان يوليو 2013، عانت من توقف تدفق السائحين من الأسواق الرئيسية، خاصة المانيا وروسيا، وقبل ان تتعافى تم اسقاط الطائرة المدنية الروسية، القادمة من تركيا!!، لتتوقف الحركة السياحية الوافدة من روسيا أولا، ثم من باقى الدول.. إذن بإختلاف المبررات فإن هناك حرصاً على وقف تدفق السياحة من الأسواق التى تمارس فيها وكالات السياحة والسفر التركية دوراً مؤثراً.. إستهداف الإخوان للسياحة، وعلاقتهم التنظيمية والعقائدية بتركيا، وسيطرة الوكالات التركية على الأسواق الرئيسية، هو «مثلث الشر» الساعى الى إنهيار السياحة المصرية، وبالتالى مع مواجهتنا الصارمة للنشاط الإرهابى للإخوان، لابد من التخلص من سيطرة الأتراك على الحركة الوافدة من هذه الأسواق خاصة السوق الروسى.

وبغض النظر عن الإرتباطات العقائدية والتنظيمية لتركيا مع الإخوان فإن مصلحتها كدولة سقوط السياحة المصرية.. تركيا فى غياب المقصد السياحى المصرى نجحت فى تبووء المركز الأول لقائمة الأماكن التي قصدها السياح الروس عام 2018، بزيادة 25% عن 2017، واقترب إجمالى عدد السائحين فيها من 46 مليون، وهو إنجاز يستحق ان تحارب من أجله بكافة الوسائل.. فى المقابل فإن عام الذروة للسياحة المصرية حقق 14 مليون سائح فقط، لأننا ندفع ثمن إدراك أعداؤنا لما نستحقه، وحرصهم على ألا ينتهى مسلسل الأزمات، خصماً من حسابهم.. لعل إدراك أرباب السياحة المصرية يرتقى لمستوى أعدائها؟!.

شركات السياحة التركية تشكل لوبى يتحكم فى السياحة الوافدة لمصر، من روسيا وألمانيا والبلقان ومعظم دول الشرق الأوسط .. تجاربنا معها سلبية؛ فأى تراجع لنشاطها على نحو ماحدث عندما منعها بوتين من العمل فى روسيا، بعد إسقاط الـ«سوخوى24»، ينعكس علينا لأنها تنقل أكثر من 80% من الحركة الوافدة من هناك.. وعلينا أيضاً ان نتحسب للظروف، على غرار ماوقع بداية يناير 2016، عندما عجزت «بيجاس لإدارة الفنادق»، عن سداد مديونياتها لـ11 فندق كانت تديرها بشرم الشيخ وطابا، والتي تقدر بـ40 مليون دولار، إضافة لـ40 مليون جنيه مديونيات للموردين، و42 مليون للضرائب!!، ليتبين ان العقود لاتشمل اللجوء للقضاء المدنى، وانها لاتمتلك أصولاً يمكن الحجز عليها، ولايوجد لها مقراً فى مصر، وعنوانها بالسجل التجارى خطأ، ومقرها الرئيسى فى روسيا تم إغلاقه بعد أزمتها مع انقرة، وتصريح عملها من وزارة السياحة إنتهى منذ ديسمبر 2015 ولم يجدد، ورغم ذلك كانت تحصل على حصتها من دعم الطيران العارض!!.. ما كل هذا العبث؟!

مستقبل التدفقات الروسية
قطاع السياحة الخاص والرسمى بمصر مستسلم لواقع هيمنة الشركات التركية على نشاطه، والمصالح تكبل قياداته، وتصرفهم عن البحث عن بدائل، انتظار عودة السوق الروسى تحت سيطرة الشركات التركية يعد خطأ فادحا، لذلك كان يجب التوجه الى الاستثمار السياحى فى مختلف بلاد العالم بأيدى مصرية، أو بشركات تساهم فيها الشركات المصرية، وهذه الشركات العالمية بفكرها وبالتكنولوجيا الحديثة والمعلومات التسويقية تستطيع النهوض بالمنتج المصرى، وفتح أسواق جديدة.
أما فيما يتعلق بالسياحة من السوق الروسى فيجدر التأكيد على عدم إنتظار إنفراجة قريبة، وذلك لأسباب تتعلق بموسكو وليس بالقاهرة أو أنقرة.. «دينيس مانتوروف» وزير الصناعة والتجارة الروسى، رفض على هامش منتدى سان بطرسبرج 7 يونيو 2019، تحديد موعد لإستئناف الطيران العارض، مكتفياً بالإشارة الى انه خلال هذا العام، وهى عبارة عامة، غير ملزمة.. ومن الأمور الجيدة هنا ان تظل مصر متمسكة بموقفها الرابط بين إستئناف حركة الطيران العارض وإستئناف مفاوضات توريد 12 طائرة «سوخوى سوبرجيت – 100» روسية لمصر، قابلة للزيادة الى 24 طائرة.. لعل ذلك الدافع يحرك بعض المياه الراكدة.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/06/20 بوصة غير مصنف

