RSS

Monthly Archives: جويلية 2016

ما بعد الإنقلاب التركى: عودة «الرجل المريض»

الوطن 29-7

قيصر روسيا أطلق على تركيا وصف «الرجل المريض» منتصف القرن الـ19، إنهارت إمبراطوريتها العثمانية، وهُزِمَت فى الحرب العالمية الأولى، وظلت دولة فاشلة، حتى ألغى أتاتورك الخلافة، فصل الدين عن الدولة، وأعاد هيكلة المؤسسات، فبدأت النهضة.. أحمد داوود اوغلو رئيس حزب العدالة والتنمية، ورئيس الوزراء السابق إستقال «مايو 2016»، لرفضه التحول للنظام الرئاسى، وبعث العثمانية، والعودة لتوظيف الدين فى السياسة، فجميعها مؤشرات لنكوص الدولة التركية الحديثة.

               تركيا خذلت حلفائها، وتحولت لعبء عليهم، فانقلبوا عليها.. إكتسبت أهميتها بعد إلتحاقها بالناتو 1952، وتحولها لمركز إستراتيجية الإحتواء الغربى للاتحاد السوفييتى، خلال الحرب الباردة، لكنها إحتلت شمال قبرص برعونة 1974، وهددت بحرب مع اليونان، جارتها بالحلف!!.. بعد تفكك الإتحاد السوفيتى، وإنتهاء الحرب الباردة، كلفتها أمريكا بتنظيم عملية «إعادة الأمل»، لإحتواء الجمهوريات الاشتراكية السابقة فى آسيا الوسطى والقوقاز، بإنشاء حلف يجمع الشعوب المسلمة ذات الثقافة التركية، لكنها فشلت، لتعلقها بحلم الإنضمام للإتحاد الأوروبى، والعجز عن زعزعة إرتباط معظم تلك الجمهوريات بموسكو، رغم ماقدمته من دعم تجاوز 3.5 مليار دولار.. تركيا لم تسمح لحليفها الأمريكى باستخدام أراضيها ضد العراق 2003، إلا عندما هددها بإعتبار ماوقع للأرمن 1915 «إبادة».. تعاونت مع إيران خلال سنوات مواجهتها للغرب، وتمسكت بالإطاحة بالأسد، وسعت للتدخل البرى، وإقامة منطقة عازلة، وتعمدت إسقاط الطائرة الروسية لتورط الناتو فى مغامرة غير محسوبة.. تعترض على الدعم الأمريكى للإكراد، وتخشى إحتمال تأييدها إنشاء دولة كردية.. وتواصل إنتهاكات حزب «العدالة والتنمية» للحريات رغم الإحتجاجات.. يسرت تدفق اللاجئين للضغط على اوروبا، وسعت لتحقيق مكاسب مقابل وقفه (إعفاء الأتراك من تأشيرات دخول أوروبا، مساعدات مالية ستة مليارات يورو، إحياء مباحثات انضمامها للاتحاد الاوروبي)، عندما ردت المانيا بإتهامها بـ«الإبادة الجماعية» للأرمن، عايرها أردوغان بمجازر الـ«هولوكوست» ضد اليهود!!.

               تركيا راهنت على إخوان سوريا، وعندما تيقنت من ضعفهم، لجأت للتنظيمات التكفيرية، حجم ماتم كشفه من علاقاتها بتلك التنظيمات سبب الحرج لحليفها الأمريكى، القنصل التركى بالموصل حذر من إجتياح «داعش» للمنطقة قبل أيام من هجومها منتصف 2014، لكن الخارجية أجابته («داعش» ليست خصماً لنا)!!.. الرئيس السابق عبد الله جول وصف «داعش» بأنها «حركة سياسية لا دينية، ولا تشكل تهديدا أيديولوجيا»!!.. نقلت شحنات أسلحة وذخائر لـ«داعش» بإعتبارها «إمدادات إنسانية»، ورجال الأمن الذين أوقفوا إحدى شاحنات «مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية» محملة بالأسلحة والذخيرة يناير 2014، تم فصلهم، وأقيل المدعى العام لمدينة هاتاى، لتقديمه شكوى جنائية ضد وزير الداخلية والمخابرات بعرقلة سير العدالة، ومنعه من التحقيق فى القضية.. سهلت عبور المتطوعين والمقاتلين، وتجاهلت تطوع الأتراك، وإستقبلت جرحاهم للعلاج، وزودت التنظيم فى العراق بالبترول، خصماً من رصيده من بترول الرقة، الذى تصدره لإسرائيل من ميناء جيهان.. المخابرات الروسية فضحت تورط ابن أردوغان، وصهره وزير الطاقة فى تجارة النفط، وتمويل منظمات الإرهاب.. تركيا لم تنضم للتحالف الدولى إلا فى أغسطس 2015، بعد تعرضها لعشرات الهجمات الإرهابية، معهد دراسات حقوق الإنسان بجامعة كولومبيا الأمريكية جمع قائمة أدلة تثبت مساعدتها لـ«داعش» والنصرة، والمخابرات الألمانية كشفت دعمها لأحرار الشام، ورصدت مكتب تقديم الخدمات اللوجيستيكية وتنسيق لوازم السفر والمدفوعات والأسلحة للمتطوعين والمقاتلين بمنطقة فاتح بإستانبول، وآخر بمركز زيتون بورنو لتزوير الوثائق والجوازات، وثالث بغازى عنتاب للتجارة بالبشر «أسرى التنظيم»، وتحولت الريحانية بلواء الأسكندرونة لمركز طبى لعلاج الجرحى ونقل المقاتلين والأسلحة عبر الحدود.

                 إستيعاب أردوغان للأبعاد الإستراتيجية لما يجرى بالمنطقة إتسم بالقصور، فقد شارك فى تنفيذ مشروعات التقسيم وإسقاط الحدود، دون أن يدرك ان هذه السياسة تتعارض مع طموحات العثمانيون الجدد، وأنها تقتصر على تفتيت دول المنطقة، بما فيها تركيا.. مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية أدرجت تركيا ضمن مشروع «الشرق الأوسط الكبير» بداية التسعينات، بتأكيدها «تركيا أكبر من أن تبقى دولة خاصة بالأتراك فقط».. برنارد لويس صاحب مشروع تقسيم المنطقة على أسس عرقية طائفية لغوية، ومستشار إدارة بوش طرح تصور للدولة الكردية التي تقتطع جزءًا من تركيا.. خريطة «الشرق الأوسط الجديد» التى تبناها اللفتنانت كولونيل المتقاعد رالف بيترز فى كتابه «لا تترك المعركة» 2006، ونشرت بمجلة القوات المسلحة الأمريكية بعنوان «حدود الدم: كيف يبدو الشرق الأوسط أفضل حالا»، تضمنت منح ثلث أراضى تركيا للأكراد، الخريطة حصلت على موافقة أكاديمية الحرب الأمريكية، وعرضت بالكلية العسكرية للناتو بروما، مما أثار غضب الجيش التركي، وإحتجاج رئيس أركانه لدى رئيس هيئة الأركان اﻷمريكي.. الأطروحات الحديثة لتقسيم المنطقة عبر مراكز الدراسات الاستراتيجية ومنابر الصحافة الدولية إتفقت على أن تركيا إذا إستعصت على التقسيم سيتم دفعها لمصير الدول الفاشلة، وإقتطاع إقليم كردستان منها، وإردوغان إتهم أمريكا بأنها «تريد أن تجعل من مدينة ديار بكر لؤلؤة مشروع الشرق الأوسط الكبير» بضمها لدولة كردية فيدرالية.

