RSS

«منتدى الغاز» ومشروع الشراكة الأمريكى

16 أوت

2927262246-crop

«منتدى غاز شرق المتوسط» اختتم اجتماعه الوزارى الثانى بالقاهرة ٢٥ يوليو.. بعد اجتماعه الأول منتصف يناير، عندما أُعلن تأسيسه، واختيرت القاهرة مقرًا له.. شارك فيه ممثلو الدول المؤسسة، وزراء الطاقة فى «قبرص، اليونان، إيطاليا، فلسطين، وإسرائيل، ممثل وزيرة الطاقة الأردنية، ووزير البترول المصرى».
أمريكا شاركت كمراقب بوفد رفيع «بيرى وزير الطاقة، وفانون، مساعد وزير الخارجية للطاقة»، إضافة لمدير عام الطاقة بالاتحاد الأوروبى، وممثلى فرنسا والبنك الدولى.. الاجتماع أقر القواعد والإجراءات الحاكمة لفريق العمل المكلف بتنفيذ فعاليات «المنتدى».. أكد الالتزام بتحويله إلى منظمة دولية، تضمن حقوق الأعضاء فى مواردهم الطبيعية، بمقتضى القانون الدولى.. وافق على إنشاء اللجنة الاستشارية لصناعة الغاز، لدعم مشاركة القطاع الخاص فى الأنشطة، وتعزيز التعاون لاستغلال موارده، وتطوير البنية التحتية، وإنشاء سوق إقليمية.. وتحدد الاجتماع الوزارى المقبل بالقاهرة يناير ٢٠٢٠.
مصر استعرضت إمكانياتها المتاحة، من معامل إسالة وخطوط أنابيب، ما يدعم تحولها لمركز إقليمى لتداول الغاز بحوض المتوسط.. ممثل الاتحاد الأوروبى أكد تمويل مشروع بناء القدرات، وتقوية الخبرة الإدارية المصرية بقطاع الغاز بـ٢٠ مليون يورو، يضاف إلى المشروعات والبرامج الجارية الممنوحة لمصر، والتى تتجاوز ٣٠٠ مليون يورو، وقرابة مليار يورو قروضًا ميسرة، وشدد على أن سبب الاهتمام الأوروبى بغاز شرق المتوسط، هو الرغبة فى الاعتماد عليه كمصدر بديل للغاز الروسى، ضمن سياسة تنويع مصادر الطاقة.
ممثل فرنسا أكد نية الانضمام للمنتدى، استنادًا لدور شركاتها بالمنطقة، وعلاقات الشراكة مع دولها، وأشار إلى مفاوضات تجريها «توتال وإنجى» لاستيراد الغاز من دول «المنتدى».. وزير الطاقة الإسرائيلى أكد انتهاء اختبارات خط نقل الغاز لمصر، وتوقع بدء عمليات الضخ نوفمبر المقبل.. ووزير الطاقة القبرصى، توقع بدء ضخ الغاز من حقل «أفروديت» عبر خط الأنابيب لمصر ٢٠٢٤، بعد تسوية الخلافات المتعلقة بامتداد الحقل داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل.. حتى الآن الأمور تبدو وردية.. ولكن!
المضمون السياسى لمشاركة أمريكا هو دعم «المنتدى»، والتماهى مع اهتمام الشركات الأمريكية بقطاع البترول المصرى، بعد تطويره، خاصة «إكسون موبيل»، التى حصلت على مناطق امتياز، وتعتزم التوسع، مما يفسر توقيع الوزير «بيرى» على مذكرة تفاهم للتعاون فى قطاع الطاقة.. لكنّ للحقيقة وجهًا آخر يتمثل فى محاولة الاستفادة من «المنتدى»؛ لدعم مشروع «قانون شراكة الطاقة والأمن بشرق المتوسط» المتداول حاليًا بالكونجرس، ويتبناه اللوبيان؛ اليونانى والإسرائيلى، ويستهدف إنشاء مركز إقليمى للطاقة بشرق المتوسط، يضم المؤسسات المعنية والقطاع الخاص، ورفع كفاءة البنية التحتية لقبرص واليونان فى مجال التعدين وطاقة البحار، ودعم شبكات الغاز بالمنطقة، لضخ الغاز إلى وسط وغرب أوروبا، وتبنى جامعة متخصصة فى هندسة البترول، لتدشين تعاون علمى فى تكنولوجيا الطاقة والغاز والتعدين والمياه والبرمجيات، وذلك فى إطار تعاون استراتيجى يجمع أمريكا باليونان وقبرص وإسرائيل، فى مواجهة تركيا، ويقلص النفوذ الاقتصادى الروسى بحوض المتوسط، حتى إنه أضيفت مؤخرًا أهداف جديدة للمشروع، تتمثل فى «السعى لإزالة الوجود العسكرى التركى من شمال قبرص، وتمويل برامج التعليم والتدريب العسكرى لليونان وقبرص حتى ٢٠٢٢، ومنح اليونان ٣ مليارات دولار كمساعدة لتحسين وسائل الدفاع، ومحاربة النفوذ الاقتصادى الروسى».