 

هؤلاء السوريون ضيوف المحروسه

Syrians work at a Syrian restaurant in an area called 6 October City in Giza

الحملة المضادة للأشقاء السوريين، إتخذت طابعاً منظماً بعد أن إستخدم محام حقه القانونى فى التقدم بمذكرة للنائب العام، مطالباً بخضوع أموالهم وإستثماراتهم للرقابة المالية، لكنها بدأت فى الحقيقة منذ منتصف 2018، عندما تم على نطاق واسع الإدعاء بتنظيمهم احتفال وتوزيعهم حلوى بمناسبة فوز أردوغان فى الإنتخابات، وتزامنت تلك الشائعات مع حملة ترهيب، بترديد شائعات عن إستهداف السوريين بحملة ملاحقات أمنية، وترحيل عدداً منهم، وحتى تكتسب تلك الأكاذيب مصداقيتها، تم الترويج لخبر دعوة النظام السورى لمواطنيه بالعودة لبلادهم.. الحملة حظيت بإهتمام، وتعليقات بكافة مواقع التواصل، بعضها مسىء للسوريين، تضمن إتهامات بمزاحمة المصريين في «أكل العيش»، وإنتمائهم للإخوان وسب الجيش المصرى، وتجارة المخدرات، فضلاً عن معاملة المصريين في مشاريعهم معاملة سيئة.. وهناك حملة تضامنية عشوائية خرجت على إستحياء محاولة إنصافهم بشعار «السوريين منورين مصر».. لكن الموضوع ليس بهذا القدر من البساطة، مما يفرض تناول حقائقه؟!.

بداية، مصر بها قرابة 550.000 سورى، مسجل منهم لدى المفوضية العامة لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة 242.000، بينهم 55.000 طالب، يحصلون على خدماتهم التعليمية والصحية بالمراحل المختلفة أسوة بالطلاب المصريين.. أما عن رجال الأعمال السوريين فإن 60% منهم غادروا بلادهم الى الخارج بعد الحرب، بروؤس أموال تقدر بـ22 مليار دولار، بسبب تعرضهم لضغوط التنظيمات الإرهابية، التى طلبت دعمهم لأنشطتها، وضغوط أخرى من النظام لدفعهم لنقل إستثماراتهم الى المنطقة الساحلية، والتبرع لترميم المؤسسات التى دمرتها الحرب.. معظمهم توجه الى تركيا والمانيا والعراق والأردن ولبنان.. 30% منهم، أى قرابة 30.000، إتجه الى مصر، حيث عدد كبير من تجارب أقرانهم الذين نجحت إستثماراتهم عبر الخمسين عاماً الماضية، حتى بلغت حتى الآن 5557 مشروع.. البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة قدر حجم إستثمارات السوريين بمصر بـ800 مليون دولار، لكن الرقم الحقيقى أكبر من ذلك بكثير.. المشروعات تركزت على الصناعات الصغيرة والمتوسطة خاصة الملابس والمطاعم والحلويات، وبعض المصانع الكبيرة.

بإنتهاء الحرب، ىدأ النظام السورى الإهتمام برجال الأعمال المقيمون بالخارج، عماد خميس رئيس الحكومة التقى فى دمشق بوفد يمثلهم منتصف 2018، وشجعهم على العودة للمشاركة فى إعادة الإعمار، وقرر تفعيل عمل المكتب الاقتصادى بالسفارة بالقاهرة، للتواصل معهم، وتشرف السفارة على محاولة عدد من السوريين والمصريين إعداد مهرجان «لا للإرهاب، راجعيلك ياشام»، بمشاركة إعلاميين وفنانين وشخصيات عامة سورية ومصرية، بهدف حث رجال الأعمال السوريين على العودة، وتشجيع رجال الأعمال المصريين على الإستثمار بسوريا، مما يفسر تمادى بعض من تناول الحملة ضد السوريين بالتحليل، فى تبريره لدوافعها، الى حد الجمع بين تركيا والنظام، بإعتبارهم اصحاب المصلحة المباشرة فى تسميم البيئة الحاضنة لرجال الأعمال السوريين بمصر، ودفعهم للمغادرة، وكل منهما يأمل فى إجتذابهم.

