RSS

Monthly Archives: أوت 2014

«داعش».. وإدارة الصراع الإقليمى

05947fe4997e4e4bbec10007c1c1e033_lrg

عندما تولى أبى بكر البغدادى زعامة «داعش» خلفاً لعمر البغدادى مايو2010، أجرى تعديلات هامة فى التنظيم؛ قصر كافة المناصب القيادية على العراقيين، وتوسع فى الإستعانة بقدامى الضباط البعثيين لخبراتهم العسكرية والأمنية، حتى سيطروا عليه، ونجحوا فى تشكيل تحالف قوى ضد المالكى ضم خلايا ‘‘حزب البعث’’ وضباط ‘‘جيش صدام’’ وأبناء العشائر، إضافة الى «داعش»، ولم يتعارض ذلك مع نشأة البغدادى، الذى تخرج من الجامعة الإسلامية، وعين استاذاً بها إبان حكم صدام، حيث كانت التعيينات تخضع لموافقات أمنية مدققة، ممايؤكد عدم ممارسته لأية أنشطة مضادة، الابعد الغزو الأمريكى.

ولأن فلول صدام وبقايا البعث مرفوضين بالمنطقة، أسند التحالف السنى لـ«داعش» مهمة الإدارة السياسية للصراع.. نجاحها مثير للدهشة، وتلاعبها بكافة الأطراف يدعو للشفقة.

حُسن العلاقة مع تركيا يضمن تحقيق «داعش» لأهدافها، ولهذا بدأ التعاون مبكراً، الكاتب التركى رأفت بالى فى صحيفة إدينلك ديلي كشف عن استضافة تركيا للبغدادي2008، وحصوله على150 ألف دولار كتبرع من أحد رجال الأعمال.. حزب العدالة والتنمية التركي شكل وحدات سرية لمساعدة «داعش» فى سوريا، لازالت تعمل رغم اقتحام القنصلية التركية بالموصل10يونيو الماضى، واحتجاز49 رهينة، بينهم القنصل العام.. بولند ارينج نائب رئيس الوزراء التركي أكد صحة مانُشر عن تحذير القنصل للخارجية من اكتساح «داعش» للموصل قبل أيام من الهجوم، لكن الخارجية أجابته ]«داعش» ليست خصماً لنا]، وبالفعل أفرجت عنه قبل مرور24 ساعة.

          صحيفة وورلد تربيون الأميركية كشفت ان «داعش» طلبت أسلحة مضادة للدبابات، وصواريخ ،ومدافع هاون ،وناقلات مدرعة ،وأجهزة اتصالات ،وذخائر من بلغاريا وكرواتيا ورومانيا وأوكرانيا2013، وأن تركيا تعاونت مع الناتو لنقلها كـ‘‘إمدادات إنسانية’’ لسوريا، عبر معبر ‘‘السلامة’’ الحدودي، كما سهلت عبور المقاتلين، وتجاهلت تطوع الأتراك فى صفوف «داعش»، بخلاف إستقبال الجرحى للعلاج، وتقديم ‘‘مؤسسة الإغاثة الإنسانية’’ القريبة من الحكومة معونات لـها بالرقة السورية.

بعد احتلالها للموصل استوردت «داعش» البنزين من تركيا، خصماً من رصيدها ببترول الرقة، الذى تصدره من ميناء جيهان التركى لميناء عسقلان الإسرائيلى، بعد تغيير الناقلات فى عرض البحر للتمويه، وهى نفس الآلية المتبعة لبيع البترول الذى سيطر عليه أكراد العراق.

تستهدف تركيا إستخدام «داعش» كأداة لإسقاط النظام السوري، وفتح الطريق لوصول الأخوان المسلمين للحكم، والضغط على أكراد سوريا، لتعاونهم مع حزب العمال الكردستاني بزعامة أوجلان.. النواب الأكراد في البرلمان التركي استجوبوا الحكومة لدعمها تنظيمات متطرفة ومعادية لأكراد سوريا، اما بالنسبة للعراق فإن تركيا تريده موحَّدًا -بحكومة ضعيفة- لأن التقسيم يحوُّل كردستان لدولة مستقلَّة.

