عندما تولى أبى بكر البغدادى زعامة «داعش» خلفاً لعمر البغدادى مايو2010، أجرى تعديلات هامة فى التنظيم؛ قصر كافة المناصب القيادية على العراقيين، وتوسع فى الإستعانة بقدامى الضباط البعثيين لخبراتهم العسكرية والأمنية، حتى سيطروا عليه، ونجحوا فى تشكيل تحالف قوى ضد المالكى ضم خلايا ‘‘حزب البعث’’ وضباط ‘‘جيش صدام’’ وأبناء العشائر، إضافة الى «داعش»، ولم يتعارض ذلك مع نشأة البغدادى، الذى تخرج من الجامعة الإسلامية، وعين استاذاً بها إبان حكم صدام، حيث كانت التعيينات تخضع لموافقات أمنية مدققة، ممايؤكد عدم ممارسته لأية أنشطة مضادة، الابعد الغزو الأمريكى.
ولأن فلول صدام وبقايا البعث مرفوضين بالمنطقة، أسند التحالف السنى لـ«داعش» مهمة الإدارة السياسية للصراع.. نجاحها مثير للدهشة، وتلاعبها بكافة الأطراف يدعو للشفقة.
حُسن العلاقة مع تركيا يضمن تحقيق «داعش» لأهدافها، ولهذا بدأ التعاون مبكراً، الكاتب التركى رأفت بالى فى صحيفة إدينلك ديلي كشف عن استضافة تركيا للبغدادي2008، وحصوله على150 ألف دولار كتبرع من أحد رجال الأعمال.. حزب العدالة والتنمية التركي شكل وحدات سرية لمساعدة «داعش» فى سوريا، لازالت تعمل رغم اقتحام القنصلية التركية بالموصل10يونيو الماضى، واحتجاز49 رهينة، بينهم القنصل العام.. بولند ارينج نائب رئيس الوزراء التركي أكد صحة مانُشر عن تحذير القنصل للخارجية من اكتساح «داعش» للموصل قبل أيام من الهجوم، لكن الخارجية أجابته ]«داعش» ليست خصماً لنا]، وبالفعل أفرجت عنه قبل مرور24 ساعة.
صحيفة وورلد تربيون الأميركية كشفت ان «داعش» طلبت أسلحة مضادة للدبابات، وصواريخ ،ومدافع هاون ،وناقلات مدرعة ،وأجهزة اتصالات ،وذخائر من بلغاريا وكرواتيا ورومانيا وأوكرانيا2013، وأن تركيا تعاونت مع الناتو لنقلها كـ‘‘إمدادات إنسانية’’ لسوريا، عبر معبر ‘‘السلامة’’ الحدودي، كما سهلت عبور المقاتلين، وتجاهلت تطوع الأتراك فى صفوف «داعش»، بخلاف إستقبال الجرحى للعلاج، وتقديم ‘‘مؤسسة الإغاثة الإنسانية’’ القريبة من الحكومة معونات لـها بالرقة السورية.
بعد احتلالها للموصل استوردت «داعش» البنزين من تركيا، خصماً من رصيدها ببترول الرقة، الذى تصدره من ميناء جيهان التركى لميناء عسقلان الإسرائيلى، بعد تغيير الناقلات فى عرض البحر للتمويه، وهى نفس الآلية المتبعة لبيع البترول الذى سيطر عليه أكراد العراق.
تستهدف تركيا إستخدام «داعش» كأداة لإسقاط النظام السوري، وفتح الطريق لوصول الأخوان المسلمين للحكم، والضغط على أكراد سوريا، لتعاونهم مع حزب العمال الكردستاني بزعامة أوجلان.. النواب الأكراد في البرلمان التركي استجوبوا الحكومة لدعمها تنظيمات متطرفة ومعادية لأكراد سوريا، اما بالنسبة للعراق فإن تركيا تريده موحَّدًا -بحكومة ضعيفة- لأن التقسيم يحوُّل كردستان لدولة مستقلَّة.
علاقة «داعش» بإيران اشد التباساً.. تأكيداً لحسن نواياها أمام محاوريها الغربيين، أعربت إيران نوفمبر2013 عن استعدادها للضغط على المسلحين للانسحاب من سوريا، ولم يمرّ أسبوع حتى دعا الظواهري زعيم ‘‘القاعدة’’ «داعش» لمغادرة سوريا، الناطق الرسمي لـ«داعش» فى رسالته بعنوان «عذرا أمير القاعدة» 11مايو2014، أوضح أنهم «لم يهاجموا إيران تلبية لطلب ‘‘القاعدة’’، التى تسعى للحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادتها عبر ايران».