تجمع رجال الأعمال السوريين بالقاهرة يرفض فكرة تصفية أعمالهم بمصر، حتى لو عادوا لبلادهم، بسبب وقفة مصر معهم سنوات الأزمة، وشعورهم بالطمأنينة، فضلاً عن كونها سوق ضخم ومطل على السوق الأفريقى الواسع، مما يفسر سعيهم لتوطين إستثماراتهم، بالإتفاق مع وزارة الصناعة والتجارة على إنشاء وحدة مختصة بالتعامل معهم، وتوقيع مذكرة تفاهم مع غرفة القاهرة التجارية لدعم إستثماراتهم، والإتفاق على إنشاء منطقة صناعية سورية نموذجية متكاملة، بالمشاركة مع وزارة التجارة وهيئة التنمية الصناعية، على مساحة 1.2 مليون متر2، تضم 100 شركة، مختصة بصناعات الغزل والنسيج والصناعات التكاملية، مثل الإسفنج والورق والصناعات البلاستيكية، إضافة إلى الصناعات الدوائية البسيطة، والخدمات اللوجيستية، وفتح معرض لبيع منتجاتها، وسوف يخصص جزءاً كبيراً من إنتاجها للتصدير، وتستوعب المدينة قرابة 50.000 عامل مصرى وسورى.

إتهام رجال الأعمال السوريين بأنهم إخوان تعبير عن عدم الفهم.. عضو الإخوان ملتزم تنظيمياً، ومصلحة التنظيم لها أولوية على مصالحه الخاصة، الإخوان ظلوا متمسكين بالبقاء فى سوريا، ودعم فوضى 2011، التى أعطتهم الأمل فى الإطاحة بالنظام، والقفز على السلطة، وانخرطوا فى العمل العسكرى من خلال التنظيمات المسلحة، شاركوا في تأسيس المجلس الوطني بإستانبول، وكانوا المكون الرئيس فيه، بتمثيلهم بربع أعضاءه البالغين 310 عضوًا، لكنهم عندما أدركوا ان الحرب ممتدة، وبدأت نيرانها تطول أسرهم، هاجر معظمهم لتركيا، حيث يوجد قرابة 3.4 مليون سورى، أعداد محدودة للغاية توجهت لمصر، وعندما إشتعلت مواجهة 30 يونيو مع الإخوان منتصف 2013 قاموا بتصفية أعمالهم وغادروها، متجهين الى تركيا بصفة أساسية.. معظم رجال الأعمال السوريين الموجودين حالياً قدموا بأنشطتهم لمصر بعد سقوط الإخوان 2013، حيث لايمكن آنذاك ان يغامر رجل أعمال إخوانى بالقدوم مصطحباً أمواله فى بلد بدأت حرباً ضد التنظيم، ومصادر تمويله.. أما السوريون الذين شاركوا فى إعتصام رابعة، فمعظمهم من الفقراء المعدمين، الذين وجدوا فيه مجالاً لتوفير ثلاث وجبات مجانية، ومساعدات نقدية، وهى نفس دوافع معظم من شارك من فقراء المحروسة.

تعلق السوريين بمصر، يرجع الى احساسهم العميق بأنهم فى بلدهم، مصر لا تتعامل معهم كلاجئين، فهى لم تجمعهم بمخيمات، بل تركتهم يندمجوا في المجتمع كأشقاء، والسوريون ساهموا فى دعم الإقتصاد المصرى، بدءاً من الأسرة البسيطة التى تصنع بعض المأكولات بمنزلها لتبيعها، كى لاتكون عالة على أحد، الى المستثمر الذى أسس أضخم مدينة صناعية للغزل والنسيج في إفريقيا برأسمال 2 مليار دولار، ليخلق فرص عمل، ويساهم فى الإرتقاء بالإنتاج ودعم الصادرات.

