RSS

Monthly Archives: نوفمبر 2017

«النيل مجاشى!!»

19_2017-636439253151766944-176

وزارة الرى الممثلة لمصر فى اجتماعات اللجنة الثلاثية الفنية المعنية بسد النهضة أعلنت وقف المباحثات، والرجوع لمجلس الوزراء لاتخاذ الإجراء المناسب، وذلك رداً على رفض إثيوبيا تقرير المكتب الاستشارى الفرنسى، الذى قبلته مصر، رغم تحفظها المبدئى على اختيار المكتب، لسابقة أعماله فى إثيوبيا، السودان حاول التزام الحياد، لكن انحيازه يغلبه.. القرار جاء متأخراً ست سنوات، شهدت سلسلة إجراءات تعكس سوء إدارتنا للأزمة، وتجسد قصور التعامل مع إشكاليات أمننا القومى.

إثيوبيا وضعت حجر أساس السد 2 أبريل 2011، أول رد فعل مصرى تجاهه كان زيارة وفد «الدبلوماسية الشعبية» لأديس أبابا 29 أبريل، نسقها أحد المستثمرين، أصحاب المصالح فى أفريقيا!! زيارة لم يتم الإعداد لها جيداً، لأن الدولة كانت غائبة بسبب نجاح الفوضى فى الإطاحة بالرئيس، وشل مؤسسات السلطة، الوفد ضم 84  عضواً من مختلف القوى السياسية والحزبية والشخصيات العامة وعدداً من ائتلاف شباب الثورة، لم يتساءل أحدهم عن الهدف من الزيارة؟! هل لاستنكار بناء السد؟! أم للمطالبة بضوابط بناء تحول دون الإضرار بمصالحنا؟!.. فى غياب التخطيط وضياع الهدف، نجحت إثيوبيا فى توظيف الزيارة، صور تضامن أعضاء الوفد مع قادة إثيوبيا غطت الفضائيات والصحافة العالمية، لتؤكد موافقة مصر بكل أطيافها على بناء السد!!.

محمد مرسى عين هشام قنديل وزير الرى رئيساً للوزراء، بدعوى كفاءة إدارته لملف السد!!، مرسى زار إثيوبيا نهاية مايو 2013، فقامت بتحويل مجرى النيل فور مغادرته، دعا لجلسة حوار وطنى لبحث تداعيات القرار الإثيوبى، شارك فيها ممثلو القوى السياسية وقيادات المعارضة، وتم بثها «بالخطأ» على الهواء مباشرة، البعض اقترح التلويح باستخدام القوة، واقترح الآخر التدخل فى الشئون الداخلية لإثيوبيا ودعم جبهتى تحرير أورومو وأوغادين، بينما أوصى الثالث بالاستعانة بالمخابرات لهدم السد، ونصح الرابع ببث الشائعات، ما حدث بملابساته كان مدعاة للسخرية، لكن إثيوبيا ترجمته ووزعته على الفضائيات ووكالات الأنباء العالمية، لتضع مصر فى موقع الإدانة.. فصول من العبث لا تمت بأدنى صلة لقيادة الدول ولا بإدارة الأزمات.

بعد تخلص مصر من حكم الإخوان، وبدء استعادة مؤسسات الدولة لحيويتها، كان مطلوباً إشغالها لإتاحة الفرصة لاستكمال السد، إحدى الشركات العاملة فى الكونغو، قدمت مقترحاً بتوصيل 110 مليارات متر مكعب من المياه من نهر الكونغو إلى نهر النيل عبر النيل الأبيض جنوب السودان، رئيس مجلس إدارتها مهندس مصرى، تربطه بالرئيس جوزيف كابيلا علاقات صداقة، رسَّم نفسه رئيساً للمشروع، افتتح صفحة رسمية على الفيس بوك، تعمد تشتيت المسئولية بين وزارات الرى والبترول والخارجية وهيئة المساحة الجيولوجية و«جهات سيادية»، ادعى أن كل الدراسات والخرائط والمستندات الخاصة بالمشروع تم تسليمها لهذه الجهات، متضمنة مدة التنفيذ «30 شهراً»، وتحديد مصادر التمويل، دون تحميل مصر أى أعباء!! صحف الكونغو والسودان نشرت موافقات «غير رسمية» على المشروع، وإثيوبيا روجت إعلامياً أنه يحقق لمصر وفرة مائية لا موضع معها لأى شكاوى تتعلق بسد النهضة، شهور عديدة مرت قبل أن تعلن وزارة الرى رفضها الرسمى بسبب عواقب المشروع الوخيمة، ومخالفته للأعراف الدولية، حجم المياه المنقولة كفيل بإغراق السودان، لأنها تفوق طاقة استيعاب نهر النيل بكثير، المسافة بين الكونغو وجنوب السودان فيها نسبة ميل عكس اتجاه المياه ما يتطلب تركيب محطات رفع، وبناء 18 سداً، وشق مجرى النهر فى الصخور النارية، ذات الصلابة العالية، ومد 550 ماسورة بقطر 2 متر، وبطول 600 كم، التكلفة التقديرية للمشروع 30 مليار دولار، بخلاف التكلفة السنوية للتشغيل.. المشروع أقرب للخيال العلمى، لكنه أدى دوره فى استهلاك الوقت، وزعزعة موقفنا، فى معركة السد.

