مع بدء إنعقاد مجلس النواب أثيرت بعض القضايا والإشكاليات التى جذبت إهتمام الراى العام، إكتفيت منها بثلاثة، تثار مرة واحدة بداية دورة الإنعقاد، لكن آثارها تبقى لنهاية المجلس..
القضية الأولى: البث المباشر للجلسات
برلمانات ماقبل يناير 2011 إكتفت ببث فقرات مسجلة لأهم مايدور بالجلسات، البث المباشر على الهواء كان مطلب نواب الإخوان فى برلمان 2010، عندما نالوا الأغلبية 2012 إفتتحوا قناة “صوت الشعب” لتنفيذه، فدفعوا الثمن فادحاً؛ سقطت هيبة النواب، واتسعت دائرة الرفض لنظامهم.. قرار عدم بث جلسات البرلمان الحالى متفق عليه من قبل بدء الجلسات!!، مركز بصيرة استشعره فأجرى إستطلاع للرأى فى ديسمبر 2015 أجاب 81% من العينات بالرغبة فى البث المباشر، “مؤسسة حرية الفكر والتعبير” أقامت دعوى فى نفس الشهر أمام القضاء الإدارى ضد رئيس الجمهورية، ووزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، وأمين عام المجلس لإلزامهم بالبث المباشر ضماناً للشفافية والنزاهة.
منذ جلسة الإجراءات اتضح ان النواب الإعلاميون المثيرون للجدل يُغَلِّبون حب الظهور على الرصانة والإلتزام، حالة الهرج والمرج والمناوشات، شجعت إحدى الفضائيات العربية على عرض الاستحواذ على البث الحصرى، مقابل شراكة المجلس فى عوائد الإعلانات!!، واقعة غير مسبوقة، تمثل إهانة للتقاليد البرلمانية.. بعد انتخاب رئيس المجلس بدأ النواب فى إختباره، فتحول المشهد لفوضى، وفرت المبرر لموافقة الأغلبية على قرار وقف البث، لأنها خشيت الإساءة لصورتها، وفقدان شعبيتها.. رغم ذلك هدد البعض بجمع توقيعات، والقضاء الإدارى تلقى دعاوى لإعادته، باعتباره حق للشعب، وليس للنواب.
والحقيقة ان علنية الجلسات كما وردت بالدستور “مادة 120″، لاتعنى البث المباشر، لتمكين الكاميرات من ضبط عضو غلبته الغفوة، أو إلتقاط الميكروفون لعبارة منفلتة، أو نقل مشادة تغلب فيها الإنفعال على الحكمة، لكن القضية تتعلق بعدم ملائمة تمرير قرار إتُخِذَ قبل بدء الجلسات، وفى أعقاب سيناريو فوضوى، ليبدو وكأنه وسيلة لستر خطايا “سيد قراره”.. كما تفرض أهمية إعلان آليات تنظيمية محددة تحول دون تكرار الفوضى.. وعدم إستغلال الأغلبية للقرار فى فرض هيمنتها، واسكات صوت الأقلية.
القضية الثانية: الصراع على رئاسة المجلس
الشعور بالنرجسية جعل بعض النواب لايرون سوى أنفسهم.. فى مجلس يضم قرابة 600 عضو، فاجأنا نائب بتأنيب رئيس المجلس لعدم إعطائه الكلمة، رغم طلبها منذ 20 دقيقة “كاملة”!! آخرون غادروا الجلسة لنفس السبب.. إقتران التعالى بسوء التقدير دفع آخر للترشح للرئاسة، ولم يحصل سوى على صوته!! والهيئة البرلمانية للمصريين الأحرار هددت بإستقالة جماعية.
فى سابقة هى الأولى فى تاريخ البرلمان، عقد قرابة 400 نائب إجتماعاً خارج قاعات المجلس!!، قبل يوم واحد من الجلسة الإجرائية، لإختيار الرئيس والوكيلين!!، الإجتماع ضم نواب ائتلاف “دعم مصر”، وشارك فيه “بالتصويت” معظم نواب “الوفد”، ضمن إتفاق على تمكين الحزب من شغل أحد منصبى الوكلاء، تمهيداً للعودة للإئتلاف، بكرى كشف تلقى النواب تعليمات بعدم انتخابه، وقرطام انسحب إحتجاجاً على “تحركات الغرف المغلقة”، مرشح الإئتلاف فوجىء بعدم حصوله سوى على 281 صوت، وذهاب باقى الأصوات لمرشح الوفد، الذى تم دفعه فى اللحظات الأخيرة، ليفوز بالمنصب بفارق أربعة اصوات فقط، حتى لايُخل بالتمثيل الـ”مشرف” لمرشح الإئتلاف.