مصر ياسادة دولة بيروقراطية منظمة، الأشقاء السوريون مرحب بهم، سواء من يسكن الرحاب والتجمع، أو يقطن بعشوائيات عثمان بأكتوبر.. دخولهم للسياحة مكفول لشهر، وإقامتهم المؤقتة معفية من الرسوم، ومسموح لهم بالإقامة الدراسية، أو الإستثمارية من خلال هيئة الاستثمار، والعقارية بين سنة وخمس سنوات، وفقاً لقيمة العقار المملوك، وبغرض العمل بموجب ترخيص الوزارة، وإقامة الزواج تمنح للزوجة بكفالة الزوج المصرى، ومسموح لهم بجمع شمل الأسرة.. الحملة المضادة تضمنت دعوة أجهزة الدولة لوضع أعينها على أنشطة السوريين، وترحيل المعارض منهم، وذلك نوع من السخف، لأن الدولة المصرية بأجهزتها السيادية تتابع كل الأنشطة التى تجرى على أراضيها، ومن لديه معلومة يرى أنها قد تفيد، فالجميع يعرف كيف يمكنه إبلاغها، دون اللجوء للتحريض على كراهية جالية شقيقة بصفحات الجرائد، أو مواقع التواصل.

 
أضف تعليق

Posted by في 2019/06/14 بوصة غير مصنف

 

قطر.. قوة الهدم والتخريب فى معركة الغاز

3 يونيو 2019

قطر اكتشفت أكبر حقل للغاز في العالم 1969، إحتياطاتها الإجمالية المؤكدة 880 تريليون قدم3، تمثل 13% من إجمالي الإحتياطات الدولية، حصتها 30% من إجمالي صادرات الغاز، تعتبر أكبر مصدّر للغاز المسال فى العالم، تنفذ منذ سبتمبر 2018، خطة تستكمل 2024 لزيادة القدرة الإنتاجية، إلى 110 ملايين طن سنوياً، بزيادة 43% عن الطاقة الإنتاجية الحالية.

ولكن كلما زادت قدرات قطر المالية والإقتصادية، كلما تعمقت التناقضات بينها وبين باقى دول الخليج، وكذا مع معظم الدول العربية، بسبب محاولتها ترجمة ذلك الى نفوذ وتدخلات فى شئون الدول الأخرى.. كل علاقاتها السياسية، بتوافقاتها وتقاطعاتها وصداماتها مع دول الخليج، ودول الإقليم العربية، ودول الأطراف «تركيا، وايران»، يحكمها النفط والغاز.. السبب الرئيسى للدعم الإيرانى لقطر، الذى وصل الى حد القيام بالدور الرئيسى فى مساندة النظام، عندما كان على وشك السقوط، يرجع الى حرص طهران على التوافق، نتيجة لإشتراكهما في حقل الغاز الممتد تحت المياه الإقليمية للدولتين بالخليج، والمعروف قطريا باسم «حقل القبة الشمالية»، وإيرانيا باسم «حقل فارس الجنوبى»، وهو يعد أكبر حقل غاز فى العالم، بإحتياطيات تقدر بـ50.97 تريليون متر3.

الدعم التركى للنظام القطرى يرجع أيضاً لنفس السبب؛ بعد أقل من 24 ساعة من قيام دول الرباعى العربى بقطع العلاقات مع قطر يونيو 2017، سنّ البرلمان التركي تشريع يجيز نشر القوات التركية على الأراضي القطرية، إستجابة لطلب عاجل من الحكومة، صادق عليه أردوغان بعد ساعات قليلة، لتنطلق الترتيبات على الأرض للتنفيذ، لأن العنصر الحاكم فى العلاقات هو ان إحتياجات تركيا من الغاز الطبيعى تتجاوز 50 مليار متر3 حاليا، تتزايد لتصل الى 72 مليار متر3 بحلول عام 2030، ولذلك فإن علاقاتها الإستراتيجية بالدوحة تتحدد من خلال رؤيتها لمصادر تلبية تلك الإحتياجات، وهو نفس المنظور الخاص بعلاقات التحالف التى تربطها بكلا من روسيا وإيران.

الإهتمام الأمريكى بقطر، ووضعها الرئيسى ضمن أولويات الإستراتيجية الأمريكية بالمنطقة، يرجع ايضا الى أهميتها كدولة منتجة للغاز، دان بروليت نائب وزير الطاقة الأمريكي كشف عن مباحثات مع الدوحة بشأن تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي المسال، لأن واشنطن تضغط على ألمانيا أكبر مستهلك للطاقة في أوروبا، وعدد من الدول الأوروبية الأخرى لإستيراد الغاز الأمريكى والقطرى، بدلا من الروسى، وتهدد الشركات الألمانية بعقوبات تتعلق بالتعامل مع خط أنابيب «نورد ستريم 2» الجارى إنشاؤه، والذى سيضاعف الطاقة التصديرية الروسية لألمانيا عبر البلطيق.