                 بعد أيام قليلة من فشل محاولة الانقلاب، وصفت الـ«نيويورك تايمز» مؤيدى أردوغان بـ«الخراف الذين سيفعلون كُلّ ما يقوله لهم»، وموقع ويكيليكس أعلن إنه سينشر مئات الألوف من الوثائق والرسائل الإلكترونية لفضح نظامه!!، فتعرض لقرصنة إستهدفت تعطيله، وعندما نجح فى مواجهتها، حجبته الحكومة التركية، بعد أن فضحت باكورة وثائقه مقايضة أردوغان لسوريا بمنح الإخوان حصة فى الحكم، مقابل مساعدته فى القضاء على المعارضة المسلحة، وللبرزانى والعبادى بوقف تقدم «داعش»، مقابل دعمه ضد حزب العمال الكردى، وهو ماإستجاب له الأكراد فانتصروا وحرروا كامل أراضيهم.. أمريكا التى ساعدت فى إحباط إنقلاب الجيش، سربت الوثائق، ضمن خطة تستهدف إضعاف النظام!!، فسواء كان قادة الإنقلاب من القوميين أو أنصار جول، فهى تفضل التعامل مع نظام تعرفه، عن المخاطرة بنظام عسكرى قد يعترض مخططاتها.. بأخطاء أردوغان، وحصار حلفاؤة الذين نفذ صبرهم عليه، دخلت تركيا مرحلة النكوص.. ملامحها: الإستقطاب والإنقسام المجتمعى، تفكيك الجيش، إنتشار الميليشيات، إحتضان عناصر التنظيمات التكفيرية المنسحبة من سوريا والعراق تحت الضغط العسكرى، لدعم النظام، إختلال أمنى يتزامن مع إعلان دولة كردية، تقلص الطفرة الإقتصادية، وتراجع الدور الإقليمى خاصة بالخليج والمشرق، ومحاولة تعويضه بتصدير الفوضى والإرهاب… تركيا تدخل نفق الإخوان المظلم، لتعود «الرجل المريض» من جديد.. كتبت ثلاثة مقالات عن تركيا فى أقل من شهر، لأنها فى أشرس حالاتها، مما يفرض الحذر.. فهل نحن منتبهون!!.

 
تعليق واحد

Posted by في 2016/07/31 بوصة غير مصنف

 

«الإنقلاب التركى».. الخفايا والتداعيات

turkeyune7_210165640

نشرت جريدتنا الغراء «الوطن» مقالى «الانقلاب التركى وتغيُّرات الإقليم» الجمعة 8 يوليو الجارى، قبل المحاولة بأسبوع.. إختيارى للفظ «الإنقلاب» جاء تعبيراً عن قراءتى للمشهد.. السياسة التركية فى عهد أردوغان إنتقلت من «صفر مشاكل» مع الجيران، الى «صفر تعاون»؛ قُطِعَت علاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل وروسيا، توترت مع ايران، إنهارت مع سوريا والعراق ومصر، تخلت عنها أمريكا والناتو بعد إسقاط الطائرة الحربية الروسية، ورفضت خطتها لإنشاء منطقة عازلة بسوريا، إنهارت الهدنة التى سادت لسنوات مع الأكراد، وعادت المواجهات المسلحة، وتبلورت معالم الدولة الكردية على الحدود الجنوبية برعاية دولية، الرهان على التنظيمات المسلحة لإسقاط الأسد أصبح يهدد أمن تركيا بالداخل، وكل ذلك تزامن مع تراجع حاد للوضع الإقتصادى.. «الإنقلاب» الأخير فى سياسة أردوغان الخارجية لم يكن ضمن خطة موضوعة تنفذ على مراحل، لكنه تم بسيناريو متعجل، كرد فعل للضغوط، ورغبة فى الإستباق، وتجنباً لسخط المؤسسة العسكرية، على ماوقع فيه من أخطاء، باتت مخاطرها تهدد الأمن القومى التركى.. أردوغان حاول إسقاط مبررات «الإنقلاب» العسكرى، بآخر «سياسى»، لكن القطار كان قد غادر المحطة!!.

«الإنقلاب» حدث مؤجل، منذ شهور، في مقابلته الشهيرة بعنوان «The Obama Doctrine» بمجلة «The Atlantic»، مارس الماضى وصف أوباما أردوغان بـ«الفاشل المستبد»، بعدها تداول الإعلام الأجنبى أنباء «الإنقلاب»، أبرزها مقال مايكل روبن الباحث الأميركي والمسؤول السابق بالبنتاجون بالـ«نيوزويك»، مما دعا هيئة الأركان التركية لإصدار بيان رسمى ينفيها.. وصف «الإنقلاب» بأنه مسرحية أردوغانية، هزل فى موضع الجد، فالجيش هاجس مقلق لأردوغان، سعى منذ توليه السلطة لتقويض دوره السياسى، متذرعاً بإستيفاء شروط الانضمام للإتّحاد الأوروبي.. قلّص صلاحيّات المحاكم العسكريّة، فوض الحكومة فى القيام بدور أكثر فعالية في تعيين كبار القادة، وتُوَّج ذلك بإستقالة جماعيّة للمجلس العسكرى الأعلى يوليو 2011، تأكيداً للإستسلام للحكم المدنى.. لكن الموازنة العسكريّة مازالت مُحصّنة من الرقابة المدنيّة، ويقوم الجيش منفردا بمهام إدارة قوّاته، رئيس الأركان لايخضع لسلطة وزير الدفاع، وقانون الخدمة العسكريّة الذي إستندت اليه الإنقلابات ما زال ساري المفعول، ويتضمن أنّ «مهمّة القوات المُسلّحة الحفاظ على، وحماية الوطن والجمهوريّة وفقاً للدستور».. أردوغان نجح على مدى الأعوام السابقة فى تطهير الشرطة، والإرتقاء بتدريبها وتسليحها، وفصل الجندرمة «الشرطة الريفيّة»، عن قيادة الجيش وضمّها للداخليّة، وإخترق صفوفها بأنصار حزبه، فتحولت لقوة تأمين للحكم فى مواجهة أى تمرد داخلى.. مما يفسر دورها المحورى فى إحباط «الإنقلاب».

