الفساد كان المبرر لتحريك مؤامرة يناير 2011، ترتيب مصر على مؤشر الفساد آنذاك 112، الإدارة الرخوة تراجعت به للمركز 118/2012، 114/2013، بوصول السيسى للحكم بدأ بعض التحسن 94/2014، 88/2015، الا ان التحسن الطفيف لعدد النقاط التى أحرزتها مصر فى مؤشر مدركات الفساد 32/2012، 32/2013، 37/2014، 36/2015، يفرض بذل جهوداً إضافية.. فى زيارته الأولى للرقابة الإدارية أعطى السيسى لرجالها الضوء الأخضر، للإستعداد لمواجهة الفساد بحزم، ومقابلاته الدورية المنتظمة معهم تعكس المتابعة الدقيقة لتلك التكليفات.. حجم الإنجاز وتنوعه يؤكد ان القضايا المكشوف عنها ليست كلها جديدة، لكن بعضها كانت ملفات متابعة، حالت المحاذير والخطوط الحمراء وحصانات المتورطين دون إستكمالها، حتى رفعها الرئيس.
تصنيف تقرير دافوس 2017 لمصر ضمن أفضل 20 دولة فى مكافحة الفساد، لم يأت من فراغ، فقد ضبطت خلال الأسابيع الأخيرة فقط عشرات القضايا فى حالات تلبس، حجم الرشاوى فيها مهما تعاظم، لايساوى شيئاً مقارنة بما تهدره من أموال الدولة.. باحث بالجمارك برشوة 100.000 جنيه لتسوية مديونية 11 مليون.. 25 سيارة تربتيك تهربت من 75 مليون للجمارك.. استشارى بالتخطيط العمرانى بطنطا برشوة 3 ملايين.. وكيل وزارة الإسكان بالجيزة برشوة 250.000 لإختلاس 17 مليون.. رئيس أملاك الدولة بكفر الدوار للإستيلاء على 18 فدانا بـ113 مليون.. مستشار وزير الصحة برشوة 4 ملايين لإسناد توريدات لإحدى الشركات.. مستشار وزير المالية بـ4 ملايين لإهدار 400 الف.. رئيس مكتب تموين بالاسماعيلية بسرقة 13 مليار من أموال الدعم.. مدير الشئون القانونيه بزراعه مطاي وسمالوط بتربح 72 مليون لتبوير 300 فدان.. موظفى بنك التنمية والائتمان نجع حمادى والبياضية بإختلاس 43 مليون.. قياديين بشركتى بترول بـ18 مليون.. إدارة الدولة يفترض إناطتها لمسئولين يحاسبون على الفرص الضائعة، فما بالك وهؤلاء ينهبون الأصول؟!.. 41 طبيب واستاذ جامعى وتمريض بتجارة الأعضاء البشرية، والأحراز ملايين الدولارات.. وقطاع العدالة لم يسلم ثوبه من الدنس؛ مستشار ورئيس محكمة بالشرقية بتهريب 69 كجم حشيش!!.. وزميله باستئناف الأسكندرية برشوة 650.000 جنيه.. وكيل مصلحة الخبراء بـ500.000 جنيه.. مدير عام بالشهر العقارى بالقليوبية للإستيلاء على 10 أفدنة بـ260 مليون.. رئيس مكتب توثيق بالخانكة للإستيلاء على أراض أوقاف بـ147 مليون.. وعناصر بالداخلية تورطت بقضايا لصالح البلطجة والإرهاب، مهدرين دم من استشهدوا فى مواجهة الجريمتين.. تكلفة موجعة، للدولة والبشر.
نظام السادات بدأ الفساد، ومبارك طور آلياته ومجالات عمله، فتحول لجزء من النظام، مركز الأرض لحقوق الإنسان رصد بيع 236 شركة قطاع عام ضمن برنامج الخصخصة حتي 2006، قيمتها 500 مليار جنيه وفق تقديرات الهيئات الإقتصادية والمالية، الدولية والوطنية، إقتصرت حصيلة البيع على 32 مليار و737 مليون!!، تحصل عنها عمولات سمسرة 33 مليار!!، لم يحاسب من أضاع تلك الأصول هباءً، وشرد 1.5 مليون عامل!!.. خسائر مصر من مشروع توشكي قدرت بـ14 مليار جنيه، نصفهم يمثل الفارق بين تكلفة الفدان «20.000 جنيه»، وسعر بيعه «50 جنيه».. لم يعد هناك موضع للتساؤل عن اسباب تأخر دراسات الجدوى لـ17 شهراً بعد بدء التنفيذ!!، لأن الأولوية للتعامل مع طلبات التعويض الضخمة التى قدمها بعض المستثمرون؟!.