مصر وقعت إعلان المبادئ فى الخرطوم مارس 2015، نص على أن يكون نظام التشغيل ومعدلات التخزين فى السد وفقاً لتوصيات الدراسات الفنية التى يقوم بها المكتب الاستشارى الدولى، فى ضوء التأثيرات المتوقعة على مصر والسودان، إثيوبيا استغلت ضعف وزير الرى المصرى كمفاوض لتفرض رؤيتها على اللجنة الفنية الثلاثية، بالتنسيق مع السودان وضد المصالح المصرية، ماطلت فى اختيار المكاتب الاستشارية، فعطلت الدراسات لأكثر من عام، ثم فرضت المكتب الفرنسى، الوزير قبل التنازل عن مشاركة الخبراء الدوليين، فاقتصرت اللجنة على الوطنيين من الدول الثلاث، ما أتاح الفرصة لإثيوبيا للتمسك برؤيتها، فى غياب الرأى المحايد للأجانب.. تنازل عن تنفيذ توصيات اللجنة الدولية بإجراء دراسات متعلقة بإنشاءات السلامة للسد وتأثيرها على دولتى المصب، وعن مطالبة إثيوبيا بتقديم دراساتها المتعلقة بإنشاء 5 سدود أخرى، على النيل الأزرق ونهرى عطبرة وأومو بالمخالفة لقواعد الاتفاقيات التاريخية لدول حوض النيل.. قام بزيارة موقع السد، التقط الصور والفيديوهات كسائح، فاستغلت إثيوبيا الزيارة وسوقتها للرأى العام الدولى باعتبارها تعكس تقبل مصر للسد.. مصر غرقت فى أخطاء الوزير!

ملف سد النهضة يتضمن فصولاً من سوء الإدارة، ما سمح بتوظيفه سياسياً، خلال أزمة العلاقات المصرية السعودية استقبلت المملكة رئيس الوزراء الإثيوبى، وزار الخطيب مستشار العاهل السعودى إثيوبيا، وعندما تصاعدت أزمة قطر إلى حد الحصار زار تميم إثيوبيا، وبمجرد إيقاف مصر للمباحثات توجه ديسالين صوب الدوحة، واتجه وزير المالية القطرى للسودان.. سد النهضة أصبح أداة مناكفة ومكايدة لمصر.

مصر عجزت عن توصيل رسالة ضرورية لإثيوبيا «النيل لمصر قضية أمن قومى»، إعلان المبادئ فرض مسارات محددة لتسوية النزاعات بين أطرافه، أقصاها إحالة الأمر لعناية الرؤساء، ما يعنى غل أيدينا عن الاستعانة بالآليات الدولية فى مواجهة التعنت الإثيوبى، التعنت نمط ثابت فى تعاملها مع تلك القضايا، افتتحت سد «جيبى 3» على نهر أومو ديسمبر 2016، ملء خزان السد يعوق تدفق المياه لبحيرة توركانا، ما هبط بمنسوبها بحدة، فتوقف الإنتاج الزراعى والصيد، وانتشرت المجاعة شمال كينيا، وأصبح نصف مليون من السكان مهددين بالفناء، مصر ينبغى أن تدخل اجتماع اللجنة العليا المشتركة «الرئاسية» بالقاهرة ديسمبر المقبل، باختيارات محددة وقاطعة، إما أن تتخذ إثيوبيا إجراءات فورية تنهى تعنتها وتحدث انفراجة للأزمة، أو تعفى مصر نفسها من الالتزام بإجراءات التسوية المحددة فى الإعلان، وتتحرك دولياً على محورين، الأول قانونى من خلال التحكيم الدولى، والثانى سياسى، يتخذ كينيا كنموذج لما يمكن أن يؤدى إليه التعسف الإثيوبى فى قضية النيل، الذى تعتمد عليه مصر فى 97% من احتياجاتها المائية، ما يجعل القضية تمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، يفرض تدخل الأمم المتحدة.. هكذا، وإلا فقريباً ننعى على امتداد الوادى: «النيل مجاشى».

 
تعليق واحد

Posted by في 2017/11/28 بوصة غير مصنف

 

السعودية وحسابات المواجهة

1024821113

التمدد الإيرانى يعتبر من أخطر التحديات التى تواجه الأمن القومى العربى، بعد سقوط بغداد 2003 فرضت الحقائق الجيوسياسية على السعودية تصدر المواجهة، لكنها لم تتحرك إلا بعد وصول سلمان للحكم، وذلك يُحسب له، لكن هناك أخطاء عرقلت جهود المواجهة، وساعدت إيران، لذلك فالمراجعة واجبة.

النفوذ الإيرانى لم يتوسع فى العراق إلا بعد الانسحاب الأمريكى 2011، نورى المالكى رئيس الوزراء السابق زار السعودية 2006، سعياً لدعمها السياسى والاقتصادى، لكنها لم تتجاوب لأنها اعتبرته ممثلاً للشيعة الذين استأثروا بالسلطة.. نظرة طائفية تفسر صمتها عندما كانت الأقلية السنية تنفرد بالحكم، غياب المملكة فتح الباب أمام إيران للهيمنة، أضعف الأقلية السنية، قيد خياراتها السياسية، ودفع شبابها للانخراط ضمن التنظيمات الإرهابية المسلحة.. العنف الطائفى للتنظيمات السنية كان مبرراً لتشكيل ميليشيات الحشد الشعبى الشيعية، وتدخلات الحرس الثورى الإيرانى، وعودة الوجود العسكرى الأمريكى.. السعودية تنبهت وأعادت فتح سفارتها ببغداد ديسمبر 2015، بعد غياب 25 عاماً، لكن السفير «ثامر السبهان» هاجم الحشد، فاعتبرته الخارجية تدخلاً، وطلبت استبداله.. والغريب أن الرياض كافأته بتكليفه بوزارة الدولة لشئون الخليج، وأسندت له الملف اللبنانى، رغم أن إدارتها لعلاقاتها بالمنطقتين تعانى من القصور.. زيارة العبادى للرياض أكتوبر 2017، فرصة جديدة لمعالجة الأخطاء، واستعادة المملكة لنفوذها، بالمشاركة فى إعادة الإعمار، فهل ستنحاز لخيار العودة، أم ستترك الساحة خالية لإيران؟!