علاقة «داعش» بإيران اشد التباساً.. تأكيداً لحسن نواياها أمام محاوريها الغربيين، أعربت إيران نوفمبر2013 عن استعدادها للضغط على المسلحين للانسحاب من سوريا، ولم يمرّ أسبوع حتى دعا الظواهري زعيم ‘‘القاعدة’’ «داعش» لمغادرة سوريا، الناطق الرسمي لـ«داعش» فى رسالته بعنوان «عذرا أمير القاعدة» 11مايو2014، أوضح أنهم «لم يهاجموا إيران تلبية لطلب ‘‘القاعدة’’، التى تسعى للحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادتها عبر ايران».

بالرغم من نظرة «داعش» للأطماع الإيرانية في العراق بأنها لاتختلف عن الأطماع الأميركية، الا ان ايران حرصت على احتواء «داعش»، لأنها قدرت ان نشاطها فى سوريا يخدم نظام الأسد، لأنه يبرر للعالم صحة اتهامه للثوار بالإنتماء للقاعدة، كما أن «داعش» تعتبر أداة لضرب الجيش الحر وقوات النصرة أكثر مما هى موجهة للقوات الحكومية وميليشياتها، لأنها تقاتلهم فى الأراضى المحررة .. الجيش الحر عثر لدى بعض قيادات «داعش» على جوازات سفر عليها تأشيرات دخول لإيران، وكروت تليفون إيرانية، ويتحرك بعض أعضاء التنظيم بجوازات وفرتها ايران.. لكن سيطرة «داعش» على المناطق السنية بالعراق، وكافة المنافذ الحدودية مع سوريا، حولتها لخطر داهم على المصالح الإيرانية.

والمثير للسخرية، هو دعم سوريا والولايات المتحدة لـ«داعش»، عدوهما المشترك.. الدعم السورى المباشر حتى بداية الثورة2011 استهدف تفعيل المقاومة للتواجد الأمريكى بالعراق، اما بعد الثورة فقد زود النظام «داعش» -من خلال مندوبيه المزروعين بالتنظيم- بمعلومات عن المواقع المحررة التى اعتادت مهاجمتها، وتجنب الطيران السورى مهاجمة المواقع التابعة لها، امريكا تولت منذ2006 تدريب بعض عناصر «داعش» بمعسكراتها فى الأردن، وقدمت الدعم المباشر، فى إطار سياسة الفوضى الخلاقة التى نفذها سفراؤها ببغداد ‘‘نيجروبونتى مؤسس عصابات الكونترا بنيكاراجوا فى الثمانينات’’، ودمشق ‘‘روبرت فورد مساعده وخليفته ببغداد قبل إنتقاله لسوريا’’.. سوريا تأمل فى استمرار وحدة العراق ‘‘بوابتها الشرقية’’، اما امريكا فتسعى لكيان فيدرالى هش، تكون فيه «داعش» عصاها الغليظة.

الدول العربية تحملت مسئولية المشاركة فى صناعة «داعش».. المالكى فتح السجون لهروب قرابة 1000سجين ينتمى معظمهم للقاعدة، وأمر بانسحاب70 الف من القوات النظامية ليكتسح 7000مقاتل نينوى وصلاح الدين، فى مجاولة لخلق فزاعة تسمح باستمراره رئيساً للحكومة، وتخفف المعارضة الشيعية.. اما دول الخليج فلم تتمكن من السيطرة على تدفق رعاياها للإلتحاق بالتنظيم، ولا على الدعم المادى السخى من الجمعيات والأفراد، فضلاً عن تسرب دعم رسمى نتيجة أخطاء ميدانية دفع الأمير تركى الفيصل منصبه ثمناً لها.. حتى مصر يسرت تدفق المتطوعين لـ«داعش» إبان حكم الإخوان، ولازال تدفق الإخوان الهاربين مستمراً، أملاً فى العودة مستقبلاً لإسقاط الدولة.

«داعش» نجحت فى ان تصبح واحدة من اهم اللاعبين بالمنطقة، نتيجة لقدرتها على التلاعب بسياسات قوى دولية واقليمية، تعانى حالة من الإرتباك، وسوء التقدير، والعجز عن حساب التداعيات المستقبلية.. الأزمات أعجزت الجامعة العربية، وأفقدتها مبرر وجودها، الأمل الأخير فى القوى المعنية والفاعلة فى الأزمة، وهى مجموعة الاتصال المعنية بسوريا [مصر ،السعودية ،الإمارات ،قطر ،الأردن] شريطة إعطاء الأولوية لوحدة التراب الوطنى، وتصفية الإرهاب، قبل الخلاف حول أنظمة الحكم؟!