أمريكا وبريطانيا حفاظاً على مصالحهما الإقتصادية والسياسية فى قطر، حرصتا على توجيه ثروتها الضخمة لتشكيل هوية جيوسياسية تبعدها عن جيران الإقليم العربى، وتقربها لدول الأطراف، وتأصيل توجهات قد تبدو فى ظاهرها نزوعاً نحو الحداثة والعصرنة، مثل أكاديمية التغيير، ودعاوى حقوق الإنسان، لكنها تخلو من المضمون، لأنها تقترن بسياسات عدوانية هدامة، تحولت معها الى جارٍ مارق، يستهدف زعزعة أسس الدولة الوطنية بالإقليم، وقلب أنظمة الحكم، وخلق حالة من الفوضى، تسمح بالتدخل الخارجى، هذا النموذج نجح تنفيذه بالعراق وسوريا واليمن وليبيا، وفشل بمصر.

خطوط الغاز غبر سوريا

الجغرافيا فرضت على قطر وإيران المشاركة فى أكبر حقل غاز بالعالم، ولكن جنون الغاز دفع كلا منهما لتصدير حصته للخارج بشكل مختلف.. سوريا هى المعبر الوحيد لمشروع خط أنابيب الغاز الذى يستهدف تصدير الغاز القطرى إلى أوروبا؛ والذى عرضت قطر تشييده بدعم أمريكى عام 2000، بتكلفة 10 مليارات دولار، يمتد 1500 كم عبر السعودية والأردن وسوريا وتركيا.. سوريا الأسد رفضت الموافقة على مد الخط منذ عام 2009، فقررت الدول الثلاث العمل على إسقاط النظام السورى.

سوريا أيضاً هى المعبر الوحيد لخط الغاز الإيرانى «خط الأنابيب الإسلامى»، الذي خططت إيران لتنفيذه منذ 2010، ليقوم بنقل الغاز من ميناء عسلوية المطل على الخليج، ويمتد بطول 2000 كم، عبر العراق وسوريا ولبنان، يشحن 20 مليار متر3 حتى ساحل البحر المتوسط، ومنه لأوروبا إما عن طريق خط أنابيب بحرى لتركيا، أو عبر ناقلات الغاز بعد إسالته.. هذا الخط كان كفيلاً بجعل إيران أكبر مصدر للغاز فى العالم.. مصلحة إيران فرضت عليها الحفاظ على إستمرار نظام حكم الأسد، والحيلولة دون سقوطه.

الغاز من حقل واحد، وملاكه شركاء، لكن مصالحهما تصادمت على الساحة السورية؛ قطر وحلفائها والتنظيمات الإرهابية التى تدعمها، وإيران والميليشيات الشيعية التابعة لها، لينتهى الصدام بتدمير الدولة السورية، وسقوط أكثر من 350 الف قتيل، منهم 20 الف طفل وامرأة، وقرابة 12 مليون نازح بالداخل والخارج، وبعد أن قامت الأطراف المتصارعة بهدم كل منهما للآخر سقط المشروعين القطرى والإيرانى، وتدخلت روسيا عسكريا فى سبتمبر 2015، لتحسم المعركة لصالحها، وتتخلص من إحتمالات منافسة أياً من الغاز القطرى أو الإيرانى، للغاز الروسى فى أوروبا، وتستولى على عقود التنقيب عن الغاز السورى، فى البر، وبالمنطقة الإقتصادية الحرة فى عمق البحر المتوسط، بعد ان اكدت البحوث السيزمية ان الاحتياطى الإستراتيجى من الغاز سيحول سوريا الى ثالث أكبر دولة منتجة بعد روسيا وإيران، مما يفسر بدء موسكو بناء معملين للإسالة.. قطر وإيران خسرتا معركة الغاز.. سوريا تهدمت وتشرد أبنائها.. وروسيا هى الطرف الوحيد المستفيد.. لأنها تدير معركة الغاز، برصانة تضمن لها الخروج مستفيدة من كل الحسابات الخاطئة للاعبين المنتشرين على الساحة.