السعودية أغلقت سفارتها بدمشق فبراير 2012، وطردت السفير السورى، دعمت الجيش الحر وفصائله، شاركت التحالف الدولى فى قصف داعش، وكلفت بندر بن سلطان رئيس المخابرات السابق بالإشراف على دعم الفصائل المسلحة أغسطس 2013، الضغط العسكرى للتنظيمات دفع سوريا للاستعانة بحزب الله اللبنانى، وبزيادة الضغط استعانت بتشكيلات الحرس الثورى الإيرانى، معظم الدعم المادى والأسلحة التى قدمتها المملكة وقطر إما توجه إلى داعش والنصرة مباشرة، أو نجح التنظيمان فى الاستيلاء عليه.. المملكة استقبلت عناصر المعارضة السورية «المعتدلة» لتدريبها وتسليحها بإشراف أمريكى، بعد انتهاء تدريبهم وتسليحهم وقع بعضهم أسرى لداعش والنصرة أثناء دخولهم سوريا، وانضم الباقون لهما طواعية!! الجبير وزير الخارجية هدد بالتدخل البرى لإسقاط الأسد فبراير 2016، لكن أمريكا وتركيا لم تسانداه، الأولى أنهت برنامج تسليح المعارضة، وتخلت عنهم، والثانية لجأت للتنسيق مع روسيا، ما أجبر المملكة على الإقرار بضرورة بقاء الأسد والتوجه نحو روسيا فى إطار التسوية.. إدارة فاشلة لأزمة إقليمية أوقعت خسائر ضخمة بالمملكة، وتسببت فى اختلال حاد للقوى بالمنطقة، وعكست صورة بالغة السوء لفقدان الوعى بمصلحة الأمن القومى السعودى والعربى.

المملكة تعهدت بتمويل صفقة أسلحة فرنسية للجيش اللبنانى بـ3 مليارات دولار نهاية 2013 لتحقيق التوازن بين قوة جيش الدولة اللبنانية، والتفوق العسكرى لميليشيات حزب الله الموالية لإيران، اتفقت على إتمام الصفقة على مدى 5 سنوات، ثم زادتها إلى سبع!! لبنان تسلم أول دفعة أبريل 2015، لكن المملكة جمدتها «فبراير 2016»، وأوقفت ما تبقى من مساعدتها المقدرة بمليار دولار المخصصة لقوى الأمن الداخلى، احتجاجاً على امتناع لبنان عن التصويت على قرار وزراء الخارجية العرب يإدانة حزب الله بالتورط فى الأنشطة الإرهابية، قرار المملكة مثّل إضافة لحزب الله وللنفوذ الإيرانى، لأنه جاء خصماً من قوة التأثير السعودى، وحفاظاً على تفوق قدراته العسكرية على الجيش الوطنى، إيران ردت بعرض تسليح الجيش اللبنانى، لا حرصاً على الدولة اللبنانية، بل نكاية فى المملكة.. الأزمة السياسية المتعلقة باختيار رئيس الجمهورية اللبنانية تجاوزها سعد الحريرى رئيس فريق 14 آذار الذى تدعمه المملكة أكتوبر 2016، بموافقته على انتخاب العماد ميشيل عون رئيس تكتل التغيير والإصلاح، رغم تزعمه لفريق 8 آذار، الذى يضم حزب الله والقوى الداعمة له، ما يعنى أن المملكة لم تفاجأ باكتساب الحزب للمشروعية، ومشاركته فى الحكومة.. إعلان استقالة الحريرى من الرياض سيناريو مشين، أحرج رئيس الوزراء اللبنانى فى مواجهة خصومه، وعبأ الرأى العام اللبنانى ضد المملكة، وربما ينعكس سلبياً على مستقبله السياسى.

السعودية خاضت حرباً ضد الميليشيات الحوثية فى اليمن 2009، ثم غيرت موقفها وقامت بدعمهم فى مواجهة حزب الإصلاح الإسلامى المقرب من الإخوان، وأخيراً عادت لمحاربتهم من جديد، حالة من غياب الرؤية وانعدام القدرة على تحديد الأخطر والأحق بالمواجهة، الحوثيون أم الإخوان؟! دخول السعودية الحرب ضد الحوثيين مارس 2015، بعد سيطرتهم على صنعاء وميناء عدن ومضيق باب المندب، كان إجراء حتمياً، حتى لا تستيقظ لتجد الخنجر الإيرانى مغروساً فى خاصرتها الجنوبية، وصواريخها أغلقت باب المندب، لكن الإدارة والأداء لم يرتقيا لمستوى قرار الحرب، تشكيل تحالفات عربية وإسلامية فتح المجال للمزايدات، وانعدام الجدية، من دول تبحث عن المقابل، كما أوجد تعاطفاً غير مستحق مع الحوثيين، خاصة بعد الخسائر الفادحة التى وقعت فى صفوف المدنيين، نتيجة لأخطاء القصف، أو بسبب المجاعة، وانتشار الكوليرا.. إبعاد القوات القطرية لتواطئها جاء متأخراً، انسحاب المغرب من التحالف نكسة سياسية، وتلويح السودان بالانسحاب عملية ابتزاز، مرور أكثر من عامين دون أى بادرة لتحقيق النصر مدعاة للمراجعة، خاصة أن مفاوضات السلام متوقفة بعد فشل الجولات الثلاث فى جنيف وبال والكويت، والنزيف لا ينقطع.

مجلس التعاون الخليجى مهدد بالتفكك؛ قطر خرجت عن الإجماع واستقوت بإيران وتركيا فى مواجهة المجلس، الكويت وسلطنة عمان تتباعدان بذريعة الحياد، والإمارات تؤكد ذاتها وتعمل لحسابها كقوة إقليمية، كل ذلك يؤخذ على السعودية بحكم دورها القيادى.. لا موضع للتعلل بأن التحديات التى تواجهها المنطقة ترجع لوجود اختلاف بين توجهات أوباما التى دفعته للتوصل لاتفاق شامل مع إيران للسيطرة على اندفاعها النووى مقابل إطلاق يدها بدول المنطقة، وتوجهات ترامب التى تستفزه لإلغاء الاتفاق وتحجيم التوسع الإيرانى، سياسات الدول الكبرى لا تدار بمثل هذه الرؤية السطحية، كل ما فى الأمر أن أوباما أطلق يد إيران لمواجهة تمدد داعش، واستنزاف الطرفين، أما بعد انحسار التنظيم، فإن ترامب يسعى لإعادة إيران إلى حدودها، وتوريطها فى صراعات تبقى على النزيف، اختيار المملكة أمر طبيعى بحكم عدائهما الطائفى، ولتبرير المزيد من الصفقات العسكرية التى تدعم مبيعات الأسلحة الأمريكية، فضلاً عن دفعها للتنسيق السياسى والعسكرى مع إسرائيل استناداً لأن مخاوفهما مشتركة من القنبلة الإيرانية، والإرهاب الجهادى، والفراغ المترتب على انسحاب أمريكا من المنطقة.. المملكة مستهدفة، لكن المعالجة الخارجية لسياساتها تحتاج لمراجعة شاملة، فكيف تنشغل القيادة السعودية بخلافات الداخل، وصراعات السلطة؟!