 
تعليق واحد

Posted by في 2014/08/30 بوصة غير مصنف

 

تخريب المرافق والخدمات.. ودرس ‘‘ميسورى’’

dsfsfd

جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها حرصت على ان تظل واجهة سياسية ودعوية، شرعية وبريئة، رغم انها فى الحقيقة مصدراً لتفريخ قيادات وجماعات العنف وإلإرهاب فى مصر والعالم، بما فى ذلك القاعدة “أيمن الظواهرى”، والمتهمين بتخطيط وتنفيذ هجمات 11سبتمبر “خالد شيخ محمد -محمد عطا المصري – عمر عبد الرحمن…”.

بعد ثورة30 يونية حاول الإخوان إعادة تجميع التنظيمات التى انبثقت عنهم فى إطار “تحالف دعم الشرعية”، وبدأ تعاملهم مع التحديات الجديدة والأخطر فى تاريخ التنظيم يتخذ طابع العنف [مظاهرات وإعتصامات مسلحة]، فى تحدٍ صريح لسلطة الدولة.. بعد فض إعتصامى رابعة والنهضة بدأت مرحلة احراق الكنائس ومقار المحافظات والمحليات والنيابات والمحاكم والمراكز الشرطية، وبظهور جماعات إرهابية منظمة من داخلهم [“ولع” -“مولوتوف” -“إعدام” -“أجناد مصر”…] بدأت مرحلة إحراق مركبات الشرطة واغتيال رجالها وإحراق ممتلكاتهم.

منذ يناير2014 اتسعت مظاهر النفور والرفض الشعبى لعنف الإخوان، لكن ذلك لم يدفعهم للمراجعة، وانما اضافوا الى هدف إسقاط الدولة هدف آخر هو ‘‘عقاب الشعب’’.. فى يناير الماضى أعلنوا ‘‘ثورة الظلام’’ لإسقاط النظام دون مواجهة مع الأمن، بدأوا بحرق أكشاك ومحولات الكهرباء، وفى فبراير بدأوا فى استهداف أبراج الضغط العالى، عددها 120 الف برج، تمتد لقرابة 40 الف كيلومتر على امتداد مصر، أسقطوا حتى الآن 33برج، تصل تكلفة إصلاح الواحد منها لأكثر من 4مليون جنيه، الخسائر الإجمالية للأكشاك والمحولات والأبراج قرابة 300مليون جنيه، الشبكة تفقد مايتراوح بين 10% و15% من قدرتها يومياً نتيجة للتخريب، بخلاف ماتفقده نتيجة للقصور فى اعمال الصيانة، والتراخى فى تنفيذ خطة التوسعات، ناهيك عن رداءة قطع الغيار والوقود.

ائتلاف “العاملون بوزارة الكهرباء والطاقة” وجه الإتهام الى اكثر من 1200 موظف، بعضهم قيادات شاركت في ‘‘رابعة’’، وأصيبت دون محاسبة، والآخر طلاب عينوا خلال حكم المعزول، التحقيقات أدانت66 واتخذت تجاههم الإجراءات القانونية، ولايزال الملف مفتوحاً.

محطات المياة تتوقف عن العمل عند انقطاع التيار، وتتوقف مواتير الرفع بالعمارات، ليحرم المواطنين من مياة الشرب والكهرباء معاً لساعات طويلة كل يوم.. لم يكتف الإخوان بذلك، بل استهدفوا المحطات فى بعض المحافظات بعبوات ناسفة، الا ان الأمن تمكن من تفكيكها.

محطات الوقود بمناطق التظاهرات تتوقف عن العمل ويتم إغلاقها، خشية تعرضها للنهب او التخريب على نحو ماتم فى عدد من المحطات. 

اتوبيسات النقل العام اصبحت ايضاً هدفاً لعمليات التخريب، حيث وصل عدد الإتوبيسات التى أحرقها الإخوان فى ذكرى أحداث رابعة وحدها الى7 اتوبيسات في القاهرة.

القطارات والمحطات وخطوط السكك الحديدية استهدفها الإرهاب خلال الأسبوع الأخير فى محطة مصر بالقاهرة والحضرة بالإسكندرية وشربين بالدقهلية وكفر الدوار والعياط وقرية المرابعين بكفر الشيخ وكفرسعد بدمياط والبحيرة، هذه العمليات أدت الى توقف حركة السكك الحديدية فى الخطوط الرئيسية “القاهرة/ الصعيد –القاهرة/ الإسكندرية…” وادت لخسائر مادية جسيمة، واربكت حركة الركاب.