المخابرات التركية رصدت إتصالات قادة «الإنقلاب»، وتحركت على عدة محاور.. الأول: إعداد خطة مواجهتة، وتوظيفه لتبرير عملية التطهير الشامل للمؤسسة العسكرية، والقضاء، والتعليم، والإعلام، من عناصر «الكيان الموازي» الموالى لفتح الله جولن، والشخصيات العلمانية المعارضة للهوية الإسلامية.. الثانى: إختراق قيادة «الإنقلاب».. التركيز على العقيد محرم كوسا المستشار القانوني لرئيس الأركان، بإعتباره المسئول عن التخطيط، رغم صغر رتبته، وتناقض ذلك مع كون الجنرال أكين أوزتورك عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقائد القوات الجوية السابق كان العقل المدبر الفعلى، يرجح أن الأول كان عنصر الإختراق داخل قيادة «الإنقلاب»، بتعاونه، أو بالمتابعة اللصيقة.. الثالث: محاولة الإخلال بخطة التنفيذ، وتلغيمها بالثغرات، سواء بتاثير عنصر الإختراق، أو بإحاطتها بضغوط مفتعلة، تفرض التسرع فى تنفيذها، على نحو يُجبر الجيش المتمرس على الإنقلابات، والمدرك لما ينبغى عمله لإنجاحها، على إخراج نموذج ساخر ومحبط.. أفرج عن أردوغان وسمح له بإستقلال طائرته لمغادرة البلاد!!.. لم يحتجز أى مسئول حكومى، وأفرج عن قائد الأركان بعد ساعتين من إعتقاله، والإدعاء بقتله!!.. إقتحم التليفزيون، دون إخضاعه للسيطرة، ولم يخاطب الشعب لكسب تأييده.. حاصر البرلمان، دون تعطيل صلاحياته، أو عزل قياداته، ماسمح له بإسقاط شرعيتة.. قصف البرلمان والقصر الرئاسى وتجمعات المواطنين وأهداف حيوية، فى مشهد أساء لصورته داخلياً وخارجياً.. حاصر « العدالة والتنمية»، دون السيطرة على كوادره، ولم يعطل شبكات الإتصال بخلاياه، وسمح بتوظيف المساجد فى الدعوة للنفير العام.. إحتلت دباباته أنقرة واستانبول، دون إنتقاء لمواقع تمركزها فعجزت عن السيطرة على الأهداف الحيوية، وشل التحركات المضادة.. ولم تحدد نطاقات أمنية تحيط بمواقعها، ولا قواعد للإشتباك حال التعرض لها، مما يفسر انهيار القوات بمجرد إعتلاء خلايا الحزب لأسطحها.. وأخيراً عجز عن تطبيق حظر التجول، وفشل فى السيطرة على جسور البوسفور.

إسرائيل وأمريكا رصدتا «الإنقلاب» مبكراً، الأولى عاونت المخابرات التركية بمعلوماتها، والثانية قدرت ان المحاولة يمكن إستثمارها للضغط على أردوغان، للتسليم برؤيتها المتعلقة بتسوية الأزمات الراهنة بالمنطقة، خاصة السورية والكردية، شريطة ألا يؤدى نجاحها للإخلال بتوازن المنطقة، أو فشلها لحرب أهلية.. قرار قادة «الانقلاب» بسحب وحدات الجيش التركي من شمال العراق، وإغلاق معبر باب الهوى الحدودي مع سوريا، والمواجهة الصريحة مع داعش، دفع أمريكا -بالتعاون مع إسرائيل- لتأمين طائرة أردوغان بالمقاتلات الأمريكية، حتى وصولها لقاعدة إنجيرليك الجوية، حيث كانت طائرات إسرائيلية قد هبطت، حاملة قوات خاصة لتأمين أردوغان، قبل مغادرته لمطار استانبول، بعد سيطرة انصاره عليه.

بقدر ماكانت مؤسسات الدولة جاهزة للتعامل مع «الإنقلاب»، بقدر ما كانت سرعة تنفيذها لخطة التطهير المستهدفة، القبض على الآلاف من قيادات الجيش والقضاء وفقاً لقوائم، معظمها معد سلفاً، يُنذر باستهداف واسع للقطاعين، إضافة للإعلام والتعليم، ويولد مبررات للثأر، تمس الإستقرار.. أردوغان خرج من الأزمة أكثر شراسة، وقدرة على إجراء التعديلات الدستورية لتحويل النظام السياسى الى نظام رئاسى.. إنفجار الصراع بين إخوان أردوغان وسلفىِّ جول سيعزز الرصيد الشعبى للمعارضة المدنية، خاصة حزب الشعب الجمهورى، لإنحياذها للشرعية، ورفض تأييد «الإنقلاب».. غضب القطاع المدنى من تعامل الشرطة والحزب مع الجيش سيصب لصالح المعارضة.. الإتجاه نحو التهدئة مع الجيران سيستمر، وقد يمتد للمصالحة مع مصر، خاصة وأن نتائج تجريد المؤسسة العسكرية من مقومات هيبتها ومعنوياتها، سينعكس بنتائج سلبية وملموسة على دورها الإقليمى المباشر، وهو ماقد تعوضه بالمزيد من النشاط الحزبى، وأنشطة المخابرات، ودعم التنظيمات المحلية الدينية والمتطرفة.. تصفية المعارضين، والإتجاه لإعادة عقوبة الإعدام، وتقييد الحريات، سيؤدى لتدهور علاقات تركيا بالإتحاد الأوروبى.. إتجاه المنطقة نحو الإستقطاب بين محور «أنقرة تل أبيب الرياض»، فى مواجه محور «طهران دمشق بغداد»، يفرض تعزيز مصر لعلاقاتها الإستراتيجية بروسيا والسعودية وفرنسا، للحفاظ على دورها المستقل، وتاثيرها الإقليمى، وأداء دور رمانة الميزان، فى منطقة تدخل مرحلة إعادة التشكيل.. فهل إستعددنا لذلك؟!.

