تثيرنا الدهشة عندما نرى مصر الدولة وقد بدأت بالفعل حالة الإنهيار والسقوط ، ورجال الرئيس يوجهون سهامهم لسلطاتها ومؤسساتها السيادية بهدف تفكيكها وحلها ، وانصاره يقفون فى حالة تعبئة وحشد مستمرين بالتحرير..كل ذلك ولم يتطوع أحد ممن يطلقون على أنفسهم النخبة ليوضح للناس ان مفهوم سيادة الدولة الوطنية – التى نعيش فى كنفها حتى الآن والتى نرى انهيارها على ايديهم رؤى العين – لايحظى بالأهمية فى فكر الجماعة الذى يرتكز ببساطة على تأسيس دولة الخلافة الإسلامية على انقاض تلك الدولة الوطنية !!
قد لاأستطيع ، كما لاأرغب ، فى اتهام جماعة الإخوان بتوجيه الأحداث على النحو الذى يؤدى لإنهيار الدولة..لكن الجماعة بكل تاكيد مسئولة عن عدم بذل الجهد الكفيل بمنع هذا الإنهيار – بحكم انتماء الرئيس لها ، ومن المؤكد ان تشخيص بعض المسائل الجوهرية المثارة حاليا قد يساعد على فك طلاسم الإلتباس الراهن وبالتالى محاولة وضع حد للتدهور الراهن فى البنية المؤسسية للدولة .
أولاً : من يحكم مصر ؟! مرسى أم المرشد ؟!
ظهرت بيعة الإخوان المسلمين مع بداية نشأتهم على يد الإمام حسن البنا عام 1928 وهى بيعة أخذها حسن البنا لنفسه عام 1928 (وعمره وقتها 23 عامًا) بعد سقوط دولة الخلافة الإسلامية فى تركيا عام 1924على يد مصطفى كمال أتاتورك ، وكان دافعه لها ضمان التزام الأعضاء بالتعاون على تحقيق حلم عودة دولة الخلافة الإسلامية .
وفى فقه الإخوان المسلمين فإن البيعة للمرشد وللجماعة هى بيعة جزئية مؤقتة ، ولاتنحل هذه البيعة الا إذا وجد خليفة للمسلمين حيث تنحل آنذاك تلقائيًا وتصبح البيعة كلية وواجبة للخليفة.
وبالتالى فلامجال لأى عضو بالجماعة – اياً كان المنصب الذى يشغله فى الهيكل الإدارى للدولة- ان يخرج عن نطاق تبعية وطاعة المرشد والجماعة ، وكل ماتردد عن ان المرشد سيحل مرسى من بيعته جاء فى إطار تذليل العقبات التى يمكن ان تعرقل اكتسابه للمزيد من الأصوات فى السباق الرئاسى ، لكن الحقيقة ان هذه المسألة ليس لها سوابق بالجماعة بل انها تخرج تماماً عن أدبياتها ولاتستقيم مع ثقافتها .
ثانياً : الإخوان والتداول السلمى للسلطة
من المؤكد انه حتى وان كان قطاع واسع من الأمة غير متقبل لحكم الإخوان ، فإن قلق هذا القطاع بشأن المستقبل يمكن ان يزول او على الأقل يقل اذا ماكان مبدأ التداول السلمى للسلطة مستقراً ومتفق عليه ، إلا ان آليات تنظيم الجماعة لاتقر الديمقراطية كمبدأ لإختيار القيادات ..وبديهى ان الديمقراطية هى المدخل الوحيد المؤدى الى تداول السلطة .
فالجماعة وكوادرها أبعد ماتكون عن القناعة بالديمقراطية وأشد ماتكون انكاراً لتداول السلطة، لأن تربيتها السياسية لم تتضمن أياً من هذين المبدأين فالمرشد يجمع بين كونه رئيسها الأعلى ورئيس مكتب الإرشاد ورئيس الهيئة التأسيسية ، ومبايعته مدى الحياة فرض واجب على كل عضو بالجماعة، وبالتالى يترتب على ذلك نتيجتين :
1. ان صلاحيات المرشد مطلقة وتتجاوز كل الحدود..فهو يقوم بمهمته مدى الحياة..ويجمع فى يده كافة السلطات.. ومن حقه نقض قرارات لجنة التحقيق والجزاءات، وتوقيف أعضاء الهيئة التأسيسية ، ونقض قرارات الجمعيات العمومية المحلية..وتعيين رؤساء الشعب والمناطق….الخ
2. ان السلطة التنفيذية فى الجماعة ممثلة فى المرشد تطغى وتتغول على باقى السلطات الأخرى (التأسيسية – الرقابية) فى حين ان الوضع المفترض هو ان تكون التأسيسية قادرة على محاسبة الرقابية، والرقابية قادرة على محاسبة التنفيذية، ولكن ترأس المرشد العام للسلطات الثلاث حولها جميعاً الى ملحقات تابعة لمكتب الإرشاد التابع له.