بعد نشر ياسر السرى -مدير المرصد الإسلامى فى لندن وعضو تحالف دعم الشرعية- خطتة لشل حركة المرور بقطع الطرق والكبارى العامة، ودعوته لسكب زيت السيارات المستعمل لإعاقة مدرعات الشرطة، حاول الإخوان شل الطرق بإلقاء زيوت على طريق محور 26 يولية، كما قطعوا طرق رئيسية [دمياط/الإسكندرية ببلطيم -كوبري جامعة المنصورة -نفق الزهراء بالمعادي –كوبرى ناهيا -الدائري ببهتيم -المعهد التكنولوجي بالعاشر -الدائري بالقليوبية…]، الهدف الذى دعا اليه السرى هو إغلاق محاور اكتوبر/المطار/الدائرى/مداخل القاهرة… لم نسمع ان الخارجية المصرية احتجت لدى بريطانيا التى تمنحه لجوءاً سياسياً، كمالم يتم تحريك أية دعاوى تسمح بإعادة تحريك طلب تسليمه عن طريق الإنتربول.

استهداف الإخوان للمرافق والخدمات يتم ضمن خطة لفرض إنفلات شامل يشكل عبئاً على المواطن والإقتصاد المصرى.. توقف المصانع والورش عن العمل وتعرضها لخسائر جسيمة [دمياط –المحلة…]، استهلاك مضاعف للوقود، ولوسائل النقل، إقتطاع ساعات طويلة من وقت العمل ذهاباً وعودة، زيادة معدلات التلوث بآثارها على الصحة، توفير البيئة الملائمة لجرائم السرقة والخطف والتحرش والإرهاب، ناهيك عن نشر حالة من اليأس والضجر وفقدان الثقة لدى المواطنين.

***

تأمين المرافق والخدمات والمنشآت المستهدفة، لايتطلب فقط خطط أمنية تتصف بالديناميكية، وتعتمد على الوسائل التكنولوجية والإلكترونية الحديثة، وانما ايضاً تفرض مضاعفة وحدات وعناصر الشرطة والأمن التى تتجاوز أدوارها التأمين والحماية، الى السيطرة على المحاور والمنافذ لمنع تسلل عناصر الإرهاب، او هربها بعد ارتكابها لجرائمها، وهذه عملية قد تستغرق بعض الوقت، ولاينبغى ان نسمح بالإنطلاق منها لتبرير الدعوة لـ“إعادة هيكلة الداخلية”، لأنها دعوة فاسدة تستهدف إختراق الشرطة، تمهيداً لفرض الإنتقائية على أدائها، الشرطة واحدة من الأجهزة التى تتضمن هياكلها آليات ذاتية تكفل التطهير والمراجعة الدورية للهياكل والأفراد.. التدخل السياسى يفسدها، ويعوق عملها.

وحتى يكتمل ذلك ينبغى الإستعانة بإجراءات مساعدة.. ماأعلن فى دمياط، عن تشكيل لجان شعبية لحماية أكشاك ومحولات الكهرباء، وكذا اتفاق وزارتي الكهرباء والداخلية مع القبائل العربية بالسويس على تولى كل قبيلة تأمين محطات وأبراج الضغط العالي التى تقع ضمن نطاقها الجغرافى، تعتبر وسائل هامة لدعم الجهود الشعبية فى مواجهة الإرهاب، ويخفف الضغط عن الشرطة.. هذه البدائل ينبغى ان تخضع للمزيد من الدراسة والتطوير على النحو الذى يؤمن حرم وسور خرسانى وبوابة مزودة برقابة إلكترونية لكل منشأة، بخلاف دوريات التأمين البرية والجوية، وذلك تمهيداً لتعميمها على باقى المحافظات.

