انتصارات المخابرات الأمريكية CIA بتفكيك الإتحاد السوفيتى، وإخضاع أوروبا الشرقية، إبان الحرب الباردة، انقلبت لإنكسارات.. فشلت فى إختراق “القاعدة”، وإدعت تعاونها مع العراق، وفبركت رواية أسلحة الدمار.. هجمات سبتمبر 2001 كانت كاشفة، بل فاضحة.. برامج إستثنائية للإعتقال، والإحتجاز، وإختطاف المشتبه بهم، وتسليمهم لأجهزة أجنبية لإستجوابهم، تعويضاً لقصور مهنى، لالتعريضهم لتعذيب ثبت فى جوانتانامو وابوغريب انهم سادته.
اللجنة الوطنية للتحقيق أوصت في تقريرها بتغييرات وإصلاحات واسعة، تم بمقتضاها استحداث وكالة المخابرات الوطنية “NI” 2004، لتتولى التنسيق والتكامل بين الـ16 وكالة مخابرات مدنية وعسكرية، لكنها فشلت رغم تغيير 5 رؤساء وستة نواب خلال 10 سنوات، أزمة CIA كانت أخطر.. قصور مهنى، فشل تنظيمى، وفساد مالى؛ منذ تسلم بورتر جوس رئاستها سبتمبر2004، انشغل بمقاومة الخضوع للـ”NI”، واستقدم عناصر تفتقد للكفاءة، فهربت الكوادر المهنية، عين كيلي فوجو بمنصب الرجل الثالث رغم تورطه فى قضية رشوة، فأجبر على الإستقالة مايو 2006.
بوش أقر بموافقته على استخدام “وسائل مشددة” خلال التحقيقات شريطة تسجيلها، ونائبه تشينى وافق على إخفاء برنامج سرى لمكافحة الإرهاب عن الكونجرس، مايكل هايدن مدير CIA إعترف 2008 بممارسة “الإيهام بالغرق” على ثلاثة إرهابيين؛ خالد شيخ محمد وأبو زبيدة وعبد الرحيم الناشري، وعندما طلب منه القضاء شرائط الفيديو الخاصة بالتحقيق مع زكريا الموسوى لإدعاء تعرضه للتعذيب، تعلل بإعدامها، بحجة إخفاء هوية المحققين!! أوباما بدأ حكمه بتوظيف مُسىء لشئون الأمن القومى الأمريكى فى الصراع الحزبى، أوقف العمل بالبرامج الإستثنائية، لكنه أمر بالتحقيق فيما تردد عن وقف إدارة بوش تحقيقاً حول مجزرة لسجناء طالبان ارتكبتها قوات عبدالرشيد دوستم المدعوم من واشنطن2001.
إستمرار أزمة المخابرات الأمريكية جسدتها فضائح تسريب 100 الف وثيقة من سجلات الحرب الأفغانية بالجيش الأمريكى، و400 الف من تقاريره الميدانية خلال حرب العراق، و250 الف مراسلة سرية بين وزارة الخارجية وبعثاتها بالخارج 2010، نشرها موقع ويكيليكس وصحف عالمية.. فضائح غير مسبوقة لتجاوزات وحروب قذرة، وتدنى لدبلوماسية قوة عظمى، فى تعاملها وتفاوضها، وأدواتها للضغط، حتى التعليقات البذيئة على الزعماء.. نموذج فج للعجز عن تأمين المعلومات والإتصالات، وتعبير عن أزمة الإختراق الداخلى للمخابرات الأمريكية.
تسريبات إدوارد سنودن، الخبير بجهاز الأمن القومي “NSA”، وصلت بالأزمة لذروتها، 50,000 صفحة من المعلومات والوثائق السرية، ومكالمات وبيانات، أخطرها الميزانية التفصيلية لوكالات المخابرات الـ17، وأشدها حرجًا عمليات التنصت على 122 مسئولاً سياسياً حول العالم بينهم رؤساء دول وحكومات حليفة.. المخابرات الأمريكية أصبحت موضع “سخرية” بعد حصول سنودن على جائزة سام آدامز 2013، وترشيحه لنوبل للسلام!!
فى ظل انكشاف كهذا، لم يكن مُستغرباً ان يتعرض البيت الأبيض لإختراق الإخوان، الذين وصفهم تشينى بأنهم “أصل كل الجماعات الإرهابية التي نتعامل معها حاليا بمافيها داعش”، المخابرات الأمريكية لم تحرك ساكناً، لأنها كانت تتعاون معهم، حتى انه بمجرد إبداء مرسى استعداده للتنازل عن مثلث حلايب وشلاتين، ظهرت خرائط مصر بدونه.. على الصفحة الرسمية للحرية والعدالة، وقناة الجزيرة، والموقع الرسمى لـCIA!!
فرانك جافنى وجیت ستون الباحثين فى الإسلام السياسى، أثبتا ان محاولات إختراق الإخوان للإدارة الأمريكية بدأت فى عهد كلينتون وجور، وبلغت ذروتها مع اوباما، مایكل باكمان وعدة نواب جمهوريون طالبوا المخابرات بالتحرى عن حجم الإختراق الإخوانى للإدارة الأمريكية وأجهزتها، خاصة سعى مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكى “كير” المرتبط بهم، لزرع متدربين شباب فى مكاتب أعضاء الكونجرس، مستشهدين بالوثائق الواردة بكتاب الناشطين ديفيد جوباتز وباول سبري (المافيا الإسلامية: العالم التحتي السري المتآمر لأسلمة الولايات المتحدة).