تدخلات قطر فى ليبيا والجزائر

أطماع قطر فى غاز ليبيا والجزائر يرجع لحرصها على عدم وجود منافس قوى لها، كمصدِّر للغاز للسوق الأوروبى.. «القطرية للغاز» عقدت إتفاق شراكة فى كل مشاريع «توتال» عام 2006، الأخيرة إكتشفت حقل غاز «NC7» العملاق بحوض غدامس، وإشترت حق إمتيازه 2009، ليبيا عرقلت تنفيذ إتفاق الشراكة مع القطرية، باشتراطها عدم دخول شريك ثالث، مما دفع قطر لمشاركة فرنسا فى الإطاحة بنظام القذافى ونشر الفوضى بالبلاد.. بعد سقوط النظام 2011 نجحت فرنسا فى السيطرة على 35% من الغاز الليبى، بالاتفاق مع المجلس الانتقالى، الذى كانت تربطه بالنظام القطرى علاقات وثيقة.. قطر دفعت شركة «جلينكور» للتجارة والتعدين، التى تمتلك نسبة كبيرة من أسهمها، للاستحواذ على الغاز الليبى، لكنها فشلت، الى ان أصبح فايز السراج رئيساً لحكومة الوفاق أواخر 2015، فمنحها الحقوق الحصرية لتسويق إنتاج حقلى «السرير ومسلة» اللذين يشكلان 20% من الغاز الليبى، حتى استولت عليها شركتا «بى. بى ورويال داتش شل» نهاية 2018.

ومن المؤسف أن يتم إغتيال شكرى غانم، وزير النفط الليبى، الذى وقع اتفاق 2009 فى النمسا أبريل 2012، وإغتيال كريستوفر مارجيرى، مدير توتال، وشريكه فى توقيع الاتفاق، فى العاصمة الروسية موسكو أكتوبر 2014، فى عمليتى مخابرات ناجحتين، انتهتا بتصفيتهما جسديا، لتعكسا مدى شراسة «حرب الغاز» التى تتعرض لها المنطقة.. أما فى الجزائر، وخلال الموجة الثانية من الخريف العربى التى تمر بها الجزائر والسودان حاليا، تقوم قطر بتنفيذ مخطط الفوضى، بتقديم الدعم المباشر لـ«جبهة الإنقاذ» المتعاونة معها بالجزائر، التى نجحت فى ركوب موجة الاضطرابات، وتأجيج الشارع الجزائرى ضد بوتفليقة، حتى انتهت باستقالته، ولازالت تحرض على مزيد من الإضطرابات بدعوى إسقاط كامل القيادات المنتمية للنظام السابق، والتى تستهدف فى النهاية إسقاط الجيش، الذى تنتمى كافة قياداته بالطبع للنظام السابق، مما يفتح الباب لسقوط الدولة، والفوضى، كبداية لقفز عناصر الإخوان على السلطة.. هو نفس التكتيك التقليدى الذى تتبعه الجماعة الإرهابية فى كل دول المنطقة.

مشروع ربط شبكة الغاز الخليجية بمصر

من الملفت انه بعد تأزم علاقات قطر مع دول الرباعى العربى، أكدت أنها لن تغلق خط أنابيب «دولفين» الذى يمد دولة الإمارات العربية بالغاز القطرى، ولن تستخدمه كأداة للضغط، وبالفعل بمجرد حدوث عطل بخط «دولفين» منتصف ابريل 2019، سارعت شركة «قطر للبترول» بشحن المواد اللازمة لأعمال الإصلاح، وعوضت نقص إمدادات الغاز عن طريق شحن الغاز المسال إلى الإمارات.. مما يعكس حرص قطر على الإحتفاظ بحصتها من الصادرات للأسواق الخليجية، لأنها تدرك ان الإمارات يمكنها توفير إحتياجاتها من مصادر بديلة، كما ان إيقاف الشحن يعطى مبرراً قانونياً للإمارات لإنهاء العقد الموقع مع الدوحة، والذى يقضى بإلتزامها بتزويد الإمارات بالغاز حتى 2032، وتلك تعتبر خسارة كبرى لقطر، فى ضوء ماكشف عنه وزيرا الطاقة فى الإمارات والسعودية، من انه يجرى حالياً دراسة مد شبكة غاز خليجية مشتركة، تضم الإمارات والسعودية وسلطنة عمان، تليها في مرحلة لاحقة الكويت والبحرين، تمهيداً لربطها مع مصر والأردن، وربما العراق.. محاولة جادة للتخلص من إحتمالات الخضوع للضغط، وهو مايعزز ثقل مصر كمركز للغاز بالمنطقة.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/06/02 بوصة غير مصنف

 