 
تعليق واحد

Posted by في 2017/11/28 بوصة غير مصنف

 

الانقلاب السعودى.. معركة «الوهابية والفساد»

wahabi-movement

فصول جديدة فى سلسلة الانقلابات التى يقودها محمد بن سلمان.. وعد بالعودة للإسلام الوسطى المعتدل، المنفتح على الأديان والتقاليد والشعوب «لن نضيّع 30 سنة من حياتنا فى التعامل مع الأفكار المدمرة، سوف ندمرها اليوم وفوراً».. بعدها ترأس اللجنة العليا لمكافحة الفساد، أقال وزيرى الحرس الوطنى والاقتصاد والتخطيط وقائد القوات البحرية، واعتقل أعداداً من الأمراء، والوزراء الحاليين والسابقين، ورجال الأعمال، وملَّاك الإعلام الفضائى «ART، Rotana، MBC»، بتهمة الرشوة والفساد، فتح جبهتين للحرب ضد «الوهابية» و«الفساد» فى آن واحد يعكس تعجلاً لإزاحة مراكز القوى، ضماناً لانتقال -بات وشيكاً- للسلطة، من سلمان لنجله.

خطورة «الوهابية» أنها مؤسسة راسخة، توفر الغطاء الدينى للحكم، منذ تحالف محمد آل سعود أمير الدرعية مع مؤسسها محمد بن عبدالوهاب لتأسيس المملكة.. أما أهمية من اتهموا بـ«الفساد» فهى امتلاكهم لأدوات القوة؛ أهمها رؤوس الأموال «تم التحفظ على 5 تريليونات ريال»، والشركات العملاقة، والمشاريع الضخمة، بالداخل والخارج، إضافة للحرس الوطنى، القوة الموازية للجيش، الذى يدين ضباطه وجنوده بالولاء لقائده الأمير متعب، المعتقل حالياً، نجل مؤسسه الملك عبدالله رحمه الله.

إشكالية «الوهابية» ليست شأناً سعودياً فقط، بل تمس دول المنطقة، خاصة مصر، الوهابيون اعترضوا على إرسال عبدالعزيز آل سعود لنجله سعود للدراسة بمصر، باعتبارها «بلاد أصنام وشرك»، لكثرة الأضرحة والمقامات فيها، محمد على -بحسه الاستراتيجى- أدرك خطورتهم، فأرسل حملة بقيادة إبراهيم باشا للقضاء عليهم، سيطرت على معظم المدن، لكن الجيوش لا تهزم الأفكار المتطرفة.. عداؤهم جسّده التعرض للمحمل المصرى وكسوة الكعبة، والاعتداء على حامليها بمكة «1926».. تغلغلوا بمصر من خلال الجمعيات الأهلية، عبدالناصر جمد بعضها، وطارد الإخوان من رجال الأزهر وبعض رجال التعليم، فلجأوا للعمل بالجزيرة العربية، سقطوا فى شرك الوهابيين، وعادوا ليطبعوا بصماتهم على الأزهر ومناهجه، ويعبئوا طلاب الجامعات، فتشكلت الجماعات الإسلامية، السادات أطلق لهم العنان لموازنة التيار اليسارى، فراح ضحية غدرهم، وتوسعت الجمعيات إلى حد تمويل «السنّة المحمدية» وحدها بـ256 مليون دولار خلال «2011»، مما يؤكد عمق الاختراق.

الوهابيون نجحوا فى خلق بيئة حاضنة للتطرف بامتداد المملكة، تمكين رجال الدين فى إيران «1979» شجعهم على محاولة الانفراد بالسلطة، جهيمان العتيبى قاد الانقلاب فى نفس العام، بهدف تنصيب خليفة، وإلزام الناس ببيعته، الدولة أحبطته بصعوبة، لكنها سعت لاحتوائهم، وتحويلهم لحائط صد لرياح الثورة الدينية؛ شجعت تصدير الوهابية للخارج، منعت الاختلاط، حظرت الحفلات الموسيقية، أغلقت دور السينما، ومنعت قيادة المرأة للسيارات، أو الظهور فى تليفزيون الدولة، ووسعت صلاحيات الشرطة الدينية.. بريطانيا استغلت «الوهابية» فى حربها الطائفية لتفكيك الدولة العثمانية، وأمريكا وظفتها كأداة حشد للجهاديين ضد الوجود السوفيتى بأفغانستان، وضد التغلغل الشيعى بالمنطقة، ولكن عمق الخطاب التكفيرى لدى التنظيمات المسلحة المنبثقة عن الفكر الوهابى دفع «القاعدة» و«داعش» إلى مهاجمة الأهداف الغربية فى دول العالم، بل فى عقر دارهم فى «سبتمبر 2001»، وما أعقبه من عمليات إرهابية بالداخل الأمريكى والأوروبى، ما دفع واشنطن للانقلاب عليهم.

