5 نوفمبر 2014 اصدر الرئيس السيسى قراراً جمهورياً بتعيين فايزة أبو النجا مستشاراً لشئون الأمن القومى، وآخر بتعيين السفير خالد البقلى أميناً عاماً لمجلس الأمن القومى، التزامن بين القرارين يعنى تفعيل قرار انشاء المجلس الذى طالبنا بتعجيله فى مقالنا المنشور الأحد21 سبتمبر2014 بعنوان ‘‘مجلس الأمن القومى.. والضرورات العاجلة’’ لمواجهة تعقيدات الصراعات الدولية، وتشابكها مع القضايا الداخلية، والتنسيق بين سياسات الدفاع والخارجية والمخابرات والأمن والاقتصاد.. بداهة ستمارس ابوالنجا من الناحية الفعلية مهام رئيس المجلس!!
القرار عين ابوالنجا فى منصب عرفته مصر لمرة واحدة فى تاريخها الحديث عندما كُلِفَ الفريق حافظ اسماعيل بقيادة استعدادات الدولة الإستراتيجية لحرب أكتوبر1973، اما منصب الأمين العام فمستحدث وان مارسه فعليا احمد ابوالغيط 72 -1974.. الإشكالية الأولى فى إختيار رئيس المجلس ان الأمر لايتعلق بشخصه، ولا بشخص القائم بالإختيار، وإلا عكس الأداء اتجاهات الطرفين، فالقضية ليست وجهات نظر شخصية تحتمل الخطأ والصواب، لكنها بداية لإنشاء مؤسسة وطنية تحددت مهامها واختصاصاتها بمقتضى قرارى رئيس الجمهورية بتاريخ 26 فبراير2014، و17يوليو 2014، كما تناولناه بمقالنا عاليه.
الإشكالية الثانية تتعلق بطبيعة المنصب، وخلفية شاغله، هل ينتمى لجهة سيادية، أم لجهاز أمنى، أم للمؤسسة العسكرية.. المجلس ليس جهة منافسة لأياً من هؤلاء، انما هو المنسق بينهم، والمعنى بتحقيق أقصى إستفادة من قدراتهم، ونجاحه يحد من فرص نشوء ونمو مراكز القوى، او الإستحواذ على أذن الرئيس، وقراره.. هو جزء من مؤسسة الرئاسة، لكنه لايتبع مكتب الرئيس، حتى لايتحول الى كيان يفتقد للشخصية.. هو لايرتبط بشخص الرئيس، وانما بمنصبه.. لايقسم يمين الولاء له، وانما لكيان الدولة المصرية، ومؤسساتها الشرعية.
ديناميكية عمل المجلس جديرة بالإشارة، كل تقارير الجهات السيادية والأجهزة الأمنية ستصب فى أمانة المجلس للفحص.. جزء منها تحوله مباشرة لمكتب الرئيس للعرض دون تدخل، وهو المتعلق بالأمور المراسمية، والقضايا العاجلة، والأحداث الطارئة.. الجزء الثانى هى التقارير المتكررة من أكثر من جهة فى موضوع واحد، تحول للأمانة للدراسة والفحص، تدمج فى تقرير واحد ملخص، اذا عكست اتفاق، او يتم تقييم وجهات النظر، وتحديد الرأى المرجح فيها، حين الإختلاف، كل التقارير قابلة لإستخراج إحتياجات وتكليفات بشأنها لمختلف جهات الدولة.. لتأكيد أخبار او إستكمال معلومات او للتقييم والرأى، على الا يؤدى ذلك الى إفشاء مابها من معلومات، او التطوع بتوجيهها لجهة إختصاص لكنها لم تتوصل اليها فتبادر بنفيها دفعا لشبهة التقصير، ردود هذه الجهات ينبغى ألا تتأخر عن ثلاثة أيام عمل مهما كانت المبررات، وان تدعم حسن التقييم وتكامل العرض على الرئيس.
المنصب ينبغى ابعاده عن أية مهام تنفيذية، وعن مخاطبة الإعلام.. تجنباً للتنافس مع القيادات التنفيذية، ولإعفاءه من الإنشغال بتطلعات شخصية.. فرض حظر على التصعيد لأى منصب تنفيذى لمدة معينة إجراء مطلوب، والإستثناء الوحيد إمكانية إيفاده كمبعوث شخصى فى القضايا والموضوعات ذات الطبيعة الإستراتيجية، وفى اضيق الحدود.
الأمانة العامة لاينبغى ان تتحول لمؤسسة بيروقراطية، أو تضخيمها بأعداد كبيرة من الخبراء والإداريين، أعضاءها يمثلون الدفاع، الداخلية، الخارجية، المخابرات العامة، كافة المناصب باستثناء الأمين العام ومساعديه تقتصر على الندب او الإعارة، وفى أضيق الحدود، هى مهمة وطنية تتطلب متطوع للعطاء، لامتطلع لمزايا، المرتبات والمزايا يتم صرفها من الجهات الأصلية، على ان يقوم المجلس بتعويض الأقل حرصاً على المساواة بين الجميع، الإنضباط والصرامة هو طابع العمل بالمجلس، الخطأ الأول هو الأخير، والإنحياذ للمؤسسة القادم منها على حساب الموضوعية يعنى العودة لها ذات اليوم، فالإنتماء للوطن يعلو على كل الإنتماءات، ويجوز بعد 15 عاما النقل للمجلس، شريطة تميز الأداء.