***

مستوى أداء مرافق الخدمات كالكهرباء والمياه والطرق ووسائل المواصلات والإتصالات، ومدى انتظامها، له مردود سياسى بالغ الخطورة، يتعلق بمدى قبول الرأى العام اورفضه لنظام الحكم القائم، ممايفرض العمل على سرعة السيطرة على عناصر المجموعات الإرهابية، قبل اكتسابها للخبرات التى تسمح لها بتطوير العبوات الناسفة، ووسائل إخفائها وتفجيرها، حتى لو تطلب ذلك فرض حالة الطوارىء، وتأجيل الإنتخابات البرلمانية وإصدار قانون الإرهاب.. حاكم ولاية ميسورى فرض حالة الطوارئ ومنع التجوال في مدينة فيرجسون كرد فعل لإضطرابات تنطلق أضعافها من حيث الخطورة وعدد الضحايا بصورة يومية من بؤر إخوانية تتمركز فى عين شمس –الألف مسكن –المطرية –فيصل –الهرم –المريوطية –حلون، ناهيك عن عدد من المحافظات.. فماذا نحن فاعلون؟!

 
تعليق واحد

Posted by في 2014/08/23 بوصة غير مصنف

 

زيارة السيسى لروسيا..بين مرارة تورابورا وتهديد الشيشان

السيسى وبوتين

السيسى وهو يتجه لموسكو للمرة الثانية خلال ستة شهور، يدرك –بحس رجل استراتيجى تمرس فى مطبخ صنع القرار السياسى- انه يسعى لهدم حواجز، وازاحة عقبات، ماكان يقدر له تجاوزها، لولا تغيرات جذرية طرأت على التوازن الدولى وفى الشرق الأوسط.. بين مصر وروسيا رصيد من علاقات التعاون بدأ بصفقة الأسلحة التشيكية 1955، مروراً على السد العالى، وانتهاء بإعادة بناء الجيش المصرى وتشييد حائط الصواريخ1970، لكن هناك ايضاً رصيد مقابل من تجارب مريرة مع مصر والعرب، لاموضع لتقييمها لأن ذلك لن يخفف من وقعها على الروس.. هزيمتنا فى الساعات الأولى من حرب الأيام الستة 1967 شككت فى جدوى التعاون مع السوفيت، وأضرت بسمعة أسلحتهم.. طرد قرابة20 الف خبير سوفيتى1972 بدا وكأنه تعمُد لحرمانهم من مشاركة مستحقة فى نصر اكتوبر1973.. ثم توج بإلغاء معاهدة الصداقة والتعاون الموقعة 1971 وقطع كل صور التعاون العسكرى.. القوات السوفيتية دخلت افغانستان لدعم حكومة حفيظ الله أمين الماركسية1979، ليفاجأ بالدولة المصرية تخفض مستوى التمثيل الدبلوماسى مع موسكو، وتعطى تصريحاً للتلمسانى “مرشد الإخوان آنذاك” للتنسيق مع سلفىِّ الجزيرة العربية، لتحويلها لحرب دينية يحشدون لها المجاهدين، ثم تفتح مخازن أسلحتها وذخائرها فى قنا وأسوان لتنقلها الطائرات الأمريكية C130 إلى إسلام آباد لتسليمها للمجاهدين، ليضطر الإتحاد السوفيتى للإنسحاب1989 بعد سقوط 15 الف قتيل، وعشرات الآلاف من المصابين، واستنزاف إقتصادى بلغ 50 مليار دولار، ساعد على تفتته الى 16 دولة 1991، ولم يتم الإكتفاء بذلك، بل انه وفقاً لخطة برجينسكى، ذهب المجاهدين العرب [باسم السويلم “خطاب”- ابوالوليد ويعقوب الغامدى- ابوفراس “مهند”- ابو عمرالسيف- ابوحنفى الاردنى- ابوقتيبة المكى- ابوجعفر اليمنى] الى طاجيكستان 1993، ثم للشيشان 1995، ليشيعوا الإرهاب فى آسيا الوسطى والقوقاز، بل وفى قلب “موسكو”، العاصمة الروسية نفسها.

***

على ما يراهن السيسى إذن –فى مواجهة تلك التراكمات المريرة- كى يستعيد العلاقات الإستراتيجية مع روسيا على نحو يعيد التوازن والإستقرار للمنطقة؟:

*  سقوط الرهان الروسى على تركيا، بعد تحولها لمخلب قط لحلف الناتو، لإضعاف النفوذ الروسى فى اذربيجان وكازاخستان وتركمانستان أملا فى إستعادة زعامتها العثمانية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ودول البلقان.. تركيا لعبت الدور الرئيسى فى تشجيع وتسهيل وصول المقاتلين العرب والشيشان والأوروبيين الى سوريا، وامدادهم بالسلاح والذخائر، الإجتماعات التنسيقية التى عقدتها “داعش” قبل اجتياحها للموصل قد عُقدت فى استانبول من 28فبراير حتى 2مارس 2014 بالتنسيق مع المخابرات التركية، بل ان دراسة للمركز الأميركي للأبحاث في مقاطعة كولومبية صدرت فى مارس 2014 قد كشفت أن “الجيش التركي خسر “247” جندي وضابط شاركوا بالقتال مع المسلحين، وسجلوا كضحايا لهجمات حزب العمال الكردستاني أو أثناء عمليات تدريبية”.

