ترامب هدد أعضاء «أوبك» بالشرق الأوسط: «عليكم سداد فواتير حمايتكم».. وفى نفس اليوم أصدرت الخارجية الأمريكية، تقريرا يتضمن تفاصيل التهديدات الإيرانية لجيرانها، خاصة المتعلقة ببرامجها الصاروخية، ومخزوناتها الضخمة.. التقرير يوصى برفع درجات الحذر، وإحكام الإجراءات الدفاعية، لكن ماتيس وزير الدفاع قرر فى اليوم التالى مباشرة 26 سبتمبر، سحب أنظمة «باتريوت» للدفاع الجوى والصاروخى من الكويت والأردن والبحرين، بحجة إعادة تنظيم القوات والقدرات العسكرية الأمريكية، لمواجهة التهديدات المستقبلية، من الصين وروسيا، وهو إجراء يحرم هذه الدول من مظلة الحماية المضادة للصواريخ البالستية، ويحرك الأطماع الإقليمية والدولية فيها.. أزمة خاشقجى فى استانبول بدأت 2 أكتوبر، حاملة نفس رسائل الضغط والإبتزاز، بن سلمان رد فى 5 أكتوبر «السعودية لن تدفع في الوقت الراهن أي شيء مقابل أمنها«، لكن إحكام الخناق عليها سيجبرها على الدفع.. المنطقة العربية تعيش مأساة مروعة؛ أمريكا وهى تنسحب من المنطقة، تسعى لنهب أموال الخليج، بإثارة مخاوفه من إنكشاف دفاعاته، أمام التهديدات الإيرانية، حتى تجبره على اللجوء لأدواتها البديلة للحماية «إسرائيل وتركيا».
الكويت منذ أحداث الغزو العراقى لأراضيها تحركها هواجس الخوف، وبعد أزمة قطر مع الرباعى العربى تضاعفت مخاوفها الأمنية، خاصة وان تأثير التيار المؤيد للإخوان أوجد تعاطفاً مع الدوحة.. حاولت الموائمة بين ضغوط الداخل وتوازنات الإقليم، فلعبت دور الوسيط الساعى للحل، وهو نفس الدور الذى حاولت ان تلعبه تركيا فى البداية، لكن الأمور تطورت، وإستجابت أنقرة لطلبات الدعم التجارى واللوجستى، لتعويض انخفاض مخزون الأغذية بالأسواق القطرية، إعتماداً على الشحن الجوى، مما ضاعف ثقة الكويت فى جدوى الإنحياز لها، وضرورة تطوير التحالف العسكرى معها، خاصة وان عضويتها بحلف الناتو، قد يشكل ضماناً دولياً، وهى نفس النظرة التى تحكم قطر.. ولنتذكر ان وجود الشيخ جابر المبارك رئيس الوزراء الكويتي، خلال أول زيارة خارجية قام بها أمير قطر لانقرة منتصف سبتمبر 2017، لم يكن مصادفة، وزيارة أردوغان للكويت وقطر فى نوفمبر، كانت مقدمة لتشكيل محور ثلاثى.
تفاجئنا الكويت بتعزيز إجراءات الانتقال نحو ربط امنها الاستراتيجى بقوى خارجية غير عربية، أول خطواتها كانت إعلان تأجير جزيرتى فيلكا وبوبيان للصين لمدة ٩٩ سنة يوليو الماضى، لتستثمر فيهما ٤٥٠ مليار دولار، وتتولى حمايتهما أمنياً واستراتيجياً، فى إجراء يعزز أمن الكويت، فى مواجهة الأطماع الخارجية، ويضيف بعداً جديداً للتوازن الدولى والإقليمى.. الثانية، فى نهاية إجتماعات الدورة الخامسة للجنة التعاون العسكرى مع تركيا 10 أكتوبر الجارى، عندما إعلنت توقيع اتفاق عسكرى مشترك، يتضمن خطة عمل للتعاون المشترك لعام 2019، تستهدف توحيد وتطوير المفاهيم، وتبادل الخبرات، وتعزيز التنسيق والانسجام، وصولاً الى تحقيق منظومة عمل عسكرى موحدة!!.. وذلك فى نفس الوقت الذى كان فيه اللواء سالم نواف الأحمد الصباح في أنقرة، يبحث مع عبد الله كوجم قائد قيادة الدعم اللوجستى بقوات الدرك التركية، تعزيز التعاون الأمني بين البلدين في مجال تبادل الخبرات والتدريب.. إجراء لم يأت من فراغ، بل كان إمتداداً لمذكرة التفاهم حول التعاون العسكري بين الكويت وتركيا التى وقعها الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت فى أنقرة مارس 2017، والإتفاقات التى وقعها رئيسا وزراء الدولتين بأنقرة سبتمبر 2017، وكان أبرزها اتفاق التعاون الأمني في مجال التعليم والتدريب بين الحرس الوطنى الكويتى، والقيادة العامة لقوات الدرك بتركيا، ومذكرات تفاهم في مجالى الطيران المدنى، والاتصالات وتقنية المعلومات.. ناصر الدويلة، البرلمانى ومستشار وزير الدفاع سابقاً، دعا إلى «إدخال الجيش التركي إلى الكويت بأقصى سرعة، لأنه يمثل المعادل الاستراتيجي الأكثر ضماناً وأمناً»، مما أثار ردود فعل متباينة فى الداخل الكويتى.