 
تعليق واحد

Posted by في 2016/07/23 بوصة غير مصنف

 

تدويل الحج.. ونزاعات الحدود.. ومؤامرة تفتيت المملكة

تقسيم السعودية

موسم الحج المقبل إستبقته واقعتين.. الأولى: إعلان ايران أن حجاجها «سيحرمون من الحج بسبب عراقيل السعودية»، بعد رفض بعثتها التوقيع على مذكرة تفاهم إقترحتها وزارة الحج السعودية بشأن مسؤوليات وإجراءات الحج، يسرت فيها إصدار تأشيرات إلكترونية من داخل إيران، ورعاية مصالح حجاجها عبر تمثيل دبلوماسي بالسفارة السويسرية، الا انها رفضت إعطاء الحجاج حق التظاهر، أو أية مزايا خارج التنظيم العادي، تجنباً للفوضى.. الثانية: تزامن تفجيرات داعش قرب قبر الرسول بالمدينة، والقنصلية الأمريكية بجدة، ومسجد القطيف 4 يوليو الجارى.. سيناريو متشابه يتكرر كل عام، لتبرير دعوة إيران لتدويل «مكة المكرمة والمدينة المنورة»، بحجة عجز السعودية عن توفير ضمانات تأمين أداء الفريضة الخامسة للمسلمين، التى إشترط الخمينى لصحتها أن يعلن الحجاج «البراءة من المشركين»، ماحولها لفريضة سياسية.. الدعوة لـ«تدويل الحج» عبَّر عنها د.محمد مهدي صادقي 1979: «وبعدما قمنا بالثورة، وثبتنا أقدامنا، ينتقل المجاهدون للقدس ومكة المكرمة، حرم الله الآمن، الذى تحتله شرذمة أشد من اليهود»!!.. وأصَّلها محمد جواد لاريجاني بنظرية «أم القرى».. ولخصها حسين الخرسانى فى كتابه «الإسلام على ضوء التشيع»: «كل شيعي على وجه الأرض يتمنى فتح وتحرير مكة والمدينة وإزالة الحكم الوهابي النجس عنهما».

بعثة الحج الإيرانية يقودها عادة عناصر الحرس الثوري وحزب الله الشيعي.. رفعت صور الخمينى موسم 1980.. حاولت دخول المسجد الحرام بالأسلحة 1982.. ضبط لديها منشورات دعائية و150 كجم من مادتى C4 و RDX شديدتى الانفجار 1986.. قطعت الطرق وإحرقت السيارات وعرقلت مناسك الحجيج، وخاضت مواجهات بمكة قُتل فيها نحو 400 شخص بينهم 85 من رجال الأمن 1987.. قُطِعَت العلاقات، وغاب الحجاج الإيرانيون حتى 1991.. السفير الإيراني بالكويت محمد غلوم تورط فى تنفيذ انفجارين قرب المسجد الحرام 1989.. قُتِل 1400 حاج وجُرِح الآلاف بغازات أطلقتها عناصر حزب الله فى نفق المعيصم 1990.. سقط المئات وأصيب العشرات أثناء رمي الجمرات 2005.. وخسائر تدافع منى قاربت 800 حاج بينهم 136 ايرانيا، بخلاف المفقودين سبتمبر 2015.

المشاركة الدولية فى إدارة الحج تتيح معلومات قد تمكن البعض من إستهداف قيادات سياسية أو معارضة، وتنفيذ أعمال إرهابية إستناداً لشيوع المسئولية، رغم ذلك تبناها القذافى إبان صراعه مع السعودية، ولوح بها محمد شاهين نائب حزب العدالة والتنمية الحاكم بتركيا، ورئيس مجلس النواب السابق، ومحمد جورماز رئيس الشؤون الدينية التركية، وأيدها الجعفرى رئيس وزراء العراق الأسبق، وجماعة علماء الشيعة، وحزب الله، والحوثيين باليمن، ودعمها الإخوان بإتهامهم للسعودية بالتقصير والإهمال.

***

فى الوقت الذى تتعرض فيه السعودية لحملة تستهدف سيادتها، على الأراضى المقدسة، تُجَمِّد المنح والإستثمارات لمصر، وسفيرها بالدوحة يدعو القرضاوى، ضيفاً فى احتفالات العيد الوطنى، ثم ليعتمر كـ«ضيفٍ لخادم الحرمين»، ويُستقبل رسمياً بقصر الصفا بمكة!!، مؤشرات توحى بإستخدام الإخوان كورقة ضغط، فى النزاع على تيران وصنافير.. عدد من كتاب ومحللى المملكة بدأوا حملة، لاتبدو عشوائية.. ياسر الزعاترة: «حكم الإدارية بمصرية الجزر، ليس عفوياً، وانما رسالة يوجهها النظام!!»، خالد العلكمى: «الحكم حلقة جديدة في مسلسل ابتزاز طويل، والحلقة القادمة ورقة التقارب مع إيران»، متجاهلين رفض مصر وساطة روسية للمصالحة مع إيران، لأنها ستُغير من توازنات القوى فى الأزمتين السورية واليمنية، وتُحدِث تغييراً فى المعادلات السياسية بالمنطقة.. الخلافات المصرية السعودية لم يعد مجدياً إنكارها.. سلمان أرجأ زيارة القاهرة لحين إنهاء ملف الحدود، لم يحضر قمة شرم الإقتصادية، غادر القمة العربية مبكراً، وأجل التوقيع على إنشاء القوة العربية المشتركة، الرياض تلقت بعدم إرتياح إستقبال القاهرة وفود سياسية يمنية تنتمى لتحالف صالح/الحوثى، ومنع المعارضة السورية من حضور القمة العربية، وتأييد الغارات الروسية ضد داعش، ورفض الإطاحة بالنظام السورى، رغم أن حليفتها تركيا تتراجع عن تمسكها بشرط الإطاحة بالأسد بعد مصالحتها مع روسيا، وتسعى لتخفيف حدة التوتر مع مصر، ماقد يفرض العزلة على الدور السعودى بالمنطقة.