الإجراءات السعودية تتسم بالصرامة والاندفاع، الإطاحة بمقرن ولى العهد «أبريل 2015»، أعقبها توقيف الشيخين سلمان العودة وعوض القرنى، بتهمة التشدد والارتباط بالإخوان، عزل محمد بن نايف من ولاية العهد «يونيو 2017»، أعقبته حملة اعتقالات واسعة، تقدر المصادر أنها طالت قرابة 1300 من المدنيين، ونحو 1000 عسكرى من مختلف الرتب، و43 من العائلة المالكة، و39 من القضاة والدعاة ورجال الدين والمفكرين والعلماء والوزراء السابقين، وتحديد إقامة عشرات الأمراء.. عادل الجبير وزير الخارجية أكد فصل آلاف الأئمة المتطرفين.. ووكالة الأنباء السعودية أشارت إلى رصد «رئاسة أمن الدولة» لأنشطة استخبارية لصالح جهات خارجية، تستهدف إثارة الفتنة والمساس باللحمة الوطنية.. و«الفساد» سلاح يستهدف الجميع.

بن سلمان يحاول إعادة ترتيب مؤسسات السلطة، عين شباباً بالمناصب العليا، اختار شقيقه خالد «فى العشرينات» سفيراً بواشنطن!! والفريق عسيرى نائباً لرئيس المخابرات العامة، والأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف وزيراً للداخلية، وشكل مركزاً للأمن الوطنى، تابعاً للديوان الملكى، يسعى لتكريس كافة الصلاحيات الأمنية والعسكرية والاقتصادية فى يده.. قلص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، تمهيداً لإلغائها، أسس هيئة الترفيه، ويقوم ببناء منتزه ضخم على غرار «سيكس فلاجز» الأمريكى، ومدينة سياحية على شاطئ البحر الأحمر، لن تلتزم بالقواعد الصارمة لملابس المرأة، مكن النساء من ممارسة الرياضة، وخفف القيود المفروضة على الاختلاط، ووجه الملحقيات الثقافية السعودية بإحراق أطنان من الكتب المتشددة التى تطبع وتوزع عبر العالم، مثل مؤلفات ابن تيمية، وموسوعة «الدرر السنية فى الأجوبة النجدية ونحوها».. الأمير يهيئ المناخ لثورة ثقافية، تتضمن خطاباً دينياً معتدلاً، يتعايش مع الآخر، ينبذ التطرف ويؤمن بالتسامح، وهو ما يتنافى وقناعات قادة المؤسسة الدينية الوهابية، إضافة لاستهداف من يُخشى معارضتهم لانفراده بالسلطة، وكذا العناصر المتعاطفة مع قطر.

بن سلمان أدرك أن المؤسسة الوهابية تفرض قيوداً على مستقبل المملكة، فقرر تفكيكها، بالمواجهة المباشرة، وتغيير المناهج التعليمية، وهو متفائل بالنجاح لتقديره بأن أكثر من نصف رجال المؤسسة يمكن إقناعهم بالتواصل والحوار، ومعظم الباقين مترددون أو ليسوا فى وضع يسمح لهم بالتسبب فى مشكلات، باستثناء نسبة قليلة من المتشددين، يتخلص منهم تباعاً.. الوهابيون، على النقيض، يشعرون بالثقة، لأنهم شركاء فى نشأة المملكة، ومواجهتهم ربما تمس أسس قيام الدولة، وتهدد بإسقاطها.. تماسك الأسرة الحاكمة الذى ظل صماماً لأمن النظام عبر السنين، يتعرض للانهيار، نتيجة لمعارضة البعض لاختراق القواعد العرفية المستقرة لتوريث السلطة، وما صاحب ذلك من اعتقالات، وتحديد إقامة، ومصادرة ثروات، دون تقدير لتبعات احتمال تحدى الأسرة الحاكمة، أو بعض القبائل للانفراد بالسلطة، رغم ضعفه.

المثير للقلق أن فتح بن سلمان لكل تلك الجبهات الداخلية يتزامن مع عجزه عن حسم حرب اليمن عسكرياً، وجمود الاتصالات المتعلقة بالتسوية السياسية، وتهديد الحوثيين الجدى لعمق أراضى المملكة، فى وقت تفرض نفسها -كطرف مُحَرِض- على مسار الأزمة اللبنانية، ما قد يؤثر على الجبهة الداخلية، ويضعف النظام الحاكم فى مواجهة عداءاته المتعددة.. المعركة ضد «الوهابية» قد تدعم معركتنا لتجديد الخطاب الدينى، ولكن هل تحسبنا لتأثير معركة «الفساد» على الاستثمارات والمشاريع السعودية بمصر، التى تقدر بالمليارات؟!.. إدارة المملكة لصراعاتها ومؤسساتها تعانى قصوراً فادحاً، وما لم يطرأ تطور جوهرى يغير قواعد اللعبة فالأمر جلل.. قد يطيح باستقرارها، واستقرار المنطقة.

 
تعليق واحد

Posted by في 2017/11/28 بوصة غير مصنف

 

الأبعاد السياسية لحرب الواحات

2017-636451450152174739-217_main

معركة الكمين الإرهابى «الكيلو 135 طريق أكتوبر/الواحات» وقعت 20 أكتوبر، استُشهد 16 من خيرة رجالنا، طائرات الاستطلاع قامت بعمليات بحث وتصوير حرارى، رصدت مجموعة نقاط مضيئة فى قلب الشعاب والوديان والدروب الجبلية بالصحراء الغربية، لتجمعات إرهابية، تم استهداف أحدها «الكيلو 47 طريق أسيوط/الخارجة» 27 أكتوبر، وتصفية 13، قبل الاستعانة بصور الأقمار الصناعية، والقضاء على باقى الخلية، وتحرير النقيب محمد الحايس.. انتقال مسرح العمليات من شمال سيناء إلى الصحراء الغربية تطور استراتيجى يفرض التعرف على الرؤية السياسية لحرب الواحات.