***
تعيين ابوالنجا فى المنصب اثار ردود فعل متباينة، الفورين بوليسى الأمريكية وضعتها رقم 19 فى قائمة أقوي 25 إمرأة في العالم، وشارون فريمان فى كتابه “حوار مع قيادات نسائية أفريقية قوية: الإلهام، والدافع، والاستراتيجية” اعتبرها واحدة من أقوى 11 إمراة فى القارة السمراء، اما النيويورك تايمز فقد وصفت تعيينها بالـ«صفعة على وجه الولايات المتحدة».
التساؤلات الرئيسية التى اثارها قرار التعيين هو البحث اولاً عن مدى ملائمة الإختيار، ومبرراته.. فى دولة تتعرض لواحدة من أشرس حروب الجيل الرابع، والمخططات موضوعة لإستدراج جيشها لحرب صريحة، مرة فى ليبيا، وأخرى فى سوريا، وثالثة بالعراق، ورابعة باليمن والخليج، وخامسة بأمواج المتوسط، يفرض المنصب استحقاقاته.. ابوالنجا كُلِفَت بمنصب له طبيعة استراتيجية، وهى تنتمى لمؤسسة الخارجية المصرية العريقة، وخلفيتها الدراسية الإدارة العامة والعلوم السياسية.. فى إسرائيل، على سبيل المثال، يستكملون استحقاقات المناصب القيادية العليا ذات الطبيعة الإستراتيجية بالجيش والدولة باشتراط الحصول على دراسات عليا بالأكاديميات العسكرية، وأخرى من مؤسسات جامعية أكاديمية، خريجى المؤسسات الجامعية فقط تتضاءل فرص نجاحهم فى تلك المناصب والمهام، لأنهم لايستطيعون الحصول على الدراسات والخبرات بأكاديميات الحرب، وبالتالى يظلوا غير قادرين على استيفاء استحقاقات المنصب مهما علت مؤهلاتهم وتراكمت خبراتهم المدنية، رغم ذلك فهناك ظروفاً استثنائية قد تفرض –مؤقتاً- التغاضى عن بعض تلك الإستحقاقات..
فجذب الإستثمارات الأجنبية وتنشيط التعاون مع المنظمات الدولية المانحة، تأتى على رأس أولويات الأمن القومى فى المرحلة المقبلة، وهى مجالات تتمتع فيها ابوالنجا بخبرات ومهارات عالية، أما تنقية المجتمع المدنى من المنظمات التى انشأتها وتمولها أجهزة مخابرات غربية لزعزعة استقرار الدولة وهدم مؤسساتها ونشر الفوضى، دون المساس، بل والإرتقاء، بالمنظمات الوطنية التى تسعى لتعزيز حالة حقوق الإنسان فى مصر، فهو تحدى المرحلة المقبلة، وهو فى نفس الوقت معركة ابوالنجا التى تعرف طبيعة ميدانها، وخاضت أول معاركها بكشف قضية التمويل الأجنبى لـ68 منظمة حقوقية وجمعية أهلية، إقتطعت من مساعدات الصحة والتعلیم، وانتهت بأحكام بالسجن على 43 متهماً بينهم 19 أمريكى.. إجمالى ماصرفته الولايات المتحدة لحساب المنظمات من فبرایر إلى مایو 2011 قرابة 105 ملیون دولار، والعنوان الرئيسى لمجالات الصرف “برامج التوعیة والتحول الدیمقراطي”، وثمرتها تدريب وتلقين اكثر من 220 الف من الشباب والفئات المؤثرة، قطاع واسع منهم تحول الى خميرة للفوضى والتمرد على الدولة المصرية فى الميادين والجامعات.
ومن ناحية أخرى فإن إنتماء رئيس مجلس الأمن القومى لمؤسسات جامعية اكاديمية، دون خلفية عسكرية، رغم مايشوبه من قصور فى استيفاء استحقاقات المنصب، الا انه يساهم فى دحض شبهات حاولت بعض الجهات الخارجية اثارتها بشأن دور المؤسسة العسكرية فى التغيير السياسى ابان ثورة 30 يونية، وهيمنتها على المناصب الرئيسية فى الحكم، كما يدفع ذلك عن المنصب شبهة الإنحياذ فى أدائه خلال المرحلة الأولى من نشأته لأياً من المؤسسات السيادية او الأمنية او العسكرية.
إذن هى طبيعة المرحلة التى فرضت مقاييس خاصة واستثنائية لإختيار صاحب المنصب.. غير ان ذلك يظل أمراً مؤقتاً، لايُنسينا ان [رئاسة مجلس الأمن القومى الذى يجمع بين ادارة الحرب، وتحديات السلام، ينبغى ان تجمع بين الخبرة العسكرية، والقدرة على ادارة السياسة الخارجية، والدراسة الأكاديمية، والتفكير الإستراتيجى]، وان خريجى الأكاديميات العسكرية يمكنهم استكمال الإستحقاقات المطلوبة بالدراسة الأكاديمية وخبرة الممارسة والتدريب والثقافة، اما المدنيين فكيف يستكملون روءيتهم للبعد العسكرى والإستراتيجى ضمن عناصر الأمن القومى!!