RSS

«مملكة الجبل الاصفر».. خفايا المؤامرة

16 سبتمبر

صباح الخير 17 سبتمبر 2019

في عيد ميلاد ابنته السابع، سافر المواطن الأمريكى «جيرمى هيتون» آلاف الأميال ليرفع على منطقة «بئر طويل»، علم أزرق يحمل أربع نجوم وتاجاً وتلالاً صخرية، ويتوج نفسه ملكاً على «مملكة شمال السودان»، لتصبح إبنته إيميلى «أميرة»، كما تمنت عليه يوماً!!، حدث ذلك فى 16 يونيو الماضى، قبل خروج «نادرة ناصيف» المحامية الأمريكية من أصل لبنانى، على هامش مؤتمر عقد فى أوكرانيا 5 سبتمبر الجارى، لتعلن نفسها رئيسة لحكومة «مملكة الجبل الأصفر»، التى تأسست فى «بئر طويل»، مع تغيير العلم ليصبح أخضر اللون، يحمل رمز النخلة مع عبارة «بسم الله الرحمن الرحيم»، دلالة على إسلاميتها!!.. سيناريو مخابراتى ساخر، يعيد مسرحية إنشاء الدولة العبرية، ولكن بثقة أكبر، نتيجة لنجاح التجربة السابقة.

الروايات الساترة للمؤامرات تتشابه عادة، فكما قدمت بريطانيا والبارون اليهودي الألمانى موريس دي هيرش مقترحات بتأسيس وطن قومي لليهود فى الأرجنتين أو أوغندا أو فلسطين، الى تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية 1886، ليقع إختياره على الأخيرة، التى كانت فى الحقيقة إختيارهم الوحيد، فإن «هيتون» بحث عن أرض لا تتبع أى دولة في العالم!!، وانتهى الى بديلين؛ الأول في القطب المتجمد الجنوبى.. والثاني فى «بئر طويل»، بإمتداد الصحراء النوبية شمال السودان، فاختار الثانية، وكانت فى الواقع إختياره الوحيد أيضاً.. ليدخلها رافعاً علم «مملكتة»، ويصدر عملة معدنية خاصة، كتب عليها باللغتين العربية والإنجليزية.

إجتماع أوكرانيا
حاولت سبر أغوار مؤتمر أوكرانيا، الذى نفى وجوده جُل المحللين السياسيين، فوجدته حدث بالفعل.. لكنه إجتماع متواضع عقد فى فندق لوندنسكيا الشهير بمدينة «أوديسا» الساحلية جنوب أوكرانيا، تحت عنوان «تفاقم اوضاع اللاجئين والمهاجرين وعديمى الجنسية فى العالم، وسبل حل المشكلة»، شارك فيه ممثلون عن الحكومة الاوكرانية ومكتب الامم المتحدة، وسفارتى الاتحاد الاوروبى والفاتيكان ومنظمة الامن والتعاون، وعدد من ممثلى السفارات المعتمدة بالعاصمة كييف.. نظمه كيان مجهول يحمل إسم «منظمة الدرع العالمية لحماية حقوق وحرية المواطن».. يرأسها صالح محمد ظاهر.. بحثت عنه وتاكدت من عضويته بالاتحاد العام للصحفيين والكتاب الفلسطينيين فرع سوريا، مايؤكد أصله الفلسطينى.. يحمل مؤهل قانونى.. يشغل عدة مناصب إستشارية بالداخلية والنيابة العامة الأوكرانية، مايؤكد حصوله على الجنسية، إضافة للإقامة الدائمة.. وهو مؤسس للعديد من الكيانات الدولية الوهمية مثل: اتحاد الصحفيين والكتاب الدولى ««jujw، جمعية وجريدة السلام، وكالة أنباء صوت العالم.. كما أنه ممثل للجالية العربية فى أوكرانيا، وحاصل على عدد من الأوسمة وجوائز التقدير من الحكومة.

الغريب ان صالح زار مصر فى نوفمبر 2018، وكان فى إستقباله احمد الفضالى رئيس الاتحاد العام لجمعيات الشبان المسلمين، بصفته حاملاً للقب «سفير الامم المتحدة لمواجهة الجوع»، وقد صحبه فى زيارة مجاملة لفضيلة الدكتور شوقي علام مفتى الديار المصرية.