التزاوج بين السلطة ورأس المال كان البوابة الملكية للفساد، إستثمره رجال الأعمال بالإقتراض من البنوك دون سداد، هرب البعض، وعادوا باتفاقات تسوية أعدمت ديونهم!!.. الرغبة فى توريث جمال مبارك أطلقت «حق التوريث الفئوى» فى عموم المحروسة، ليطيح بتكافوء الفرص واعتبارات الكفاءة، لحساب الفساد والمحسوبية.. منظومة المرتبات أهدرت حق القطاع الأكبر من العاملين فى دخل يغطى الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، مافتح الباب لرشاوى علنية بقطاعات الخدمات، وتدنى بمستوى الأداء بالقطاعات المهنية، وأفرز ظاهرة الدروس الخصوصية لتنهى دور المدرسة، وتخرب التعليم، بينما ظلت قطاعات معينة كالبترول وقناة السويس والهيئات الإستثمارية، بالغة التميز، الى حد إقتسام صناديقها للإيرادات والعائدات مع الدولة، وكأنها شريكة، لا مكلفة بالإدارة!!.. الصناديق الخاصة 7282 صندوق، أرصدتها 52.6 مليار جنيه، لاتخضع للموازنة العامة ولا لرقابة الجهاز المركزى!!.. مصر تفتقر لإطار قانونى شامل لمنع تضارب المصالح.. وتقنين الفساد وصل حد إقرار البرلمان لقانون حماية المنافسة ومنع الإحتكار 2008 فى غياب أحمد عز، ليعفى المبلّغ من العقوبة تشجيعا له، ويجيز للمحكمة العفو عن المتهم متى قدرت إسهامه فى الكشف عن عناصر الجريمة.. بعد إقراره بيومين، عاد عز ليتقدم بمشروع لتعديله!!، بحيث لا يُعفى المبلّغ، ويجيز للمحكمة توقيع غرامة تصل لـ50% على من بادر من المخالفين بإبلاغ الجهاز بالجريمة، وتقديم أدلة ارتكابها، ومن أسهم فى الكشف عن عناصرها!!، نجح فى إقراره ليجسد معنى حماية الفساد.. نفس السيناريو تكرر بالمرسوم 4 لسنة 2012 الخاص بالتصالح مع رجال الأعمال الذين حصلوا علي أراضٍ أو أصول مملوكة للدولة بالمخالفة لقيمتها الحقيقية.
ملف الوزير خالد حنفى وقضية فساد القمح، يتم إغلاقه دون عقاب.. وفضيحة إعفاء شحنة الفراخ المجمدة من الجمارك بأثر رجعى قبل وصولها للموانىء، ثم التراجع عنها، لم يُطرح للمساءلة.. والمواد التموينية الرئيسية تواجه أزمات متكررة وغامضة.. الرفع المتكرر لأسعار الأعلاف المستوردة أخرج اللحوم، ويدفع بالدواجن خارج قوائم أغذية الطبقة المتوسطة، أما الطبقة المعدمة التى يتسع نطاقها يومياً، فلم تعد قادرة على شراء الهياكل والأجنحة والأرجل.. قطاع الصيدلة يؤكد وجود فارق ضخم بين الأسعار المعدلة للدواء وتكلفة استيراد المواد الخام، لتحقيق مكاسب وهمية للشركات، فهل تأكدت الأجهزة الرقابية من نزاهة المفاوضين وصحة إجراءاتهم؟!.. شركات الدولة ينبغى ان تدخل فوراً كمستورد، والصناعات التى قضى عليها نفوذ التجار، والمصانع المتوقفة، أحق بوضع خطة لإعادة تشغيلها ومضاعفة طاقاتها، مع تحرير وزارة الصناعة من تبعيتها للتجارة، لحمايتها من سطوة المستوردين.
مصر تستعد لعصر جديد، كشفت فيه الأرض الطيبة عن ثرواتها، ومالم نقض على شبكات الفساد فسوف تُنهب، وينتهى أمل الشعب فى الخروج من محنة طويلة، عايشها بمرارة.. ضخامة حجم الفساد، وتغلغل جذوره، وإمتلاكه ادوات قادرة على إنهاك الدولة، وزعزعة دورها الرقابى، تفرض التنسيق بين الأجهزة الرقابية.. الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة وهيئة الأمن القومى من ناحية، ومجلس الشعب والجهاز المركزى للمحاسبات من ناحية أخرى، والحد من تبعيتهم للأجهزة التنفيذية، ما يعطى لها مزيداً من الإستقلالية، ويرفع عنها من الحرج ماقد يغل يداها.. هى أهم معارك الوطن والنظام والمواطن، فهل نكسبها؟!.