بالرغم من نظرة «داعش» للأطماع الإيرانية في العراق بأنها لاتختلف عن الأطماع الأميركية، الا ان ايران حرصت على احتواء «داعش»، لأنها قدرت ان نشاطها فى سوريا يخدم نظام الأسد، لأنه يبرر للعالم صحة اتهامه للثوار بالإنتماء للقاعدة، كما أن «داعش» تعتبر أداة لضرب الجيش الحر وقوات النصرة أكثر مما هى موجهة للقوات الحكومية وميليشياتها، لأنها تقاتلهم فى الأراضى المحررة .. الجيش الحر عثر لدى بعض قيادات «داعش» على جوازات سفر عليها تأشيرات دخول لإيران، وكروت تليفون إيرانية، ويتحرك بعض أعضاء التنظيم بجوازات وفرتها ايران.. لكن سيطرة «داعش» على المناطق السنية بالعراق، وكافة المنافذ الحدودية مع سوريا، حولتها لخطر داهم على المصالح الإيرانية.
والمثير للسخرية، هو دعم سوريا والولايات المتحدة لـ«داعش»، عدوهما المشترك.. الدعم السورى المباشر حتى بداية الثورة2011 استهدف تفعيل المقاومة للتواجد الأمريكى بالعراق، اما بعد الثورة فقد زود النظام «داعش» -من خلال مندوبيه المزروعين بالتنظيم- بمعلومات عن المواقع المحررة التى اعتادت مهاجمتها، وتجنب الطيران السورى مهاجمة المواقع التابعة لها، امريكا تولت منذ2006 تدريب بعض عناصر «داعش» بمعسكراتها فى الأردن، وقدمت الدعم المباشر، فى إطار سياسة الفوضى الخلاقة التى نفذها سفراؤها ببغداد ‘‘نيجروبونتى مؤسس عصابات الكونترا بنيكاراجوا فى الثمانينات’’، ودمشق ‘‘روبرت فورد مساعده وخليفته ببغداد قبل إنتقاله لسوريا’’.. سوريا تأمل فى استمرار وحدة العراق ‘‘بوابتها الشرقية’’، اما امريكا فتسعى لكيان فيدرالى هش، تكون فيه «داعش» عصاها الغليظة.
الدول العربية تحملت مسئولية المشاركة فى صناعة «داعش».. المالكى فتح السجون لهروب قرابة 1000سجين ينتمى معظمهم للقاعدة، وأمر بانسحاب70 الف من القوات النظامية ليكتسح 7000مقاتل نينوى وصلاح الدين، فى مجاولة لخلق فزاعة تسمح باستمراره رئيساً للحكومة، وتخفف المعارضة الشيعية.. اما دول الخليج فلم تتمكن من السيطرة على تدفق رعاياها للإلتحاق بالتنظيم، ولا على الدعم المادى السخى من الجمعيات والأفراد، فضلاً عن تسرب دعم رسمى نتيجة أخطاء ميدانية دفع الأمير تركى الفيصل منصبه ثمناً لها.. حتى مصر يسرت تدفق المتطوعين لـ«داعش» إبان حكم الإخوان، ولازال تدفق الإخوان الهاربين مستمراً، أملاً فى العودة مستقبلاً لإسقاط الدولة.
«داعش» نجحت فى ان تصبح واحدة من اهم اللاعبين بالمنطقة، نتيجة لقدرتها على التلاعب بسياسات قوى دولية واقليمية، تعانى حالة من الإرتباك، وسوء التقدير، والعجز عن حساب التداعيات المستقبلية.. الأزمات أعجزت الجامعة العربية، وأفقدتها مبرر وجودها، الأمل الأخير فى القوى المعنية والفاعلة فى الأزمة، وهى مجموعة الاتصال المعنية بسوريا [مصر ،السعودية ،الإمارات ،قطر ،الأردن] شريطة إعطاء الأولوية لوحدة التراب الوطنى، وتصفية الإرهاب، قبل الخلاف حول أنظمة الحكم؟!