لابد ان نسلم، حتى لو كان القول يسوء، بأن معظم دول الخليج سبق ان راهنت على تركيا، رهاناً فى غير موضعه، نتيجة للقصور، فى قراءة التاريخ، وتفهم السياسة، وتقدير الإقتصاد.. الرؤية الإستراتيجية لسياسات القوى الدولية والإقليمية لدى دول الخليج، عانت تشوهات ينبغى المسارعة فى علاجها.. فلا أمريكا يمكن ان تكون حليفاً فى ظل قيادة تتعامل مع السياسة الدولية بمعايير الصفقات، ومنطق الإبتزاز، وإنعدام القيم والأخلاقيات.. ولا تركيا العلمانية بكل أطماعها العثمانية فى دول المنطقة، خاصة دويلات الخليج، يمكن ات تشكل طرفاً لتحالف سنى، أو مركز آمن للإستثمار، أو مظلة حماية.. ثم كيف لم يلحظ أحد ماطرأ من تغيرات على أهداف وتطلعات السياسة الخارجية التركية، بعد فقدانها الأمل فى ان تصبح عضوا بالإتحاد الأوروبى، والتى كان ابرزها التوجه نحو الخليج بكل ثرواته، والإختراق الإقليمى لكلاً من سوريا والعراق.. الحقيقة المؤكدة التى ينبغى إستيعابها، ان التمدد الجيواستراتيجى لتركيا بالمنطقة يقف فى صدارة اهدافها، ومالم نتعامل معه بتضامن مشترك وحزم، فلن نتمكن من وضع حد له مستقبلاً.
الوجود التركى فى الخليج أصبح واقعاً يجمع قطر والكويت فى إتجاه رؤية سياسية واحدة، وتفاهمات ومصالح مشتركة، ومن غير المستبعد ان يشكل مستقبلاً تحالفاً سياسياً وعسكرياً، وهو خسارة كبرى لدول الرباعى العربى، بل وتحدٍ كبير، لأن الكويت وهى تطور التعاون العسكرى مع تركيا، تدرك ان تعاون قطر معها، والذى أثمر عن الوجود العسكرى التركى بقاعدة الريان، شكل بنداً رئيسيًا ضمن مطالب دول الحصار العربى الـ13، والذى أشار صراحة الى ضرورة إغلاق القاعدة.. إذن فهى تدرك مدى حساسية هذا التعاون وخطورته وتبعاته.. الكويت تمدد نفوذ انقرة بالخليج، لا على حساب النفوذ الإيرانى فحسب، وإنما على حساب المصالح المصرية، وتجاهلاً لإلتزامات «مسافة السكة»، وخصماً من النفوذ السعودى، ومساساً بفعالية محور الرياض/أبوظبى، فضلاً عن انها تضع مجلس التعاون الخليجى فى إنتظار رصاصة الرحمة، ناهيك عن انها توقع العراق بين فكى الكماشة التركية، من الشمال والجنوب.
إنضمام الكويت الى المحور التركى القطرى، يعزز من دور إخوان الداخل الكويتى، ونشاط إخوان المنطقة، ويعكس ظلاله على المواقف السياسية المتعلقة بعدد من الملفات الرئيسية ، أهمها الموقف فى سوريا، الموقف من حماس.. العمل العربى المشترك عجز عن عزل تركيا، مما سمح لها بإستقطاب مزيداً من الحلفاء، وإختراق منطقة الخليج، إحدى دوائر الأمن القومى المصرى، وقلب الأمن القومى السعودى والإماراتى.. هل تدركون خطورة ذلك؟!