فى كلمته خلال إجتماع أوديسا دعى صالح مجلس الامن لتطبيق قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 194 لسنة 1948 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينين الى «ديارهم»، وأبدى إهتماما باللاجئين من سوريا والعراق، ولم يذكر شيئاً عن «المملكة المزعومة»، ولا عن توطين اللاجئين بأماكن بديلة لديارهم.. والحقيقة اننى شعرت للوهلة الأولى اننا بصدد نشاط غامض، لشخصيات كرتونية، تتستر خلفها أنشطة مخابراتية تعرف كيف توزع الأدوار، وتدير المؤامرات، وان مايحدث أمامنا فى الظاهر مجرد بالون إختبار، لعمل أعد له جيداً، وفى إنتظار الحصول على إشارة البدء لتتحرك المنظومة فى الموعد الذى حددته رئيسة الحكومة بداية 2020.

من وراء تأسيس «المملكة»؟!
بعض التحليلات جنحت الى وجود علاقة بين نشأة «المملكة» والسعودية، مستندين الى عاملين، الأول ان الدكتور عبد الإله اليحيا مستشار الشئون الجيوسياسية لحكومة «المملكة المزعومة» سعودى الجنسية، شارك فى وضع خطة تجنيس اللاجئين والمهاجرين العرب والمسلمين، والتى تستهدف الوصول بعدد السكان الى 21 مليون نسمة بنهاية 2040، وهو الذى أكد ان «المملكة» تحظى بدعم دولى وعربى وآسيوى كبير، لما تحمله من اهداف تنهى أزمة اللاجئين التى تعاني منها أوروبا وأمريكا وكندا والشرق الأوسط.. والثانى ان «جامعة الشعوب العربية» التى يرأسها رجل الأعمال السعودى يوسف الراجحى، تعتبر أحد مصادر دعم «المملكة»، وان اللواء عصام الشافعى أمين عام الجامعة -لاتربطها أية علاقة بالجامعة العربية- شارك فى الإعلان عن تأسيس «المملكة».

والحقيقة ان تلك ليست قرائن يمكن الإعتداد بها، لأنها مواقف وإرتباطات شخصية، لاعلاقة لها بجنسية صاحبها الأصلية، خاصة وان علاقات الرياض بالقاهرة والخرطوم على المستوى الإستراتيجى، لايمكن ان تسمح بمجرد التفكير فى وجود مثل هذا الدور، ولايمكن فى نفس الوقت ان نتجاهل ان «ناصيف» رئيسة حكومة «المملكة»، كانت تلقى بيان التأسيس ومن خلفها أعلام الولايات المتحدة وكندا وأوكرانيا، مما يؤكد إضطلاعهم بالدور الرئيسى فى الدعم، وهو مايؤكده ان سلاح المهندسين الأمريكى بدأ فى وضع خريطة طبوغرافية لمنطقة «بئر طويل» منذ 1960، مايعكس أهميتها الإستراتيجية.

مقترحات غير مقبولة
بعض الأصدقاء من الكتاب والمفكرين قللوا من اهمية الحدث، إستناداً الى انه ينبغى ان تتوافر إشتراطات رئيسية لإنشاء الدولة، اولها وجود شعب دائم يسكن المنطقة، والحصول على إعتراف الدول المجاورة، وترسّيم حدودها معها، وتشكيل حكومة تمتلك صلاحية توقيع الإتفاقات والمعاهدات، وإدارة علاقاتها الدولية.. والحقيقة ان ذلك غير صحيح، فعصابات «الهاجاناة» أسست دولة إسرائيل، ولديها حكومة تمتلك كل الصلاحيات للتعامل الدولى، على ارض يسكنها شعب فلسطين، رغم انها لم تحصل على إعتراف جيرانها ولم ترسّم حدودها، وفرضت كيانها كحقيقة قائمة، لايملك الجميع سوى التواءوم مع وجوده.. فكيف لنا ان نستهين بـ«المملكة» المزعومة، والغرب الذى دعم «الهاجاناة»، يقف الآن خلفها؟!.

البعض الآخر يرى ان خطورة إعلان «المملكة» يفرض سد الثغرات التى نشأت نتيجة لإستمرار مشكلة حلايب، لذلك إقترحوا المبادرة بقبول الدعوة الى التحكيم!!.. والحقيقة ان هذا الإقتراح جانبه الصواب، قأرضنا ليست موضوعاً للتحكيم الدولى، والقياس على اللجوء للتحكيم فى مشكلة «طابا» يتصف بالفساد، لأن طابا كانت أرضاً محتلة ضمن شبه جزيرة سيناء.. حررنا الضفة الشرقية للقناه بالحرب، وباقى سيناء بالمفاوضات الدبلوماسية، ولم تبق سوى طابا، التى تمسكت إسرائيل بتسويتها من خلال التحكيم.. راهنوا على رفضنا له، ففوتنا عليهم الفرصة، وقبلنا التحدى، واعتبرناها معركة وطنية تستكمل ماتم إنجازه بالحرب والمفاوضات السياسية، واستردينا أرضنا.. هذه حالة فريدة، فى ظروفها وملابساتها، وغير قابلة للتكرار.

