المحللون يحسبون حفتر على مصر، إستنادا لدعمها اللامحدود للجيش الوطنى الذى يتزعمه، رغم أنه شخصياً لايعنى لها الكثير.. قيادته للقوات الغازية لتشاد 1980 كانت تعبير عن تطلع لبطولة، وحلم بمجد شخصى، وليس التزام تنظيمى لصالح الوطن، ووقوعه فى الأسر 1987 كان بسبب سوء تقديره، وقصوره المهنى، وانشقاقه 1988 دلالة عدم إنضباط، وضعف ولاء، وقبوله لعرض أمريكا بالتجنس والإقامة بعد تحريرها له، خيانة لنفسه قبل وطنه، وتواطؤه فى محاولة إنقلاب 1993 عبر عن تمسكه بحلم قيادته لليبيا، وهو نفس الدافع لعودته بعد ثورة فبراير 2011، وصراعه مع العقيد عبدالفتاح يونس -وزير الداخلية المنشق على القذافى، ورئيس أركان جيش الثورة- تم ضمن هذا الإطار، إغتيال يونس “يولية 2011” بكل ماطرحه من شكوك، أتاح تطابق التطلعات الشخصية لحفتر، مع مصلحة الوطن فى جمع شتات الجيش.. إحالته للتقاعد “أكتوبر 2013″، ضمن 3000 ضابط تم الإستغناء عنهم، عبر عن عداء الإخوان الثابت للجيوش الوطنية، لكن انقلابه الوهمى على سلطة غائبة “فبراير 2014″، وشن عملية الكرامة “مايو 2014″، وقرار مجلس النواب بإعادته للخدمة “يناير 2015″، أيقظ حلم العسكريين المحبطين فى إمكانية التمرد على مخططات الإخوان لحل الجيش.
حفتر خاض معركتى تحرير بنغازى وطرابلس من الميليشيات، لكن نقص الأسلحة والإمدادات، وسوء الإدارة، فى مواجهة دعم قطرى وتركى مفتوح، أعاد الميليشيات لبعض احياء بنغازى، وطرده من طرابلس، ومنعه من التصدى لداعش.. الإخوان -المسيطرون على المؤتمر الوطنى- إشترطوا إزاحتة، للمشاركة فى الحوار، وعدهم ليون فشاركوا، ليستبعده اتفاق الصخيرات بمنح رئيس المجلس الرئاسى صلاحيات القائد الأعلى للجيش، لكنهم تمسكوا بإزاحته تماماً قبل توقيع الإتفاق، وإعتماد الحكومة، المخابرات القطرية والتركية وغيرهم ينفقون الملايين لشراء الذمم والولاءات، محمد الحجازى المتحدث الرسمى للجيش، الذى وصف حفتر بالـ”صنديد”، إنقلب عليه “21 يناير”، ووصفه بـ”الطاغوت”!!، مدعياً إرتكاب الجيش جرائم إغتيال واختطاف وإخفاء قسرى، ليساويه بالميليشيات المسلحة!!.. ابراهيم الجضران قائد حرس المنشآت النفطية، حليف حفتر الذى تصدى لمحاولة كتائب مصراتة السيطرة على الموانئ النفطية إبان عملية «الشروق»، إدعى أن «حفتر وداعش وجهان لعملة واحدة»، ونائبه على الحاسى أشاع بأنه حاول إستدراجهم لمعركة جانبية بأجدابيا، لإفساح المجال لإقتحام «داعش» للهلال النفطى!!.