*  حدود فعالية الرهان الروسى على التحرك الإيراني نحو آسيا الوسطى والقوقاز -خاصة طاجيكستان ذات الأغلبية الفارسية- وبناء شبكة علاقات اقتصادية وثيقة مع دول القوقاز غير الإسلامية مثل أرمينيا وجورجيا، فى كبح الدعوات إلى إقامة طاجيكستان كبرى، وتحجيم التطلعات التركية العابرة للحدود، بل ان إحياء المطالب التاريخية بتوحيد الشعب الأذري، الذي يوجد منه ستة ملايين نسمة في إيران، بالإضافة إلى مليوني نسمة من التركمان، قد اصبحت تمثل إشكالية لإيران في تعاملها مع الطموحات التركية التى تمس وحدتها، أرضاً وشعباً.

*   مخاوف روسيا من امتداد تدهور الأوضاع فى سوريا والعراق وليبيا واليمن إلى العمق الإستراتيجي الروسي، خاصة وان القيادات الشيشانية المنخرطة فى صفوف “داعش” و”النصرة” لاتخفى ان معركتها الرئيسية ستخوضها مستقبلاً ضد الجيش الروسى، بعد ان تكون قد تمرست على استراتيجيات وتكتيكات المواجهة، ووفرت قدرات اقتصادية وبشرية، من المجاهدين، تسمح لها بالنصر، وذلك بعد نكسة حربى الشيشان “1994- 1999” اللذين قتل خلالهما قرابة 300 ألف يشكلون ربع سكان الشيشان آنذاك، ولعل ذلك يفسر حرص هذه التنظيمات على السيطرة على حقول ومواقع تكرير النفط فى سوريا والعراق، كما يفسر مايحظون به من تسهيلات تركية لتسويقه.

*  تقدير روسيا بأن تصدى مصر للمؤامرة الغربية التى استهدفت تقسيمها وإثارة الحرب الأهلية بين أبنائها واسقاط الجيش، يعيدها من جديد لتولى مركز الصدارة والمسئولية لإعادة الإستقرار والأمن للمنطقة، بما يؤمن الظهير الخلفى للأمن القومى الروسى، ويضمن لها دوراً متكافئاً مع الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط والعالم.

***

فى جعبة السيسى الكثير من الأوراق أهمها عرض قدرة التحالف المصرى الخليجى على إحداث تغييرات استراتيجية على الأوضاع والتوازنات الراهنة فى المنطقة وابرزها:

*  السيطرة على تدفق التمويل والدعم للمنظمات والجمعيات المتطرفة سواء بالمنطقة او فى آسيا الوسطى او القوقاز.

*  مراجعة الأسس المذهبية والعقائدية التى تنطلق منها العديد من السياسات والمحاور والصراعات الراهنة بالمنطقة، الأمن القومى العربى، والوحدة الوطنية لدول المنطقة، وأمن وحياة المواطن، تتعرض لتهديدات جسيمة من جانب تنظيمات لاتميز بين أهدافها او ضحاياها، تتساوى فى ذلك الجماعات السنية السلفية [القاعدة- داعش- النصرة- أنصار الشريعة…] والتنظيمات الشيعية [حزب الله- الحوثيين- عصائب أهل الحق- ميليشيات العباسى…] والتعاون فى مواجهة الإرهاب اياً كان مذهبة سيحظى بالأولوية الأولى.

*  السعى لتحقيق تعاون وتنسيق عربى فى المجالات الأمنية والعسكرية –وبغض النظر عن البعد الطائفى- بهدف السيطرة على انتقالات العناصر الإرهابية، وتبادل المعلومات الخاصة بمنافذ تسللها، ومعسكرات تدريبها، ومناطق تمركزها، على النحو الذى يساعد على مواجهتها.