المؤامرة
لست ممن يطرحون الزعم بالمؤامرة على عواهنه، لكن توقيت إثارة موضوع «المملكة» لايدع مجالاً لنفى الفكرة، فهى تأتى أولاً فى اعقاب التوصل لإتفاق بين المجلس العسكري الانتقالى وقوى إعلان الحرية والتغيير فى السودان، ما يمكن ان نفسره بمحاولة إعادة تفجير الموقف بالسودان من ناحية، واثارة ازمة فى علاقته بمصر، الداعمة للنظام الجديد من ناحية أخرى.. وتتم ثانياً بعد نجاح العملية الشاملة «سيناء 2018» فى إفشال خطة تحويل سيناء الى وطن لتجميع قرابة 30 الف من إرهابى العالم، وبالتالى فهى تأتى كبديل.. وثالثاً ظهور بشائر انتصار الجيش الوطنى الليبى فى معركته ضد ميليشيات السراج المدعومة من تركيا وقطر فى طرابلس، والتى ستمنع إتخاذ ليبيا موقعاً لتموضع الإرهابيين بعد انتهاء الحرب السورية، مايفرض سرعة تدبير البديل.. ورابعاً إمكانية توظيف «المملكة» لإستقبال من يتم ترحيلهم من المهاجرين غير الشرعيين فى أوروبا حال رفض عودتهم لبلادهم.. ولايمكن ان نغفل خامساً ان أحد مرتكزات خطة كوشنر «صفقة القرن» هو إيجاد موضع لإستيعاب اللاجئين الفلسطينيين، حتى يتسنى تصفية القضية، كان التعويل على شمال شرق سيناء، لكنها إستُبعدت لتمسك مصر بكل ذرة من ترابها، فلماذا نستبعد «المملكة» المزعومة كموطن بديل للفلسطينين، وقاعدة لتمركز فلول التنظيمات الإرهابية، إستعداداً لمناكفات جديدة ضد مصر، ودول الشمال الأفريقى؟!.

المواجهة
الثغرة التى يمكن النفاذ منها لإنجاح مؤامرة «المملكة» المزعومة هو الخلافات المصرية السودانية.. الحدود السياسية لمصر مرسّمة بمقتضى اتفاق 1899، ومطابقة لخط عرض 22° شمالا، مما يضع مثلث حلايب داخلها، وبئر طويل خارجها، اتفاقية الحدود الإدارية 1902 سمحت للسودان بالتواصل مع قبائل حلايب، نظراً لعلاقات القربى التى تربط بعضهم بالقبائل السودانية.. مسألة بسيطة، شديدة الوضوح، تحولت الى خلافات بإيعاذ من التنظيم الدولى للإخوان.. مصر ينبغى ان تنسق مع السودان لتأمين «بئر طويل» وإحباط المؤامرة التى تهدد أمنهما القومى.. مراعاة الظروف السياسية الراهنة للسودان، قد يفرض تحمل مصر عبء التدخل، إستناداً إلى ماترتبه إتفاقية 1902 من وضع منطقة «بئر الطويل» تحت إدارتها، بإعتبارها منطقة رعى لقبيلة العبابدة المصرية، وهو يقابل التسهيلات المصرية الممنوحة للسودان، فى إطار علاقات الجيرة والود، وعلى رأسها السماح بوجود تشكيل رمزى بحلايب.

الأهم من كشف أبعاد المؤامرة، المبادرة بإجهاضها، وألا نتأخر، حتى لا تفرض واقعاً جديداً.. تُرى، هل وصلت الرسالة؟!.

 
تعليق واحد

Posted by في 2019/09/16 بوصة غير مصنف

 

1 responses to “«مملكة الجبل الاصفر».. خفايا المؤامرة

  1. Gamal Taha

    2019/09/16 at 15:07

    مقالى المنشور فى مجلة “صباح الخير” يوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2019

    إعجاب

     

أضف تعليق