عندما ناقش المجلس الرئاسى ضم حفتر للحكومة، إختلفوا، دعا البعض لتجاوز الأزمة بحجب منصب وزير الدفاع، إكتفاء بتولى رئيس المجلس للقيادة العليا للجيش، واقترح آخرون شخصيات مدنية أو نسائية أسوة بإيطاليا، وقعت ملاسنات حادة وعراك بالأيدى، وخرج التشكيل متضمناً تعيين العقيد المهدى البرغثى وزيراً للدفاع، انسحب عمر الأسود وكشف ان «تشكيلة الحكومة أتت فى ورقة جاهزة من خارج المجلس»، وقاطع على القطرانى متهماً المجلس بالخضوع للإخوان.. التشكيل أعلن من الصخيرات المغربية “14 فبراير”، لا من طبرق، ولا طرابلس، لأنها حكومة تعكس إرادة الدول الداعمة للإخوان، تضم 13 حقيبة وزارية، و5 وزراء دولة، بدلاً من الموسعة التى رفضها النواب “25 يناير”.. وكالعادة غلبت المجاملات والمحاصصة الجغرافية والقبلية، وغابت الكفاءة والموائمة السياسية.. الغرب الليبى فاز بنصيب الأسد (الداخلية، الخارجية والتعاون الدولي، التخطيط، التعليم، المواصلات)، الشرق (الدفاع، العدل، الاقتصاد والصناعة، المالية)، الجنوب (الصحة، الحكم المحلى، العمل والشئون الإجتماعية)، وخمسة وزراء دولة، لشئون المهجرين والنازحين، وأسر الشهداء والجرحى والمفقودين، وثلاثة نساء (للمرأة والتنمية المجتمعية، هيكلة المؤسسات، المصالحة الوطنية).. إنسحب فاخر بوفرنة “المالية”، ومهند يونس “أسر الشهداء”، إعتراضاً على ضم شخصيات فاسدة.. الطاهر الهادى الجهيمى وزير التخطيط، تولى نفس المنصب إبان حكم القذافى، أتهم بالتواطوء فى قبول شهادات ماجستير ودكتوراه مزورة، خلال رئاستة لجامعة قاريونس، وبنهب المال العام، خلال عمله كمحافظ للبنك المركزي “1989/2000″، وحُكِم عليه بالسجن لمدة عام “نوفمبر 2001”!!، محمد الطاهر سيالة “الخارجية”، كان الأمين العام المساعد للجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي “2007/2011″، العارف صالح الخوجة “الداخلية” عمل ناطقا رسميا للداخلية 2012، رشح للداخلية فى حكومة معيتيق التى فرضها الإخوان، واسقطتها المحكمة الدستورية 2014.. إختيار نماذج فاسدة من النظام السابق يستهدف إثارة مخاوف الراى العام، مما يصب لصالح الإخوان.
البرغثى خريج الهندسة العسكرية “1990”، لايجيد فنون القتال قدر إجادته لصيانة المعدات، أطلق على معسكر كتيبة الدبابات التى يقودها “المعسكر 204″، لنجاحه فى إصلاح 204 دبابة ومركبة وإعادتها للخدمة!!، علاقته بحفتر تسودها الشكوك وإنعدام الثقة، حفتر يعتبره أحد رجالات العقيد فرج البرعصى، الذى أقاله بسبب ولاؤه للقذافى “مارس 2015″، وصلاته القبلية والعائلية بزوجتة «صفية فركاش»، وماتردد عن علاقته بمحاولة إغتيال حفتر، ولجوء المنشقون عليه بعد بيان الحجازى للإحتماء بمعسكر البرغثى، والأخير يحمِّل حفتر مسئولية الهجوم الذى تعرضت له كتيبتة، وأصيب فيه.. حفتر صرح بأن البرغثى يفتقد للكفاءة اللازمة لتولى حقيبة الدفاع، ودعا 80 من قادة الجيش والتشكيلات المساندة لإجتماع يوم 18 فبراير، أشرك فيه البرغثى كقائد لكتيبة الدبابات، لا كوزير للدفاع، وتحرك محرراً إجدابيا وميناء المريسة فى إشارة تحدٍ لاتغفلها العين، متجاهلاً مخطط إستهدافه.. لكن بعض أعيان بنغازي والمدن المجاورة أصدروا بيانا لدعم حكومة التوافق، والبرغثى كوزير للدفاع.. والمجلس البلدي لـ”البيضاء” أعطى مهلة لحكومة الثنى ومؤسساتها والبنك المركزى لمغادرة المدينة، لأنها “لم يعد مرغوب فيها”.. عقيلة صالح رئيس البرلمان حذر من المساس بحفتر.. وشكل لجنة للتحقيق فى إدعاءات الحجازى، وهدد برفض الحكومة إذا ما أسندت الدفاع للبرغثى، كوبلر استدعاه لحضور مؤتمر ميونخ “14 فبراير”، وعده وزراء خارجية الغرب برفع حظر السلاح، لتمكين الجيش من شن عملية برية ضد داعش، بدعم جوى على النمط الروسى، بعد ضم الميليشيات تحت قيادة وزير الدفاع، مما يعنى العودة لمرحلة سيطرة المليشيات على مؤسسات الدولة، والتى اوصلت ليبيا للفوضى والخراب.
كوبلر ذهب لطبرق للضغط على النواب، قرارهم بسرية التصويت يستر من استجاب للضغط، وعدم إكمالهم للنصاب يستهدف التأجيل، لحين ترتيب الأوضاع، وربما المصالح، وقد يتوصل ممثلى عقيلة وابوسهمين “رئيس مؤتمر طرابلس”، الموفدين سراً لسلطنة عُمان لإتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية بديلة.. أمريكا أدركت ان الأزمة ربما تستغرق بعض الوقت، لحين تمكين حكومة “كرزاى ليبيا” من التوقيع على خطة التدخل فى بلادها، لذلك لجأت لتنفيذ خطة مؤقتة، تعتمد على استهداف قيادات داعش بالطائرات.. فمتى ندرك نحن ان صنّاع تلك الأزمة يستهدفون الجيش الليبى وليس حفتر، ويهددون مصر قبل ليبيا؟!.