قيام الدولة السعودية على انقاض دول وكيانات سياسية، جعل استراتيجيتها ترتكز على مبادىء التوسع والضم والتوحيد، ثم فرض الأمر الواقع، وهو ماتحاول ان تطبقه على جزيرتى تيران وصنافير اللتين لم تطأهما قدم سعودية، منذ إعتبرتهما –خلافاً للخرائط البريطانية المتعلقة بإتفاق 1906- إمتداداً لساحل الحجاز الذى ضمته بعد هزيمة الشريف حسين.. لم تتحسب المملكة لتبعات نزاعات الحدود المتعددة على مستقبل علاقاتها مع دول المنطقة؛ إستثمرت إنتصار على عبدالله صالح على الحوثيين، بدعمها العسكرى والإقتصادى، لضم مناطق عسير وجيزان ونجران المتنازع عليهما، بمقتضى اتفاقيات «جدة 2000» للتعاون الإقتصادى والإستثمار وترسيم الحدود!!، لكن إختراقات الحوثيين المتعددة للحدود، قبل وبعد «عاصفة الحزم»، مقدمة لإعادة فتح الملف.. صدامات حدودية وقعت بين السعودية وقطر 92/1994، حول موقع «الخفوس» الذى يربط قطر بالإمارات برياً، ثم بين السعودية والإمارات 2010، بعد تراجع الأخيرة عن اتفاق 1974، بتنازل المملكة عن واحة البريمى للإمارات، مقابل القطاع الساحلى شرق العديد، المتنازع عليه مع قطر، وإدراج الإمارات خور العديد ضمن مياهها الإقليمية فى كتابها السنوى 2006، وعلى بطاقات الهوية، مادفع السعودية لمنع دخول حامليها 2009.. المخاوف القطرية من نتائج إنشاء مجلس التنسيق السعودى الإماراتى منتصف يونيو الماضى، دفعها لإستعجال تنفيذ تركيا للقاعدة العسكرية على أراضيها، وإعتزامها تشكيل مجلس تنسيق مع إيران، ضمن تعاون عسكرى واسع.

***

تدويل الحرمين، وصعود الحوثيين، جزء من مخطط لتقسيم المملكة، نشرته مجلة القوات المسلحة الأمريكية 2006 بعنوان «حدود الدم»، أعده رالف بيترز ضابط المخابرات الأمريكى المتقاعد، وأعادته النيويورك تايمز 2014، إيران تتولى تنفيذه بأذرعتها المختلفة، خاصة داعش وفروع القاعدة، اللذين تأسسا على أنقاض الأنظمة المناوئة للسعودية، بالعراق وسوريا وليبيا، وبقايا جيوشهم التى فككتها أمريكا وبريطانيا، وبإنحسار الأراضى التابعة لهما بدأت عملية إعادة تموضع بالمنطقة، تحظى فيها المملكة بنصيب وافر من خلاياهم.. حادثى الرافعة وتدافع منى 2015 إستهدفا الأمير محمد بن نايف ولي العهد، بصفته رئيساً للجنة الحج العليا، وتفجيرات داعش الأخيرة إستهدفته كوزير للداخلية، أمريكا تشجع ولاية الأمير محمد لحكم المملكة، تطلعاً لإستثمار ماقد يؤدى اليه من تداعيات سلبية على تماسك الأسرة الحاكمة، وحالة الإستقرار، لتوجيه الأوضاع السياسية بالبلاد على النحو الذى يعيد السعودية للحظيرة الأمريكية، ويسمح بتفكيكها.. فهل يُراجع الحليف السعودى سياساته فى ضوء مايحيط به من مخاطر، ومايحاك له من مؤامرات؟!.

 
تعليق واحد

Posted by في 2016/07/18 بوصة غير مصنف

 

الانقلاب التركى وتغيُّرات الإقليم

FB_IMG_1467109652529-590x443

الإجراءات العقابية التى فرضتها روسيا على تركيا بعد إسقاط طائرتها 24 نوفمبر 2015، أحدثت آثاراً عكسية، حتى وصفها ديمتري مدفيدف رئيس الوزراء بأنها «ليست عقوبات بقدر ماهى رد فعل دفاعى».. وقف الواردات الزراعية إضطر المواطنون لشراء الخضر والفواكه بـ«الحبة» نتيجة لنقصها وإرتفاع أسعارها.. فرض تاشيرة دخول، وتقييد قواعد إقامة الأتراك، وحظر نشاط شركاتهم، أثر بالسلب على معدلات تنفيذ المشاريع الإنشائية المرتبطة بكأس العالم 2018 والتى تضطلع الشركات التركية بدور رئيسى فيها.. منع السياحة لتركيا لم يوقف إستنزاف العملات الصعبة، لأن السائحون الروس إتجهوا لليونان وقبرص، وتجاهلوا دعوة الدولة للسياحة الداخلية.. إلغاء نسبة التخفيض «10.25%» التى تمنحها روسيا للشركات التركية المستوردة للغاز، دفعها لزيادة الإعتماد على نفط إيران وكردستان العراق.. التوقف عن إستكمال بناء روسيا لمحطة الطاقة النووية فى تركيا، يترتب علية خسارة إستثمارات بالمشروع تتجاوز مليار دولار، ويحملها شروط جزائية تصل لـ15 مليار.. تعليق مشروع السيل التركى لتوصيل الغاز الروسى لليونان وأوروبا عبر الحدود التركية، تزامن مع التنسيق بين اسرائيل وقبرص واليونان لتصدير غاز المتوسط لأوروبا عبر الأخيرة، ومباحثات التطبيع بين تركيا وإسرائيل تضمنت تصدير الغاز لتركيا، مايعنى فى النهاية خسارة روسيا لأسواقها الرئيسية فى اوروبا.. كل الحسابات الإستراتيجية الهادئة أكدت خطأ مقاطعة تركيا التى تربطها بروسيا علاقات تجارية تتجاوز 30 مليار دولار سنويا، وهى عضو الناتو الوحيد الذى رفض الإنضمام للعقوبات الغربية بسبب المشكلة الأوكرانية، رغم جهود الحلف لإستكمال حصارها بمحاولاته لضم فنلندا وأوكرانيا وجورجيا.

من ناحية أخرى فإن الحسابات التركية باءت بالفشل؛ خاطرت بعلاقاتها الإستراتيجية مع روسيا، وراهنت على إسقاط الطائرة الروسية لفرض واقع جديد لتوازن القوى، وتوريط أمريكا والناتو فى دعمها، ماقد يسمح لها بتنفيذ المنطقة العازلة، ولعب دور رئيسى فى التسوية، لكن ماحدث أن كل أوراق الأزمة آلت لروسيا وأمريكا، وإستبعدوها، وحُرِمَت من طلعات الإستطلاع المعتادة فى المجال الجوى السورى، وفُضِحَت علاقات التعاون بينها وبين التنظيمات الإرهابية، وأخدت ملامح الدولة الكردية تتشكل بقوة على حدودها الجنوبية، وتعرضت لعمليات إرهابية ضخمة فى استانبول وأنقرة، تتعدد فيها الجهات المحتمل تورطها، بما فى ذلك المخابرات الروسية.. راهنت على دخول الإتحاد الأوربي مكافأه لما قدمته للغرب من خدمات، لكنها فوجئت بخروج بريطانيا، وبروز ملامح تفكك الإتحاد.. وقمة شنغهاى، أكبر تكتل إقتصادى عالمى لإعادة تشكيل موازين القوى منعتها من الحضور، وقُبِلَت عضوية إيران، وضمت مصر كمراقب.

