RSS

خريف الوهابية.. منبع الإرهاب الأسود

03 أكتوبر

70839869_624908311372992_6461168351346425856_n (1)

عندما أسس محمد بن عبدالوهاب الدعوة «الوهابية» اواخر القرن الثامن عشر، إستند على أفكار إبن تيمية، فجاءت مخالفة لما درج عليه المجتمع السعودى المسلم، حتى ان والده تصدى له وزجره، وألف شقيقه سليمان كتاباً بإسم «الصواعق الإلهية فى الرد على الوهابية»، خصصه لتفنيدها، وتنبيه الناس الى خطورة إنتشارها.

دور المخابرات البريطانية
محمد بن عبدالوهاب كان على صلة وثيقة بالمستشرق البريطانى الشهير «همفر»، الذى عمل لحساب المخابرات البريطانية، والف كتاباً بعنوان «مذكرات المستر همفر» كشف فيه «أسرار مهمته في العالم الإسلامى» بداية القرن الـ18م، حيث اوضح «ان العائق الوحيد للاستعمار البريطاني في هذه المنطقة الحيوية، على طريق الهند، هو الدين الإسلامى، وكان السبيل الوحيد لإخضاع شعوبها تمزيقها من الداخل، وبث الفتن بين المذاهب، بتحريف المبادئ والقيم التي قام عليها»، وهكذا أوعزت المخابرات البريطانية بأفكار وأدبيات الدعوة «الوهابية» لمؤسسها، وقامت برعايتها من خلال علاقتة الوثيقة بـ«همفر»، ليستخدمها العرب فى إشاعة ثقافة التكفير والتفجير، لتفكيك العالم الإسلامى، مما يفسر قتلهم للشريف غالب حاكم مكة، وتنفيذ مذبحة ضخمة لمخالفيهم فى الطائف، وطرد الشريف الحسين بن على، ملك الحجاز من المدينة، وإنحيازهم لبريطانيا فى الحرب العالمية الأولى.

الوهابية والتنظيمات الإرهابية
الوهابية أنتجت العديد من الثمار المُرّة، أبرزها يتعلق بالعلاقة العقائدية الوثيقة مع التنظيمات الإرهابية، التى بنتمى معظمها الى المذهب السنى، على المنهج الوهابى.. أسامة بن لادن الوهابى أسس تنظيم «القاعدة».. 15 من الـ19 الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة كانوا وهابيين.. خرج من الوهابيين أعداد كبيرة من الانتحاريين للعراق بعد الغزو الأمريكى 2003.. وزودوا «داعش» بقرابة 2500 مقاتل.. أما الكتب التى إعتمدت عليها «داعش» فى مدارسها فهناك سبعة من إجمالى 12 كتاب من تاليف بن عبدالوهاب.. الشيخ عادل الكلبانى الإمام السابق للحرم المكى تباهى بأن «داعش»، استمدت أفكارها من كتبهم ومبادئهم الخاصة!!.

الوهابية فى مصر
الوهابيون يضمرون الكراهية لمصر وجيشها، نظراً لأنه عندما كثرت جرائمهم فى جزيرة العرب، واستفحل أمرهم، استنجد الخليفة العثمانى بمحمد على والى المحروسة، فجهز حملة لتأديبهم، ودفع الجيش المصرى الى هناك، ونجح في القضاء عليهم، ودخول عاصمتهم الدرعية، قبل ان يعود أدراجه الى مصر.. لكنهم عادوا من جديد بمساعدة بريطانيا، ليرتكبوا أعمالاً عدائية أبرزها إحراق المحمل المصرى بمكة، رغم أنه يضم كسوة الكعبة، وإعتدوا على المصريين المصاحبين.. والحقيقة ان إتفاق التنظيمات التكفيرية على كراهية الجيش المصرى، يبدأ منذ ذلك التاريخ.

الفكر الوهابى تسلل الى مصر عبر محمد رشيد رضا، الذى تبنى المذهب، وقدم ابن تيمية لأول مرة للثقافة المصرية، وذلك خلال فترة الصراع بين الحركة الوهابية والشريف حسين، قبل طرد الأخير من المدينة، والملفت ان رشيد هذا قد أصبح أستاذاً لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، مما يؤكد انها أحد روافد الحركة الوهابية، كما يفسر إعتياد عناصرها التوجه للمملكة، كلما إصطدموا بالدولة المصرية، خلال حكم عبدالناصر.