مشروعاتنا شرق المتوسط والتحرشات التركية

الفاتح-التركية-660x330

كل علاقات التعاون مع الكيانات الدولية العملاقة، التى شكلت تحولاً نوعياً فى ثقل مصر، ومستقبلها الاقتصادى، تم تأسيسها خلال لقاءات مباشرة بين الرئيس السيسى ورؤساء هذه الكيانات، حدث هذا مع كلاوديو ديسكالزى، رئيس شركة «إينى» الإيطالية، بعدها تم اكتشاف حقل «ظهر» العملاق.. كما حدث مع جوزيف كيزر، رئيس شركة «سيمنز» الألمانية، بعدها تم تنفيذ ثلاث محطات توليد كهرباء، حققت نقلة نوعية لتحقيق فائض ضخم فى الإنتاج يسمح بالتصدير.. وأخيراً مع ديفيد ستوفر، رئيس شركة «نوبل إنيرجى» الأمريكية، الذى استقبله الرئيس 20 مايو الجارى.. خلف ذلك تكمن رؤية استراتيجية للدولة، تستهدف تبوؤ وضع دولى متميز، كمركز للطاقة الغازية والكهربائية بالمنطقة.

«نوبل» قد تنضم لعمالقة التنقيب بالمنطقة الاقتصادية الحرة لمصر شرق المتوسط، وربما تشارك فى تنفيذ خط أنابيب الغاز بين حقل «أفروديت» القبرصى ومعمل إسالة الغاز فى «إدكو».. اختيارها يعكس حكمة بالغة، لا لكفاءتها الفنية فحسب، وإنما لأنها شريكة «شل» الأمريكية و«ديليك» الإسرائيلية فى حقل «أفروديت».. وشريكة «ديليك» فى حقلى «تمار» و«ليفياثان» الإسرائيليين، وتعاقدت بمشاركة «ديليك» على بيع الغاز لشركة «دولفينوس» المصرية.. وهما و«غاز الشرق» المصرية استحوذوا على 39% من أسهم «غاز شرق المتوسط»، التى تمتلك خط أنابيب «عسقلان/العريش»، الذى سيستخدم لضخ الغاز الإسرائيلى.. «غاز الشرق» استحوذت على 9% أخرى فى صفقة منفصلة.. و«نوبل» اتفقت على التشغيل مقابل 10%، ليرتفع الاستحواذ لـ58%، مما يسمح بإسقاط الغرامات المفروضة بموجب الأحكام الدولية، على شركات الإسالة المصرية، نتيجة عدم الوفاء بالتزاماتها التصديرية، بسبب التفجيرات المتعاقبة بخط الغاز إبان حكم الإخوان.

احتمال إسناد تنفيذ عملية مد خط نقل الغاز البحرى بين قبرص ومصر لشركة «نوبل»، يربط المصالح الاقتصادية الأمريكية بالمنطقة بصورة استراتيجية، من خلال شراكة «إكسون موبيل» فى حقل «جلافكوس» القبرصى العملاق، و«نوبل» فى معظم امتيازات التنقيب والاستخراج والنقل التابعة لإسرائيل وقبرص ومصر، مما يفرض على أمريكا الانحياز لهم، لردع التهديدات التركية، خاصة مع التباعد الذى تتعرض له العلاقات التركية الأمريكية نتيجة لصفقة S-400، والعقوبات التى ترتبت عليها.

ومن نفس منطلق التوجهات الاستراتيجية، لدفع الدولة نحو المركز الدولى للطاقة، وقعت مصر اتفاقاً مع شركة «يوروأفريكا إنتركونكتور» القبرصية 23 مايو، لمد كابلات بطول 310 كيلومترات على عمق يصل لـ3000 متر تحت مياه المتوسط، تبدأ من غرب دمياط، لربط شبكة الكهرباء المصرية الوطنية مع نظام الكهرباء الأوروبى عبر قبرص وجزيرة كريت اليونانية، لتصدير فائض الطاقة الكهربائية من مصر إلى أوروبا، تبلغ طاقته القصوى 2000 ميجاوات، وتكلفته مليارى يورو، ويستغرق تنفيذه 36 شهراً.

كل ذلك يتم فى ظل التحرشات التركية؛ سفينتا التنقيب «فاتح» و«برباروس» يتمركزان على بعد 60 كم جنوب غرب قبرص.. مناورة «ذئب البحر 2019»، بدأت 13 مايو الجارى، امتدت فى كل من البحر الأسود وبحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط، تعتبر المناورة البحرية الأكبر فى تاريخ تركيا.. وهى امتداد لمناورة «الوطن الأزرق»، التى نظمت خلال فبراير ومارس الماضيين، والتى حشدت فيها الترسانة البحرية والجوية لتركيا.. «أنقرة» تستهدف التأكيد على وجودها بالمنطقة، كما تحرص على إبقاء قواتها فى حالة حشد، أثناء عمليات التنقيب التى تمتد حتى سبتمبر المقبل، تحسباً للطوارئ.. قبرص وإسرائيل ردتا على المناورات التركية، بمناورات مشتركة استمرت حتى 29 مايو، كجزء من برنامج التعاون العسكرى الثنائى السنوى بين البلدين، فى تحدٍ صريح لمناورات «ذئب البحر».. والقوات البحرية المصرية نفذت مع البحرية الفرنسية «الفرقاطة SURCOUF» تدريباً مشتركاً بمنطقة عمل الأسطول الشمالى فى البحر المتوسط.