الطرفان حرصا على تجنب تصعيد الأزمة؛ أردوغان ظل يحاول الإتصال ببوتين للإعتذار، وروسيا شجعت لقاءات الملحق العسكري الروسي بأنقرة مع قيادات الطيران التركى التى أسفرت عن فتح خط أحمر لإتصالات الطوارىء بين القادة العسكريين بالدولتين، وتعديل قواعد الإشتباك فوق سوريا، بسحب تفويض إطلاق النار من الطيار، ومنحه لقائد القوات الجوية، كما إستثنت بعض المنتجات الزراعية وشركات المقاولات التركية من القيود، وأعادت العمل بإتفاقية «الأجواء المفتوحة» وسمحت للطائرات التركية بإستئناف طلعاتها فوق الأراضي الروسية.. ماريا زاهاروفا الناطقة الرسمية للخارجية الروسية زارت تركيا أواخر مارس وأكدت «الأزمة مؤقتة»، ولجنة عسكرية روسية، زارت مدرسة مشاة البحرية التركية.. روسيا رفعت الحظر على سفر سائحيها لتركيا، وتركيا تبحث إغلاق حدودها أمام الإرهابيين، وومنح روسيا تسهيلات بقاعدة انجيرليك، تستخدمها ضد داعش، رفع الحظر تزامن مع الهجمات الإرهابية على مطار اتاتورك الدولى، ليعكس تغليب الإعتبارات السياسية على المخاوف الأمنية، خلافاً للتشدد مع مصر.. تصالح المصالح يفرض نفسه، وعلينا أن نستوعب الدروس.

***

تركيا –تحت حكم العدالة والتنمية- تصدرت محاولات أسطول الحرية رفع الحصار الإسرائيلى عن غزة، تحت حكم حماس، فرع الإخوان، وإنتهت بالصدام العسكرى مايو 2010، بعدها بشهرين التقى وزير الخارجية التركي بوزير الصناعة الإسرائيلي لبحث آليات إحتواء الأزمة، إلا أن عواصف الربيع العربى 2011، دفعت تركيا للتصعيد، لتشكيل واجهة سياسية، تسمح بتوظيف صعود تيار الإسلام السياسى بالمنطقة، فى إستعادة وضعها القيادى، كمركز للخلافة، وبديلاً للمشروعات التى تطرحها الجماعات التكفيرية، مما يفسر عدم إتمام المصالحة السياسية، رغم إعتذار نتنياهو لأردوغان بحضور أوباما مارس 2013، وإستمرار العلاقات الإستراتيجية «إلتقاء هاكان فيدان رئيس المخابرات التركية بنظيره الإسرائيلي تايمر باردو بالقاهرة خلال زيارة أردوغان سبتمبر 2011، اعتذار أردوغان عن تصريحه بأن “الصهيونية لا تختلف عن النازية”، شراء تركيا طائرات أواكس بـ100 مليون دولار لتطوير دفاعها الجوى من شركة ألتا الإسرائيلية، موافقة تركيا على استفادة إسرائيل من المعلومات الأمنية الناتجة عن نشاط “الناتو” بأراضيها، زيادة التبادل التجارى من مليار و800 مليون دولار 2011، الى 5.5 مليار 2015».

التدخل الروسى فى سوريا سبتمبر 2015 هدد مصالح الطرفين، أضعف الدور الإقليمى لتركيا، ورجح كفة النظام السورى بالتعاون مع إيران وحزب الله فى مواجهة التنظيمات الإرهابية، وحرك ورقة الأكراد، حتى باتت تركيا تعد لخوض معركة حاسمة مع حزب العمال الكردستانى فى الداخل، وطموح حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السورى في إقامة دولة كردية تمتد من حدود العراق للبحر المتوسط شمال سورية.. ومع أفول نجم الربيع العربى، وضياع حلم الخلافة، إتجهت تركيا لتطبيع علاقاتها بإسرائيل، للإستفادة من متابعتها لمختلف التنظيمات الكردية، وقطع الطريق أمام اليونان التى تحاول القفز على دورها التقليدى كمعبر للغاز الإسرائيلى لأوروبا.. إتفاق التطبيع فى 10 يونيو بروما تضمن تنازلات تركية عديدة أبرزها أن إعتذار إسرائيل جاء شفهياً وليس مكتوباً، خلا من شرط رفع الحصار عن غزة، إلغى إجراءات التقاضى أمام المحاكم التركية ضد الجنرالات الإسرائيليين المتورطين فى الإعتداء، وأسقط مطلب محاكمتهم دولياً.

■ ■ ■

التطبيع التركى مع روسيا وإسرائيل تم بالتوازى، زمنياً وسياسياً، وتزامن مع تطور استراتيجى مماثل فى العلاقات الروسية الإسرائيلية، تضمن التعاون لتطوير حقول غاز شرق المتوسط، وإجراء مناورات بحرية وجوية مشتركة لتأمينها!!.. الانقلاب التركى لم يقتصر على روسيا وإسرائيل، إنما امتد لمحاولة إيجاد منطقة نفوذ تركى بالجزيرة العربية والخليج، من خلال اتفاق «مجلس التنسيق التركى – السعودى» أبريل الماضى، والشروع فى بناء قاعدة عسكرية تركية ضخمة فى قطر، ووضع آلية تنسيق منتظم مع دول مجلس التعاون.. تغيُّرات استراتيجية بالغة الحدة، تجرى من حولنا، تدفعنا للبحث والتأمل، عن كيفية تعزيز الثقل السياسى المصرى، ضمن دائرة اهتمام روسيا من ناحية، والسعودية ودول الخليج من ناحية أخرى، فمؤشرات تآكله تبدو مقلقة، وتستحق الاهتمام.

 
تعليق واحد

Posted by في 2016/07/10 بوصة غير مصنف

 

حول «تيران وصنافير» وكسر دائرة الأزمة

127

عقب نشر مقالى الأسبوعى («تيران وصنافير» وكسر دائرة الأزمة) الجمعة الماضية، إستقبلت اتصال طويل من الدكتور مفيد شهاب، عاتباً على ماورد به من تلميح «والثالث كان مؤمناً بمصرية الجزيرتين كأستاذ جامعى مشرف على رسالة علمية، ثم روج لسعوديتهم بعد الإتفاق»، وأكد خلال الإتصال على ثلاثة حقائق رئيسية.. الأولى أن ما ورد بالرسالة العلمية المشار اليها يتعلق بأن مياه مضيق تيران مياه داخلية مصرية، لكنها لاتتعلق بتأكيد مصرية الجزيرة نفسها!، الثانية أنه حتى لو تضمنت الرسالة ذلك فمن حق الباحث أن يختلف مع أستاذه المشرف، علما بأن رئيس طاقم الإشراف على البحث آنذاك كان أستاذنا الدكتور حامد سلطان، رحمه الله، الثالث أنه إشترك -ضمن لجنة شكلها الدكتور عصمت عبد المجيد إبان توليه للخارجية- فى بحث وضعية الجزر، وانها انتهت لسعوديتهم.