***

ثم ان هناك طرح يتعلق بإعمال روسيا لدورها كوسيط بين ايران وبعض دول الخليج على النحو الذى يحقق المصالح المشتركة.. سيطرة “داعش” على محافظات الوسط بالعراق، واحكام قبضتها على كافة المنافذ الحدودية مع سوريا والأردن، شكل خطراً داهماً على الكويت والسعودية، بنفس القدر الذى يهدد فيه المصالح الإيرانية، حيث لم تعد قادرة على التواصل مع عناصرها فى سوريا، فضلاً عن ان استمرار التهديدات الموجهة باقتحام بغداد العاصمة يدفع النظام العراقى الى تقديم المزيد من التنازلات التى قد تعيده للخضوع لدائرة النفوذ الأمريكى المباشر، خاصة وان الغارات الأمريكية على مواقع “داعش” لاتستهدف القضاء عليها، وانما تحجيمها فى الحدود التى تجعل منها اداة طيعة للسياسة الأمريكية بالمنطقة، ولاشك ان ماسيطرت عليه “داعش” من أرصدة بنكية ومواقع نفطية فى العراق وسوريا، يسمح لها بتجنيد المزيد من المتطوعين لتأمين المناطق التابعة لها، وربما التوسع مستقبلاً، الأمر الذى يفرض سرعة التضامن للتصدى لها.

***

          أول زيارة للسيسى –كرئيس للجمهورية- لموسكو لاتنصب بالدرجة الأولى على التعاون العسكرى، فقد وضع أسسه خلال زيارته السابقة كوزير للدفاع، وهى فى الغالب علاقة تقوم على المصالح والبراجماتية وتحكمها قواعد التعامل الإقتصادى البحتة، طالما لاتعترضها معوقات سياسية.. مهمة السيسى فى موسكو تتعلق بالتنسيق والتعاون الإستراتيجى بين الدولتين، والسعى لإعادة الإستقرار والأمن لمنطقة الشرق الأوسط، ولعل المقدمة لتحقيق ذلك هى بث الثقة لدى الجانب الروسى بأن مايحدث فى ليبيا نتاج لسقوط الدولة المركزية بعد انتهاء حكم القذافى، وانفراط عقد النظام القبلى نتيجة للخلل الناتج عن انتشار السلاح.. التعاون بين مجموعة دول الجوار، وأعضاء مؤتمر روما فى تأمين الحدود، وجمع السلاح، والسيطرة على الهجرة غير الشرعية، واستعادة الدولة للمنافذ البرية والبحرية والجوية، ودعم المؤسسات الناشئة خاصة القوات المسلحة والشرطة، يمكن ان يحسن الوضع الأمنى والسياسى، على ان يستكمل الجيش الليبى بعد إعادة هيكلته وتوحيده مهمة استعادة دور الدولة الوطنية.. اما الوضع فى العراق فهو ايضاً لايدعو لليأس، التراجع المخزى للجيش العراقى امام إجتياح داعشى على النمط التتارى ناتج عن اخطاء نظام المالكى.. اما التمرد القومى الكردى، فهو رد فعل لجرح غائر من غبن تعرضوا له عشرات السنين، لكنه يندمل باستعادة ذكرى خروج صلاح الدين الأيوبى من كردستان على رأس جيش عربى للتصدى للغزو الصليبى وتحرير القدس، التاريخ يؤكد ان العراق الموحد قادم لامحالة.. وكما انتهت الدولة الإسلامية التى اعلنها تنظيم التوحيد والجهاد 2007 قبل ان تولد كواقع على الأرض، ستنتهى خزعبلات دولة “داعش” للخلافة.. فليس معنى إجتياح عصابة ارهابية لجزء من دولة، انها قادرة على تأسيس دولة بديلة، بمؤسساتها وآلياتها وظهيرها الشعبى، خاصة اذا كانت الفكرة كما طرحت لاتتجاوز “تخاريف حشاشين”، وثقافة “جهلاء ومدعين”، لازالوا يعايشون أحداث صراع العرب ضد الفرس، والإستعداد لغزو بيزنطة، والتهديد بفتح روما.

مهمة الرئيس فى موسكو رغم صعوبتها، الا انها ليست مستحيلة.. وستكون بداية لمرحلة إعادة ترتيب الأوضاع على ارض المنطقة، على نحو يعيد لها استقرارها وأمنها ووحدة اراضيها.

 
تعليق واحد

Posted by في 2014/08/13 بوصة غير مصنف