التهديدات التركية لم تقتصر على التحرش فى البحر، بل امتدت إلى تفعيل صريح لدعمها لحكومة السراج والميليشيات التابعة لها.. الإخوانى خالد المشرى، رئيس مجلس الدولة، وفتحى باشاغا، وزير الداخلية، زارا «أنقرة» بداية مايو، بصحبة عدد من القيادات العسكرية، وتفقدوا معرضاً للأسلحة، وقدموا احتياجاتهم.. بعدها تدفقت المدرعات، وطائرات الدرونز المسيرة والأسلحة على طرابلس ومصراتة؛ 40 مدرعة ناقلة للجنود مضادة للألغام طراز كيربى، من صنع «بى إم سى أوتوموتيف» التركية، التى يمتلك صندوق الاستثمار القطرى 50% من أسهمها، وكمية من الصواريخ المضادة للدبابات، بالإضافة إلى بنادق قنص ورشاشات هجومية، وكميات من الذخائر والمتفجرات وقطع الغيار.. كل مصادر الأنباء نقلت عملية تسلم الأسلحة بالموانئ، لأن المتحدث باسم حكومة طرابلس أكد التواصل مع تركيا لطلب الدعم اللازم لمواجهة الجيش، ومحمد الشامى، عضو المكتب الإعلامى لميليشيات المنطقة الوسطى، التابعة للسراج، أكد أن «الدعم التركى تم عبر اتفاقات رسمية»، مدعياً أن «المدرعات لا يشملها قانون حظر الأسلحة»!!، وهناك تسريبات قوية تفيد بدراسة «السراج» منح تركيا حق إقامة قاعدة عسكرية بطرابلس، لتمكينها من الدعم المباشر للميليشيات بطريقة مشروعة، فى استنساخ لتجربة قطر، حيث حال التدخل التركى المباشر دون سقوط النظام.. إيطاليا تحفظت بسبب وجود قواتها بمصراتة، وعدم اتساق الوجود العسكرى التركى مع التجاذبات السياسية الراهنة بين «أنقرة» ودول الاتحاد الأوروبى.. بعثة الأمم المتحدة تلتزم الصمت رغم انتهاك تركيا وقطر الصريح لحظر السلاح.. فهل ستلتزم نفس الموقف لو تم لحساب الجيش الوطنى؟!.

توزيع الأسلحة والمدرعات التركية على الفصائل والميليشيات سبب انقسامات عديدة.. عناصر «فرسان جنزور» طالبوا بالانسحاب من المعركة، وكتيبة «ثوار طرابلس» أغلقت بوابات ميناء طرابلس بالحاويات، احتجاجاً على استحواذ ميليشيات مصراتة على معظم الأسلحة، والجيش الوطنى فرض حظراً بحرياً على الموانئ الواقعة غرب ليبيا، منذ 19 مايو، لمنع وصول مزيد من الأسلحة، وقطع الإمدادات العسكرية لميليشيات الوفاق.

الجيش الوطنى تمكن من تدمير قرابة نصف المدرعات الجديدة، وأسقط طائرة مسيرة فوق قاعدة الجفرة.. لكن الدعم التركى القطرى يستهدف تحويل المعركة إلى حرب طويلة، يعانى فيها المدنيون أكثر من المحاربين.. «حفتر» يرتب لزيارة موسكو وواشنطن للقاء «بوتين» و«ترامب».. الطرفان على قناعة بأن الحرب بين طرفين، أحدهما وطنى يسعى لاستعادة مؤسسات الدولة الليبية، وفرض الأمن والاستقرار، والآخر الميليشيات والتنظيمات الإرهابية، التى تحرص على استمرار الفوضى.. زيارات حاسمة، يتم خلالها إجراء مراجعة نهائية للمواقف، قبل إعطاء الضوء الأخضر للجيش الوطنى، لحسم المعركة.. وهو ما نأمل أن يتم سريعاً، حتى يتوقف نزيف الدماء.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/06/01 بوصة غير مصنف