ركائز الإخوان فى إختراق البيت الأبيض متعددة: عارف علي خان، مستشار أوباما للإسلام السياسي، نائب مدير الأمن الداخلي، عضو التنظيم الدولي للإخوان، من مؤسسي المنظمة الإسلامية العالمية، منسق إجتماعات الإدارة الأميركية بالإخوان.. محمد الإبيارى، مستشار أوباما للأمن الداخلي، صاحب مؤسسة ‘‘الحرية والعدالة” التى مولها حزب ‘‘الحرية والعدالة”، عضو المجلس الإسلامي، شاهد نفى قضية عمر عبدالرحمن، إستقال عقب تغريدة مؤيدة لإجتياح داعش للموصل، وإعلان الخلافة الإسلامية.. رشاد حسين، عضو قانونى بالفريق المعاون لأوباما 2009، عضو المجلس الإسلامى، أختير كمبعوث خاص للمؤتمر الإسلامي2012..سّلام المراياتى، مؤسس ومدير تنفيذي للمجلس العام لشئون المسلمين (MPAC)، يرتبط بالتنظيم الدولي، عمل بجهاز الأمن الوطني 2002 !! محمد ماجد.. مستشار أوباما بوزارة الأمن الداخلي، رئيس المجمع الإسلامي لشمال أميركا، التحق بمجلس الأمن القومي 2002، عضو مكتب التحقيقات الفيدرالي والمجلس الاستشاري العربي.. هوما عابدين مستشارة كلينتون، والدتها تنتمى للإخوان، ويتعاون شقيقها مع القرضاوى، توسطت لدخول طارق رمضان حفيد حسن البنا لأمريكا، ترشح زوجها اليهودى “أنتوني وينر” لمنصب حاكم نيويورك وانسحب بعد تعرضه لفضيحة جنسية، هى الثانية بعد التى أخرجته من الكونجرس.. فاليرى جاريت مستشارة أوباما ذات الأصل الإيرانى، كانت وراء المحادثات السرية بين واشنطن وطهران، التى انتهت بمفاوضات (5+1).. داليا مجاهد مستشارة أوباما للشؤون الإسلامية، رئيسة معهد جالوب، عضو مجموعة أزمة الشرق الأوسط ببروكنجز، إبنة “السيد مجاهد” القيادي الإخواني، صاغت خطابى اوباما بالقاهرة واستانبول، وصاحبة عبارة “الآن يعنى الآن” التى وجهها لمبارك، قادت توجه الرئاسة لدعم العلاقة بالتنظيمات الإسلامية بما فيها حماس، ودفع الإخوان لحكم مصر.
بعد 13 عاماً من هجمات مانهاتن، أعاد الديمقراطيون فتح ملف التعذيب، بتقرير من 6000 صفحة، أعدته لجنة خاصة استغرقت تحقيقاتها 5 سنوات بتكلفة 40 مليون دولار، أقرته لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ التي يسيطر عليها الديمقراطيون ديسمبر2012، رفعت السرية عن ملخصه ابريل 2014، ونشرته في 525 صفحة ديسمبر الجارى، لم يأت بجديد سوى التذكير بأن اوباما صاحب فضل الغاء الإجراءات الإستثنائية التى سمحت بذلك الإرث الأسود، الذى تسبب فى حصول بوش علي لقب اسوأ رئيس أمريكي، وخسارة الجمهوريين الانتخابات لمرتين متتاليتين.. مناورة انتخابية قذرة، كشفها ميكا زنكو من مركز أبحاث نيويورك التابع لمجلس العلاقات الخارجية ‘‘اذا كان 119 معتقل ممن خضعوا لبرنامج الاستجواب السري يستحقون كل هذه الشفافية، فلماذا لانعطى نفس الحق لـ3500 قتيل من ضحايا برنامج “التصفيات المحددة الأهداف” الذي تنفذه طائراتنا بدون طيار في باكستان والصومال واليمن’’.
الغريب ان يصف التقرير مصر بـ‘‘الدولة التي استقبلت أكبر عدد من المعتقلين’’ للإيحاء بمشاركتها فى التعذيب، رغم ان أحمد نظيف رئيس الوزراء السابق أكد في 2005 أن ذلك إقتصر على 60-70 من الإرهابيين المصريين، الذين ارتكبوا جرائم تتصل بالبلاد، خلال حكم كلينتون، ولم يمتد لفترة بوش، بكل ماارتبط بها من تجاوزات وإجراءات إستثنائية.. والأغرب تزامن ذلك مع الإعلان عن اعتقال مهندس أمريكى من أصل مصرى، يعمل بالبحرية، خضع لتحرى روتينى من أحد عناصر FBI، انتحل ساتر رجل مخابرات مصرى، وأقنعه بسرقة تصميمات حاملة طائرات وإرسالها للقاهرة.. مصر ليست لها أية علاقة بالموضوع.. المخابرات الأمريكية لعبت مع نفسها، بسذاجة وانعدام مهنية،.. قضية تجسد حُلمها، فى إجتياز أزمتها الداخلية، واللعب مع الكبار.
المخابرات الأمريكية تضم 200 ألف موظف، ومئات الألاف من العملاء، وصلت ميزانيتها لـ75 مليار دولار، لو أنفقت بمهنية، لشعر بالأمن الناس البسطاء من كيب تاون لمقديشو للشيشان.. ومن كراكاس لبغداد وتورابورا.