وزراء الطاقة: القبرصى واليونانى والإسرائيلى، ومساعد وزير الخارجية الأمريكى للطاقة، غادروا القاهرة إلى أثينا، ليعقدوا قمة وزارية أخرى كانت فى ٧ أغسطس الجارى، وضعت آلية جديدة «٣+١»، تستهدف تفعيل المشروع الأمريكى، لإنشاء ممر للطاقة شرق المتوسط، يؤمن احتياجات الاتحاد الأوروبى، وينوع مصادره من الطاقة، ويطور التعاون فى مجالى أمن الإنترنت والبنية التحتية، ويعجل بمشروع خط «إيست ميد»، لنقل غاز شرق المتوسط لأوروبا، وهو الذى وقّعت إسرائيل وقبرص واليونان والاتحاد الأوروبى، الاتفاق الخاص به فى مارس الماضى.. هذه التحركات تؤكد تبلور محور قبرص اليونان إسرائيل والولايات المتحدة، داخل «المنتدى».. وهناك حديث عن انضمام فرنسا، واحتمال نشوء محور مصر قبرص اليونان فرنسا، هذه التقسيمات تضعف «المنتدى» على المستويين الدولى والإقليمى، وتؤثر سلبًا على المصالح الاقتصادية لدوله.
السياسات والمصالح الوطنية تفرض نفسها على طبيعة المحاور التى تتشكل حاليًا بالمنطقة، تركيا وروسيا تسعيان لتوسيع شبكة نقل الغاز «توركستريم»، لتغذى تركيا وجنوب شرق أوروبا، أمريكا تسعى لإجهاض المشروع، بتعزيز شبكة أنابيب شرق المتوسط؛ لتصل إلى أوروبا عبر قبرص واليونان «إيست ميد».. مصر ربما لديها بعض التحفظات المبدئية، تتعلق الأولى بالاندماج ضمن تكتلات قد تضعها فى تناقض مع روسيا، رغم مشروعية تناقض المصالح الاقتصادية، القائمة بالفعل فى مجال الغاز، والثانية بالدخول ضمن مشاريع قد تفسر بالتعاون الرسمى مع إسرائيل، قبل تسوية الإشكاليات الرئيسية للمشكلة الفلسطينية، رغم أن الغاز يفرض حتمية التعاون.. هذه التحفظات ربما تستغرقنا لسنوات، يضخ بعدها «إيست ميد» الغاز بحالته الطبيعية لأوروبا، دون مشاركتنا، فيقلل فرص الغاز المسال، الأعلى سعرًا، لإضافة تكلفة تسييله لنقله، ثم إعادته للحالة الغازية للاستهلاك، وذلك يحقق لليونان هدفها فى أن تصبح مركزًا دوليًا للغاز، حيث يصب عندها الخط، لتضخه لإيطاليا وأوروبا، أو تقوم بإسالته بالمعملين اللذين تملكهما.. بهذا التطور تتراجع أهمية «المنتدى»، وتضيع علينا فرصة الاستفادة من محور يواجه الإرهاب التركى بالمنطقة، الذى يبث سمومه فى سيناء والوادى، فى ليبيا والسودان، فى سوريا والعراق، ناهيك عن التحرشات المباشرة باتفاقيات ترسيم الحدود البحرية وبحقول الغاز.. ثروات الغاز المكتشفة تعيد تشكيل استراتيجيات دول المنطقة، ومحاورها السياسية، وربما كنا أولى ببعض المراجعات. المشروع الأمريكى بالغ الأهمية.. لا نستطيع أن نعارضه، لأنه يتفق فى العديد من محاورة مع مصالحنا، ولا يمكن قبوله لأنه يؤسس كيانًا بديلًا «للمنتدى»، يعمل من داخله، ويتسبب فى إضعافه، وقد يضيِّع أهدافه.. لكننا ينبغى أن ندرك حجم التشابك فى المصالح بين دول المنطقة، وأن نراعى الدور الأمريكى، القادر على التأثير فى سياسات دول «المنتدى»، وأن نحدد آليات المواءمة التى تكفل مصالحنا الاقتصادية، وتحول دون توظيف «المنتدى» لخدمة مشاريع واستراتيجيات منافسه، ونمنع انقسامه إلى محاور داخلية تضعفه، وتنقل مراكز اتخاذ القرار إلى خارجه. قولًا واحدًا، المصلحة هى أن ننقل كل مشاريع التعاون إلى داخل «المنتدى»، وأن نكون جزءًا فاعلًا فيها، بغض النظر عن أى حساسيات سياسية، ما يسمح لنا بمواءمة أهدافها مع مصالحنا.. فنحن بصدد الحديث عن اقتصاد.. والاقتصاد لا تحكمه سوى المصالح.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/08/16 بوصة غير مصنف

 

1 responses to “«منتدى الغاز» ومشروع الشراكة الأمريكى

  1. Gamal Taha

    2019/08/16 at 00:32

    تم نشر هذا المقال بجريدة “الدستور” يوم الجمعة 16 أغسطس 2019
    https://www.dostor.org/2765814

    إعجاب

     

أضف تعليق