ضمن سعيها لاحتواء الحركات المسلحة بالمنطقة، استقطبت قطر حركة «حماس»، ودفعتها للانفصال عن منظمة التحرير، مولتها بـ30 مليون دولار شهرياً، منذ سيطرتها على غزة «2007»، «حماس» والإخوان كانا ضمن أدوات مخطط الفوضى، ومحاولات تطويق مصر، برعاية مثلث دعم الإرهاب «قطر، تركيا، وإيران»، «حماس» وهى تسعى للتواؤم مع المتغيرات التى أعقبت إسقاط إخوان مصر، أعلنت وثيقتها الجديدة، وأجرت انتخاباتها فى الدوحة مايو 2017، لينتهى دور «مشعل»، رجل قطر، وتتبوأ قيادة تدير شئونها من غزة.. تفاهمات «حماس» و«دحلان»، الأقرب لأبوظبى والقاهرة، وتوقيع اتفاق المصالحة مع «فتح» برعاية مصرية أحدث أزمة فى علاقات «حماس» وقطر.

«حماس» توجهت لإيران تعويضاً عن الدعم القطرى، بدأت الاتصالات ببيروت نهاية مايو، وأرسلت وفدين رفيعين لطهران «أغسطس وأكتوبر»، إيران تجاوبت للاحتفاظ بـ«حماس» تحت عباءتها.. «حماس» ثانى أكبر متلقٍّ للدعم الإيرانى بعد «حزب الله» قبل 2011، تراجع عندما اهتزت العلاقة نتيجة تأييد الحركة للثورة السورية.. لكن دعمها لـ«كتائب القسام» بالمال والسلاح والتدريب لم يتوقف، وهو ما أكدته الصواريخ الإيرانية أرض/أرض التى قصفت تل أبيب والقدس وحيفا، والمضادة للدروع التى أصابت دبابات الميركافا، أثناء العدوان الإسرائيلى على غزة 2012، إيران خصصت ميزانية سنوية لـ«القسام» منذ أبريل 2015، ودعمت مشروع الطائرة الحمساوية بدون طيار.

تركيا، استقبلت جزءاً كبيراً من قيادات «حماس».. بعد مغادرتهم دمشق، اقتصر الدعم التركى على تسهيلات إقامة القادة، ومحاولة توظيف الحركة لمصلحتها الخاصة؛ خلال مفاوضات إعادة العلاقات مع إسرائيل، عرض «أردوغان» مشروع هدنة، مقابل رفع الحصار عن غزة، وضغط على الحركة لإلقاء السلاح، والتفاوض المباشر، والاعتراف بإسرائيل، «حماس» تدرك أن تركيا لم تستضف قياداتها انتصاراً للدين أو لفلسطين بل امتلاكاً لأوراق مساومة فى تعاملها مع أمريكا وإسرائيل، «أردوغان» عرض التوسط لإنهاء الانقسام بين «فتح» و«حماس»، لكن مصر فوتت عليه الفرصة، بعدها اشتكى قادة «حماس» من تعرضهم للتعقب، وتلقيهم تهديدات بالقتل، رفعوا الأمر للسلطات التركية بتخوفاتهم من تكرار الاغتيال الذى تعرّض له محمد الزوارى، مخترع طائرة «الأبابيل»، بتونس ديسمبر الماضى.

انتخاب إسماعيل هنية رئيساً للحركة، ويحيى السنوار قائداً لغزة، كرَّس الانفصال داخلها، وهو الذى بدأ 2015 عندما حاولت القيادة التمرد على تبعيتها لإيران، بينما تمسكت «القسام» بعلاقتها بطهران حفاظاً على استمرار دعمها، بعد المصالحة سارعت «حماس» بإمداد أجهزة الأمن المصرية بقوائم لعناصر خطرة ومدربة، بينها قيادات انشقت عن «القسام»، وانضمت لـ«داعش سيناء»، لتبعد عن عاتقها المسئولية، «داعش» لحقتها ببيان أكد أن المنشقين عن «حماس» كانوا جزءاً أساسياً من التنظيم، مشيرة لأهم قتلاهم خلال المعارك مع الجيش المصرى «أبوعمير وأبوخالد المقدسى..».. والحقيقة أن التعاون بين «القسام» و«داعش» ليس حالات فردية، ولا تجاوزاً تنظيمياً، وإنما تبادل رسمى للمنافع؛ فقيادة الجناح العسكرى لـ«حماس» بمنطقة رفح مسئولة عن تنسيق التعاون فيما يتعلق بالتهريب من سيناء، خاصة الأسلحة، ونقل الإرهابيين المصابين لتلقى العلاج والعودة، تكرار إطلاق الصواريخ صوب إسرائيل يعكس تصاعد نفوذ العناصر المُنشقة عن «القسام» بصفوف «داعش»، خاصة أن التنظيم لا يعلن فى معظم الحالات عن مسئوليته عنها، إفراج «حماس» عن «عبدالواحد أبوعذرة» بعد اعتقاله خلال زيارة إلى غزة بسبب انتمائه لـ«داعش»، وتخصص المنشقين فى العبوات الناسفة والصواريخ وقوات النخبة والكوماندوز البحرية، وارتباط موجات الانشقاق بعمليات تعويض عما لحق بالإرهابيين من خسائر، يؤكد حقيقة تبادل المنافع بين الحركة والتنظيم.

الصحراء الغربية بحدودها الممتدة لـ1050 كم، تتخللها 10 أودية صالحة للتسلل، والعديد من الواحات التى يمكن أن تتحول إلى بيئة حاضنة للإرهاب، هى المدخل البديل لمخطط استهداف مصر، ما يفسر سعيهم لتحويل ليبيا إلى محور ارتكاز يتم الانطلاق منه، رئيس أركان قطر اعترف بأن المئات من جنوده شاركوا فى العمليات العسكرية الميدانية التى أطاحت بالنظام الليبى، إجمالى الدعم القطرى للتنظيمات المسلحة الليبية قرابة المليار دولار، وتركيا دعمت بالسلاح والتسهيلات اللوجيستية، ومقاتلو «حماس» و«حزب الله» شاركوا فى المعارك.. حكومة الوفاق منعت الفلسطينيين من دخول البلاد «2015»، واعتقلت 8 فلسطينيين بتهمة التعاون مع الميليشيات 2016، تقرير لجنة خبراء ليبيا التابعة للأمم المتحدة «يونيو 2017» أكد تورط «حماس» فى دعم الجماعات الإرهابية، أحمد المسمارى، الناطق باسم الجيش، أكد العثور على وثائق تثبت تورط «القسام» فى تصنيع ألغام بمحور قنفودة، غربى بنغازى، خلال المعارك ضد «مجلس شورى ثوار بنغازى»، وضبطت فتاة بمنطقة جليانة ببنغازى ترصد مواقع الجيش لحساب «حماس» والميليشيات، والصادق الصور، رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام بطرابلس، أكد القبض على خلية تابعة لـ«حماس» سبتمبر 2017.. «حماس» ترسخ وجودها فى الباحة الخلفية لأمننا القومى.