القضية لم تتوقف عند ذلك التلاعب، وإنما تعدتها لتعكس التناقض فى مواقف النواب.. نائب تطلع للترشح لمنصب الوكيل، انقلب على الإئتلاف بعدما تجاوزه، وانحاز للمنافس، بدافع منع الهيمنة!! دون تأكيد بان ذلك الدافع كان سيحركه ايضاً إذا ماتم ترشيحه.. وآخر شهَّر بمن يديرون المجلس من الخارج، مبشراً بإنهياره، لأنه لم يفوز بمقعد الرئاسة، وثالث إستقال بعد خسارته، لأن الهزيمة فتحت عينيه على تحول المجلس لـ”شادر بطيخ”!!، ورابع إنشق عن المصريين الأحرار لعدم إختياره رئيسا لهيئتة البرلمانية.. عشرات النواب جمعتهم نفس الصفة.. «عدم تخيل المنصب بدونهم»!!.
القضية الثالثة: تباهى السادة الأشراف
أحد النواب هدد “اللى حيقل أدبه على البرلمان هياخد بالجزمة”، التحفظ على الألفاظ لايعنى الخلاف على حتمية إحترام المجلس.. لكنه عاد ليوجه رسالة أخرى «لما تتكلموا عننا اتكلموا بأدب؛ لأننا أسيادكم».. مهما كان معتاداً على استخدام التعبيرات المنفلتة فينبغى التوقف أمام العبارة الأخيرة.. عندما بدأ التباهى بأن المجلس يضم 79 نائباً من “السادة الأشراف”، ترابطت المواقف، وفرض السؤال نفسه.. هل أتى الشعب حقاً بنواب ليتسيدوه؟!
السادة الأشراف فى مصر –يتجاوزون 5 مليون- تمثلهم نقابة أنشأت 1895، منحت للملك فاروق شهادة نسب، أغلقها عبد الناصر، ولم تعد للعمل الا فى عهد مبارك، انشق عنها نهاية التسعينات “المجلس الأعلى لرعاية آل البيت”، بسبب ماوُصِفَ بالإنحرافات، ورفع بعض أعضاء النقابة دعوى لفرض الحراسة القضائية عليها بسبب سوء الإدارة والفساد، الإتهامات المتبادلة أساءت للنقابة،.. إتهام البعض بالتشيع والإرتباط بإيران والعراق، الخضوع لسيطرة “أحمد عز” الأمين السابق للحزب الوطنى، عضو مجلسها الأعلي، وصهر النقيب!! خاصة فيما يتعلق بالترويج للتوريث، منح شهادات نسب دون سند سواء مجاملة لبعض الرموز السياسية، أو مقابل مبالغ مالية، بيع تأشيرات الحج، جهل بعض النسابون نتيجة لتوارث المهنة، وعدم الإستعانة بقواعد بيانات الدولة لتثبيت الأنساب، التصرف فى جزء من مبنى النقابة لأحد البنوك، رغم الحصول عليه بالتخصيص من الدولة، منح شهادة نسب للقذافى فأثارت جدلاً حول صحة مستنداتها، النقيب السابق أحمد كامل ياسين كان رئيساً للجنة الأنساب لليبيا لهذا الغرض عام 2000، ثم نفى أى قيمة للشهادة، لأنه لم يوقع عليها!!، دفع منصبه ثمناً للفساد، وعين السيد الشريف “وكيل مجلس النواب الحالى” نقيبا للأشراف نهاية 2008!!.
التوجه الأمنى كثيراً مايتعامل مع كتلتى السادة الأشراف والطرق الصوفية باعتبارهم قوة دينية يعادلون بها ثقل الإخوان، الشيعة يروجون بأن الكتلتين إمتداداً لهم، وحزب النور وجه كتلته البرلمانية لإنتخاب الشريف لأنه يرى إمكانية توظيف النواب الأشراف سياسياً فى الإشكاليات الدينية تحت القبة، والصراع الإقليمى محتدم بين الهاشميين بالعراق والوهابيين فى السعودية لخطف النقابة من مصر، مما يفرض الحفاظ عليها باعتبارها أحد أدوات قوتنا الناعمة، ولن يتسنى ذلك دون معالجة إنعكاسات فترة الفساد خلال حكم مبارك على النقابة، وإلتزام أعضائها بتجنب الخلط بين دورهم كنواب فى البرلمان، ووجاهتهم الإجتماعية.. النسب حجة على الأشراف، وليسوا هم بحجة عليه.. عن رسول الله “صلعم” «مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».
يانواب القضايا الثلاثة.. إستقيموا يرحمكم الله، ويرحمنا!!.