منذ منتصف السبعينات بدأت الوهابية تنتشر بمصر نتيجة لهجرة العمالة، خاصة المدرسين والكوادر الأزهرية، الى السعودية والخليج، لذلك انتشر الحجاب والنقاب والاسدال، وأطلقت اللحى.. والأهم والأخطر، هو ان وسطية الأزهر تراجعت أمام مِنَح الوهابيين وعطاياهم.. وللأسف فقد انفقت الأموال بسخاء على بناء المراكز الدينية والجمعيات الخيرية، دون أن تواجه مصر تلك الأفكار، لأن الرئيس السادات كان قد أطلق يد الجماعات الإسلامية لممارسة أنشطتها، سعياً لإيجاد قوة توازن الدور المتصاعد لليسار، كل الأبواب إنفتحت أمام المدارس السلفية في الفكر الدينى.. الوهابية استقطبت الشيخ محمد حامد الفقى احد رجال الأزهر المتشددين، ودعمته لتأسيس «جماعة أنصار السنة المحمدية»، أول قاعدة منظمة للوهابيين بمصر، والتى كانت ساحة لأنشطة التنظيمات المتطرفة، خاصة فيما يتعلق بالفرز وتجنيد العناصر الصالحة.. وفى التسعينيات بدأ ظهور الدعاة الجدد الممولين من الحركة الوهابية، وعلى رأسهم حسان، ويعقوب، وبرهامى، وغنيم، بالإضافة الى توسع الأزهر في تأسيس المعاهد الدينية في القرى والنجوع، ما أضعف دوره فى المتابعة، وأعطى فرصة للمتطرفين فى إتخاذها أوكاراً لنشر أفكارهم.

بن سلمان والمواجهة
محمد بن سلمان ولى العهد السعودى إعترف لـ«واشنطن بوست»، أن نشر الوهابية، كان بطلب من الحلفاء الغربيين، لمواجهة الاتحاد السوفيتي، ومنع تقدمه في العالم الإسلامي إبان الحرب الباردة!!، وهو نفس السبب وراء إفراج السادات عن الإخوان، وإطلاق يدهم لدعم «مجاهدى» أفغانستان.. بعد عقود من المعاناة، أعلنت المملكة ومصر والعديد من الدول أن الإخوان تنظيماً إرهابياً.. وأكد بن سلمان فى أكتوبر 2017 «سنعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل، المنفتح على جميع الأديان، لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أفكار متطرفة، قطعنا خطوات، وسنقضى على بقاياه فى القريب العاجل».
رجال المؤسسة الدينية الفاسدون مارسوا تجاوزاتهم بدعوى تحالفهم مع السلطة الحاكمة.. الدولة سحبت البساط من تحت أقدامهم، فإعتدلوا والتزموا برؤيتها، والشعب تجاوب مع الإصلاح، ودعم الدولة فى مواجهتها، وأقنع شيوخ الوهابية أنه لم تعد هناك ثغرة للنفاذ منها، ولا مجال للعودة الى ما كانوا عليه من نفوذ.. حزم الدولة كان لازماً، مما يفسر تقديم بعض الدعاة للمحاكمة، خاصة من بين «تيار الصحوة»، الذى أسس مدرسة التكفير والولاء والبراء، ونجح فى السيطرة على 80 ألف مسجد، وشكل أفراده خلايا لبث قيم اجتماعية جديدة، والقطيعة مع الثقافة التقليدية عبر المنابر والإعلام والجامعات، فضلاً عن إنتشارهم فى معظم الدول العربية من خلال الكتيبات والأشرطة.

النيابة السعودية طالبت بإعدام سلمان العودة، لتؤكد أنه لارجعة مع التطرف ولا مكان للمتطرفين. وعائض القرنى خرج لوسائل الإعلام معتذرا للرأى العام عن الأفكار المتشددة المخالفة للقرآن والسنة، التي كان يروج لها خلال فترة نشاطه الدينى ضمن «تيار الصحوة»، أما عبد العزيز الطريفى وعلي العمرى فقد إبتلعوا ألسنتهم.. لقد أفسد هؤلاء الدعاة عقول الشباب عبر عقود طويلة، وساقوا منهم عشرات الآلاف وقوداً للإرهاب والتخريب بدعوى الجهاد، تلبية لتوجيهات مشايخ التطرف فى الدوحة، وأجهزة المخابرات الغربية.. كم أفسدوا علينا حياتنا تمسحاً بالحُرمانيات، ثم خرجوا بإعتذار سخيف يخلو من معنى، ويفتقر لمضمون.. حسبنا الله ونعم الوكيل.