مصر عرفت كيف تدفع «حماس» لإعادة التفكير فى مواقفها وتحالفاتها، الدولة انحازت للواقعية السياسية، وفضلت التعامل مع كافة القوى الفلسطينية، رغم صدور حكم ابتدائى يصنفها كتنظيم إرهابى، الالتزام به كان كفيلاً بحظر أى تواصل معها، الدولة تعرف كيف تتكامل أفعال مؤسساتها لتكفل أمننا القومى، وتمنح «حماس» فرصتها الأخيرة، جهود مصر فى تحقيق المصالحة الفلسطينية فوتت على دول «مثلث دعم الإرهاب» فرصة الاستغلال السياسى، وأغلقت حدودنا الشرقية أمام عملية تصدير الإرهاب القادم من غزة، ما أضر بشدة باستراتيجية دول الـ«مثلث»، وفرض تحويل ميدان المعارك إلى الصحراء الغربية، الأكثر اتساعاً فى المساحة «680.000» كم2، والأخطر تعدداً لمصادر التهديد، بهدف زيادة معدلات الضغط على الجيش والشرطة المصرية.

الرصد الاستراتيجى للمخاطر، وتتبع التغييرات المتعلقة بها، يعتبر إنذاراً مبكراً لكل أجهزة الدولة، ما يفسر تعيين مستشار لرئيس الجمهورية للتخطيط الاستراتيجى وإدارة الأزمات، اختيار المسئول عن ملف ليبيا للمنصب يكتسب دلالة مهمة، باعتبارها ميداناً لمن يسعون للمساس بأمننا القومى.. العدو يستنفد كل أوراق الضغط، لكننا لم نواجهه حتى الآن بكل أسلحتنا، وعملية تحرير «الحايس» خير دليل.. مصر ستنتصر.

 
تعليق واحد

Posted by في 2017/11/06 بوصة غير مصنف

 

مصالحات القذاذفة.. وأمن الحدود الغربية

سيف-الإسلام-

مجلس النواب الليبى أصدر قانون العفو العام «6 لسنة 2015»، وبمقتضاه أفرجت حكومة طبرق عن «سيف الإسلام القذافى» يونيو 2017، الذى تحتجزه بمدينة الزنتان كتيبة «أبوبكر الصديق»، التابعة للجيش الوطنى، منذ اعتقاله أثناء هروبه للنيجر نوفمبر 2011.. كتيبة «ثوار طرابلس»، بقيادة هيثم التاجورى، اقتحمت سجن الهضبة بالعاصمة، وأفرجت عن نجل القذافى «الساعدى»، وبعض المسئولين فى النظام السابق «البغدادى المحمودى، رئيس الحكومة، عبدالله السنوسى، رئيس المخابرات، وأبوزيد دوردة، رئيس جهاز الأمن الخارجى..» مايو 2017.. سبقهما الإفراج عن الطبيب اللبنانى حسين حبيش، الذى اختُطف فى ليبيا بعد توقيف «هنيبعل القذافى» ببيروت، لمبادلته بنجل القذافى.. الإفراج عن أبناء القذافى وأقطاب نظامه متغير استراتيجى يقلب توازنات القوى بالساحة الخلفية لأمن مصر القومى.

«سيف» مواليد طرابلس 1972، النجل الثانى للقذافى، والأكبر من زوجته الثانية صفية فركاش، حصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة الفاتح بطرابلس 1994، ودبلوم إدارة الأعمال من النمسا 2000، التحق بمعهد لندن للعلوم الاقتصادية للحصول على الدكتوراه، الصحافة البريطانية أكدت أن أكاديمياً ليبياً ساعده فى سرقة أطروحته، وأنه كافأه بتعيينه سفيراً.. كان الشخصية الثانية بالنظام بعد والده، رغم عدم اضطلاعه بمنصب رسمى، أسس أولى منظمات المجتمع المدنى «مؤسسة القذافى» 1997، قاد مشروع التحديث «ليبيا الغد» 2007، لعب دوراً فى تطبيع علاقات ليبيا بالغرب، وتسوية المشاكل المعلقة؛ أهمها الإفراج عن الممرضات البلغاريات، تسوية تعويضات ضحايا طائرة لوكيربى، تفكيك البرنامج النووى لرفع الحصار واستئناف العلاقات مع أمريكا، وتوسط فى بعض الأزمات الدولية «الإفراج عن سائحين إيطاليين اختطفهم مسلحون فى النيجر، تحرير الرهائن الألمان لدى جماعة أبى سياف الفلبينية..».

الإفراج عن «سيف» أثار حالة من الارتباك والتضارب تعكس عجز حكومة طبرق عن ترتيب السيناريوهات المناسبة.. مجلس النواب أصدر قانون العفو، لكن لجنة الدفاع والأمن القومى نفت حق سجناء رموز النظام السابق فى الحرية، إلا بعد صدور أحكام تبرئتهم من التهم المنسوبة إليهم!!.. وزارة العدل أكدت «يوليو 2016» أن «تطبيق قانون العفو يفرض وجود أحكام صادرة فى حق طالبه، وسيف القذافى موقوف على ذمة قضايا عديدة، ما زال رهن التحقيق فى بعضها، والآخر منظور أمام القضاء»، رغم ذلك استند منير عصر، المكلف بتسيير وزارة العدل، إلى القانون فى إصدار قرار الإفراج، فتم إلغاء قرار تكليفه فى يوليو.. كتيبة «أبوبكر الصديق»، التابعة للجيش، تم حلها بعد تنفيذها لقرار الإفراج بـ48 ساعة، وضم أفرادها ومعداتها وآلياتها وأسلحتها لإدارة المنطقة العسكرية الغربية.. تناقضات يمكن توظيفها لـ«تضييع المسئولية» إذا فرضت التداعيات ذلك.