ثالثاً : تنظيمات الإخوان على المستوى الحركى
ولعل اخطر واهم ماينبغى ابرازه فى تنظيم ونشاط الإخوان هو ذلك التنظيم المحكم الذى يغطى كافة محافظات الجمهورية ، ويصل لمستوى العزب والقرى من خلال التدرج الموضوعى والجغرافى على النحو التالى :-
الأسرة :- هى اصغر الوحدات التنظيمية (فى حدود خمسة أعضاء يختار من بينهم النقيب)
الشعبة :- وهى اصغر الوحدات الإدارية حيث تضم مجموعة الأسر الموجودة فى قرية او بلدة صغيرة ،ويدير شئونها مكتب مكون من (5) أشخاص أربعة تنتخبهم الجمعية العمومية والخامس الرئيس ويختاره المركز العام .
المنطقة :- وهى مجموعة الشعب الواقعة فى حدود مركز ادارى معين ويقودها رئيس يختاره المركز العام أو يقوم بأعماله رئيس الشعبة الرئيسية بالمنطقة.
المكتب الإدارى:- ويتألف من مجموع المناطق الواقعة فى حدود المحافظة ،ويقوده رئيس يختاره مكتب الإرشاد او يقوم بأعماله أقدم رئيس منطقة.
ويلاحظ ان السلطة المركزية للجماعة تفرض قيادات الوحدات الفرعية فى التنظيم ولايسمح باختيارها بأسلوب ديمقراطى.
رابعاً : تنظيمات الإخوان على المستوى السياسى
اما على مستوى الأنشطة وتقسيمات العمل السياسى فهناك محموعة من الأقسام الأساسية التابعة لمكتب الإرشاد اهمها:-
1. قسم نشر الدعوة ) تنظيم الدعاية لفكرة الإخوان – إعداد الدعاة – رسائل ونشرات وكتب – اعداد الأعضاء دينيا ورياضيا وروحيا..)
2. قسم العمال (نشر الدعوة في محيط العمال- التغلغل فى النقابات …)
3. قسم الفلاحين (نشر الدعوة في محيط الفلاحين- النقابات والتعاونيات…)
4. قسم الأسر (وضع الدراسات والتوجيهات الخاصة بالأسر ، والإشراف علي تنفيذها) .
5. قسم الطلبة ) نشر الدعوة – الاتحادات الطلابية- الأنشطة الصيفية..)
6. قسم الاتصال بالعالم الإسلامي (يستهدف إقامة حكومات إسلامية ديناً ودولة في هذه البلاد وتكوين وحدة سياسية إسلامية – يضم القسم ثلاثة لجان {لجنة الشرق الأدنى وتضم البلاد العربية وباقي الشعوب الإسلامية في إفريقيا كما تضم تركيا وإيران – لجنة الشرق الأقصى ( أفغانستان – تركستان – الصين – الهند – الهند الصينية – اندونيسيا – اليابان) – لجنة الإسلام في أوروبا} .
7. قسم التربية البدنية (تربية الإخوان تربية بدنية وإعدادهم للقيام برسالتهم !!!)
8. قسم الصحافة والترجمة (يشرف هذا القسم علي جرائد ومجلات الإخوان- عمل ارشيف وترجمات لأهم ماتنشره الصحافة العربية والأجنبية عن الجماعة..)
9. قسم المهن (نشر الدعوة في محيط أصحاب المهن- الاستفادة والسيطرة على النقابات المهنية …)
10. قسم الأخوات المسلمات .
خامساً : أهمية اللجان الأساسية التابعة لمكتب الإرشاد
1. اللجنة المالية ونشاط هذه اللجنة يمثل الصندوق الأسود للجماعة لأن لديها حصر كامل بالعضوية والإشتراكات والتبرعات ومختلف مصادر التمويل من الداخل والخارج ومجالات إنفاقه .