إتصال الرجل كان ودوداً، وحقه فى الرد لايمكن الجدال فيه، إلا ان هناك عدة نقاط فرضت نفسها:

  1. أن كون مياه خليج تيران داخلية يعنى وقوعه داخل أراض مصرية، مايجزم بمصرية الجزر، أما إفتراض سعوديتهما فهو يعنى إطلال دولتين على ممر تيران، مما يكسبه الطابع الدولى، ورغم ذلك، أؤكد على اننى قد حرصت منذ مقالى الأول عن الجزر (أزمة تيران وصنافير.. وكعب «أخيلوس») المنشور فى 22 ابريل الماضى، على تجنب أى خوض فى مستنقع البحث عن ملكية الجزيرتين، ولا جنسيتهما، فتلك ليست مهمتى، ولا هذا موضعه، ومازلت متمسكاً بأن تناولى ينصب على سوء إدارة الأزمة المتعلقة بهم، وماترتب عليها من نتائج.
  2. لم ولن أسمح لنفسى بالمساس بقامة وطنية شاركت بدور تاريخى فى قضية طابا، مايحفظ له كل التقدير والعرفان، وقد إستندت لماورد فى البلاغ رقم 6769 لسنة 2016 عرائض النائب العام، وأمر سيادته بالتحقيق بشأن نشر وترويج أخبار وشائعات كاذبة تتعلق بأن جزيرتي “تيران” و”صنافير” المصريتان تابعتين للسعودية، مما يتناقض مع إشرافه على رسالة دكتوراة تؤكد مصرية تيران في وقت سابق.. حرصت، ولاأزال، على تجنب ذكر الرجل بالإسم، لأن التحقيق لم يبدأ، لتأكيد صحة الإدعاء الوارد بالدعوة من عدمه.
  3. سوء إدارة الأزمة مكن الإخوان والقوى المعارضة، من قضية وطنية ماكانوا يحلمون الإمساك بها، لأنها جمعت حولهم تعاطفاً واسعاً، وخلقت حالة من البلبلة والتشكيك، لا تحتملها الظروف الراهنة.
  4. أكد الرجل أن مقاطعته للإعلام منذ خمس سنوات منعته من الرد على التناول الإعلامى لتلك المسألة، وهنا أكدت على أهمية تأصيل وجهة نظره العلمية لتكون جاهزة للعرض بمستنداتها عندما تصبح الظروف ملائمة للنقاش الموضوعى، حيث أن عملية الشحن الراهنة المتعلقة بالأزمة لن تسمح -فى تقديرى- بتقبل مايخالف حكم المحكمة الإدارية بشأن مصرية الجزيرتين، سواء كان منطق يتم طرحه، أو حكم للإدارية العليا، أو حتى قرار من مجلس النواب، مايفرض تجميد القضية لحين تغير المناخ المصاحب لها.

لاشك ان إحتواء أزمة تيران وصنافير قد تترتب عليه بعض الخسائر، لكن خسائر اليوم أقل من إرجاء المعالجة للغد، اليوم نستطيع –على الأقل- إحتواء إنعكاسات الأزمة على أسس العلاقة الإستراتيجية مع المملكة، حتى لو ذهبنا سوياً للتحكيم الدولى، بالإتفاق، وهو ماقد لانستطيعه فى مرحلة لاحقة.

 
تعليق واحد

Posted by في 2016/07/05 بوصة غير مصنف

 

«تيران وصنافير» وكسر دائرة الأزمة

الأطالس السعودية

الأزمة أكبر آلاف المرات مما قدرتها الحكومة، لأنها تتعلق بقضية بالغة الحساسية، غير مسبوقة فى التاريخ الوطنى، أدت الى حالة من الإنقسام الوطنى.. الرأى العام انقسم حول إتفاق الجزر، نتيجة لإنقسام النخبة، البعض مؤيد لسعوديتهم، ويتهم المعارضين بترويج إشاعات كاذبة، وإثارة التشكيك والبلبلة، البعض الآخر عارض فى البداية، وسرعان ماتراجع مؤيداً، مما أثار الدهشة، وطرح التساؤلات، والثالث كان مؤمناً بمصريتهم كأستاذ جامعى مشرف على رسالة علمية، ثم روج لسعوديتهم بعد الإتفاق!!، والرابع أمسك بمنتصف العصاة «الجزر مصرية بالخرائط القديمة، سعودية فى الحديثة»!!.. بعد حكم «الإدارية» تبدلت الأدوار، وحاقت نفس الإتهامات بمطلقيها الأول، وإذا مانقضت «العليا» الحكم ستنقلب الأدوار من جديد!!.. الإشكالية ان معظم مؤيدى الإتفاق لاينطلقون من إعتبارات التاريخ والجغرافيا، لكنهم يستندون للثقة فى القيادة السياسية، وخطورة ذلك ان تفاقم الأزمة وتداعياتها قد ينعكس فى النهاية على القيادة نفسها، لا على حكومة ورطتنا جميعاً.

الإنقسام إمتد للبرلمان، العجاتى أوقف إجراءات عرض الإتفاق عليه، لحين صدور حكم «الإدارية العليا»، لكن وهدان وكيل المجلس أكد أن خطوات عرض الإتفاق، ستأخذ مراحلها الطبيعية، ولن تتأثر بالحكم!!، بينما حذر علاء عبدالمنعم من أن الحكم يمنع مناقشة الإتفاق، حتى تقضى «العليا» بحكم نهائى.. خبراء مجلس الدولة والقانون الدستورى إنقسموا بدورهم؛ حامد الجمل رأى عدم جواز نظر القضية لتعلقها بالسيادة، طارق البشري رفض لأنها «تتضمن تنازلاً عن السيادة على جزء من أراضى الدولة، مما لايمكن إعتباره من أعمال السيادة»، بعض الخبراء يتفقون على أن الإتفاق لا وجود له قبل موافقة «النواب»، وتصديق الرئيس، ومن ثم لايجوز قبول الطعن على اتفاق لاوجود له، رأفت فودة أكد جوازه، لأن الإتفاق لايصبح من أعمال السيادة الا عندما يرفع لـ«النواب»، لكن نور فرحات رأى أن المادة (97) من الدستور أسقطت نظرية أعمال السيادة بنص صريح «ويحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء».. أى مصيبة أوقعنا فيها هذا الإتفاق؟!.