«اتفاقية الصخيرات» بغض النظر عن محاولات تعديلها، وما يعترضها من عقبات، تنتهى مدتها نهاية العام، وما لم يسبق ذلك اتفاق سياسى جديد فإن الأمور مرشحة لإعادة الانفجار من جديد، «حفتر» يدرك أن تفكك مؤسسات الدولة، وتعدد مراكز السلطة والقوة العسكرية يجعل إعادة توحيدها من المستحيلات، إلا لو نجح فى إجراء مصالحات قبلية تكبل جموح الأفراد وتقيد الجماعات المسلحة.. حاول إجراء مصالحة مع مصراتة، لكنها أبدت تعنتاً، فاتجه لاستثمار تأثير «سيف» القوى على قبائل القذاذفة، ورفلة، المقارحة، ورشفانة، ترهونة، البراعصة، الأمازيج، التبو، والطوارق، وهى القادرة على أن تعيد الأمن للجنوب والوسط بدعم من الجيش، «حفتر» اتجه أيضاً للاستفادة من خبرة كوادر النظام السابق؛ ضم بشير صالح، السكرتير الخاص للقذافى، لمرافقيه فى زيارته الأخيرة لروسيا، ما انعكس إيجابياً على النتائج، عيَّن على كنة، قائد كتيبة «المغاوير»، من أقوى أذرع القذافى العسكرية، آمراً لكتائب الجنوب، ما مكنه من استرجاع مقاتلى الكتيبة وإعادة هيكلتها، وفرض السيطرة على الجنوب، ويتواصل بانتظام مع موسى إبراهيم القذافى، وزير إلإعلام السابق.

«حفتر» يدرك صعوبة التحالف مع «سيف» بما يمتلكه من طموح سياسى، واعتماد على قبيلة حكمت مؤسسات الدولة لأربعة عقود، لكن رهانه على نضج السنين، وحكمة التجارب، وضيق الاختيارات السياسية؛ لأن المذكور مطلوب لحكومة طرابلس لتنفيذ حكم إعدام «يوليو 2015»، بتهمة قتل المتظاهرين وسوء استخدام السلطة، حكم استهدف إنهاء دوره السياسى، دون اعتبار لقواعد العدل، الأمم المتحدة وصفت محاكمته بالافتقاد للمعايير الدولية للنزاهة.. مطلوب للجنائية الدولية منذ «يونيو 2011» بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والقمع الوحشى للمعارضين، لذلك فهو لا يمتلك حرية الظهور أو التنقل بالداخل، ولا يستطيع السفر للخارج، بل مُجبر على الاختباء.. كما لا يستطيع التحالف مع الإخوان، لأنه يدرك دورهم فى إسقاط القذافى، منكرين دوره فى إطلاق سراح الإسلاميين من السجون، ومتجاهلين علاقته الخاصة جداً مع القيادى الإخوانى على الصلابى.

«سيف» يدرك تأثير ما يُفرَض عليه من قيود، لكنه يحاول القفز عليها بتأسيس تنظيمات يعمل من خلالها أهمها «الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا، القيادة الشعبية الاجتماعية..»، بالإضافة للاعتماد على «جبهة النضال الوطنى»، التى أسسها أحمد قذاف الدم.. فشل فى إطلاق قناة تليفزيونية من القاهرة أو تونس، فاتجه لإعادة بث قناة «الليبية» من داخل البلاد.. أقطاب النظام السابق عقدوا بمجرد خروجهم من السجن اجتماعاً بفندق المهارى بطرابلس ضم 1600 من ممثلى قبائل المقارحة، وأولاد سليمان، والقذاذفة، والنوايل، والرحيبات، فى مؤشر على أن مصالحة «حفتر» مع القذاذفة ربما كانت مدخلاً لمصالحة مع القبائل الموالية للنظام السابق، مما لا يُحَسِّن المناخ السياسى فحسب، بل يشكل ضغطاً على قبائل مصراتة، ويحد من تعنتهم، وقد ينتهى بمصالحة وطنية شاملة.

الإفراج عن أبناء القذافى إجراء حكيم، يجنب ليبيا مرارة التجربة العراقية، حل حزب البعث وتسريح الجيش وفر لـ«داعش» قاعدة واسعة من الكوادر التى مكنتها من اجتياح ثلث أراضى الدولة، الحس الوطنى لدى قبائل سرت جعل التورط مع «داعش» مجرد حالات فردية، مما يسر لقوات «البنيان المرصوص» طردها، والمصالحة تغلق الطريق أمام احتمال عودتها، لكن.. على الجميع الحذر من محاولات الوقيعة، الصحفية الإيطالية «فينيسيا توماسينى» أشارت لتعرض «سيف» لمحاولتى اغتيال بتدبير من «حفتر» لإبعاده عن المشهد السياسى، متغافلة حقيقة أن «حفتر» لو أراد إبعاده ما أفرج عنه، ويتناقلون تصريحات عن «حفتر» بأن «سيف لا مستقبل سياسياً له، لأنه احترق سياسياً»، متجاهلين تأكيداته بأنه «مواطن عادى، وليس لدينا مأخذ شخصى ضده، بل بالعكس أهلاً وسهلاً به إذا أراد أن يؤدى أى دور سياسى».. فلينتبه الجميع.. ليبيا يراد لها الفوضى، كمدخل لأعاصير تعصف بمصر، وبالمنطقة.. هى لحظة لنكران الذات، وتغليب صالح الأوطان.. فهل نحن رجالها؟!

 
تعليق واحد

Posted by في 2017/11/02 بوصة غير مصنف