2. اللجنة القضائية (مهمتها تولى قضايا الإخوان التي ترفع عليهم أو منهم وهذه اللجنة تقوم بدور بالغ الخطورة منذ قيام الثورة اذ انها تولت توجيه صياغة الإعلان الدستورى الذى فتح ابواب الشيطان ليشتت الثورة المصرية فى المتاهات التى تعانى منها ، كما انها تخوض المعركة الراهنة مع المحكمة الدستورية ونادى القضاة وغيرها من المعارك التى تستهدف رفع يد السلطة القضائية نهائياً عن السلطتين التنفيذية والتشريعية بما يسمح لهما بالتغول دون ضوابط .
3. اللجنة السياسية..تتولى دراسة التيارات السياسية العامة والخاصة في الداخل والخارج ودراسة التطورات السياسية الطارئة وتحديد موقف الإخوان منها وأداء هذه اللجنة حتى الآن مضطرب أوقع الجماعة فى تناقضات احرجتها على المستوى السياسى وخصمت من رصيدها الشعبى (التراجع عن نسب المشاركة المحدودة فى انتخابات البرلمان – التراجع عن قرار منع الترشح للرئاسة الى حد فصل د.عبدالمنعم ابوالفتوح لعدم التزامه بذلك …)
4. لجنة الخدمات (تنظم وتسهل الخدمات الخاصة للأعضاء والجماعة في كل الجهات الرسمية والخاصة من خلال اختراق هذه الجهات ، ولعل ماحدث فى المطبعة الأميرية من محاولة بعض العاملين فيها تسريب بطاقات تصويت مؤشر عليها لصالح مرسى ، ثم امداد الجماعة بالمستندات التى بنت عليها الجماعة دعوى تزوير المحكمة الدستورية لحكم حل مجلس الشعب ..كل ذلك يؤكد أهمية الدور الذى تقوم به هذه اللجنة وهو أقرب مايكون للإختراقات الأمنية للمؤسسات(
5. لجنة الإفتاء )تختص بتمحيص المسائل الفقهية التي تعرض علي المكتب وبيان الرأي الإسلامي فيها من وجهة نظر الجماعة (
6. لجنة الإحصاء(تتولى إحصاء أوجه النشاط المختلفة للإخوان و تقديم التقارير عن ذلك النشاط كل ثلاثة أشهر).
سادساً :- الإخوان وغرف عمليات إدارة الأزمات
ان دلالة وجود الأقسام المشار اليها وتبعيتها لمكتب الارشاد هو ان الإخوان لديهم غرف عمليات تعمل على مدار 24 ساعة ،تختص كل منها بتغطية نشاط او قطاع مهنى معين ، وان لديها كافة الصلاحيات فى تحريك كافة تنظيمات وقيادات واعضاء الجماعة على مستوى الجمهورية طالما كان ذلك يصب فى مصلحة تحقيق اهدافها ومصالحها، ولعل ذلك يفسر السرعة الفائقة التى تمكن بها الإخوان من رصد نتائج الإنتخابات والإعلان عنها فى وقت كانت فيه باقى الحملات تحصى عدد الأصوات على اصابعها !!!
إذن .. وجود رئيس جمهورية ينتمى للإخوان يعنى “حكم المرشد لمصر” ، كما انه يعنى من ناحية اخرى إمتلاك الإخوان لقدرات تنظيمية وإمكانيات حشد هائلة لدعم هذا الرئيس وضمان استمراره ، وهو مالاتمتلكه كافة القوى السياسية الأخرى.
سابعاً : أين القوى والأحزاب الوطنية من كل هذا ؟!
* ان القوى والأحزاب السياسية الوطنية ينبغى ان ترفع من قدراتها التنظيمية وان تطور آليات عملها وان تنشىء غرف عمليات للدراسة والمتابعة والتخطيط وتقديم الإستشارات الخاصة بآليات العمل وتحقيق الأهداف وكيفية مواجهة المتغيرات الطارئة فى المواقف.
* وبالطبع فإن ذلك قد لايكون متاحاً لمعظم هذه القوى نظراً لما يتطلبه من تمويل ضخم ، وتوافر كوادر متخصصة تنتشر على نطاق الجمهورية، ويفرض ذلك ضرورة توحيد جهودها من خلال إنشاء إئتلافات سياسية قادرة على المنافسة.
ونظراً لأنه بمجرد الإنتهاء من إعداد الدستور الجديد سوف تتوالى المعارك الإنتخابية من جديد (تشريعية – رئاسية – محليات – نقابات …) فإن الفترة القصيرة المتاحة تفرض سرعة تنفيذ هذه الإئتلافات ، وإلا … فإن النتيجة الوحيدة المترتبة على هذا الفشل … استمرار ….. “مصر فى قبضة المرشد”