إصلاحات المملكة
تغيير وضع «هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» يعتبر واحداً من أبرز شواهد الإصلاح فى المملكة، الهيئة استُحدثت 1940، لممارسة دور الشرطة الدينية، فى تطبيق الشريعة الإسلامية بالأماكن العامة!!، ومنع إرتكاب المنكرات الشرعية، انتشرت فروعها بأنحاء المملكة، ومنحت صلاحيات تتيح الإعتقال وإقامة الحدود الشرعية؛ لكنها إجتذبت غير المؤهلين؛ طمعاً فى مميزاتها، ما أدى الى تجاوزات وفساد أساءت لدورها فى المجتمع، حتى ان منتسبيها يرون أنهم «الفرقة الناجية» التى حَسُن إسلامها، بينما سطحوا فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومفهوم الحسبة، بإعتبار كل من يحلق لحيته، أو يطيل ثوبه، أو يفتح باب محله التجارى أثناء الصلاة، فاسق يستحق الجلد؛ دون ان تطبق ذلك إلا على عوام الناس، ولم تقترب من أصحاب النفوذ، فأهدرت مبدأ المساواة.. هذه الهيئة قُلصت صلاحياتها، كخطوة فى سبيل إلغائها.. وبدأت مراجعة مناهج التعليم، لتخليصها من مرتكزات التطرف.

المملكة على طريق الإصلاح رصدت 64 مليار دولار لأنشطة الترفيه خلال السنوات العشر المقبلة، سمحت بالإختلاط لأول مرة إبان احتفالات اليوم الوطنى السعودى باستاد الملك فهد الدولى بالعاصمة الرياض سبتمبر 2017، أعادت الطرب للتليفزيون الرسمى، ونظمت عشرات الحفلات العنائية لمطربين ومطربات عرب وأجانب، سمحت بفتح دور عرض سينمائية، شرعت فى بناء دار للأوبرا بجدة، وبدأت فى تعديل القوانين المتعلقة بحقوق المرأة، وأهمها إلغاء المنع عن قيادتها للسيارات، وإستخراج جواز سفر، مع منحها حقوقاً مساوية للذكر فيما يتعلق بحرية السفر، دون ولاية.

مصر قبل ان تهب عليها رياح السموم الوهابية كانت مختلفة تماما؛ فى ملابس البشر، أشكالهم، روائحهم، ناهيك عن إكتساب الميل غير المعتاد، للخشونة فى التعامل، والتطرف فى التفكير، وفظاطة رد الفعل، وبذائة اللفظ.. حتى الأزهر الوسطى الأشعرى الذى تبنى الإعتدال الدينى منذ نشأته، إندست داخله عناصر متشددة، تسعى لتغيير توجهاته وطبيعته على حساب مبادىء الإسلام السمح.. وتجديد الخطاب الدينى، تحول الى قضية خلافية ووجهات نظر متضاربة تارة، والترهيب منه بدعوى المساس بالدين تارة أخرى، متجاهلين حديث الرسول «صلعم» «إنَّ الله تعالى يبعث لهذه الأمَّة على رأس كلِّ مائة سنةٍ من يجدِّد لها دينها».. إذن التجديد جزء من الدين، ووسيلة للحفاظ على ريادته فى عالم ملىء بالديانات والمذاهب المتصارعة.

المملكة تتخلص من الوهابيين، منبع التشدد والتطرف فى المنطقة، فماذا نحن فاعلون بإمتداداتهم المتجذرة لدينا؟!.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/10/03 بوصة غير مصنف

 

1 responses to “خريف الوهابية.. منبع الإرهاب الأسود

  1. Gamal Taha

    2019/10/03 at 06:20

    مقالى المنشور بمجلة «صباح الخير» يوم الثلاثاء 1 أكتوبر 2019.

    إعجاب

     

أضف تعليق