السعودية تستخدم أدواتها لتحقيق أهدافها الوطنية؛ مجلسى الوزراء والشورى وافقا على الإتفاقية.. بعد حكم «الإدارية» بدأت الضغوط.. الوديعة التى وعد بها سلمان تم إرجائها لحين التصديق على الإتفاق، لتضيف مبرراً لمن تطاولوا واتهموا الحكومة ببيع الجزر.. مواقع التواصل اشتعلت بتعليقات السعوديين الرافضين للحكم.. والكاتب طراد العمري طالب مصر برد 33 مليار دولار، تمثل حصة الجزر من رسوم عبور السفن لمضيق تيران، والمعونات الأمريكية المقدمة لمصر منذ 1978، وعائدات الجمارك منذ 1950، كل ذلك دون رد فعل رسمى من المملكة، عبدالله العسكر عضو الشورى أكد أن «الحكم شأن مصرى ولا يكتسب قوة سياسية إلا بعد أخذ الحكومة به»، وأنور عشقى مدير «مركز الشرق الأوسط للدراسات» قال أن «المملكة لن تلجأ للقضاء الدولى إلا إذا قررت الحكومة المصرية إلغاء الإتفاق».

اللجوء للتحكيم لايُقلِق، إلا لو إستمر إنحياذ الحكومة للسعودية، ضد نفسها!!.. أما المصريون الذين كان معظمهم لايعرف إسم الجزر وموقعها، فقد تحولوا بعد الأزمة الى باحثين، بالداخل والخارج، عن دلائل مصريتهم.. «تيران» أسماها الفراعنة «تارا».. «تا» وتعنى أرض، و«را» يعنى الشمس، وتطور الإسم لـ«تيران» نتيجة وجود مرابط لثيران الجنود المصريون المرابطون لتأمين المسافرين لبيت الله الحرام، ضد هجمات عرب الترابين.. رصدوا مئات الخرائط التى رسمها مهندسو حملة نابليون، وتلك المنتشرة بمكتبات برلين، والكونجرس وجامعة ستانفورد الأمريكيتين، والخرائط البريطانية المصاحبة لإتفاقية 1906 وماتلاها، والخرائط الروسية، وتؤكد وقوع الجزيرتين داخل الحدود المصرية، بل والخريطة الرسمية للمملكة الممهورة بتوقيع الملك عبدالله والصادرة بقرار وزارى عام 2010، وكذا أطلس خرائط السعودية، و«الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي» التى نشرتها جامعة الإمام محمد بن سعود بمناسبة مرور مائة عام علي تأسيس السعودية، وجميعها يثبت تبعية الجزر للسيادة المصرية، فضلاً عن خرائط مركز فض المنازعات البحرية والدولية التابع للأمم المتحدة، وعشرات الكتب؛ وأهمها «تاريخ سينا القديم والحديث وجغرافيتها» لنعوم شقير، والعديد من المراجع العلمية، بعضها لباحثين سعوديين، ناهيك عن 23 وثيقة ومستند رسمى تناولتها «الإدارية» فى حيثيات حكمها، بخلاف أعمال السيادة التى مارستها الدولة المصرية بالجزيرتين دون منازع، فى السلم، والحرب.

فى المقابل، فإن المبررات التى قدمتها الحكومة لسعودية الجزر تتسم بالهشاشة، لأنها إعتمدت على مراسلات أحادية الإتجاه، وأغفلت أن اتفاق رودس بين العرب وإسرائيل 1949، وضع الجزيرتين ومضيق تيران تحت السيطرة المصرية، قبل ماتدعيه من مراسلات شفهية بين سعود وفاروق بشأنهما1950.. الخارجية المصرية أصدرت بياناً حاول تبرير تبعية الجزر للسعودية، لكنه أكد حق مصر، عندما ورد به أن «عدم ممارسة المملكة لمظاهر السيادة على الجزيرتين قبل 1950 نتيجة عدم تواجدها الفعلى فيهما، وكذا عدم ممارسة هذه المظاهر بعد هذا التاريخ نتيجة احتلال مصر لهما، لكن هذا لا ينفى تبعيتهما للسعودية»!!.. لم تتواجد بالجزر قبل 1950، ولا بعدها، إذن، فما مبرر تبعيتهم لها؟!.

سوء إدارة الأزمة جمَّع القوى المعارضة للنظام حول قضية محورية مثيرة للإهتمام الشعبى، ودفع بالحكومة لمأزقٍ بالغ الحرج، بدفاعها المستميت عن حق الغير فى أراضٍ أقل ماتوصف به، أنها موضع مراجعة، يفترض خلالها إنحياذها للوطن، المكلفة بإدارته.. وزير الثقافة، قام برعاية ملتقى المجلس الأعلى للثقافة والجمعية الجغرافية للترويج لسعودية الجزر، والبهاليل تسابقوا لتأليف الكتب، وتحرير المقالات، طمعاً فى العطايا.. تيران ياسادة على مرمى حجر من سيناء،  أيلولتها لدولة أخرى، لاقدر الله، أياً كانت المبررات، مدعاة لحزن وطنى عميق، لاتسابق مخزٍ على تسليمها للغير.. محاولات تمرير الإتفاق، والرهان على الوقت يساعدان المعارضة على تغذية التأجج، وفتح مجالات جديدة لأزمة وطنية لاحت بوادرها.. أى حكم لـ«العليا» مخالف لحكم الـ«إدارية» سيخضع للتشكيك، لنفس الأسباب التى إستند إليها طلب رد «العليا»، وأهمها الصلة العضوية بين العجاتى ومجلس الدولة، وتحميل تصريحاته شُبهة التدخل فى أعمال المحكمة.. قرار «النواب» سيتعرض أيضاً للتشكيك، بعد إبتلاع طعم إختصام المدعين فى القضية لرئيس المجلس، وتضامن الأخير مع الطاعنين على حكم «الإدارية»، فهل يُنتظر من البرلمان الإقرار بمصرية الجزر بعد توريط رئيسه فى هذا الطعن؟!.. نطاق القضية يتسع كل يوم، من المعارضة، للرأى العام، للإعلام، للقضاء، وغداً لـ«النواب»، وبعد غدٍ للدستورية.. دائرة جهنمية قد يمكن كسرها، بإعفاء حكومة الأزمة، وتكليف إدارة كفؤة لمعالجة ماصنعته من أزمات.. الفرصة سانحة، وقد نبكى ضياعها!.

 
2 تعليقان

Posted by في 2016/07/05 بوصة غير مصنف